يعد الحسد داء قلبيا خطيرا؛ لأن له انعكاسات على سلوك الفرد داخل محيطه، من شأنها أن تقوض أسس العلاقات الأسرية والاجتماعية والمهنية والعلمية والتجارية والرياضية والسياسية، وتنسف عرى الأخوة الإيمانية، وتحول دون ظهور الكفاءات بجودتها، وتكرس الرداءة والخبث والمكر والمداهنة؛ لأن الحاسد بسبب من الكبر والعجب والبغض وحب الجاه والحظوة والتفوق على الأقران والمرض النفسي، لا يرى إلا ذاته ولا يقبل نعما ولا مزية إلا لنفسه، لأنه في سكرته المرضية يستصغر من حوله ويضن عليهم بنعم الله على غرار ما فعل إبليس مع آدم، وما جابه به الكفار محمدا صلى الله عليه وسلم حين كفروا به حسدا من عند أنفسهم، فهو يمني النفس بزوال النعم على غيره بل قد يبادر إلى ذلك سواء بالعين اللصيقة بالحسد أو بالمكر والدسيسة، أو الشحناء والضغينة، أو الكذب والافتراء وطمس الحقائق، أو بالقتل والتصفية كما كان يفعل المتنافسون على الملك قديما؛ بل قد يقتل الأخ أخاه كما قتل قابيل هابيل، والجار جاره حسدا، وكثيرا ما نسمع عن جرائم اجتماعية خطيرة بسبب هذا المرض القلبي الخطير.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
ولأن الحسد رفض لعدالة الله وقسمة نعمه بين البشر كما قال الله تعالى: ((نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِياً( الزخرف: 32)، وقوله: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54))) (النساء)، فقد ترتبت عليه مخاطر على دين المسلم وعقيدته؛ من حيث إنه يفضي إلى زوال النعم ومحو آثر الطاعات التي سخر قسطا من عمره في أدائها، ففي الحديث: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا « [رواه البخاري]. وفيه أيضا: ( (الحسدُ يأكلُ الحسناتِ، كما تأكل النَّارُ الحطب)[رواه البخاري]، وقوله: ((دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاك لكم؟ أفشوا السلام بينكم).
وقد أكد العلماء أن الحاسد رغم ما يلحقه بحسده بالآخرين؛ سواء بالعين أو الأذى الحسي والأدبي، فإن لها عقوبات حسية وأدبية قبل وصوله إلى المحسود؛ منها: (غم لا ينقطع ومصيبة لا يؤجر عليه ومذمـة لا يحمد بها وسخط الرب، عدم التوفيق يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)، فعلى المسلم الحذر كل الحذر من هذا الداء الفاتك بالإيمان والطهارة والنبل والعلاقات الأخوية، لأن صفاء القلب أساس النجاة يوم القيامة كما قال الله تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]،  وليكثر الاستعادة منه بقوله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق: 1 – 5]وعلى المحسود التوكل على الله وتحاشي التطير والصبر على حاسده كما قال الشاعر:
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها   إن لم تجد ما تأكله
وليعلم الحاسد أن الرضا بما قسمه الله له سر السعادة والطمأنينة، وأن حسده مضر به شخصيا قبل مجتمعه، لأن الحسد يحرم المجتمع من طاقات أبنائه في شتى المجالات، سواء العلمية أو الرياضية أو التقنية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، فما من ميدان ظهر فيه الحسد إلا وتكرست فيه الرداءة، ولعل سر تفوق الغرب وظهور الإبداع والتفوق فيه في شتى المجالات؛ راجع بالأساس إلى أنه لا يعاني كثيرا من أمراض القلوب –كما قال الشيخ الغزالي- بخلاف حال الشرق، فهناك يؤخذ على يد الفاشل حتى ينجح وفي الشرق يلاحق الناجح حتى يفشل. وحري بالأئمة محاربة هذه الظاهرة الفاتكة وتحذير الناس منها، فالخير كل الخير عندما تفرح لنعمة تظهر على أخيك وتتمنى دوامها عليه. ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9))) (الحشر).
ع/خ

خدمة المواطنين شرف ونبل
إن المواقف والأحداث في كل مرة تستخرج القيم الاجتماعية النبيلة الكامنة في نفس الشعب الجزائري، كقيم التعاون والتضامن والمواساة والمؤازرة ... هذه القيم التي ظن الكثير من الناس أنها تلاشت واندثرت.
فقضية «عياش» رحمه الله تعالى كشفت عن نبل أخلاق الشعب وأصالته وتضامنه في الشدة ووقوفه مع بعضه البعض. وقد عشنا مثل هذه المواقف عند حدوث زلزال الشلف وبومرداس وفيضانات باب الوادي وغيرها.
شرف عظيم أن يكون الواحد منا خادما للشعب، ويقف بجانبه في الشدة والرخاء؛ فالإنسان هو أداة العمل، وهو وسيلة الإصلاح والتغيير والتطور؛ وهو متى حصل له وعي بذلك، وقناعة بجدوى عمله، وتخلص من عقدة النقص، وتجاوز احتقار ذاته، وآمن برسالته، وأدرك دورَه، وتحمّل واجبَه، واستشعر مسؤوليتَه، كان أكثر فعالية وحركة، وكان أكثر عملا وإنتاجا
وعلى الدولة أن تكون صارمة مع كل مسؤول يبقى حبيس مكتبه ويتعالى عن خدمة الشعب، ويقصر في حق مواطنيه ولا يتفاعل بسرعة مع قضاياهم العاجلة.
فكل مسؤول هو خادم للشعب، ومن لا يعجبه خدمة الشعب فليترك مكانه لمن يخدمهم.

دورة شرعية في الفقه المالكي
أقامت جمعية المعالي الدورة الشرعية السادسة لأكاديمية صناعة العلماء بولاية المدية؛ بعد دورة اسطنبول، أطرها الشيخ محمد ولد محمد المختار من مركز تكوين العلماء بموريتانيا؛ حيث خصصت لدراسة متن ابن عاشر في الفقه المالكي بأبوابه الستة، شارك فيها عشرات طلبة العلم الذين استلموا إجازات شرعية عقب انتهاء الدورة أمس الأول.

جمعية المعالي تفتتح ملف القيم في ملتقاها الدولي بمكتبة الحامة
  اختتمت جمعية المعالي مع نهاية العام ملتقاها الدولي حول (القيم) بالمكتبة الوطنية بالحامة بعد ثلاثة أيام من الأشغال، وهو ملتقى استقطب إليه ثلة من العلماء من داخل وخارج الجزائر؛ لاسيما من المغرب وموريتانيا وتونس وغيرها، مع جمهور علمي كبير من مختلف ولايات الوطن، الذين وقفوا على المعاني الدينية والحضارية للقيم والتجارب الإنسانية في تفعيلها.

فتاوى
اشترى والدي عقارا، ودفع بعض ثمنه واتفق مع البائع على إتمام تسديد باقي المبلغ بعد سنتين، لكن بعد أربعة أشهر طالبه البائع بباقي المبلغ، فاشترط والدي تخفيض الثمن، فما الحكم في ذلك؟
فالأصل أن يفي كل من البائع والمبتاع بما اتفقا عليه من شروط لقول النبي صلى الله عيه وسلم: « المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». وليس لهذا البائع أن يعود فيما رضي به ساعة إبرام العقد لقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود « المائدة/1.
فإن رجع البائع فيما اتفقا عليه من شروط واشترط دفع باقي المبلغ حالا دون تأجيل، فللمشتري أن يشترط شرطا جديدا كتخفيض الثمن، فإن رضي البائع وخفض الثمن فهو عقد جديد يستلم بمقتضاه ثمن مبيعه حالا، أما إن رفض فيبطل شرطه الثاني وصح العقد مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم السالف الذكر
ما حكم الإجارة والكراء وأخذ الثمن على الأعمال؟
الإجارة بأصنافها ينظر فيها إلى جنس الثمن والمنفعة. أما الثمن فيشترط فيه أن يكون طاهرا، منتفعا به، مقدورا على تسليمه، مملوكا لصاحبه، وهذه الشروط كما تلزم في الثمن تلزم في المثمن، فمنها المتفق على جوازه، ومنها الممنوع جوازه. فالمتفق على جوازه ما توفرت فيه الشروط السابقة، والمتفق على منعه هو ما خالف الشروط السابقة، وذلك كالميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها من المحرمات شرعا، فيحرم الانتفاع بها بالبيع والشراء والإجارة، ومنها أجر النائحة وثمن الكلب وحلوان الكاهن وأجر المغنية، وأجر البَغِيِّ. ومن ذلك ما تكره الإجارة عليه كالإمامة وتعليم القران الكريم، إلا إذا كانت الأجرة من بيت المال وصاحبها فقير فلا يعطى لأجل الصلاة أو القرآن، ولكن لفقره وحاجته. ومن الإجارة المباحة الإجارة على البناء والغرس وخدمة الأرض والخياطة والحدادة والنجارة والحياكة والصباغة والقصارة وغيرها من سائر الأعمال اللازمة التي يحتاج إليها الناس فيها إلى بعضهم البعض، ومثلها إجارة الماعون والبسط والحلي، فكلها إجارة مباحة. ومثلها الكراء ككراء الدواب والسيارات وغير ذلك، واختلفوا في كراء الأرض بما يخرج منها، فقوم أجازوها، وقوم منعوها، وذلك لحديث رافع بن خديج «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نحاقل الأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك»، أو كما قال.وممن منعها من التابعين طاووس وأبو بكر بن عبد الرحمن، ومذهب الجمهور الجواز لما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وإنما قال: «أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ منه شيئا»، قالوا: «قد قدم معاذ بن جبل رضي الله عنه اليمن وهم يخابرون وأقرهم على ذلك، والمخابرة كراء الأرض بما يخرج منها،
هل تجوز مثل هذه المعاملة شرعا حيث يبتاع الشخص جهازا ما من البائع فيدفع الثالث المبلغ حالاً على أن يسدده له الشخص المبتاع بعد أشهر بفائدة تقدر بـ 10 % ؟
إن ما ذكرته أيها الأخ الكريم في رسالتك عبارة عن قرض يقدمه الشخص الذي يدفع المبلغ حالاً على أن يسدده له المبتاع بعد أشهر بفائدة معينة، وهذا عين الربا الذي حرّمه الله عز وجل بقوله في كتابه العزيز:» وأحل الله البيع وحرم الربا» البقرة 175، وقد شدّد الوعيد للمتعامل بالربا إذ جاء ذلك في قوله تعالى:» الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس» البقرة /275 وقد شرع القرض للرفق بالناس ومعاونتهم على شؤون العيش وتيسير وسائل الحياة، وليس وسيلة للكسب والإثراء.
 موقع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف

الرجوع إلى الأعلى