تشهد ولاية عنابة، موسم اصطياف استثنائيا هذه السنة، مع  عودة الحركية وتوافد زوار و سياح عرب وكذا مغتربين على شواطئها، ما خلق أجواء مميزة ، لم تشهدها عنابة في المواسم التي سبقت جائحة كورونا. وتعد هذه الصائفة الأولى التي تحقق فيها بونة، استقطابا متنوعا لسياح من ليبيا و اليمن و تونس و من دول وجنسيات مختلفة، بالإضافة إلى عدد كبير من المغتربين الذين اختاروا شواطئ المدينة لقضاء عطلهم بعد سنتين من الغلق.  النصر، قامت بجولة في عدة مواقع سياحية منها شواطئ الواجهة البحرية لتقصي الأجواء وجمع الأصداء، كما رافقنا عائلات زارت المدينة ليوم واحد في إطار رحلات سياحية منظمة، يزيد عددها بشكل مستمر منذ انطلاق موسم الاصطياف.

* روبورتاج : حسين دريدح

من سوق أهراس إلى عنابة
كانت البداية من شاطئ الخروبة ، أين صادفنا «بوبكر» وهو سائق حافلة تحمل ترقيم 41 « سوق أهراس»، أخبرنا بأنه منظم رحلات سياحية منذ 12 سنة، وأن عنابة من الوجهات المحببة لأبناء مدينته.
 كانت مرافقته سيدة مهمتها تنظيم النساء و توجيههن، فيما يقوم هو بإنزال الأمتعة وأغراض البحر و تسليمها لأصحابها، و بمجرد خلو الحافلة من الركاب تقدم منهم شباب يعرضون خدمة كراء المضلات والكراسي و بدأوا يتنافسون للظفر بأكبر عدد من الزبائن، لكن أبا بكر، بدا غير مهتم كثيرا فهو من الأوفياء للمنطقة و يعرف كل شبابها و ذلك فإنه يحظى بمعاملة خاصة و يمكنه بكلمة واحدة أن يخفض سعر الكراء لأية عائلة لا تملك تكلفة  المضلة أو الطاولة و الكراسي.
 رافقنا المصطافين و عددهم  27 فردا أغلبهم من العائلات إلى الشاطئ وقد كانت الفرحة تغمر الأطفال، الذين تسابقوا للوصول إلى مياه البحر وسط اهتمام الأولياء خصوصا وأن المضلات كانت تحجب الرؤية و جل المواقع الأمامية محجوزة، وهو أمر فاجأ منظم الرحلة، خصوصا وأنه انطلق من مدينته « مداوروش» في حدود الساعة الرابعة صباحا كما قال بعدما اتفق مع عائلات تقطن حيا واحدا، تكفلت سيدة بالتنسيق معهم على جميع تفاصيل البرنامج، إذ يفضل كما أخبرنا، التعامل مع العائلات أكثر. وعن طبيعة هذا النشاط قال:  « في طريقي إلى عنابة تعطلت الحافلة بسبب عطب في إحدى العجلات، مما أخر وصولنا إلى الشاطئ بنحو ساعة من الزمن وهي من الأمور التي تقابلنا دائما في مجال عملنا، ومع أن كسب الوقت وراحة الزبائن مهمان للحفاظ على الثقة، إلا أننا نحاول أن نضع سلامة العائلات في مقدمة الاعتبارات ولذلك نقود بحذر و نتوقف في محطات معينة لأجل الراحة خاصة في طريق العودة» ، و واصل حديثه : « نبرمج كذلك جولة إلى الكورنيش بعد خروج  العائلات من الشاطئ في حدود الساعة السادسة مساء و نتوقف في ساحة الثورة لتناول المثلجات، كما ننهي الرحلة بمحطة لتناول العشاء، قبل أن نعود إلى نقطة الانطلاق في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا» .
وحسب محدثنا، فإن نجاح هذا النوع من الرحلات، مرتبط بالالتزام بتوقيت الانطلاق وكذا الخروج من الشاطئ، ليتمكن من تطبيق برنامجه كاملا، وحتى وإن سجل بعض التأخير بسبب مصطافين غير منضبطين فإن الرحلات في أغلبها تكون جميلة خصوصا تلك التي تقوده نحو عنابة.
فوضى المضلات تشوه واجهـــة الكورنيــــــش
شدنا خلال جولتنا عبر الكورنيش، التزام أصحاب المضلات بتعليمة مجانية الشواطئ بشكل كبير، مع ذلك فإن هذا القرار  سقط في الشواطئ البعيدة نوعا ما عن الواجهة، فبين من يعرضون عليك كراء مستلزمات البحر وبين من يحتلون الرمال بطاولاتهم ومضلاتهم، يجد المصطاف نفسه هنا مجبرا على دفع مبلغ إضافي من المال ليتمكن من الوصول إلى البحر و الاستمتاع بيومه.
مع ذلك وقفنا في  شواطئ « القطارة»   و « سانكلو» و« شابي» على التزام ملحوظ بالتعليمة، حيث أن عملية التأجير تتم بعيدا عن الشاطئ دون احتلال المساحات الطبيعية، وقد رخصت مصالح البلدية في إقليم اختصاص الشرطة لشباب بممارسة هذا النشاط ضمن نطاق معين، من أجل تقنين العملية، ومنعهم من احتلال المنطقة وفرض منطقهم على المصطافين.
لاحظنا أيضا، انعدام اللون الموحد للشمسيات بشاطئ «جنان الباي بسرايدي» ، وهي ظاهرة لطالما ارتبطت بمافيا الشواطئ، الأمر الذي انعكس إيجابا على صورة المنطقة و سمح للعائلات بالاستمتاع بالرمال بعيدا عن إزعاج الطاولات التي كثيرا ما كانت تأخذ حيزا كبيرا المكان وقد أكد بعض من تحدثنا إليهم، بأنهم وجدوا ضالتهم في الشواطئ التي قصدوها منذ افتتاح موسم الاصطياف، و كانت المساحات مفتوحة وغير محتلة من قبل أصحاب المضلات، وحسب مواطن، فإن الجلوس على الشاطئ  بأريحية أصبح متاحا أخيرا أمام المصطاف بعد سنوات من المعاناة، أما حظائر الركن فهي مقننة على حد قوله، خصوصا وأن
وحدات الدرك الوطني،  تعمل على ضمان المجانية والتصدي لأية تجاوزات أو مضايقات قد يتعرض إليها المصطافون، و إبعاد أصحاب المضلات ومحتلي الشواطئ عن العائلات، وفرض تعليمة وزارة الداخلية والجماعات المحلية.
سفينة النزهة تدخـــل حيز الخدمة لأول مرة
ومن أهم ما يميز موسم الاصطياف الحالي، دخول سفينة نزهة لمستثمر خاص حيز الخدمة، بتنظيم جولات بحرية تسمح لزوار عنابة باكتشاف جمال واجهتها البحرية، من الخليج العنابي مرورا بشطايبي و جنان الباي، حيث تم الترخيص لصاحبها بمزاولة النشاط والتواجد على مستوى ميناء الصيد البحري بشكل مؤقت، لاستقبال الراغبين في الخروج في جولات بحرية، في ظل انعدام ميناء خاص بالنزهة.
 و تتسع السفينة لنحو 30 راكبا، أما بالنسبة للأسعار، فتتراوح بين 1250 و 2500 دج للفرد، مع مجانية اصطحاب الأطفال الأقل من ثلاث سنوات، و تستغرق رحلة اكتشاف الخليج العنابي حوالي 3 ساعات، أما الجولات القصيرة فتمتد من ميناء الصيد إلى غاية  منارة رأس الحمراء بسعر 1500 دج للكبار و 750 دج للصغار. وحسب صاحب السفينة محمد درارجة، فإن عدد الرحلات اليومية يصل إلى أربعة كأقل تقدير.
«واد بقراط»  القبلة الأكثــــــــر طلــــبا
ويعد شاطئ  «واد بقراط»  أو «باي قسنطينة»، الذي أصبح يسمى شاطئ جنان الباي، لكونه المكان الذي كان باي الشرق، يقصده لقضاء عطلته الصيفية، من أجمل الشواطئ بعنابة،  و أكثرها استقطابا للمصطافين   وقد حقق خلال هذا العام أرقاما قياسية من حيث توافد المصطافين، لما يميزه من مقومات طبيعية، إلى جانب  تنظيم أنشطة ترفيهية بمرتفعاته على غرار رياضة القفز الشراعي، ورغم صعوبة المسالك المؤدية إليه و المتمثلة في منحدر تكثر فيه المنعرجات، يكتظ الشاطئ عن آخره خاصة أيام الجمعة، لتصبح أماكن ركن السيارات منعدمة، ويضطر مصطافون  إلى ترك مركباتهم بعيدة بنحو 800 متر، وقد لاحظت النصر، ألواح ترقيم تعكس كثرة القادمين إليه من مختلف الولايات، قسنطينة و     أم البواقي و سطيف، إضافة إلى عدد كبير من المغتربين، وهي حركية مهمة بالنظر إلى انعدم خطوط النقل الجماعي نحو الشاطئ، في انتظار استكمال الطريق الساحلي الذي يربط رأس الحمراء  بواد بقراط، على مسافة 6 كيلومترات.
إنزال عربي مــــــن السياح على شواطئ وأسواق  عنابة
المميز خلال موسم الاصطياف هذا العام، هو التوافد الكبير والملحوظ للسياح العرب من ليبيين ويمنيين و تونسيين ومغاربة، وهي حركية غير معهودة تشمل الشواطئ و أماكن الترفيه و النزهة و الفنادق الراقية، وقد علمنا حين حديثنا إلى بعضهم، بأن زيارة الجزائر، كانت ضمن برنامج أسفار الكثيرين من بينهم، نظرا للمقومات الطبيعة الضخمة التي تزخر بها و قد شجعتهم مواقع التواصل على القيام بالتجربة هذه السنة، خصوصا بعد رفع الحجر الصحي.
ولعل أكثر زوار عنابة هم من التونسيين، الذين فضلوا الوجهة التجارية على حساب السياحة، فزياراتهم كما علمنا من بعضهم، قصيرة غرضها التبضع في الفضاءات التجارية الكبرى و البحث عن قطع غيار السيارات و التواصل مع أصحاب ورشات التصليح.
توفر الأمن والمواقــع السياحية العذراء وراء اختـــــــــيار عنابــــــة
اقتربنا من بعض السياح خاصة القادمين من الدول العربية، لمعرفة خلفيات اختيارهم للجزائر كوجهة سياحية هذا العام، فكان عاملا الأمن وجمال الطبيعة من أهم المحفزات، حيث قال أحمد وحد، سائح  يمني مقيم في الخارج : « قمت بعدة جولات رفقة زوجتي وبناتي لمدن جزائرية عديدة، وقد تفاجأت من حفاوة الاستقبال ومستوى الخدمات، كما أننا لم نتعرض لأية مضايقات طيلة فترة مكوثنا في عنابة»، كما أن مغتربين جزائريين فضلوا البقاء في الجزائر، وعدم التوجه إلى تونس هذه السنة، لتوفر الخدمات والمرافق مقارنة بالسنوات الماضية، بالإضافة إلى  الأمن و ارتفاع تكاليف الاصطياف في الخارج.
و قد وقفنا خلال جولتنا بجل الشواطئ التي زرناها  على توفر النظافة حيث تقوم مصالح البلديات كل صباح بتسوية رمال الشواطئ وتنظيفها، كما وضعت العشرات من حاويات القمامة، وأنجزت مراحيض ودورات مياه وحتى وحمامات .
منع الوقوف والتوقف ينهي كابوس الاختناق المروري بالكورنيــش
و ساعد منع الوقوف والتوقف بالكورنيش، على التوافد الكبير للمصطافين والسياح، بعد تراجع حدة الازدحام المروري وانسيابية حركة السير، التي كانت تسجل اختناقا بداية من الساعة 7.30 مساء، على مستوى محور الدوران الخروبة باتجاه شاطئ « شابي»، إذ  تسهر مصالح الشرطة على تنفيذ مخطط السير الجديد على مستوى شواطئ الكورنيش ببلدية عنابة، بعد اتخاذ قرار منع الوقوف والتوقف خاصة بشاطئي « شابي» و «سانكلو»،  وهو إجراء جديد رافقه تعديل مخطط السير بشكل كلي على مستوى الشريط الساحلي، بغلق منافذ وفتح أخرى، لضمان انسيابية حركة السير و منع الاختناق المروري، الناجم عن التوافد الكبير للمصطافين على المواقع السياحية، وكلها تعديلات لاقت  استحسان الزوار و أبناء المدينة على حد سواء.

الرجوع إلى الأعلى