مرمورة..معركة غيّرت موازين القوى بالولاية التاريخية الثانية
استرجع سكان قالمة، أمس الثلاثاء، ذكرى أخرى من ذكريات معركة مرمورة التاريخية، التي دارت وقائعها بجبل مرمورة الواقع ببلدية بوحمدان غربي قالمة، يومي 28 و 29 ماي سنة 1958، في واحدة من أكبر المعارك بالولاية التاريخية الثانية، أو ما يعرف بولاية الشمال القسنطيني معقل الثورة الحصين و موطن الجغرافيا الصعبة التي كانت سندا للثوار في مواجهة الترسانة الجهنمية لقوات الحلف الأطلسي التي ساندت العدو و أمدته بكل أسباب القوة لإجهاض الثورة و تكريس خيار الجزائر فرنسية إلى الأبد. 
أشرف والي قالمة و السلطات العسكرية و الأمنية، على إحياء الذكر 61 للمعركة الخالدة التي كسرت شوكة العدو و حطمت أسطورة حرب الهند الصينية العقيد «جون بيار» عندما أسقط الثوار بقيادة خليفة ختلة و الطاهر لبيض و دحمون الطاهر، طائرته من فوق قمة جبل مرمورة و كبدوا العدو خسائر كبيرة في الأرواح و المعدات و سقط نحو 50 شهيدا من جيش التحرير فداء للوطن و الأمة.   
و قد حضر الذكرى الناجي الوحيد من معركة مرمورة المجاهد بنور زيدان المدعو محمد من ولاية سكيكدة، الذي كان ضمن صفوف جيش التحرير بمناطق بوحمدان، وادي الزناتي و سلاوة عنونة. و يبلغ الرجل اليوم 80 سنة من العمر و مازال يتذكر ذلك اليوم التاريخي من بداية المعركة إلى أن سقط جريحا تحت القصف المكثف للمدفعية و الطيران.  
و شاءت الصدف أن يلتقي المجاهد الجريح بالمسمى مجيد فرج الله منشد الثورة و أحد سكان المنطقة الذي شارك في إخراج المجاهد الجريح من موقع الإصابة بعد نهاية المعركة و نقله للعلاج بمستشفيات الثورة بالمنطقة الغربية لولاية قالمة، التي تحولت بعد معركة مرمورة إلى منطقة محرمة يقتل فيها كل كائن يتحرك.  
و حسب الشهادات و المصادر التاريخية، فإن المعركة الكبرى بدأت بوشاية أعقبت اجتماعا سريا لقادة المنطقة بالمكان المسمى بوحمدان و بعد أن حصل العدو على كل المعلومات، أدرك بأن الأمر يتعلق بقادة بارزين، فحشد قوات كبيرة قدمت من عدة ولايات، تتكون من آلاف الجنود و كتائب المدفعية و أسراب الطائرات المقنبلة، التي استعملت عدة أنواع من الأسلحة المحرمة لحرق جبل مرمورة و إبادة قوات جيش التحرير التي تحصنت بالجبل التاريخي و خاضت معركة بطولية و رفضت الاستسلام رغم خطورة الوضع و الحصار المضروب عليها من كل الجهات، برا و جوا.  
و مازال سكان المنطقة الذين عايشوا وقائع الملحمة التاريخية، يتذكرون كيف كانت طائرات العدو و مدفعيته الثقيلة تصب الحمم الملتهبة على مواقع الثوار و كيف كانت قنابل النابالم تدمر الصخور و تحرق كل الجثث و أشجار الفلين و الضرو و الريحان التي كانت تخفي و تحجب الرؤية عن الأبطال الذين قرروا الاستشهاد و نادى منادي منهم من فوق قمة الجبل «الله أكبر هذا هو اليوم الأخير».  
و مازالت آثار المعركة إلى اليوم، بينها هيكل طائرة القائد الفرنسي الشهير «جون بيار» الملقب ب»سولاي» و مقبرة لشهداء المعركة و صخور عملاقة منهارة من شدة القصف و منطقة محرمة تحولت إلى جحيم بالإقليم الجبلي الصعب، حيث فقد الناس أرزاقهم و هدمت مساكنهم و عاشوا الفقر و التشرد و الحصار بالمحتشدات.  
و بعد استقلال البلاد، بقيت بوحمدان تدفع ثمن الحصار و الدمار لسنوات طويلة، فقر و عزلة و تدني مستوى المعيشة و انعدام مرافق الخدمات و لم تتعاف المنطقة المحرمة إلا في السنوات الأخيرة، عندما عاد إليها بعض الاهتمام من خلال مشاريع لفك العزلة و هياكل التعليم و الكهرباء و الغاز و البناء الريفي.  
 و رغم هذا الاهتمام المتأخر بالمنطقة الثورية الحصينة، فإن مشاتي كثيرة ببوحمدان مازالت تعاني من هجرة السكان الذين غادروا بلا رجعة تحت تأثير الفقر و العزلة و سنوات الأزمة الأمنية الطاحنة التي أعادت إلى الأذهان جحيم الثورة المقدسة و أجبرت الكثير من السكان على الهروب.   
و تعمل سلطات قالمة منذ عدة سنوات، على جبر ضحايا المنطقة المحرمة و ضخ مزيد من مشاريع إعادة الإعمار، في محاولة لإقناع النازحين بالعودة و المساهمة في الجهد الوطني الرامي إلى تنمية المناطق الريفية المتضررة و تطوير اقتصادها و المحافظة على مكانتها التاريخية كحاضنة للثورة و حصنها المنيع.   
و قد حضرت بعض عائلات الشهداء، أمس الثلاثاء، إلى موقع المعركة الخالدة، بينهم ابنة الشهيد الطاهر دحمون، لاسترجاع أمجاد الماضي و أخذ العبرة من رجال فضلوا الموت على الحياة فداء للوطن و الدين و الأمة.     فريد.غ          
    

الرجوع إلى الأعلى