تسبب تسرب ضخم في شبكة الصرف الصحي الممتدة بين بلديتي عين سمارة وقسنطينة، في نفوق عدد كبير من الأسماك وقتل جزء كبير من الحياة البرية في وادي الرمال على مستوى الكيلومتر السابع، في حين تحاصر المنطقة أكوام عديدة من النفايات الصيدلانية الخطيرة والمئات من زجاجات المشروبات الكحولية
ومخلفات البناء والنفايات المنزلية.
وتنقلنا نهار أمس إلى مكان التسرب الواقع على ضفة وادي الرمال، في جهة الطريق القديمة الموازية للطريق الوطني رقم 5، حيث قابلتنا أكوام ضخمة من مخلفات البناء بمجرد انعطاف السيارة يمينا للدخول إلى المسلك الذي يعبر الغابة نحو الوادي.
المئات من زجاجات الأدوية والفواتير مرمية في الغابة
ولم يُظهر مرافقنا وهو من أحد سكان المنطقة القريبة من المكان، علامات دهشة من رؤيته لمخلفات عمليات البناء وإزالة الكتامة، لكنه أشار بيده إلى كومة كبيرة من زجاجات دواء مستعملة ومكدسة، موضحا أنه يوجد الكثير من النفايات الصيدلانية في المكان، ومؤكدا أنها تحمل في أغلبها علامة نفس الشركة التي تقوم برميها. وقد لاحظنا وجود فاتورة إحدى الصيدليات بقائمة البضائع التي اقتنتها ويعود تاريخها إلى شهر أكتوبر من عام 2018، لكن دهشتنا كانت أكبر عندما تقدمنا وتبين لنا وجود العشرات من حزم الفواتير المماثلة مرمية في المكان وتحمل اسم نفس الشركة.
ولاحظنا فيما كتب في فاتورة أخرى أنها تخص شركة لتوزيع المواد الصيدلانية ومواد التجميل؛ تقع في منطقة النشاطات بالخروب، في حين تعود الفواتير إلى زبائن من ولايات مختلفة بحسب ما قرأنا عليها، كما أنها تحمل تاريخا من سنة 2018، ما يرجح أنه تم التخلص منها في مجموعة واحدة. وقد وجدنا في المكان أن النار قد أضرمت في الكثير من زجاجات الأدوية المرمية، كما أرانا مرافقنا شجرة متفحمة بسبب النيران التي التهبت في زجاجات الدواء المحيطة بها، وقد تسبب احتراقها في اختفاء وسمها واسمها التجاري، لكننا استطعنا أن نقرأ في بعض ما نجا منها دواء يحمل اسم «ديبريم» كما توجد علامات مصانع أدوية على بعض العلب الكرتونية.
وكُدّست بجوار النفايات الصيدلانية أيضا المئات من زجاجات الجعة والنبيذ المصنع محليا، فضلا عن كميات أقل من زجاجات العصير الفارغة، حيث تمتد الأكوام إلى قلب الغابة، في حين رجح مرافقنا أن تكون الحانات مصدر زجاجات المشروبات الكحولية بالنظر لعددها الكبير وجمعها في نقاط واحدة، فيما أوضح أن الزجاجات تتسبب أحيانا في نشوب الحرائق. ومررنا في الغابة بمجموعة أحجار وضعت في شكل دائري وأشعلت بداخلها النار، حيث لاحظنا أن الرماد لم يختفِ بعد.
المياه القذرة تحفر جدولا نحو الوادي
وكان خرير المياه يعلو كلما توغلنا في الغابة أكثر، حيث اعتقدنا في البداية أن مصدر الصوت تيار مياه الوادي، لنجد بمجرد خروجنا من بين الأشجار أن بالوعة مركزية عملاقة في القناة التي تصرف المياه القذرة من بلدية عين سمارة قد فاضت، حتى صارت المياه تتدفق من كل حوافها مثل «شلال»، ما تسبب في حفر جدولين يجريان عن جانبيها وينتهيان في الوادي.
وذكر مرافقنا أن المشكلة مسجلة منذ سنتين دون أن يتم وضع حل لها، فضلا عن «أن مياه الصرف الصحي القادمة من الجهة العليا للمقاطعة الإدارية علي منجلي تتدفق بين جبلين عبر المجرى المسمى «شعبة بوساحة» منذ سنوات طويلة، ما أدى إلى تلوث الوادي بشكل تام»، مثلما قال، مضيفا إن البالوعات الأخرى تعرف نفس المشكلة أيضا؛ وإن كانت لم تفض بالمياه  بعد، فإن كميات قد بدأت تتسرب منها، بحسب ما قال، وكما أرانا على بعضها آثار اسوداد وطحالب تشكلت جراء الرطوبة.
وأضاف مرافقنا أن وادي الرمال في الكيلومتر السابع كان عامرا بسمك الشبوط قبل حوالي عشر سنوات، وكان السكان يصطادون منه باستعمال الشبكة، فضلا عن الصيادين القادمين من مدينة قسنطينة وبعض النقاط الأخرى، قبل أن يتحول المكان إلى مقبرة للحياة البرية، مضيفا أنهم يجدون من حين لآخر أسماكا نافقة تطفو على سطح المياه، كما صادفنا راعيا يسوس بعض الأبقار وأكد لنا أنه رأى في نقطة متقدمة من الوادي مجموعة أسماك نافقة. ولاحظنا على مياه الوادي وجود زبد أبيض يشبه الصابون، حيث أكد مرافقنا أنه ناجم عن المياه القذرة، مشيرا إلى أن السكان كانوا يستعملون مياه الوادي حتى في الشرب، أو لسقي حيواناتهم، لكنها لم تعد اليوم صالحة لشيء، حتى أن البرمائيات، مثل السلاحف والضفادع، قد اختفت منها.
وتقدمنا في المركبة باتجاه بوالصوف، قبل أن ننعطف يمينا عند مدخل القرية المعلقة بين ضفتي الوادي والموصولة بجسر خشبي بناه السكان بأنفسهم، لكننا لم نسر على الجسر في البداية، بل اتجهنا أسفله صوب الوادي للاطلاع على الأسماك النافقة التي أخبرنا الراعي عنها. ولم نعثر على الأسماك على طول خط الوادي، في حين قابلنا سرب من الطيور المائية، وأكد لنا مرافقنا أن هذا الطائر اعتاد التغذي على الأسماك النافقة، ولا يتجمع في مكان إلا عند وجودها، كما رجح أن يكون قد اقتات عليها.
ولاحظنا في المكان أن المياه تكاد تكون سوداء، وبمجرد أن حمل مرافقنا غصن شجرة وقام بتحريكه داخل المياه المائلة إلى اللون الأخضر، حتى تعكر وتشكلت بقعة سوداء، في حين تنبعث من الوادي رائحة كريهة تبلغ منازل المواطنين وتزكم أنوفهم، خصوصا خلال الليل.     سامي حبّاطي

الرجوع إلى الأعلى