هكذا شكّل متربص و موزع حليب وعون دفاع ذاتي لجنة وهمية لمكافحة الفساد
• مراسلات بختم مزور للوزير الأول ومهمات تفتيش بخمس دول
أيّدت، في ساعة متأخرة من عشية أمس الأول، محكمة الجنايات الاستئنافية بمجلس قضاء أم البواقي، أحكام السجن النافذ في حق منتحلي صفة أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مع إجراء تعديلات طفيفة على الأحكام التي نطقت بها المحكمة الجنائية الابتدائية.
 فالمتهم الرئيسي المدعو (ع.ش) المكنى “كريم” 24 سنة والمتربص سابقا بمستشفى ابن سينا،  خفضت عقوبته من 8 سنوات  إلى 7 سنوات سجنا  مع الإبقاء على الغرامة المالية المسلطة عليه والمقدرة بمليون دينار، مع الحجر القانوني عليه، وهو المتابع بجناية التزوير في محررات رسمية وجنحتي التزوير واستعمال المزور في وثائق تصدرها الإدارة العمومية وجنحة التدخل بغير صفة في الوظائف العمومية وجنحة النصب والاحتيال، وطالب ممثل الحق العام بإدانته بعقوبة 12 سنة سجنا ومليون دينار غرامة مالية.
أما رئيس أمناء الضبط سابقا بمحكمة أم البواقي الابتدائية (ج.ع) 58 سنة وموزع الحليب (ن.ف) 37 سنة وعون سابق في الدفاع الذاتي (ع.ع.ا) 67 سنة، فأدينوا بعقوبة 3 سنوات حبسا منها سنتان سجنا وعام حبسا موقوف التنفيذ، وغرامة قدرها 100 ألف دينار، و الذين أدينوا ابتدائيا ب 3 سنوات نافذة،  بجناية استعمال محررات رسمية مزورة وجنحة التدخل بغير صفة في الوظائف العمومية، والتمس ممثل النيابة العامة إدانتهم بعقوبة 5 سنوات سجنا نافذا.
وأبقت هيئة المحكمة على براءة المتهم (ب.م) 58 سنة عضو الدفاع الذاتي سابقا والمتقاعد من بلدية قصر الصبيحي، فيما أدينت الفتاة مزدوجة الجنسية القاطنة بالجزائر العاصمة المسماة (ح.أ) 30 سنة بمعية المسمى (ب.ع.ع.غ) 41 سنة منتحل صفة ابن الوزير الأول السابق بعقوبة عام حبسا نافذا وغرامة قدرها 100 ألف دينار، الثلاثة   اتهموا بجنحة التدخل بغير صفة في الوظائف العمومية، وهي العقوبة نفسها التي سلطات عليهم ابتدائيا، في حين أدين الحرفي في النقش على المعادن المنحدر من غرداية (ك.ق) 38 سنة، بعام نافذ وغرامة قدرها 50 ألف دينار، بدلا من   الحبس غير النافذ، بعد أن  اتهم بجرم التزوير في محررات عرفية، والتمس ممثل النيابة العامة إدانة أربعتهم بعقوبة عامين حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 20 ألف دينار، ورفضت المحكمة طلب تأسيس ديوان الترقية والتسيير العقاري كضحية في الملف.

خيوط القضية تكشف بمديرية السياحة

القضية التي كانت النصر السباقة في التطرق إلى تفاصيلها لحظة الإيقاع بأعضاء الهيئة المزيفة لمكافحة الفساد، تم اكتشافها لحظة تقدم 3 من منتحلي صفة أعضاء بالهيئة من مديرية السياحة بأم البواقي، ويتعلق الأمر بكاتب الضبط سابقا بالمحكمة وموزع الحليب وعون الدفاع الذاتي، بغرض القيام بعملية تفتيشية للتدقيق في مختلف الملفات والوثائق، وقدم الثلاثة نسخة من مرسوم تنفيذي مرسل عبر “الفاكس” يتضمن تعيينهم كأعضاء ضمن الهيئة، أين استقبلهم مدير السياحة بمكتبه واطلع على مرسوم تعيينهم غير أنه طلب منهم تسليمهم وثائق هويتهم، كونه تفاجأ بأن الوالي لم يخطره بقدوم أعضاء الهيئة لإجراء عملية التفتيش، ليتضح فيما بعد بأن الأمر يتعلق بهيئة مزيفة، عينت بمراسيم مزورة، وتبين بأنها كانت تنشط على امتداد سنوات 2014 و2015 و2016.
التحقيقات الأمنية الماراطونية التي عكفت عليها فصيلة الأبحاث والتحريات بمجموعة الدرك الوطني، انتهت إلى تورط المتهم الرئيسي (ع.ش) 24 سنة في تزوير مراسيم تنفيذية ومراسلات حملت ختما مزورا للوزير الأول وأخرى منسوبة لمكتب التنظيم والشؤون العامة بالديوان الوطني لقمع الفساد، وكذا قيامه بتزوير أوامر مهمات أسندها لأعضاء الهيئة المزيفة، وتزويره فواتير شراء أزيد من 5 شرائح هاتفية لزبائن وكالة شقيقه الهاتفية بقصر الصبيحي، وهي الشرائح التي استعملها للاتصال ببقية العناصر.

فتاة مزدوجة الجنسية لحبك السيناريو

وأكدت جلسة المحاكمة بأن الفتاة المقيمة بالعاصمة أوهمت بعض المتهمين بعملها ضمن عناصر الأمن الرئاسي وهي التي استقبلتهم ببذلتها الرسمية، وبسيارات فخمة من نوع “باسات” استأجرتها من إحدى وكالات كراء السيارات، ونجحت في إقناع عناصر الهيئة المزيفة ومنهم والد المتهم الرئيسي (ع.ع.ا) بهذا المشهد، وكذا من خلال الرحلات الدولية التي استفاد منها بعض الأعضاء من المتهمين، والذين كلفوا برصد واقع الجالية الجزائرية في تونس والمغرب وفرنسا.
المتهم الرئيسي (ع.ش) كشف بأن الفتاة (ح.أ) التي تعرف عليها خلال زيارته لتركيا، هي من خططت لكل تفاصيل القضية، وهي التي تتصل حسبه بكل الأطراف من والده ورئيس أمناء الضبط وغيرهم، نافيا في الوقت نفسه استعماله لتطبيق هاتفي  لتقليد أصوات الفتيات للاتصال ببقية المتهمين،   نافيا كذلك تزوير مراسيم تنفيذية ومراسلات للوزارة الأولى، أما والده (ع.ع.ا) الذي بدا على خلاف مع رئيس أمناء الضبط سابقا من خلال تضارب  التصريحات وتبادل  الاتهامات بينهما، فكشف هو الآخر بأن الفتاة (ح.أ) هي من تقف وراء كل التفاصيل، وهي التي عينته رئيسا لفوج الهيئة بالشرق ومكنته من زيارة أزيد من 5 دول بين تونس وفرنسا وبرشلونة بإسبانيا ودبي بالإمارات وغيرها، موضحا بأن المراسلات التي اتضح بأنها مزيفة تصل لرئيس أمناء الضبط سابقا وهو من يكلفهم بالمهام التفتيشية التي مست مديرية السياحة وديوان الترقية ومستشفى ابن سينا، واعترف المتهم بأن الطمع، جعله ينضم للهيئة دون أن يدري بأنها مزيفة، مبينا بوجود أطراف أخرى لم يشملها التحقيق، مقرا بأنه من اتصل بموزع الحليب ورئيس أمناء الضبط وعرض عليهما الانضمام للهيئة.
من جهته موزع الحليب (ن.ف) كشف بأن المتهم (ع.ع.ا) هو من تواصل معه للانضمام للهيئة التي لم يعلم بأنها مزيفة، وعرفه على رئيس أمناء الضبط بالمحكمة، مشيرا بأنه كان يبحث عن مصدر رزق لإعالة أسرته ووجود رئيس أمناء ضبط بالمحكمة ضمن الهيئة دفعه للانضمام، مبينا بأنه راح ضحية عملية نصب واحتيال، فالقائمون على الهيئة المزيفة سلبوه مبلغ 4 ملايين سنتيم، بحجة تمكينه من بطاقة تحمل عنوان “غولف” والمخصصة لأفراد منتمين للأمن الرئاسي.
 وبين المتحدث بأن رئيس أمناء الضبط اتصل به شهر أكتوبر من سنة 2016، وبين له وصول مرسوم تعيينهم ضمن الهيئة ليطلب منه بعد يومين المشاركة في أول مهمة تفتيشية مست مستشفى ابن سينا ثم ديوان الترقية ثم بمديرية السياحة، التي سلم فيها للمدير نسخا من وثائق هويته وهو ما يثبت حسبه حسن نيته كونه لم يُمنح بعد بطاقة “غولف”.

متهمون يعتبرون أنفسهم ضحايا “ تحايل”

أما رئيس أمناء الضبط سابقا (ج.ع) فبين بأن المتهم (ع.ع.ا) هو من اقترح عليه الانضمام للهيئة، وتواصل معه مباشرة بعد تقاعده بتاريخ 2 جوان من سنة 2015، وأعلمه بأن الهيئة بصدد إنشاء 6 مديريات جهوية عبر الوطن من بينها مديرية جهوية بسوق أهراس، وبين المتهم بأنه اطلع إلكترونيا على النظام الداخلي للهيئة وتأكد بأحقية انضمام أفراد من المجتمع المدني، مبديا تساؤله لحظة اطلاعه على مراسلات الهيئة كونها تحمل أختام الوزير الأول، بدلا من مسؤولها المباشر، وأكد المتهم بأنه راح ضحية للهيئة التي لم يعلم بأنها مزيفة، والتي سلبته مبلغ يتجاوز 85 مليون سنتيم، بعد أن اضطر لبيع سيارته، وكشف المتهم (ج.ع) بأنه شاهد قاضيا برتبة نائب عام مساعد بمجلس قضاء أم البواقي يتنقل رفقة المسمى (ع.ع.ا) للعاصمة، واقتنع بضرورة انضمامه لما اتصل الوالي السابق لأم البواقي الذي حول لسكيكدة مع المتهم (ع.ع.ا) وطمأنه بأن أبواب ديوانه مفتوحة أمام الهيئة، بعد أن تواصلت معه أطراف من العاصمة طالبة مد يد المساعدة للهيئة.

نائب سفير بمستوى الرابعة متوسط  وبطاقات “غولف” للتمويه

وأنكرت المتهمة (ح.أ) تورطها في النصب على بقية المتهمين، مبينة بأن المتهم (ع.ش) الذي التقته بتركيا هو من يقف وراء كل التفاصيل، وعن استقبالها عدد من المتهمين بالعاصمة وتسليمهم “برانس تقليدية” كهدايا، فأشارت بأن المتهم (ع.ش) هو صاحب الفكرة، نافية بأن تكون هي من استقبلت بعض المتهمين بمطار العاصمة، على عكس ما ذهب له بعض الشهود الذين كانوا متهمين في بداية التحقيق، على غرار الموظف ببلدية قصر الصبيحي (ط.ج) الذي أكد بأن المتهمة هي من استقبلتهم وأعلمتهم بأنها تعمل في الأمن الرئاسي، وطلبت منهم التحضير للحملة الانتخابية لرئاسيات 2014، وفند المتهم (ب.ع.ع.غ) المقيم بقسنطينة تقديم نفسه للمتهمين على أنه ابن الوزير الأول السابق، على عكس ما أكده المتهمون في جلسة الاستئناف بأنه حضر عدة مرات لمدينة قصر الصبيحي، وقدم نفسه ابن للوزير الأول السابق، وبين المتهم بأنه خسر في القضية أزيد من 300 مليون سنتيم دون أن يكسب أي شيء، وعاد المتهم الوحيد الذي استفاد من البراءة ليبدي تفاجئه بتعيينه في منصب نائب سفير بإسبانيا ومستواه لم يتعد الرابعة متوسط، موضحا بعد أن انهار باكيا بأنه تنقل لإسبانيا لمعاينة الأوضاع قبل مباشرته مهامه الجديدة، غير أنه فضل العودة دون أن يستغل مرسوم تعيينه نائب سفير، والذي اتضح فيما بعد بأنه مزور.
واعترف الحرفي (ك.ق) بصناعته بطاقات “غولف” باسم بعض المتهمين، مشيرا بأن المتهم (ع.ش) هو من تقدم منه وطلب ذلك، ومنحه قرصا صلبا به البطاقات جاهزة للطباعة ليقوم بطبعها واستلام مبلغ 450 دينار عن كل بطاقة، وليس مبلغ 4 ملايين سنتيم الذي سدده المتهمون للاستفادة من البطاقة.
أحمد ذيب

الرجوع إلى الأعلى