• أستاذان لتدريسهما و تقديم وجبات ساخنة يوميا
تنفرد المدرسة الابتدائية بوصبيعة بوجمعة الواقعة في منطقة الحمارة بأعالي تاكسنة بجيجل، بخاصية فريدة على مستوى التراب الوطني، إذ يتمدرس بها تلميذان فقط لاغير، حيث فتحت أبوابها أمام الطفلين «عمار و أيمن» من أجل ضمان تلقيهما للدروس على غرار أقرانهما، مع توفير كافة الظروف الملائمة في منطقة جبلية، أقل ما يقال عنها أنها واقعة في إحدى مناطق الظل.
النصر تنقلت إلى منطقة الحمارة الواقعة على بعد 45 كلم عن عاصمة الولاية و تتواجد بمحور الطريق الولائي 137 أ الرابط بين بلديتي تاكسنة و سلمى بن زيادة، حيث  يعد الوصول إليها صعبا للغاية و يتطلب التنقل عبر سيارة خاصة، أو انتظار حافلات نقل المسافرين لوقت طويل.
و لدى مرورك عبر محور الطريق، تشاهد عشرات المنازل المهجورة لسنوات جراء العشرية السوداء، حيث لاحظنا بقايا سكنات مبعثرة، كانت شاهدة على حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة بسبب همجية الإرهاب، لدى وصولنا مع مرافقنا، قمنا بركن السيارة و الترجل باتجاه المدرسة سيرا على الأقدام وسط طريق ترابي يتوسط بقايا حقول مسيجة بين منازل هجرها السكان، إلى أن بلغنا موقع المدرسة التي كانت صامدة في منطقة صعبة، لتقدم أجيالا متعلمة و مثقفة، كونها من بين المدارس الأولى المنجزة في المنطقة و تخرج منها إطارات و أطباء تفتخر بهم الولاية و يرددون اسم منطقة الحمارة بتاكسنة عبر ربوع الوطن و الخارج، فقد تم بناء المؤسسة سنة 1945 و إنشاؤها سنة 1964 و كان تاريخ تأسيس أول جمعية لأولياء التلاميذ بها سنة 1988.
المنطقة هجرها السكان خلال العشرية السوداء، لتعود إليها بعض العائلات التي لا يتجاوز عددها 20 عائلة، دفعتها الظروف الاجتماعية الصعبة للعودة و مواجهة قساوة الطبيعة الصعبة و ممارسة النشاط الفلاحي العائلي، كما واجه العائدون على حد قول أحد أبناء المنطقة، مختلف صعاب الحياة، على غرار التكفل الصحي، لكن فتح المدرسة الابتدائية لأبوابها من جديد منذ سنوات، غرس الأمل في تعليم أبنائهم الصغار، مع ضمان النقل المدرسي بالنسبة للمتمدرسين في الطور المتوسط.
موعد وصولنا، كان قبل دقائق من دخول التلميذين اللذين كان يرافقهما أب أحدهما، فيما كان حارس المدرسة في استقبالهما لتطبيق الإجراءات الوقائية المعمول بها، على غرار قياس درجة الحرارة و كذا الحرص على تطبيق البروتوكول الصحي، دخلنا بعدها إلى المدرسة رفقة المعلمين، فلاحظنا جدران مدرسة صامدة في منطقة جبلية باردة و معزولة، فيما كانت عدة حجرات مغلقة و لم تبق سوى الحجرة التي يدرس بها التلميذان «عمار و أيمن»، بعد رفع العلم، توجها نحو الطفلين الصغيرين إلى القسم، أين قاما بالتوجه نحو مدفأة الحجرة التي تعمل «بالمازوت» لتدفئة اليدين رفقة المعلم، بعد وضعهما للحقيبتين المدرستين، وهي الوسيلة الوحيدة التي كانت تبعث بالحرارة داخل القسم و تخفف من شدة البرد على التلميذين و الأستاذ.
خلال تواجدنا في الحجرة، لاحظنا حماس الطفلين و تتبعهما للدروس رفقة معلم اللغة العربية، علما بأن الطفلين يدرسان في السنة الثالثة ابتدائي، في حين أكد معلم اللغة العربية سمير كبسة رفقة مكلف بالتسيير، على أن «عمار و أيمن»، يعتبران التلميذين الوحيدين بالمدرسة خلال السنتين الفارطتين و من حسن حظهما أنهما يدرسان في نفس المستوى الدراسي، قائلا: « لقد بدأت التدريس بالمدرسة منذ سبع سنوات و كنت شاهدا على عدة محطات و وقفت على مختلف التلاميذ الذين درسوا فيها، فيما بدأ عدد التلاميذ يتناقص على مر السنين، ليصبح عددهما يقدر بتلميذين فقط.

كما أضاف الأستاذ، بأنه كانت هناك محاولات للعمل على توفير كافة الظروف الملائمة لهما و بذل كل الجهد لتقديم الأفضل و تحسين المستوى الدراسي و كذا خلق جو من التنافس و النشاط بينهما»، مضيفا بأنه تم توفير الوجبة الساخنة لهما، حيث تشرف على إعدادها طباخة و مساعدة و يوميا تقدم لهما وجبة غنية.
في حين أشار معلم اللغة الفرنسية، ياسين عطوم، إلى أنه تفاجأ عند قدومه بداية السنة لتدريس اللغة الفرنسية بالمدرسة، بوجود تلميذين فقط و قد حاول جاهدا تقديم الأفضل لهما، قائلا بأن المستوى الدراسي و درجة الاستيعاب لهما جيدة و يعتبر فتح المدرسة لهما فقط، بمثابة فرصة يُحسدان عليها.
توفير طاقم تربوي و إداري وجهود لعدم غلق المدرسة
و كان لنا حديث مع التلميذين، حيث تبين مدى ذكائهما و فطنتهما، حيث سألناهما عن سبب ارتداء الأقنعة الواقية، فأخبرانا بأن سبب وضعها للوقاية من وباء خطير اسمه كورونا و في سياق الكلام، تحدثا عن العناية الكبيرة من قبل الطاقم التربوي و الإداري، من خلال توفير التعليم و الأكل لهما.
و أوضح المفتش الإداري في حديثه للنصر، بأنه عمل جاهدا على ألا تغلق المدرسة أبوابها، حيث تم توفير كافة الظروف لعمار و أيمن من أجل التمدرس الجيد و توفير طاقم تربوي و إداري لهما، مع ضمان توفير الوجبة الساخنة و الرعاية الصحية الضرورية، مؤكدا على أن الإرادة تصنع الفارق عبر تقديم تضحيات لتعليم الأطفال في المناطق الجبلية و توفير الشروط الملائمة.
و ذكر «حسين» ولي التلميذ «عمار»، أن مخاوفهم كانت كبيرة، خصوصا بعد خلو المدرسة من التلاميذ و انتقال الأغلبية إلى الطور المتوسط تزامنا مع رحيل قاطنين من المنطقة بعد استفادتهم من السكن، إذ أنه كان يتوقع أن يتم غلق المدرسة و نقل ابنه الصغير إلى وسط بلدية تاكسنة، لكنه تفاجأ بقرار إبقاء فتح المدرسة لابنه و صديقه «أيمن»، مؤكدا أن القرار كان في المستوى، خصوصا و أنه يضمن حق التمدرس لابنه، مشيرا إلى أنه تم توفير كافة الظروف الملائمة للتمدرس.
و قال رئيس مصلحة الامتحانات و التمدرس بمديرية التربية، مراد بوالثلج، بأن مدرسة بوصبيعة بوجمعة، تعتبر عينة بسيطة من بين المدارس الابتدائية التي فتحت أبوابها عبر المناطق الجبلية، لتدريس عدد محدود من التلاميذ.
مشيرا إلى أن مديرية التربية عملت عبر عدة مناطق، على فتح مدارس و ضمان التمدرس و التعليم لأبناء المناطق المعزولة بين جبال الولاية، مع توفير الأطقم التربوية و الإدارية و كذا ضمان تقديم الوجبات الساخنة.                     كـ.طويل

الرجوع إلى الأعلى