يطالب التاجر في مختلف الشرائع السماوية والوضعية والأعراف الأخلاقية الإنسانية بإقامة العدل والقسط في الكيل والميزان، فلا ينقص منه شيئا ولا يزيد عليه شيئا؛ حتى لا يَظلم ولا يُظلم، وتلك خاصية التجار البررة الأوفياء الصادقين في كل أمة وفي كل عصر، وقد أكد الإسلام على هذه القيمة الأخلاقية الإنسانية التي عليها قوام نظام العمران البشري، فقال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ، وقال أيضا:  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ))، ثم أمر بها المكلفين فقال الله تعالى: ((أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ* وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)).
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
لكن؛ بجانب التجار العدول العادلين الذين هم السواد الأعظم في كل زمن، ثمة صنفان آخران: صنف الذين يخسرون الميزان ويطففون الكيل فيأكلون أموال الناس ويسلبونهم حقوقهم بغير حق، من مختلف السلع والمبيعات الجافة والسائلة، المنقولة والقارة، وهؤلاء ليسوا من الأبرار بل من الفجار، يصدق فيهم قوله تعالى: ((«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِي»))، لأنهم ينتمون إلى صنف المفسدين للمجتمع وحركيته الاقتصادية بالغش والتدليس والكذب والاحتيال، وقد يحتقر بعض التجار التطفيف الطفيف ويعتقدون أن بضع غرامات من الوزن يخسرونها لصالحهم لا تضر ولا تنفع، وهذا خطأ وضلال؛ لأن البضع غرامات من هذا وذاك، ومن هذه السلعة وتلك، ستصير كيلوغرامات مع نهاية اليوم، والكيلوغرامات ستصير قناطير بنهاية الشهر والقناطير ستصير أطنانا في نهاية السنة، وتظل تتضاعف بالسنين حتى تثقل كاهل التاجر في الدنيا والآخرة، ولا يتأتى له توبة منها ليس لأنها كثيرة فحسب بل لأنها مفرقة على مئات أو آلاف الأشخاص ممن يستحيل جمعهم وطلب العفو منهم، وإعادة الحقوق لهم، حتى يجد نفسه وجها لوجه معهم يوم القيامة يطالبونه بحقوقهم، ذلك اليوم الذي قال فيه الله تعالى: ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) وقوله تعالى:: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ.
وصنف ثان لا يكتفي بإقامة العدل؛ بل يبادر إلى الإحسان والعفو والزيادة حتى يطمئن على الوفاء من جهة ويكرم المبتاعين من جهة ثانية، وهذا من الصنف هم التجار المحسنون الذين يتراكم إحسانهم تباعا حتى يجدوه يوم القيامة أطنانا؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، قال الله تعالى: (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )) ناهيك عن البركة في الرزق في الدنيا.
لذلك حري بالتاجر المسلم الاحتياط لدينه في تجارته حتى يغدو من العادلين أو المحسنين ويربأ بنفسه عن الظلم والسحت والحيف، وذلك في حدود طاقته، دون ان يتعمد التطفيف والتحايل، قال الله تعالى: ((وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )).                           
ع/خ

العناصر الطبيعية والاجتماعية للجمال والسعادة
قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران:14، دلّت هذه الآية على العناصر الجمالية الجالبة للسعادة، التي زَيّنَ اللهُ تعالى بها الحياةَ الدنيا، والتي اعتبرها القرآن الكريم من الطيبات الحلال والمتاع المباح، وجُبِلَت النفسُ على حبّها والسعي من أجل اكتسابها:
(أولهاالنِّسَاء): فالمرأة عنصر جمال في الكون، لها قيمتها وقدرها، كرمّها الإسلام، وأوصى بها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، والرجل جُبل على حُبّها، والسعي بماله من أجلها، وهي جناحه الثاني، فهي خير معين له في السراء والضراء، تدخل عليه السرور والبهجة، وهي أمه وجدته وزوجته وبنته وأخته وعمته وخالته، إنها تمثل نصف المجتمع، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول صلَّى الله عليه وسلَّم: (حُبِّبَ إليَّ من دنياكمُ النِّسَاءُ والطِّيبُ وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاة) رواه النسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن حجر. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا كلُّها مَتاع، وخير مَتاع الدنيا المرأة الصالحة) رواه مسلم، وفي رواية النسائي وابن ماجه: (إنما الدنيا مَتاع، وليس من مَتاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة) صحَّحه الألباني، وفي رواية الحاكم قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتُعجِبك، وتَغِيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك). (وثانيها الْبَنونَ): نعمة عظيمة، هم مقصد الزواج وبناء الأسرة، وزينة البيت، وقوة الترابط بين الوالدين، وأمل المستقبل، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف:46).
(ثالثها القناطير الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ): إشارة إلى نعمة المال، عصب الحياة، وذخر الإنسان في الشدة، به يقضي أموره وينال حاجاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ)
(رابعهاَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ): إشارة إلى وسائل الركوب، التي توفر الراحة، وتيسر السفر والتنقل، قال تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) النحل:8، وقال: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) النحل:7.
(خامسها الأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ): قرن القرآن بينهما إشارة إلى الطيبات التي خلقها الله تعالى مما يشتهيه الإنسان من أنواع المآكل من اللحوم ومنتجاتها ومشتقاتها، ومن أصناف الثمار والزروع والفواكه التي تخرجها الأرض، قال تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) النحل:5، وقال: (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل:11، وقال: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) يس:33-35).
هذا كله متاع الحياة الدنيا الذي أباحه الله تعالى للإنسان مما يجوز التنعم به (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء...) ؛ لكن هذا المتاع الحلال لا ينبغي أن يُلهي الإنسان عن طاعة ربه تعالى والعمل من أجل الفوز بالنعيم الأبدي في الجنة (وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).

فتاوى
أريد معرفة هل هناك نصوص شرعية تعمل على تحديد ثمن السلع وحجم الفوائد التي يمكن أخذها؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أيها السائل المحترم ، اعلم أن الربح في المبيعات ثمرة البيع والشراء، غير أن هذه الثمرة ليست محددة بسقف ولا نسبة ، هذا فيما عدا بعض المسائل مثل أن تكون الدولة أو الحاكم قد وضع تسعيرا لبعض المبيعات، فهنا لا يجوز الاعتداء في الربح فوق السقف المحدد مراعاة للصالح العام. وأن تكون هذه السلع من الضروريات التي لا تقوم الحياة إلا بها، فإن المبالغة في الربح يوقع الشراة في حرج، والحرج مرفوع شرعا. وأن لا يكون العرض في سوق مخصصة للبيع وقد اتفق الباعة على ثمن سلعة ما فيخالف هو بالنقص مثلا حتى يضر بغيره من الباعة فهذا أيضا لا يصح. أما فيما عدا ذلك فإننا ننصح البائع أن يراعي القدرة الشرائية عند المواطن ولا يجعل الطمع والجشع والاستغلال رائده إنما عليه أن يكون سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى كما كان قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم.
 إنني تاجر أستورد السلع من الدول المجاورة وأدفع المال لتسهيل تمرير سلعتي إلى الوطن، فهل ما فعلته يعتبر رشوة؟ ثم انتابني الشك في حلّيّة هذا المال فتوقفت عن الاستيراد، وشاركت أخي بهذا المال في تجارة داخل الوطن، فما حكم عملي بهذا المال؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛   فالرشوة هي أكل أموال الناس بالباطل، وهي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة لنيل ما يصعب الحصول عليه إما لأنه ممنوع شرعًا أو قانونا. وقد حرّم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة لذوي السلطة، كما حرّم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، وحظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين.  قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) (البقرة/188)   وعن ثوبان قال: (لعن رسول الله صل الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش). والرائش: هو الوسيط بين الراشي والمرتشي. فما قمت به أيها الأخ الكريم من تقديم المال لتسهيل عملية تمرير سلعتك هو عين الرشوة، لكن عدولك عن ذلك وامتناعك عن مثل هذا التعامل دليل توبتك والله عز وجل يقول في كتابه العزيز : (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات..) (الشورى/25)، أما قولك أنك شاركت أخاك بمالك في تجارة داخل الوطن وبالطرق المشروعة فالاكتساب بهذه الطريقة ممّا أحلّه الله لعباده، قال الله تعالى : (وأحلّ الله البيع) ودعا إليه الإسلام في نصوص قرآنية وسماه  ابتغاء من فضل الله.  فلا حرج عليك في مشاركتك هذه لأخيك سعيا للابتغاء من فضل الله، وتقرّب إلى الله بالأعمال الصالحة يعفو عنك زلاتك وهو القائل عز من قائل : (إنّ الحسنات يذهبن السيئات) (هود/144)،   وقال النبي صل الله عليه وسلم:» اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها».
 موقع وزارة الشؤون الدينية.

رئيس اللجنة الوطنية لصندوق الزكاة يكشف
سحب الصندوق من المساجد طمأنة للمزكين وحفظا لكرامة الإمام وقدسية المسجد
كشف عضو من اللجنة الوطنية لصندوق الزكاة خالد يونسي عبر صفحته في الفيسبوك أن  نزع صناديق الزكاة من المساجد ليقدم المزكون مباشرة زكاة أموالهم الى الحساب البريدي الجاري الخاص بصندوق الزكاة عبر الولايات بأمر من الوزير  الغرض منه الحفاظ على سمعة الإمام وكرامته وحرمة المسجد وقدسيته بعد تجرؤ البعض على الاعتداء عليه مما جعل السادة الأئمة في مواجهة مع هؤلاء المعتدين. فأراد الوزير تجنيبهم حرج المواجه، وأشار إلى أن صندوق الزكاة ليس ذلك الصندوق الخشبي الموضوع في قاعات الصلاة بل هو المؤسسة المشرفة على تنظيم الزكاة وفائدة هذا الإجراء كذلك صيانة أموال الزكاة وحفظ حقوق الفقراء وطمأنة المزكين وصيانة حرمة المساجد وترسيخ ثقافة مأسسة الزكاة.

الرجوع إلى الأعلى