لطالما كانت البطولة المحلية تشهد منافسة استثنائية، وممتعة لا يمكن توقعها بأي حال من الأحوال، غير أن المعطيات تغيّرت في المواسم الأخيرة مع تحوّل ملكية عدد من الفرق إلى بعض الشركات والمؤسسات الوطنية، ما انعكس بالإيجاب على نتائج هذه النوادي، على غرار شباب بلوزداد الذي بسط هيمنته مؤخرا على لقب البطولة، مثله مثل اتحاد العاصمة المتوج هو الآخر بعدد من الألقاب منذ ولوج عالم الاحتراف، بينما افتك النادي الرياضي القسنطيني، بفضل البحبوحة المالية التي يعيشها مع شركة الآبار ثاني لقب في تاريخه (موسم 2017 - 2018)، في انتظار ما ستسفر عنه المنافسة في الموسم الكروي الجديد الذي لم يعد يفصلنا عن انطلاقته سوى أسبوعين فقط، ولو أن كل الترشيحات تصب في خانة الزبائن التقليديين، لما يمتلكونه من إمكانيات ضخمة، كما أن تحضيراتهم كانت في المستوى، مقارنة بـ«العاجزين» ماديا، ونعني بالذكر الفرق التي لا ترعاها شركات وتفتقد للممولين وعقود «السبونسور»، وهو ما تسبب في تأخر انطلاق تحضيراتهم الصيفية، في صورة ما يجري مع فريق هلال شلغوم العيد الذي لا يزال لحد الآن في نقطة الصفر في غياب أي مسؤول، بعد انسحاب رئيس مجلس الإدارة بورواق.

وإن كان فريق شباب بلوزداد قد بسط هيمنته المطلقة على لقب البطولة في آخر ثلاث مواسم (2020/2021/2022)، فإن مأموريته للتربع مجددا على عرش النسخة الجديدة من الدوري الجزائري لن تكون سهلة، رغم التدعيمات القوية التي أجرتها إدارة الرئيس محمد بن حاج في فترة الانتقالات الصيفية الحالية، في ظل الاستعدادات القوية التي أجرتها نواد أخرى تمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية ما يرشحها أيضا لقول كلمتها، على غرار مولودية الجزائر التي عززت صفوفها بعديد النجوم، ووفاق سطيف «المستعينة» بمدرب قدير في شاكلة المصري حسام البدري، دون نسيان اتحاد العاصمة وشبيبة القبائل، الباحثان عن استعادة الأمجاد الضائعة، رغم بعض المتاعب التي صادفتهما في فترة الاستعدادات الصيفية.
شباب بلوزداد «قتل» المنافسة منذ الجائحة
يعتبر شباب بلوزداد آخر الفرق الحاملة للقب البطولة المحلية، بعد تحقيقه الموسم الفارط للمرة السابعة في تاريخه، ليلتحق بوفاق سطيف واتحاد العاصمة (7 ألقاب للنوادي الثلاث)، ونجح أبناء العقيبة في «قتل» المنافسة منذ فترة جائحة كورونا، وهذا حينما قلبوا آنذاك الطاولة على فريق وفاق سطيف، ليعودوا ويكرروا هذا الإنجاز موسم (2020/2021)، والذي أنهوه في صدارة الترتيب العام بفارق مريح عن بقية المنافسين، بفضل تألق أرمادة من اللاعبين المتميزين، في مقدمتهم «المايسترو» أمير سعيود المُحوّل فيما بعد إلى الدوري السعودي، بينما لم ينجح أحد الموسم الماضي في مقارعة «السياربي»، المستفيدة من الدعم اللامتناهي من شركة «مادار»، التي وفرت كل شيء لنجاح هذا الفريق، بدليل أنها جلبت له مدربين كبار في صورة زوران مانولوفيتش والبرازيلي ماركوس باكيتا مهندسا التتويجين الأخيرين، ولو أن إدارة بلوزداد تخلت عنهما بعد فترة وجيزة، في خرجة تثير أكثر من علامة استفهام وتؤكد غياب ثقافة الاحتراف الحقيقي.
وأبرم الفريق الجزائري الوحيد الحائز على لقب البطولة في ثلاث مناسبات متتالية عددا من التعاقدات، خلال فترة الميركاتو الحالي وصفها أهل الاختصاص بـ «السوبر»
( لب عدة لاعبين دوليين في صورة إسحاق بوالصوف وإدريس سعدي ومعاذ حداد ويوسف لعوافي)، في خطوة يود من خلالها القائمون على شؤون هذا الفريق الحفاظ على لقب البطولة للمرة الرابعة تواليا، ولم لا المنافسة على بقية البطولات المتاحة، ولئن كان كأس رابطة أبطال إفريقيا الهدف الأسمى بالنسبة للتشكيلة البلوزدادية التي اكتسبت الخبرة، بعد مشاركتها المتميزة في آخر نسختين، أين ودعت المسابقة من أدوار جد متقدمة ( الربع والنصف النهائي). جدير بالذكر، أن إدارة شباب بلوزداد كانت حريصة على إسناد مهمة العارضة الفنية لمدرب مُلم بخبايا الكرة الجزائرية، حيث وقع اختيارها على التقني التونسي نبيل الكوكي، الذي بصم على تجربة مميزة مع وفاق سطيف.
«الزبائن التقليديون» تحركوا لتدارك الموقف
ورغم أن كل المعطيات تضع شباب بلوزداد كأول المرشحين للفوز بلقب البطولة في نسختها الجديدة، لما يمتلكه هذا الفريق من إمكانيات مادية وبشرية، إلا أن الزبائن التقليديين أو بالأحرى المتعودين على المنافسة على الألقاب، في صورة مولودية الجزائر ووفاق سطيف وشبيبة القبائل واتحاد الجزائر لم يظلوا مكتوفي الأيدي قبل الموسم الكروي الجديد، بل تحركوا بقوة في سوق الانتقالات الصيفية الحالية لتدارك الموقف، على أمل النجاح في إزاحة شباب بلوزداد من عرشه، واتسعت دائرة المنافسة بشكل ملحوظ، مقارنة بالمواسم الماضية، وهو ما ينبئ بموسم مثير، خاصة وأن التركيز كله سيكون منصبا على المسابقات المحلية، بعد تأجيل نهائيات «كان 2023»، والتي كانت ستشغل دون شك بال الجزائريين.
5 فرق مرشحة جلّها يعيش «بحبوحة»
ولن تقتصر المنافسة على اللقب على فريقين اثنين، بل ستمتد إلى خمسة نوادي على الأقل، والبداية بمولودية الجزائر التي يرشحها العارفون بشؤون وخبايا الكرة الجزائرية، لتكون أبرز منافس لشباب بلوزداد، لما أبرمته إدارة الحاج رجم من تعاقدات «سوبر» هي الأخرى، بدليل أنها جلبت عدة دوليين، على غرار حلايمية وعبد اللاوي ودحامني وذبيح ومصمودي، دون نسيان الاستعانة بمدرب قدير، ويتعلق الأمر بالتقني البوسني فاروق هازديفيتش، المتعوّد على الفوز بالألقاب أينما حل وارتحل، ناهيك عن برمجة فترة تحضيرات متميزة، وهذا من خلال التربص خارج الوطن (تركيا)، وكلها معطيات تؤكد أن «البحبوحة» المالية من أبرز العوامل لدخول دائرة المرشحين، والتي تضم أيضا فرقا أخرى تابعة لشركات ومؤسسات وطنية، في صورة اتحاد العاصمة وشباب قسنطينة، فضلا عن وفاق سطيف وشبيبة القبائل اللذين يمتلكان عقود سبونسور عديدة، مكنتهما من دخول الميركاتو بقوة.علما وأن وفاق سطيف واتحاد الجزائر كلاهما حل ثانيا خلف الشبيبة القبائلية برصيد 8 ألقاب، بينما شباب بلوزداد ومولودية الجزائر يتواجدان في الصف الثالث بـ7 ألقاب، ما يؤكد بأن المنافسة كانت ولا تزال مشتدة بينهم هؤلاء الفرق.
عودة بعض الدوليين ستزيد الدوري إثارة ومتعة
ومما لا شك فيه هو أن عودة بعض اللاعبين الدوليين، ستزيد الدوري الجزائري إثارة ومتعة، على اعتبار أن المنافسة لن تكون مقتصرة بين فريقين أو ثلاث، بل ستمتد إلى أكثر من خمسة فرق، وكلها أمور ستعيد الاعتبار لبطولتنا المحلية التي انخفض مستواها بشكل ملحوظ منذ جائحة كورنا، إلى درجة تسببت في تراجع تصنيفها على المستوى القاري، وإن كان البعض يربط ذلك بالنتائج الهزيلة المسجلة في المسابقات القارية، حيث يعود آخر تتويج جزائري إلى سنة 2014، عندما افتك وفاق سطيف لقب دوري أبطال إفريقيا وكأس السوبر الإفريقي.
ويعتبر فاق سطيف هو النادي الجزائري الأكثر تحقيقا للألقاب بشكل عام، بتحقيقه لـ27 لقبا ما بين محلي وإفريقي، وتأتي شبيبة القبائل في المرتبة الثانية برصيد 25 لقبا، ثم مولودية الجزائر بـ22 لقبا واتحاد العاصمة بـ17 لقبا.
فرق تسعى للتأكيد وأخرى لاستعادة الأمجاد
يعد فريق شبيبة القبائل النادي الأكثر تحقيقا للقب البطولة في التاريخ، إذ سبق وأن توّج هذا الفريق العملاق باللقب في 14 مرة، وحل وصيفا في 10 مرات، بينما ظفر وفاق سطيف واتحاد الجزائر باللقب في 8 مناسبات، فيما حصدت مولودية الجزائر وشباب بلوزداد هذا التاج 7 مرات، لتأتي مولودية وهران بأربعة ألقاب، وإن كانت الحمراوة تعاني في السنوات الأخيرة، حيث باتت مهددة كل موسم بالسقوط، بالموازاة مع معاناتها من ضائقة مالية خانقة، شأنها في ذلك شأن بقية الفرق المصنفة في خانة «المفلسين»، في ظل عدم امتلاكها لأي ممول، وتسعى بعض الفرق للتأكيد، ويتعلق الأمر بالزبائن التقليديين المتعودين على المنافسة، بينما تبحث فرق أخرى عن استعادة الأمجاد، في صورة شبيبة القبائل الغائبة عن منصة التتويج منذ فترة، وإن كان هذا لم يُزحها عن عرشها لحد الآن.
السنافر في رحلة البحث عن النجمة الثالثة ولكن..
ويبدو أن كل الفرق التي ترعاها مؤسسات وشركات وطنية، يمكن وضعها في خانة المرشحين لافتكاك اللقب لما تمتلكه من إمكانيات مادية وبشرية، باستثناء شباب قسنطينة الذي ورغم البحبوحة المالية التي يعيشها الفريق التابع لشركة الأشغال في الآبار، إلا أن الجميع يخشى من موسم كارثي، في ظل الفراغ الإداري الذي عكر صفو التحضيرات الصيفية، كما أن قضايا النزاعات التي يمتلكها الشباب على مستوى الفيفا ( طراوري وشيبوب) قد تعصف بكل أحلام السنافر، الباحثين عن الظفر بالنجمة الثالثة، خاصة في وجود مدرب في شاكلة خير الدين مضوي الذي قاد الوفاق لإنجازات فريدة من نوعها على المستوى المحلي والقاري، ويعود آخر تتويج للسنافر إلى موسم (2017/2018)، عندما حصد أشبال عمراني ثاني لقب في تاريخ الشباب، في انتظار الاحتفال بتتويج جديد، ولئن كانت كل المعطيات لا ترشح أبناء الصخر العتيق لمزاحمة الكبار.
الخطر يحدق ببعض الأندية بسبب الأزمة المالية
وإن كانت دائرة المرشحين للمنافسة على اللقب «مُتسعة»، في وجود عدة أندية قادرة على مزاحمة شباب بلوزداد على شرف التتويج بالنسخة الجديدة للدوري الجزائري، فإن دائرة المهددين بالسقوط تبدو «مُتسعة» هي الأخرى، في ظل المتاعب المادية التي تتخبط فيها عدة فرق، خاصة تلك التي لا تمتلك أي ممولين، على غرار هلال شلغوم العيد واتحاد بسكرة ونجم مقرة ومولودية وهران وجمعية الشلف، وهي النوادي التي صارعت الموسم الماضي إلى آخر الجولات من أجل النجاة من شبح السقوط، الذي عصف بأحلام نصر حسين داي وأولمبي المدية.
نوادي في سبات وأخرى مثقلة بالمشاكل !
وتشير بعض المعطيات الحالية، أن هناك بعض النوادي المحلية ستعاني الأمرين خلال الموسم الكروي الجديد، في ظل المشاكل المالية التي تتخبط فيها، والتي حرمتها من إبرام تعاقدات في المستوى، كما جعلتها لا تبرمج تربصات خارج الوطن، وإن كانت وضعية هلال شلغوم العيد هي الأسوأ بشهادة الجميع، حيث يتواجد مسؤولو هذا الفريق في سباب عميق، في ظل تمسك رئيس مجلس الإدارة بورواق بقرار الانسحاب، دون نسيان مولودية وهران التي لا تمتلك مدربا لحد الآن، فضلا عن مشاكلها على مستوى لجنة المنازعات (الديون)، ما يهدد تأهيل لاعبيها الجدد، وبالتالي فإن الخطر محدق بعديد الفرق وفي مقدمتها النوادي «المفلسة»، والتي ستكون أمام مأمورية مستحيلة من أجل البقاء في قسم النخبة.
سمير. ك

الرجوع إلى الأعلى