تحولت مساجد و زوايا عتيقة واقعة في وسط مدينة قسنطينة، إلى مأوى للمتشردين، فيما أصبح البعض منها مهددا بالانهيار بسبب توسعات عشوائية قام بها أصحاب محلات محاذية لها، وتبرأت مديريتا الشؤون الدينية والثقافة من الحالة الكارثية التي تتواجد عليها تلك المساجد، ليكون قرار رفع التجميد عن إعادة ترميم 5 من أصل 10 منها، خطوة إيجابية من أجل بداية التغيير.
وأكد أول أمس، أعضاء اللجنة الولائية المكلفة بمتابعة وضعية المساجد والزوايا العتيقة، خلال اليوم الثاني لدورة المجلس الشعبي الولائي، على الوضعية الكارثية التي آلت إليها المساجد المعنية، و التي استفادت من برنامج تأهيل التراث المعماري القسنطيني في إطار «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015»، بـ 19 عملية ترميم، أسندت إلى الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية «OGEBC» سنة 2013، وتم حينها رصد مبلغ لترميم 12 مسجدا يقارب مليار و400 مليون دينار، و264 مليون دينار لترميم 7 زوايا.
وبعد سنوات من منح الصفقات وشروع المقاولات في أشغال الإنجاز، دخل مسجدان حيز الخدمة ويتعلق الأمر بحسن باي والجامع الكبير، فيما تبقى الأشغال على مستوى 5 مساجد مجمدة وهي سيدي مغرف، سيدي عبد المؤمن وسيدي الجليس والقروي وسيدي ميمون، فيما تم رفع التجميد عن 5 أخرى هي عبد الرحمان بشتارزي وسيدي لخضر والأربعون شريفا والكتانية وسيدي عفان وتفاوتت الوضعية الحالية لمشاريع الترميم من مسجد لآخر.
«تخريب وتهديم مساجد كانت في أبهى حلة»
وقام وفد مشترك عن لجنة الثقافة والسياحة والتنمية المحلية بالمجلس الشعبي الولائي، بتنظيم زيارتين ميدانيتين لهذه المساجد والزوايا، وتم خلالها الاستماع إلى انشغالات مكاتب الدراسات وإلى إطارات من الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، بعد أن عرفت عمليات الترميم تأخرا كبيرا، وتم تجميدها قي البداية بسبب مشاكل إدارية تتعلق بمكاتب الدراسات الأجنبية وكيفية تحويل مستحقاتها ومشكلة طبيعة التأشيرة التي قدموا بها إلى الجزائر، تلتها مشاكل أخرى إلى غاية السنة الماضية 2020.
وأظهر أعضاء اللجنة الولائية خلال تقديمهم لتقرير عن وضعية المساجد والزوايا العتيقة، صورا حول منابر وزوايا المساجد التي كانت في أبهى حلة على غرار مسجد «الأربعون شريفا»، ولم تكن حسب المعنيين بحاجة إلى إعادة ترميم، بل إلى وضع روتوشات خفيفة، ليتم تشويهها بالكامل وإزالة بعض الزخارف الإسلامية التاريخية التي كانت ذات منظر جميل وفريد من نوعه، إضافة إلى قطع قيّمة تم جلبها من المغرب الأقصى.
مساجد تحولت إلى مأوى للمتشردين
وأرفق المشرفون فيديوهات خلال التقديم، قاموا بتصويرها أثناء خرجتهم الميدانية، كشفت أن بعض المساجد تحولت إلى مأوى للمتشردين، بعد أن أظهرت الصور تعليق ملابس على حواف بعض الجدران، إضافة إلى استغلال فضاءاتها في أمور غير أخلاقية، كما كانت أبواب المساجد المعنية مفتوحة ما يتيح إمكانية ولوج الغرباء إليها بكل سهولة.
و جاء في التقرير أن كل المساجد العتيقة شوهت بالكامل بعد أن تم هدمها وتجريدها من الطابع الإسلامي التاريخي الذي كان يميزها، إضافة إلى أنها أصبحت مهددة بالانهيار بسبب هشاشة أساساتها، وهو ما أكدته مكاتب الدراسات التي وجدت أن أصحاب المحلات المحاذية والواقعة أسفل المساجد قاموا بتوسعات عشوائية جعل من القاعدة الأرضية هشة، على غرار صاحب صيدلية قام بتوسع ليهدد مائضة مسجد.
وقال منتخبون، خلال مداخلاتهم، إنهم يستغربون سبب هدم تلك المساجد التي كانت في وقت مضى تحفا فنية ورموزا من رموز قسنطينة، وأكد أحدهم أن زلزال 1985 الذي ضرب الولاية لم يؤثر على البنايات الدينية، ما يؤكد أنها كانت في حالة جيدة، كما وصف آخر الوضع الذي تتواجد عليه بيوت الله منذ 7 سنوات بالكارثي، متمنيا أن تكون عمليات الترميم على مستوى 5 مساجد رفع التجميد عنها سريعة متخوفا من استغراقها لسنوات أخرى.
وأكدت منتخبة، أنها تستغرب اختيار مكاتب دراسات أجنبية في وقت تتوفر الولاية على مهندسين معماريين مؤهلين، موضحة أن أعضاء مكتب الدراسات دخلوا التراب الوطني بتأشيرة سياحية وليس برخصة عمل، كما انتقدت دخولهم بيوت الله رغم أنهم ربما ينتمون إلى ديانات أخرى، كما تحدثت عن رفع بقايا الأشجار من أغصان وأوراق وأعشاب مقابل 50 مليون سنتيم لمساحة ضيقة، بعد تحديد مبلغ 10 ملايين سنتيم للمتر المربع، حسب العقود المبرمة والتي ألغيت فيما بعد دون تجسيدها.
مدير الشؤون الدينية: نطالب بتوفير حراس بالمساجد المغلقة
وقال مدير الشؤون الدينية بقسنطينة، فنيط لخضر، خلال رده حول الأسباب التي أدت للحالة المزرية التي تتواجد عليها المساجد العتيقة، أن مصالحه وافقت على إعادة ترميم تلك المساجد، لأنها تلقت وعودا كتابية بتجهيزها في أجل لا يتعدى 12 شهرا من الجهات المعنية بالأشغال، موضحا أنه رفض غلق مساجد أخرى بحجة إعادة الترميم، وإلا لكان حسبه العدد أكبر.
وأضاف أنه كمدير للشؤون الدينية لم يمض على أي وثيقة منذ بداية العمليات سنة 2013، كما قام بمراسلة الهيئات الرسمية والسلطات المعنية لأكثر من 500 مرة، مطالبا بتسريع وتيرة الأشغال على مستوى المساجد الخمسة، وتعيين حراس للمساجد المغلقة والتي لم تبدأ بها الأشغال، إضافة إلى رفع التجميد عن المشاريع المتبقية.
مدير الثقافة: مكاتب الدراسات الأجنبية لم تكن مؤهلة
وأكد مدير الثقافة لعريبي زيتوني، أن هذا الملف كلف به الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، وبأن مصالحه لم تستلم الملف إلا بتاريخ 23 ديسمبر 2016، مضيفا أنه لم يتم منح أي سنتيم للمقاولات أو مكاتب الدراسات التي باشرت عملها في تلك الفترة، خاصة وأن مصالحه وقفت على أن مكاتب الدراسات الأجنبية التي أسندت إليها المهمة لم تكن تحوز على الوثائق الثبوتية لممارسة المهنة.
أما بخصوص تجميد أشغال إعادة ترميم المساجد والزوايا العتيقة منذ سنوات، فقد أكد مدير الثقافة أن القرار لا يتعلق بهذه المشاريع بالذات، وإنما هو راجع لقرار وطني نظرا للوضعية الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها البلاد في تلك الفترة، كما خص هذا القرار المشاريع التي لم تنطلق فعليا سنة 2015 ومنها مشاريع المساجد.
وأضاف المتحدث، أن المشاريع حولت من مقاولات إلى أخرى، لأسباب مختلفة أهمها عدم امتلاك بعضها للخبرة اللازمة من أجل القيام بعليات الترميم، وأخرى لدواع مادية، مستبشرا بمستقبل تلك المساجد بعد دخول أكثر من 10 مقاولات المناقصات من أجل الظفر بعقد ترميم المساجد المعنية، بعد ترسيم الأمور مع مقاولتين لترميم مسجدي سيدي لخضر وبشتارزي.
حاتم/ب

الرجوع إلى الأعلى