يرغب الإسلام في الصدقات ويثيب عليها أعظم الثواب؛ لأنها وسيلة تطهير المال وتزكية النفس، وتعبير عملي على شكر الله المنعم، وضرب من التكافل الاجتماعي الذي يجتث عوامل الفقر وبؤر التوتر، وشتى الأمراض النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، تتجلى من خلالها مظاهر الرحمة والإحسان في المجتمع المسلم؛ وكل صور الإحسان تعد صدقات؛ سواء أكانت عطايا عينية أو خدمة يؤديها المسلم لأخيه مفرجا كربته وميسرا أمره أو حلا لمشكلته، أو قرضا أو هبة أو مساعدة أو وساطة خير أو إعارة؛ بيد أن الإسلام يأبى أن يقترن بهذه الصدقات منّ أو أذى من قبل المتصدق على المتصدق عليه؛ ففي هذه الحال يكون الكف عن الصدقة أولى وأحسن وليكتف بالكلمة الطيبة والدعاء؛ حفظا لكرامة الفقير المحتاج ومشاعره.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
فالمن هو تعداد الفضل وترديده من قبل المنعم على مسمع المحسن إليه المنعم عليه، أو غيره؛ بشكل يشي بالفضل والاعتداد والتمدح؛ والأذى: كل ما يؤذي المنعم عليه من قول أو فعل أو إشارة جارحة؛ كأن يذكر المنعِم المنعم عليه كل مرة بما أسدى إليه من صدقة أو خدمة، أو يتلفظ بكلمات جارحة عند الصدقة تؤذي مشاعر المتصدق عليه؛ فهذا المنعم المتصدق لا يختلف حاله عن حال المرائي بعمله والرياء مظهر صغير من مظاهر الشرك الأصغر.
وكلاهما أعني المن والأذى محبط لأجر الصدقات متلف لما يترتب عليها شرعا من الثواب؛ مصداق قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))
قال القرطبي: (قال جمهور العلماء في هذه الآية: إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن أو يؤذي بها فإنها لا تقبل، وقال: مَثَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَمُنُّ وَيُؤْذِي بِصَدَقَتِهِ بِالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالْكَافِرِ الَّذِي يُنْفِقُ لِيُقَالَ جَوَّادٌ وَلِيُثْنَى عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الثَّنَاءِ. ثُمَّ مَثَّلَ هَذَا الْمُنْفِقَ أَيْضًا بِصَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَيَظُنُّهُ الظَّانُّ أَرْضًا مُنْبِتَةً طَيِّبَةً، فَإِذَا أَصَابَهُ وَابِلٌ مِنَ الْمَطَرِ أَذْهَبَ عَنْهُ التُّرَابَ وَبَقِيَ صَلْدًا، فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُرَائِي. فَالْمَنُّ وَالْأَذَى وَالرِّيَاءُ تَكْشِفُ عَنِ النِّيَّةِ فِي الْآخِرَةِ فَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ كَمَا يَكْشِفُ الْوَابِلُ عَنِ الصَّفْوَانِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الْكَبِيرُ الْأَمْلَسُ)، وقال أيضا: (المن يقع غالباً من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية، وإن كانت حقيرة في نفسها، والمُعجب يحمله العُجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه مُنعِم بماله على المُعْطَى، وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه).
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .. الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رواه مسلم
فعلى المسلم إن أراد ثوابا على صدقته أو ما يسديه للناس من إحسان وخدمة أن يتحاشى المن وترديد هذا الفضل كل مرة، وعليه أن يحرص على أن لا يشعر المتصدق عليه بأي مشاعر سلبية من توبيخ أو شماتة أو إبداء ضجر بعد الصدقة؛ لأن من يفعل ذلك يكون قد أضرم في حسناته وصدقاته النار فأحرقها بيده من حيث يظن أن له من ورائها خيرا كثيرا.
ع/خ

فقه الحضور في المساجد (1)
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على الاعتناء بالمساجد، وتنظيفها في أكثـر من حديث، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك أناس معنيون بتنظيف المسجد، ولما مات أحدهم و لم يُخبَر الرسول صلى الله عليه وسلم بموته حزن، وذهب إلى قبره، وصلى عليه .
والمؤمن إنما يكفيه شرف الطاعة والامتثال لما أمر، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بتنظيف المسجد وتطييبه ، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا ” رواه أحمد..وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ ( أي الأحياء ) وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ ” .رواه الترمذي. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (أي ينظفه) فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ : أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ ـ أَوْ قَالَ : قَبْرِهَا ـ فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا ” رواه البخاري ومسلم .فهذه الأحاديث اشتملت على أمر نبوي، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم يؤجر عليه فاعله .قال ابن حجر في فتح الباري : “وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ , وَالسُّؤَالِ عَنْ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ “.
ثم إن المسلم يكفيه لفعل الطاعة أن يعلم أنها أمر الله ورسوله ، وهذا من كمال إسلامه ، ولا بأس أن يسأل عن الحكمة أو الثواب ليطمئن قلبه .

فتاوى
المعتاد عند بعض المناطق أن أجرة عصر الزيتون تدفع من المحصول ذاته (كل 10 أكياس من الزيتون يؤخذ منها 01 كيس واحد لصاحب المعصرة) فهل هذه الأجرة تدخل في حساب النصاب المطلوب لإخراج الزكاة، أم تطرح من المجموع الكلي؟
فإن نصاب المحاصيل الزراعية المزكاة يكون من كل محصول قبل دفع الأجرة و قبل تسديد لأية تكاليف ، لأن الله تعالى يقول (وأتوا حقه يوم حصاده) وعليه فمن كان منتوجه من الزيت 1000 لتر مثلا ثم دفع أجرة العصر 100 لتر ،فإنه لا يزكي عن 900 لتر، بل يجب عليه أن يزكي عن 1000 لتر.
ما مقدار زكاة زيت الزيتون، علما أن صاحب الأشجار يكلف من يجنيه مقابل جزء منه، وهل يزكى المحصول قبل أن يأخذ الأجير نصيبه أم بعده؟
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وفرض عين على كل من توفرت فيه شروطها، وثبتت فرضية زكاة الثمار بقول الله عز وجل :» وآتوا حقه يوم حصاده» وقول النبي – صلى الله عليه وسلم - :» ما سقت السماء ففيه العشر وما سقى غرب أو دالية ففيه نصف العشر» وعلى ضوء هذا الدليل يتبين مقدار زكاة الزيتون إذ يتراوح بين العشر ونصف العشر تبعا لطريقة السقي، وعلى صاحب الأشجار أن يخرج الزكاة على كل المحصول إذا بلغ خمسة أوسق وهو ما يعادل 53، 6 قنطار لتوفر شرط الزكاة وهو الملكية أما ما يأخذه العامل فهو عبارة عن أجر مقابل ما قام به من العمل.

موعظة نُصحية لكل أحد»
نظرت إلى عوام الناس، فرأيت مَن يُنَصِّب نفسه داعية مرة. ومرة أخرى عالماً، ومرة فقيهاً، ومرة مصلحاً، ومرة مفتياً. وهو في العلم خالي الوفاض، ويتدخل في كل ما لا يعنيه، وهو يدعي الإسلام، والإيمان، والإصلاح؛ فكان وبالاً على الناس، ونسي قول نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم-: (مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُ ما لا يَعْنيه) رواه الترمذي، وابن ماجه، وغيرهما. ولذلك اختلط الحابل بالنابل. والكثير من العوامّ ينطق بلسانه كلاماً على عواهنه. أي كلاماً هشاً لا معنى له، ولا فائدة منه، ولا علم فيه، ولا خلفيّة علمية صلبة لقائله. وعواهن الكلام من اشتقاقات العهن المنفوش. أي الصوف الهش غير المتراكم حيث ذكره القرآن هشاً لا صلابة فيه؛ فهو منفوش.
هذه موعظتي أقولها لكل أحد: نظرت إلى عوام الناس فوجدتهم صنفين: فمنهم من جعل من نفسه بوقاً لغيره، فلا يحترمه أحد، ولا يساوي عنده درهماً. ومنهم من استقل بنفسه، وانفرد برأيه، واعتز بشخصيته، فهذا يحترمه كل أحد، وهو عنده أغلى من الذهب. احترم نفسك أيها الأحد، ولا تكن بوقاً لأحد، فيحترمك كل أحد؛ وإّلا الموت أفضل لك من كل شيء اسمه أحد، وعش تحت التراب، فيدوسك بقدميه كل أحد؛ فقد جنيت على نفسك، ولم يلزمك بهذا المصير أحد. فتبَاً لكل واحد داسته الأقدام من كل أحد. وإن احترمت نفسك، فلا تخش أن يفارقك كل أحد؛ فكل أحد في هذه الدنيا بحاجة إلى كل أحد.
وإن فارقك الكثير من كل أحد، فسنّة الله تبقى أن تكون متصلاً بغيرك من كل أحد ولو بالروح لا بالعين تبقيان متصلَيْن. وطيفك كما هو طيف كل أحد مجتمعان في كل مكان. كما قال الشاعر الكويتي فهد الخالدي:
أنا ما خشيتُ من الفراق لأننا بالروح لا بالعيْن متصلان.  والطيف منك يزورني وأزوره فأنا وأنت معاً بكل مكان.
وان أردت وُدّ كل أحد، فأكثر من زيارة كل أحد، فتكن وردة في عين كل أحد؛ والودود من الناس يحبه كل أحد. كما قال الشاعر: زرْ دارَ وُدٍّ إن أردت وروداً زادوك وُداً إن رأوك ودودا.
 وكن رحيماً عطوفاً، فيحبك كل أحد، ولا تكن فظاً غليظ القلب، فيكرهك كل أحد. وكن جاداً في حياتك، فيحترمك كل أحد، ولا تكن مائعاً يقلل من رجولتك كل أحد.
عندما كنا سادةً للعالم، كانت أقدامنا تدوس على رأس كل أحد. وبعد أن أصبحنا حثالة العالم، أصبحت رؤوسنا تدوس عليها أقدام كل أحد.

الرجوع إلى الأعلى