لاعبون بارعون بدرجة دكتور ومهندس ومحام وصحفي
يصعب على نجوم كرة القدم عادة التوفيق بين التحصيل الدراسي ومسيرتهم الاحترافية، مما يضطر الغالبية للاختيار بين أحد المجالين، ولو أن هناك قصص نجاح لعدة لاعبين في الجزائر، تركوا بصمة رائعة في ميادين كرة القدم وعالم الساحرة المستديرة، وتحصلوا في الوقت نفسه على شهادات ومؤهلات علمية عالية، على غرار الناخب الوطني الأسبق محي الدين خالف، الذي يبقى من بين الرياضيين الجزائريين المتفوقين وأسماء أخرى مثل لاعب السنافر السابق بولحبال.
فبالموازاة مع مسيرة الأول التدريبية، الحافلة وتألقه مع الخضر في مونديال إسبانيا 1982، ومشوار ابن قسنطينة في ميادين الكرة أو حين كان رئيسا للفريق، لم يضيع كلاهما التميز في الجانب الدراسي، بعد أن تحصل بولحبال على شهادة عليا في الطب البشري، فيما نال خالف شهادة ليسانس في الاقتصاد والعلوم السياسية، ليكون هذا الثنائي قدوة لكل الرياضيين.
ومع كثرة التزامات لاعبي كرة القدم مع فرقهم، وكثافة برنامج التدريبات والمباريات التي يفرضها عالم الاحتراف، تتقلص الفرص أمام كثير من نجوم الساحرة المستديرة لمتابعة حياتهم الدراسية، ويفضل الكثيرون التركيز في عالم الكرة، الذي يمنح الشهرة والمال على الالتزام بمقاعد الدراسة، وهو ما جعل غالبية الأسماء المعروفة لا تنجح في تحقيق تحصيل علمي مقبول، ويكفي أن الغالبية القصوى للاعبي الرابطة المحترفة، لا يتعدى مستواهم المرحلة المتوسطة، بل توجد الكثير من الأسماء قد غادرت مقاعد الدراسة، دون نيل شهادة التعليم الابتدائي، وهو ما أوقعهم في حرج كبير خلال مشوارهم الاحترافي، إذ وجدوا صعوبات جمة في مواكبة متطلبات الاحتراف، وخاصة ما تعلق بنظام المعلوماتية وإتقان اللغات المسهلة لعملية التواصل.
ولئن كانت الغالبية القصوى، قد فضلت احتراف كرة القدم لعديد الأسباب والمعطيات، في مقدمتها الجانب المادي، خاصة وأن الراتب الأدنى للاعب ناشط بالقسم الأول المحترف، قد يصل إلى 100 مليون سنتيم، فيما لا يتعدى أجر طبيب عام، أفنى عمره في التحصيل الدراسي عتبة 7 ملايين سنتيم، إلا أن عددا من نجوم الساحرة المستديرة في الجزائر صنعوا الاستثناء، ونجحوا في الجمع بين التألق في ملاعب كرة القدم، والحصول على شهادات جامعية في مختلف التخصصات، أبرزها الطب والهندسة والاقتصاد وحتى المحاماة والصحافة.
«أطباء» زاوجوا بين السماعة والكرة
لن نجد أفضل من الرباعي بولحبال وآيت الطاهر ومنير مضوي وبدرجة أقل بونعاس، لنضرب بهم المثل في إمكانية التوفيق بين مسار دراسي شاق، وعدم التخلي عن حلم ممارسة واحتراف كرة القدم في المستوى العالي.
وشكلت مسيرة الدكتور بولحبال ابن مدينة قسنطينة، الذي كان قائدا لتشكيلة شباب قسنطينة في فترة الثمانينيات ثم رئيسا لذات النادي في بداية التسعينيات نقطة مضيئة في ملاعبنا، حيث لم تحرمه التزاماته الرياضية وارتباطاته المهنية من نيل أعلى الشهادات في تخصص الطب، حيث وإلى جانب موهبته الفذة في مداعبة الكرة، بصم على مشوار مهني حافل، وهو الطبيب المختص في جراحة العظام، إذ تحول من قائد فوق أرضية الميدان ثم موجها في محيط الملعب، إلى اختصاصي استفاد من علمه وخبرته المئات من اللاعبين.
وليس بعيدا عن بولحبال، فإن مسيرة الجناح الطائر لشبيبة القبائل آيت الطاهر قبل عقدين، تحاكي في بعض تفاصيلها نجاحات بولحبال، حيث يعتبر ابن مدينة تيزي وزو، لاعبا ماهرا وطبيبا بارعا شأنه شأن منير مضوي شقيق المدرب الحالي لمولودية وهران خير الدين، في حين لم يكتب النجاح للاعب المنتخب الوطني السابق ونجم فريقي السنافر والموك سابقا نور الدين بونعاس ، الذي انتسب لمعهد الطب في قسنطينة، قبل أن يجد نفسه مضطرا للتوقف عن استكمال الدراسة، بسبب التزاماته في تلك الفترة مع الخضر، وهو الذي كان ضمن كتيبة المرحوم عبد الحميد كرمالي، المتوجهة بنهائيات كأس أمم إفريقيا 1990.
خالف «اقتصادي - سياسي» وفرقاني تميز كمعماري
شهدت كرة القدم الجزائرية على مر التاريخ، نجاح عدة لاعبين في التوفيق بين ثنائية التميز الدراسي والتألق الرياضي، وفي مقدمتهم عناصر الجيل الماضي، التي صنعت الامتياز، خلال مونديالي 1982 و1986، بداية بالمدرب القدير محيي الدين خالف أحد أكبر المثقفين والمتعلمين في عالم الكرة في الجزائر، فبالإضافة إلى لامتلاكه سجل تدريبي ثري، نظير نتائجه الباهرة مع شبيبة القبائل والمنتخب الوطني، الذي جعله محل إشادة وثناء الجميع خلال نهائيات كأس العالم بإسبانيا، بعد التفوق التاريخي على ألمانيا، فإن خالف لم يغادر مقاعد الدراسة مبكرا كبقية الرياضيين الجزائريين، ما مكنه من الحصول على شهادتي ليسانس في الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى جانب دبلوم الرياضة الذي جعله مدربا من أعلى مستوى، ولئن كان خالف لم يكتف بهذا، بل لفت إليه الانتباه بإتقانه بطلاقة وكفاءة أربع لغات، بداية بالعربية والفرنسية، فضلا عن الانجليزية التي كانت دليله في سفرياته مع «الكناري» إلى أدغال إفريقيا، فضلا عن إتقانه الكامل للغة الإسبانية، حتى أنه كان يجيب الصحفيين في مونديال 1982، خلال المؤتمرات والندوات الإعلامية باللغة الإسبانية.
لاعب آخر سطع نجمه مع المنتخب الوطني في فترة الثمانينيات، وفق بين الجانبين الدراسي والرياضي، ويتعلق الأمر بقائد «أوركسترا» مباراة الخضر وألمانيا علي فرقاني، الذي حقق إنجازات كبيرة في عالم كرة القدم، سواء مع النوادي التي حمل ألوانها أو المنتخب الوطني الذي دون اسمه ضمن كتيبته المفضلة، كما حقق فرقاني الاستثناء في المجال الدراسي، إذ يعد مهندس معماري حصل على شهادته العليا عندما كان لاعبا في النصرية في نهاية السبعينيات.
"الأستاذ" بن ساولة و"المهندس" تاسفاوت هدافان بامتياز
بالتوازي مع نجاحاته الرياضية الباهرة، حيث يعد سابع هدافي المنتخب الوطني عبر التاريخ برصيد 19 هدفا، حصل تاج بن ساولة ابن حمام بوحجر ولاية تموشنت على دبلوم ليسانس في العلوم، حيث اشتغل به كمدرس ثانوي في مادة العلوم الطبيعية بمدينة وهران.
ويجمع العديد من المتابعين والمختصين أن تاج بن ساولة، الذي تمسك بدراسته، بالموازاة مع ممارسته لكرة القدم، كان واحدا من أبرز النجوم الذين عرفتهم كرة القدم الجزائرية في مركزه عبر التاريخ، حيث خاض تجارب احترافية ناجحة مع لوهافر ودانكارك الفرنسيين، كما برز مع الخضر في موندياليي 82 و86.
ولم يمنع النجاح الرياضي الهداف التاريخي للمنتخب الوطني عبد الحفيظ تاسفاوت، من مواصلة دراسته، حيث تحصل على دبلوم تخصص هندسة مدنية.
تاسفاوت المولود يوم 11 فيفري 1969 بمدينة وهران، كان قائدا للخضر لمدة 5 سنوات، ويعتبر من أفضل اللاعبين الجزائريين والعرب والأفارقة في التسعينات، حيث خاض تجارب احترافية ناجحة في فرنسا، وكان له شرف الفوز بكأس فرنسا مع نادي أوكسير فضلا عن تتويجه ب «الليغ1»، كما يعد أحسن هداف للخضر لكل الأوقات بـ35 هدفا، وكل هذا لم يمنعه من الظفر بشهادة مهندس، ساعدته في عمله كعضو في المكتب الفيدرالي في عهد الرئيس الأسبق محمد روراوة.
أفضل مدرب إفريقي لم يهمل الجامعة
لاعب آخر بزغ نجمه في الملاعب في نفس فترة تاسفاوت، كما كان له نصيب من العلم والمعرفة، رغم التزاماته الرياضية الكثيرة، سواء مع أنديته أو المنتخب الوطني الذي تقمص ألوانه في عدة مناسبات، ويتعلق الأمر بالمدرب الحالي لمولودية وهران خير الدين مضوي، المولود عام 1977 بمدينة سطيف، فرغم صغر سنه، إلا أنه يتمتع بسيرة ذاتية نصبته أحد أفضل مدربي القارة السمراء.
وبدأ مضوي الذي كان لاعب الوسط المميز، مشواره الكروي في وفاق سطيف عام 1997، ثم غادر بعد ثلاثة مواسم نحو شباب بلوزداد، الذي استمر معه حتى عام 2002، وساهم في تتويجه بالبطولة عام 2001.
وبعد تألق مضوي مع بلوزداد، عاد مجددا لصفوف فريقه المفضل الوفاق عام 2002، قبل أن يختتم مسيرته الاحترافية عام 2005، بسبب لعنة الإصابات، التي أنهت مشواره كلاعب عن عمر 30 عام.
مسيرة مضوي التدريبية انطلقت عام 2008 ضمن صفوف وفاق سطيف، بالموازاة مع نيله شهادة ليسانس في الإقتصاد وأخرى في الانجليزية، فضلا عن نيله دبلوم كاف «أ»، الذي مكنه من استلام زمام العارضة الفنية للوفاق، بعد تجربته كمدرب مساعد لكل من الفرنسيين كريستيان لانغ وإيبارت فيلود، إضافة لمواطنه نور الدين زكري والسويسري آلان غيغر.
مضوي الذي عرف بذكائه ومؤهلاته العلمية العالمية، بدأ في كتابة اسمه بأحرف من ذهب، حيث صنع الأمجاد مع فريق القلب الوفاق، بفضل ما عرف به من حنكة وصرامة في التعامل مع اللاعبين، وقاد مضوي الوفاق للتتويج بلقب دوري أبطال إفريقيا عام 2014، ليصبح بذلك أصغر مدرب يتوج بهذا اللقب، إضافة للفوز بكأس السوبر الإفريقي في عام 2015.
محام وصحفي وخبير أشغال عمومية صالوا في الملاعب
لتعرف بداية الألفية موجة من اللاعبين المثقفين والمتفوقين في الميدان العلمي والمعرفي، حيث كافحوا وناضلوا لنيل أعلى الشهادات والمراتب، غير مبالين بالارتباطات المفروضة من أنديتهم، بداية بلاعب النصرية السابق سيد أحمد خديس الذي وضع حدا لمشواره الكروي الناجح في سن مبكرة، حيث يعمل حاليا كصحفي في إحدى القنوات الخاصة، مستفيدا من دبلوم الإعلام والاتصال الذي ناله في فترة تألقه بميادين كرة القدم، ليكون «خوان ماتا» الجزائر، فالأخير رغم لعبه في المستوى العالي، وتألقه مع الشياطين الحمر في انجلترا، وحتى مع الماتادور الإسباني المتوج معه بلقب كأس أمم أوروبا، إلا أنه ظفر بديبلوم الصحافة من كبرى الجامعات الإسبانية، كما يعتبر المدافع الصلب سمير قالول، صاحب المسيرة المقبولة في عالم الساحرة المستديرة، مثالا يقتدى به في التوفيق بين ثنائية الدراسة والرياضة، ويكفي أن إدارة مولودية الجزائر عينته خلال تجربته مع «الشناوة»، ناطقا رسميا باسم زملائه اللاعبين لفصاحته وطلاقة لسانه، وهذا جراء حيازته على شهادة ليسانس في الحقوق والمحاماة، بالمقابل، يعتبر الحاج بوقاش الناشط حاليا مع فريق نجم مقرة، رغم بلوغه 38 عاما، قدوة للنجوم الصاعدة، فهذا اللاعب حقق مسيرة كروية ناجحة محليا وخارجيا (لعب لكبار الفرق كرائد القبة ومولودية الجزائر، وبصم على مشوار رائع في الدوري السعودي)، مع عدم تخليه عن‮ ‬دراساته‮، التي تكللت بحصوله ‮ ‬على‮ ‬شهادة‮ ‬مهندس‮ ‬في‮ ‬الأشغال‮ ‬العمومية.
ولم يحد بعض نجوم الخضر السابقين عن «القاعدة» المذكورة، في صورة المهاجم كريم مطمور النجم الأسبق لبوروسيا مونشغلادباخ الألماني، وصاحب الحضور المميز مع المنتخب الوطني، في نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا، حيث لم يمنعه الاحتراف في الدوري الألماني ومتطلباته الكثيرة من نيل شهادة البكالوريا بجامعة ستراسبورغ، ليعود ويكمل دراسته بعد الاعتزال، ولكن في تخصص المناجمنت وإدارة الأعمال، وهو ما مكنه من الظفر بعقد مع نادي ليفركوزن، الذي يعمل معه كمكلف بالانتدابات في فرنسا وبلدان شمال إفريقيا.   
كما ضيع أمير قراوي لاعب وفاق سطيف الحالي، الذي خاض تجربة قصيرة مع المنتخب الوطني، فرصة التحول إلى «دكتور»، بعد أن غادر مقاعد الدراسة في السن الأولى اختصاص طب، مفضلا خوض تجربة احترافية في عالم كرة القدم بالجزائر مع مولودية العلمة، وهناك أمثلة كثيرة للاعبين واصلوا دراستهم الجامعية، وتألقوا بملاعب الجمهورية مثل بلهامل وعشاشة وبن دريس.
ويبقى التوفيق بين التحصيل العلمي وكرة القدم غاية الجميع، رغم «المطبات» الكثيرة، ولئن كان لاعبو البطولة المحترفة في الوقت الحالي، قد لفتوا الأنظار مؤخرا، بإصرارهم على نيل أكبر الشهادات، ويكفي أن عددا كبيرا من لاعبي الرابطة الأولى، حائزون على شهادة البكالوريا (بلقاسمي، بن شريفة، عروسي، العمري، يطو وعودية وجحنيط) ويسعون لنيل شهادات، تكون خير زاد لهم بعد اعتزال الكرة.
سمير. ك

الرجوع إلى الأعلى