"إيني" علامة تجارية لازمت العائلة الجزائرية في مختلف المراحل و صمدت أمام الهزات الاقتصادية، منتوج تحدى عمالقة الصناعات الإلكترونية في العالم، ليكسر قاعدة الهوس بكل ما هو مستورد و يكرس قصة تشبث بالصناعة الوطنية عمرها 33 سنة وعنوانها الثقة.
"رفيقكم الدائم".. شعار تبنته المؤسسة الوطنية للصناعات الإلكترونية بسيدي بلعباس  لتعكس من خلاله علاقتها المميزة مع  المستهلك الجزائري بتجهيزات علامتها الجودة والنوعية الرفيعة، المؤسسة تخطط لاكتساح السوق العالمية عبر البوابة الإفريقية.
"إيني".. أيضا تعد من بين المؤسسات الوطنية التي رفعت التحدي عند كل مرحلة حاسمة تمر بها البلاد، وفرضت خصوصيات تميزها عن باقي المنتوجات المنافسة بفضل اعتمادها على قاعدة الجودة والتكنولوجيا العالية، فمنذ سنة 1982 تاريخ إنشاء المؤسسة التي كانت آنذاك فرعا من المؤسسة الأم "سونيلاك" قبل إعادة هيكلتها، انتهجت المؤسسة الوطنية للصناعات الإلكترونية مسيرة التحدي، لتصبح سنة 1989 مؤسسة مستقلة ، و ارتفع عدد عمالها من 6آلاف عامل إلى 1870 عاملا بعد عشر سنوات ، ولم يكن المسار سهلا في ظل العشرية السوداء التي واجهتها الجزائر، فقد تعرضت "إيني" لعدة هزات منها تسريح العمال وغلق عدة وحدات إنتاجية من أجل الصمود في وجه الأزمة الأمنية و الاقتصادية كذلك.
وجاءت النهضة الحقيقية للمؤسسة مع بداية سنة 2010 حين تحصلت على قرض  ب15 مليار دج مكنها من العودة القوية للسوق وللمستهلك بمنتوجات عصرية وتكنولوجيا مواكبة لما يجري في العالم وغيرها من التغييرات التي أبقت على رمز الجودة والنوعية للمؤسسة وحافظت أيضا على مواردها البشرية التي تصل حاليا لأكثر من  الفي عامل وإطار والرقم مرشح للإرتفاع مع دخول الوحدات الجديدة حيز الخدمة هذا العام.
النصر دخلت عالم إيني ، للوقوف على التحديات الحالية للمؤسسة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد و تداعيات الحريق الذي أتى على أحدث مصانعها. بدايتنا كانت مع الرئيس المدير العام للمؤسسة الوطنية للصناعات الإلكترونية السيد بكارة جمال.

توقّع تحقيق  10مليار دج سنويا بفضل الإستثمارات الجديدة
قال الرئيس المدير العام السيد بكارة جمال أن "إيني" دائما ترفع التحدي وأنه سيتم  في  جويلية القادم فتح مصنع  جديد  للإدماج الإلكتروني بجودة عالية وأكثر عصرنة من المصنع الذي أتى عليه الحريق، مبرزا أن الأغلفة المالية متوفرة كون المؤسسة تحصلت على قرض مالي يقدر بـ 15 مليار دج  في 2010 من أجل إنعاشها وتطويرها و عصرنتها وأن الحكومة والوزارة الوصية تتابع هذه الحركية الجديدة في مؤسسة "إيني" لأنها متيقنة أن المستقبل اليوم للمؤسسة لتجاوز الأزمة الحالية وخلق الثروة، وأوضح السيد بكارة أن المصنع الجديد سينتج مختلف التجهيزات الإلكترونية، وأنه بفضل هذه الإستثمارات الجديدة تتوقع "إيني" خلال الأربع  سنوات المقبلة تسجيل رقم أعمال يقارب 10 مليار دج سنويا منها 6 مليار دج خاصة بالإلكترونيات.
السيد بكارة جمال  كشف،  أن الحريق الذي أتى مؤخرا على مصنع جديد بالمؤسسة ،كان كابوسا ورغم هذا فقد أصبح من الماضي بالنسبة لهم، و أضاف أن الإصلاحات قد بدأت فيما يخص التنظيم والتكوين وموازنة المالية، وباشرت المؤسسة في تدعيم منشآتها بإنجاز مصنع الإدماج الإلكتروني المزود بأحدث التكنولوجيات والذي سيعوض المصنع الذي أصبح أطلالا بعد 8 أشهر فقط من افتتاحه، حيث دشن في فبراير 2015 لكن الفرحة لم تدم طويلا بعد احتراقه في أكتوبر 2015.
خسارة كان لها وقعها على كل عمال المؤسسة وحتى على الاقتصاد الوطني، حيث كان المصنع الأول من نوعه على المستوى الإفريقي مواكبا للمعايير الدولية، ولا يزال الحريق يطرح غموضا يحيل لفرضية أنه كان بفعل فاعل حسب السيد بكارة، الذي أشار أن التحقيقات انتهت وأفضت لكون الحادث نجم عن شرارة كهربائية وهذا ما لم يستوعبه عمال المؤسسة وحتى مديرها الذي أوضح في هذا الصدد " لم أستوعب كيف أن الشرارة الكهربائية تنشب بعد خروج العمال عشية الخميس، والشرارة لم تنطلق من المصنع الجديد بل من القديم المحاذي له مما يطرح تساؤلات عن عدم التدخل السريع لوقف الحريق قبل وصوله للمصنع الجديد الذي أصبح رمادا" هكذا تأسف بعمق السيد بكارة على هذا الحادث الذي أرجع جانبا من أسبابه للإهمال واللامبالاة التي تمت بموجبها معاقبة بعض الإداريين والأعوان بعد تحقيق إداري.
وأضاف الرئيس المدير العام أن الشراكة الأجنبية ضرورية لمؤسسة "إيني" التي تعتمد في منتوجاتها على التكنولوجيا العالية المتوفرة لدى مؤسسات عالمية، وهذا ما يتم العمل به حاليا لدفع الإنتاج.
وفي ظل هذه الظروف تدخل مؤسسة "إيني" مجال القرض الاستهلاكي، حيث صادف مهمتنا في المؤسسة تواجد وفد من مؤسسة بنكية للتفاوض حول كيفية وإمكانية إبرام اتفاقية الانطلاق في مسار القرض الاستهلاكي الذي اعتبر المسؤول أنه سيكون مصدرا لتوفير السيولة المالية للمؤسسة مؤكدا في ذات الإطار أن هناك مخزون خاص لمباشرة تدابير القرض الاستهلاكي، وأشار أن حوالي 70 بالمائة من منتوج "إيني" موجه حاليا للبيع بالتقسيط لعمال عدة شركات عن طريق الخدمات الاجتماعية ولكن هذه الصيغة مثلما أضاف تسترجع قيمتها المالية على المدى المتوسط والبعيد.
أما عن البيع المباشر للمستهلك، قال السيد بكارة أن هذه الصيغة موجودة عبر 48 ولاية من خلال فضاءات العرض الخاصة بإيني، ولكن وتيرة البيع بها ثقيلة بالنظر لاعتبار المستهلك أن منتوجات هذه المؤسسة مرتفعة الثمن نوعا ما مقارنة مع بعض المنتوجات المشابهة وهذا كما أضاف المتحدث لأن إيني تعتمد منذ نشأتها على المحافظة على الجودة العالية التي تميزها على مدار عشرات السنين، وهذا ما يجعل أجهزتها التلفزية مرتفعة الثمن. أما في شق التفكير في التصدير، فأكد السيد بكارة أن المفاوضات وصلت تقريبا للنهاية مع السودانيين وهي متواصلة مع عدة بلدان إفريقية أخرى. ودعا الرئيس المدير العام لضرورة تشديد المراقبة في الحدود الجزائرية الشرقية والغربية بسبب وجود عمليات تهريب لمنتوج المؤسسة الذي تم ضبطه في أسواق البلدين المجاورين يباع بطرق غير قانونية مما يؤثر على المؤسسة من جهة وعلى الاقتصاد الوطني من جهة ثانية.


الخبرة الألمانية في مخابر القياسة والصيانة
بداية زيارتنا الميدانية للمؤسسة ووحداتها المختلفة، كانت من مديرية مخابر القياسة والصيانة الإلكترونية، حيث قال مديرها أنها مخابر نموذجية على المستوى المغاربي، تعتمد على الخبرة الألمانية في مجالات القياس والصيانة الإلكترونية التي تتم بفضل مهندسين جزائريين شباب مدعمين بإمكانيات حديثة تواكب التطور في هذا المجال، مضيفا أن كل عمليات القياسة والصيانة تتم في ظل احترام القواعد التي تفرضها المؤسسة من سرية الخدمات، ونوعيتها المواكبة لمعايير "إيزو" العالمية.  
وتتفرع مديرية مخابر القياسة والصيانة الإلكترونية لعدة تخصصات منها الصيانة ومخبر البحث التطبيقي الأول من نوعه في الجزائر وسيفتح أبوابه في مارس المقبل ليكون نموذجا ميدانيا للعلاقة بين الجامعة والبحث العلمي وكذا المؤسسات الإنتاجية من أجل إنجاز الابتكارات، ويعمل المخبر مع مؤسسات خارجية يتكفل بصيانة معداتها الإلكترونية سواء أجهزة الإعلام الآلي أو غرف التحكم الإلكتروني لسونلغاز وحتى مؤسسات أخرى، وكذا إصلاح وصيانة كاميرات المراقبة والرادارات، مخبر يجمع مجموعة من المهندسين الخبراء كلهم شباب وحيوية.
 طموح لتلبية نصف البرنامج الوطني في الألواح الشمسية
هي ذات العزيمة التي يحملها المهندسون في وحدة الألواح الشمسية التي كانت محطتنا الثانية في الزيارة، حيث أوضح لنا  السيد بوراسي محمد عباس، أن وحدة إنتاج لوحات الطاقة الشمسية التابعة لمؤسسة "إيني"، تندرج ضمن السياق العام الذي يتوجه له العالم وبرنامج الدولة الرامي للوصول لتحقيق إنتاج 22 ألف ميغاواط من الطاقات البديلة في آفاق 2030، حيث يطمح المصنع للاستحواذ على إنتاج نصف هذه الطاقة المرتقبة بما يعادل 13,575 ألف ميغاواط، ويعتبر المصنع الذي بدأ التحضير له سنة 2011 وتم فتحه في جوان 2015، ركيزة أساسية في مؤسسة "إيني" لأنه يعد قيمة مضافة لها، وكذا بالنظر لأهمية الطاقات البديلة سواء في الظرف الحالي مع تراجع الطاقات التقليدية أو حتى مستقبلا، وأضاف السيد عباس أن التجهيزات التي يتوفر عليها المصنع تم جلبها من الولايات المتحدة الأمريكية أين تلقى مهندسو المصنع تكوينهم المتخصص، وقد خصص له مبلغ قدر بـ 500 مليون دج للمرحلة الأولى التي بدأت الإنتاج منذ سبتمبر الماضي في انتظار بلورة فكرة المرحلة الثانية المعتمدة على إنشاء مصنع أكبر وبطاقة إنتاج مضاعفة بمبلغ يصل لـ 2 مليار دج، ويجري حاليا التفكير في نوعية التكنولوجيا الحديثة التي يجب تبنيها لمواكبة العصرنة وضمان الجودة لأن المصنع سيتكفل بإنتاج المحطات المركزية الشمسية، وأضاف المتحدث أن السوق الوطنية واعدة بالنظر للطلب المتزايد على هذه الطاقات، وفي ذات الوقت يوجد مبادرات للانطلاق في التصدير لبعض البلدان الإفريقية. وذكرنا السيد عباس بأن مؤسسة "إيني" أنتجت أول خلية للوحات الشمسية في سنة 1983، وبالتالي فقد كانت السباقة لتبني التكنولوجيات العصرية، ولكن الظروف التي مرت بها البلاد في العشرية السوداء حالت دون تحقيق هذا الطموح الذي تجدد العام الماضي وبتكنولوجيا أرقى وأكثر عصرنة. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمصنع حاليا 25 ميغاواط بما يعادل 2 ميغاواط شهريا وهذا ما يقابله إنتاج ما يعادل 10 آلاف لوحة شهريا من مختلف الأحجام ما بين 100واط  و320 واط. ورغم أن الوحدة الحالية أتبثت كفاءتها في هذا المجال من خلال مشروع تزويد الإنارة العمومية ببلدية سيدي بلعباس بلوحات الطاقة الشمسية بما يقارب 750 نقطة إضاءة عبر شوارع البلدية التي تعد نموذجية على المستوى الوطني، كما ستصبح بلدية نموذجية مستقبلا من خلال مشروع تزويد المدارس والمساجد بهذه اللوحات لتقليص فاتورة الكهرباء، إلى جانب مشاريع في مجالات أخرى وخاصة في الميدان الفلاحي أين تستقبل الوحدة حتى الفلاحين الراغبين في الحصول على هذه اللوحات لمزارعهم وآبارهم، إلا أنها تطمح لاستقطاب عقود شراكة مع مؤسسات وطنية سواء عمومية أو خاصة عوض استنجاد هذه المؤسسات بالخبرة الأجنبية، لما توفره الوحدة من جودة عالية الدقة.
حريق غامض لم يوقف آلة الإنتاج
آخر محطة لنا في مؤسسة "إيني" ، كانت وحدة الإنتاج التي عاش عمالها كابوس الحريق الأخير للمصنع الجديد، أين أفادت السيدة طلحة زوليخة رئيسة مصلحة التركيب، أن الوحدة التي يتواجدون بها حاليا كانت سابقا مخصصة لتخزين بعض التجهيزات والمعدات، وكانت وحدة التركيب سابقا محاذية للمصنع الجديد الذي احترق،  لكن من أجل مواكبة العصرنة تم استحداث وحدة للإدماج الإلكتروني الأوتوماتيكي لإنتاج أجهزة متطورة، ولهذا الغرض تم إنجاز مقر عصري بتجهيزات جديدة وعصرية أيضا لمباشرة العمل وفق المقاييس الدولية لمواجهة المنافسة التي تفرضها منتجات إلكترونية أجنبية، لكن وبنبرة الأسف والحسرة أضافت السيدة طلحة "لكن تفاجأنا بالحريق الذي أتى على غالبية المعدات والتجهيزات سواء للوحدة السابقة أو المصنع الجديد والذي ولّد في الوقت نفسه توحيد صفوف كل العمال وتجنيد أكثر". و واصلت المتحدثة أنه تم نقل بعض التجهيزات التي تبين أنها لا تزال صالحة وفي ظرف أسبوعين وتمت العودة للإنتاج بقلوب يغمرها التحدي وهدف الإبقاء على المصنع واقفا أمام كل المصاعب. ورغم أن وحدة التركيب الحالية هي نصف أوتوماتيكية إلا أنه خلال زيارتنا لها لمسنا جدية في الأداء من طرف شباب طموح. والملاحظ أنه لم يتم تسريح أي عامل عقب الحريق بل تم إدماج أكثر من 20 شابا جديدا لدعم سلسلة الإنتاج، كما لم تتوقف أجور العمال، وحسب تأكيدات السيدة طلحة فإن كل الذي حصل لم يغير شيئا في نوعية الإنتاج التي تعتبر رمزا للمؤسسة، التي تنتج حاليا 400 جهاز تلفزيوني يوميا من كل الأحجام. طفنا بكل أروقة الوحدة حيث عبرت لنا عدة عاملات عن تأثرهن الكبير لحادثة الحريق ولكن تضاعفت إرادتهن في رفع التحدي بعد الإبقاء على الأجور وعدم تسريح أي عامل مع تمسكهن بوعود إعادة فتح مصنع آخر أكثر عصرنة لإثبات قدراتهن في الإنتاج الإلكتروني خاصة وأن بعضهن متحصلات على شهادات جامعية وشهادات كفاءة في الإلكترونيك.
تنقلنا بعدها لنشاهد أطلال المصنع المحترق، فوجدنا المكان قد رفض الإبقاء على تلك الأطلال ومسح كل أثر للحريق ليعلن ميلاد عهد جديد وآفاق واعدة لأكثر المؤسسات الوطنية صمودا وأكثرها تحديا.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى