عقبـات تقنية وإداريـة ترهـن إزالة شاليهـات "الموت" بقسنطينـة
تواجه عملية إزالة أزيد من 9 آلاف شاليه بقسنطينة والتي كانت مبرمجة قبل حلول العام المقبل، تأخرا سببُه عراقيل تقنية و إدارية . في الوقت الذي تتضاعف فيه الكثافة السكانية داخل هذه الشاليهات، التي تحولت إلى أكواخ ضاقت بعائلات تتنفس مادة الأميونت القاتلة كل يوم.

• روبورتاج: ياسمين بوالجدري

قبل أزيد من 10 سنوات بدأت السلطات تفكر في إزالة شاليهات البناء الجاهز المنتشرة عبر ولايات الوطن، بسبب مخاوف من المخاطر الصحية التي قد تشكلها، و من بين هذه الشاليهات عدد كبير أنجز بقسنطينة كحل ظرفي لامتصاص أزمة السكن آنذاك، غير أن عشرات العائلات القاطنة بها استفاقت اليوم و بعد أزيد من ثلاثين سنة، على حقيقة قاسية، تقول أن المنازل التي دخلوها بشكل مؤقت، صارت اليوم المأوى الدائم و الوحيد لعشرات العائلات التي تضاعفت أعداد أفرادها و اضطرت بسبب ضيق المساحة، للقيام بعمليات توسعة التهمت الأزقة و الحدائق و حولتها إلى ممرات صغيرة جدا يصعُب على شخصين عبورها في آن واحد، و قد رافق عمليات التوسعة الفوضوية هذه مدّ السكان لشبكات صرف المياه بطريقة عشوائية، و تحولت الشاليهات إلى ما يشبه تجمعات القصدير، بعد أن طال الكثير منها تشققات و انهيارات، بسبب هشاشتها و انتهاء عمرها الافتراضي منذ مدة.
ولم تتوقف معاناة سكان شاليهات البناء الجاهز عند مشاكل ضيق المساحة وعشوائية شبكات صرف المياه، فقد شكّل “الأميونت» كابوسا حوّل حياة العائلات إلى جحيم، حيث استعملت هذه المادة الخطيرة كعازل  في بناء الأسقف و الجدران، غير أن قدم المباني و تشقق أجزاء منها، أدى إلى خروج هذه المادة للهواء و استنشاق العائلات للمادة القطنية المنبعثة منها، و التي تشكل خطورة كبيرة على صحة الإنسان و تحدث مشاكل تنفسية و حتى أمراض سرطانية، و هو أمر حذرت منه العائلات التي تشهد سنويا عدة حالات وفيات بسبب مرض السرطان.
و تسجل جمعيات أحياء الشاليهات بولاية قسنطينة، تأخرا كبيرا في برنامج إزالة الشاليهات و إعادة هيكلتها، و ذلك رغم مضي 4 سنوات كاملة على إقراره، و إمضاء عقود- البرامج و كذلك قيام مكتب الدراسات “سو” بالإحصاء، و هو ما سبق و أرجعوه إلى عراقيل تقنية و إدارية، زادها تعقيدا عدم الانتهاء من تحيين قوائم العائلات المستفيدة بعد إحصاء سنة 2011، و تسجيل أخطاء بالجملة لدى إعداد القوائم، كما أكدوه لنا، ففي دائرة قسنطينة التي تضم 5800 شاليه من بين 9600 منتشر عبر الولاية، لم يشرع بعد في أية عملية إزالة و لا تزال الأشغال حاليا محتشمة و تخص فقط تحويل الشبكات بحي القماص.

القماص.. حكاية 30 سنة من الانتظار

و تعد شاليهات حي القماص نموذجا صارخا عن عجز الجهات المتدخلة عن الانطلاق في برنامج إعادة الهيكلة، رغم أن فكرته كادت تتجسد سنة 2003، عندما أجرى مكتب دراسات خاص دراسة على 500 شاليه، بناء على طلب جمعية الحي آنذاك و قد تضمنت إنجاز سكنات بطابق واحد، غير أن السلطات المحلية لم تعتد حينها بهذه الدراسة، حسب السيد قحام نبيل رئيس مكتب الدراسات، الذي أكد لنا أن المشاكل التقنية التي كان من الممكن مصادفتها قبل 10 سنوات، صارت اليوم أكثر تعقيدا و تشابكا، بسبب تشعب الشبكات الأرضية بطريقة عشوائية نظرا للنمو الديموغرافي بالمنطقة.
و أضاف محدثنا أن جميع السكان الذين قاموا بالتوسعة على حساب مساحات من الأزقة، رضوا حينها بهدم ما بنوه من أجل إعادة الهيكلة، غير أن الوضع تغير تماما اليوم و أدى التأجيل، حسبه، إلى تعقيد المشكلة بشكل أكبر، خاصة و أن تكلفة الانجاز تضاعفت بثلاث مرات، بما يجعل فرص إيجاد بديل مؤقت لإسكان العائلات المعنية أمرا صعبا، لكنه أكد أن هناك شركات أجنبية و حتى جزائرية مختلطة يمكنها إنجاز منازل خلال 3 أشهر، و هو ما من شأنه الإسراع في العملية دون الاضطرار لتهجير السكان لوقت طويل و إحداث اضطراب في نمط معيشتهم.
«النصر» عادت إلى شاليهات حي القماص المنجزة منذ حوالي 30 سنة، و ذلك بعد 4 سنوات كاملة من إقرار السلطات المحلية لمشروع إعادة هيكلتها.. و قد شدّ انتباهنا بمجرد دخول حي 500 شاليه غياب أية معدات أو أي عمال قد يوحون على الأقل أن الأشغال انطلقت، خاصة بعد التعليمات التي وجهها الوالي بخصوص الإسراع في العملية و تكثيف الورشات، فاليوم يتساءل سكان القماص عن مصير هذه التعليمات و الوعود بحي لم تحل إشكالية القاطنين فوق ممراته الضيقة، التي أنجزت عليها توسعات يتطلب المشروع هدمها بالكامل، و هي مشكلة أكبر برأي السكان، بعد أن أصبحت هذه العائلات تطالب بالسكن الاجتماعي و بتصنيفها ضمن الخانة الحمراء الخاصة بالحالات المستعجلة، و هو وضع وقفنا عليه بمصادفة عائلات بأكملها تعيش بغرفة واحدة و أخرى داخل مطبخ تحول إلى مكان للمبيت، فضلا عن مشاكل الرطوبة و انعدام التهوية، ما تسبب في إصابة العديد بأمراض الربو و الحساسية.
و من أكثر الأمور إثارة للدهشة بشاليهات القماص، لجوء بعض العائلات إلى القيام بأشغال التوسعة حول أعمدة الضغط العالي، و هو وضع تعي العائلات خطورته لكنها تقول أنها لم تجد بديلا عنه، في ظل أزمة السكن الخانقة و ضيق السكنات الذي دفع ببعضهم إلى استعمال الثلاجات كخزانات و إلى نشر غسيل الملابس داخل غرف ضيقة ينام فيها الجميع.

"شهداء" الأميونت يدفعون ثمن شاليهات "الموت"

حي القماص الذي كان جنة في سنوات السبعينات و الثمانينات، تحول اليوم إلى مقبرة برأي سكانه، الذين يموتون كل سنة نتيجة أمراض سرطانية أو تنفسية، يجزمون أن سببها هو مادة «الأميونت» التي استعملت في بناء منازلهم، و لقد فوجئنا لدى دخول بعض البيوت أن هذه المادة قد خرجت عن الجدران و الأسقف، ما جعل السكان يتنفسون الرذاذ المنبعث منها، حيث ذكرت ربات البيوت أنهن يلجأن إلى حلول ترقيعية بتغطية المادة باستعمال البلاستيك أو الخشب، غير أنها سرعان ما تظهر مجددا لدى تسرب المياه و تساقط الأمطار، و هو ما جعلهن يعشن حالة رعب و كابوسا مستمرا، خاصة لدى إصابة أبنائهن بمشاكل جلدية أو صعوبات في التنفس، مضيفات أن هذا الوضع جعلهن لا ينمن و خلف للكثيرات أزمات نفسية.
و في جولتنا بشاليهات القماص لم ندخل بيتا إلا و أخبرنا قاطنوه أن واحدا من أهله على الأقل، قد توفي و راح “شهيدا للأميونت» بسبب مرض السرطان الناتج برأيهم عن هذه المادة الخطيرة و المسرطنة، التي حظرت منظمة الصحة العالمية استعمالها في البناء، فقد وجدنا شبابا توفي آباؤهم بهذا الداء الخبيث و آخرين قضت زوجاتهم للسبب ذاته، مثل حالة كهل قال لنا بأن زوجته توفيت بسبب سرطان الدم تاركة خلفها 3 أبناء، و هو اليوم يتخوف من أن تلقى زوجته الجديدة المصير ذاته.. و قد أكد لنا السكان أن كل مسلك أو “رود» كما يسمونه، توفي به ما لا يقل عن 10 أشخاص.
سكان تلك الشاليهات يطالبون اليوم بتنصيب لجنة تضم ممثلي السكان و البلدية و مصالح الدائرة و مديرية التعمير و كذا ممثلا عن الولاية، من أجل متابعة برنامج إعادة الهيكلة بالاستعانة بمكتب دراسات مختص، حيث أجمع من تحدثنا إليهم على أنهم يرفضون العودة للوراء بعد أن خصص للمشروع ميزانية و أعيدت مخططاته، رغم أنه و بعد 4 سنوات كاملة من الانتظار، لا يحوز المواطنون سوى مقررات استفادة من إعانات الدولة المقدرة بـ 70 مليون سنتيم و ليس 120 مليون مثلما أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال في آخر زيارة له للولاية.
كما يتساءل السكان عن سبب عدم تسوية وضعيات المستأجرين و الورثة و الأرامل، و كذلك عن مصير 154 حاصلا على مقرر استفادة مسبقة من السكن الاجتماعي، و يقول محدثونا أنهم لم يلاحظوا شيئا ملموسا باستثناء انطلاق بعض أشغال تجديد الشبكات التي توقف العديد منها، و هو ما أدخل القلق في نفوسهم و جعل البعض يظن أن مشروع إعادة الهيكلة ليس سوى حلما مستحيلا، رغم الوعود و التطمينات التي يقدمها المسؤولون في كل مرة.

مهندسون محليون و مكتب "سو" لإنقاذ البرنامج

مدير السكن قال أن الإجراءات الخاصة بتحضير ملفات قاطني الشاليهات جاهزة لأجل إرسالها لوزارة السكن، حيث تم إسناد المشاريع لمكاتب دراسات بالتنسيق مع هيئة المهندسين المعماريين، مضيفا بأن الإشكالية الأكبر حاليا هي في إيجاد مؤسسات مختصة في إزالة الشاليهات فيما أفاد مصدر من مديرية التعمير أن تعليمة وزارية مشتركة بين وزارات السكن، الداخلية و المالية صدرت لتحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها ببرنامج إزالة الشاليهات بولايتي قسنطينة و تيبازة.
أما مدير مكتب الدراسات “سو” الذي أجرى عملية الإحصاء و مخططات التهيئة العمرانية ببعض المواقع، فقد سبق و اعترف بتسجيل تحفظات تقنية تم تداركها، و وعد بأن عملية إزالة 9600 شاليه عبر كامل قسنطينة سوف تنتهي قبل 2016، وفقا للآجال التي قدمتها السلطات المحلية من قبل.
 ي.ب

الرجوع إلى الأعلى