تكتسي حضانة الأطفال في نظر الإسلام أهمية حيوية بالغة؛ ذلك لأنها ليست مجرد ضم آلي للطفل المحضون لأم أو أب؛ بل إنها عملية تربوية ونفسية واجتماعية وصحية معقدة تسير في ضوئها حياة المحضون في قادم عمره سلبا أو إيجابا اندماجا أو نفورا، وتصقل شخصيته حين يتشرب في دفئها قيم الرحمة والتسامح والعطف والتعاون والتعايش والمدنية؛ لذلك أولاها عناية كبرى على مستوى أحكامها العامة وأحكامها التفصيلية.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
ولئن وفرت الدولة الحديثة فضاءات جديدة للحضانة خارج أسوار الأسرة فإن الأصل أن يتكفل الأبوان بهذه الوظيفة الإنسانية السامية حيث يغدق كل والد على ابنه ما حباه الله به من نعم أدبية أو مادية، فردية أو اجتماعية وبكل ما لا يستقل بتوفيره؛ حتى يكبر الولد سوي النفس والعقل والبدن؛ لكن قد يحدث لا قدر الله انشقاق في العلاقة الزوجية فيغدو الطفل طوعا أو كرها مجبرا على الركون لهذه الوالد أو لهذه الوالدة، وهو ما سيفقده مشربا حيويا كان يسهم في بناء كيانه الأدبي؛ في هذه الحال تتجلى عظمة الشارع وسيره في اتجاه مقاصد الحضانة السامية؛ حيث آثر الأم وأقاربها من الإناث على الوالد؛ لأن في أحضان الأم ومشاعرها وأنفاسها حاجات معنوية للطفل لا تتأتى إلا منها أو من نظيرتها لأنثى، فهي مصدر قيم الحنان والعطف والرحمة والتسامح والمودة وغيرها مما يحتاجه الطفل في هذه المرحلة العمرية حتى يشب سويا؛ بيد أن الحاجات المادية من نفقة وكسوة وعلاج وتعليم وغيره مما كان يوفره الوالد يمكن للطفل أن يصله من أبيه وول كان بعيدا، أو يقوم مقام الأب في توفيره الأم أو الدولة والمجتمع؛ بخلاف الحنان والرحمة التي لا تتدفق إلا من قلب أنثوي محب لطفل حبا صادقا جما.
فلا نتعجب والحال هذه أن نجد الأم أحق بالحضانة من أب (أنت أحق به ما لم تنكحي) سواء في حالة الطلاق أو التطليق أو الخلع؛ لأن الأمر هنا يتعلق بحقوق أخرى للطفل لا علاقة لها بحقوق المطلق والمختلع؛ فلو ترك الطفل وحيدا فإنه حتما سيضيع ويهلك أو ينمو منحرفا باحثا عن محضن أدبي يضمه؛ ولعل من عوامل انحراف الأطفال وجنوحهم افتقارهم لحضانة حقيقية قائمة على أصولها؛ لأن من لم يتشبع بقيمها صغيرا سيظل يلهث خلفها كبيرا كأي حق حرم منه؛ وقد لا يجد سوى جماعات منحرفة تسير به في طريق التطرف يمينا أو يسارا. والأم أكثر شفقة ورفقا وحنانا من الأب.
ولذلك تتجلى مظاهر اهتمام الإسلام بها فيما وضعه من شروط في الحاضن، ومنها الرشد والأمانة، والأمن والصحة والقدرة، وما اشترطه لسقوطها عنها أو فقدان الحق فيها على غرار الفسق والطيش والإهمال. ولهذا قال البعض: (االحضانة من المؤسسات الشرعية التي لا يوجد لها نظير في النظم الوضعية على الرغم من التطورات الحديثة فيما يتعلق بحقوق الطفل التي ظلت أكثرها توصيات غير محددة المعالم لا من حيث طابع عدم الإلزام بل أيضا من حيث الجهات المكلفة بها. ففي هذه المواثيق تسرد حقوق بدون جهات تجب عليها. ) بل جعل حضانة مجهولي النسب ومن ليس له أسرة على عاتق الدولة والمجتمع. لذا وجب على الحاضن أن يعي خطورة هذه الوظيفة الإنسانية وان يؤديها حق الأداء.                           
ع/خ

" البعولة والرجولة في المنهج القرآني"
في مقام الرجولة، والقوامة، والرعاية، وأداء التكاليف، والقيام بالواجبات الدينية، والدنيوية سمّى، ووصف الله الزوج «بعلاً»، ولم يُسمِّ، ولم يصف الزوجة «بعلة». لماذا، وما الحكمة ؟!!
وذلك تأكيدا، وتحقيقًا لأهليته، وأولوية الزوج الرجل في أداء أمانة القوامة، ورعاية الأسرة، وتربية الأبناء، وضرورة الإنفاق على زوجته، وأبناء أسرته، وقيامه بواجباته اتجاهها. فهو البعل، وهو المكلف بأداء القوامه ، وهو الذي يجب أن يخرج من البيت، ويطلب الرزق، ويفتش عن مصادر دخله، ودخل أسرته. و هو المكلف بالعمل ، و الوظيفة ، و النشاط، وجمع المال ، والإنفاق على بيته ، وأبنائه، و زوجته ، والإنفاق على علاج كل مَنْ يُعيله.
فالزوج البعل هو كالنبتة أي الشجرة ، و الأعشاب، والحشائش البريّة البعلية التي تنمو لوحدها حتى تمتد جذورها في الأرض. وينبت سوقها، وأغصانها، وأوراقها، وتزهر زهورها، وتطيب أثمارها دون حاجة إلى أحد لرعايتها ، أو الاعتناء بها ، أو إسقائها الماء ، أو بحراثة أرضها ، أو تسميدها ، أو خدمتها ، أو العناية بها ، أو حراستها ، أو تقليمها ..... إلخ. فهي تعتمد على نفسها، والأمطار الربانية في نمائها.
وكذلك الرجل البعل، فهو يعتمد على نفسه، وليس على زوجته بقوامة الإنفاق، وطلب الرزق. ولذلك فهو يشبه الشجرة البعل، فسمّاه الله بعلاً. فقد وردت كلمة البعل في القرآن عدة مرات، وفي مجالات عدة:
ففي مجال أولوية إرجاع المطلقة إلى طليقها، والزواج منها ثانية بعد طلاقها.  قال تعالى في سورة البقرة: ((وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)) آية 228.  وفي مجال عدم قدرة الزوج على الإنجاب بسبب شيخوخته، وفوات سن الإنجاب.  قال تعالى: ((قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)) سورة هود آية 72. وفي مجال تحليل رؤية زينة المرأة لبعض الرجال.
قال تعالى: ((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ)) سورة النور آية 31.
فالبعولة من مترادفاتها الرجولة، والذكورة؛ فيستحيل أن تطلق البعولة على الزوجة، فهي لا تحمل عناصر ذكورية ، وإنما كلها أنثوية. فالزوجة سماتها النعومة ، و اللطافة ، و الرّقة ، و الحساسية ، و الزينة ، و العاطفة ، و الغنوجة ، و الدلع ، والدلال... إلخ. وهذه صفات غير ذكورية فلا تؤهلها لأن تكون بعلاً. وبالتالي فهي لا تعتمد على نفسها في تحمّل المشاق ، وأداء التكاليف.وهي دومًا ، وطيلة حياتها تحتاج إلى من يرعاها، ويخدمها، ويدللها، وينفق عليها، ويجاملها، ويلبي حاجاتها بأنواعها. لذلك خلقها الله ليتمتع بها الرجل وتنجب له أطفاله، وتحفظ نسله، وسلالته. و لذلك ففي الأصل عليها الطاعة، وليست عليها الخدمة.
فالقوامة حق للمرأة الأنثى، وواجبة على الزوج البعل. وبعبارة أخرى ، فالقوامة حق أنثوي ، وواجب بعليّ ذكوريّ. 
إن الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون القوامة للرجال برجولتهم لا بذكوريتهم . وقوّامون على نسائهم بقلوبهم لا بسياطهم. و قوّامون بحنانهم لا بخشونتهم. و قوّامون بعدلهم لا بظلمهم. وقوّامون بطيبتهم لا بقساوتهم . وقوّامون بابتساماتهم لا بغضبهم. وقوّامون بكرمهم لا بتقتيراتهم . وقوّامون بتسامحهم لا بصفعاتهم. و قوّامون بعفوهم لا بشتائهم. و قوّامون بتوددهم لا بفتوتهم. و قوّامون بليونتهم لا بعضلاتهم.

فقه الحضور إلى لمسجد *الإمامة* (5)
إن المسلم حينما يحضر المسجد، ويقتدي بإمام مع إخوانه المسلمين، ويستمع للخطيب، تتأكد فيه المبادئ الإسلامية السامية، وتثبت في نفسه عظَمة الإسلام وحضارته الصافية النقية، وتحيا فيه معاني الصفح والمودة، والتواصل والتراحم، وحينما يهَشُّ المسلمُ في وجه أخيه ويبَشُّ له، ويصافحه ويعانقه، ينصهر ويذوب كل ما في القلوب من الضغائن والأحقاد، والمساجد كانت خير مراكز للتربية في العصور الإسلامية السالفة،
وإمامة المسجد وخطابته منصب كبير الشأن، والإمام والخطيب مرجع في المسجد للسائلين والمتفقهين والمتعلمين، وإذا كان له دروس نافعة، ومجالس علم دائمة -كأن تكون بين المغرب والعشاء كل ليلة- كان أثره أكبر، وعمله أجل. وقد أدركنا من هذا النوع شيوخا أجلة، كانوا مفزع الناس، وكانت مجالسهم عامرة بالنصح والإرشاد والنفع، يقصدها الزائرون في العشايا فيفيدون علما وتذكيرا وتبصرة. وقد يتطلع المرء اليوم فلا يجد من هذه المجالس إلا القليل القليل...
إن من المحزن أن يتقلص دور الإمام والخطيب من شيخ معلم ناصح مرجع يفيء الناس إليه إلى موظف يقوم بعمل (روتيني) باهت الظلال.

عمـر عبد الكافي بقسنطينة هذا الإثنين
سيكون المفكر الإسلامي الداعية عمر عبد الكافي ضيفا على مديرية الشؤون الدينية بقسنطينة هذا الأسبوع، ومن المنتظر ان يقدم محاضرة بمسجد الأمير عبد القادر قبل ظهر الاثنين للعموم، وذلك ضمن دورية علمية قادته إلى الجزائر حيث حل منذ يومين بالعاصمة.

فتاوى
من هم الذين يجب على اليتيم الذي لا يعرف أحدًا من عائلته أن يصلهم؟ وهل من واجب هذا اليتيم أن يبحث عن أمه؟
يقول النبي صل الله عليه وسلم :» خير بيت من بيوت المسلمين فيه يتيم يحسن إليه، وشرّ بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه»، وقال عليه الصلاة والسلام :» أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى» لما في الكفالة والاعتناء باليتيم من جزيل الثواب. وإذا شبّ هذا اليتيم ورشد وأصبح قادرًا على مواجهة مصاعب الحياة، فعليه أن يصل من أحسنوا إليه في ضعفه، وأنفقوا عليه في عجزه مصداقا لقول الله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (الرحمن/60). أما فيما يخصّ بحث اليتيم عن أمه فإن الله عز وجل قد خصّ الأم بالمكانة الرفيعة، قال تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) وقال النبي صل الله عليه وسلم  للذي سأله: من أولى بصحبتي قال: أمك، قال: ثم من، قال: أمك، قال:ثم من، قال: أمك، ثم قال أبوك وفي هذا بيان لمكانتها. فإن زاغت أم هذا اليتيم عن جادة الصواب، وارتكبت ما ارتكبته من خطأ، فالمرجو منه أن يصفح عنها، إذ الصفح عن الهفوة والزلّة خلق من أخلاق القرآن الكريم، وفضيلة من فضائل الإسلام وجانب من هدي النبي صل الله عليه وسلم ،ولا يمنعه الشرع من البحث عنها وبرّها إذا رق قلبه لها، فعسى أن تكون قد تابت إلى الله عز وجل توبة نصوحًا وندمت على خطئها.
هل يجوز شرعا لامرأة أن تجهض حملها الذي لم يتجاوز الأربعين يومًا، بسبب كون ولديها صغيرين لم يتجاوزا العامين إضافة إلى أن الحمل ينهكها صحيا؟
يعد قتل النفس عمدًا من أكبر الكبائر وأشدها عقوبة عند الله عز وجل، وقد ورد في الكتاب العزيز آيات كثيرة في مواضع متعددة تحرّم قتل النفس وتفرض أشد العقوبة على فاعله، منها قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء/29 وقوله تعالى: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيم) (النساء/ 93). كما جاء النهي عن قتل الولد في عدة آيات من الكتاب منها قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) (الأنعام/151). والجنين نفس لها الحق في الحياة، إذ يعد إجهاضه جناية يعاقب فاعله قانون السماء وقوانين الأرض، وذهب بعض العلماء إلى أن الجنين الذي يؤاخذ بإسقاطه هو ما تم تخلقه كأن يبلغ في بطن أمه أربعة أشهر، وبعضهم لا يشترطون ذلك بل يؤاخذ بإسقاطه ولو كان علقة، وقد نص على ذلك الدردير:» لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما».
ومن شناعة الجريمة أن يباشرها الأبوان أو أحدهما والمفروض أن يكونا أحرص الناس على حماية ابنهما من الآفات. إلاّ أن يتحقق الضرر بأن يكون بقاؤه يهدّد حياة الأم تهديدًا مؤكّدًا يخبر به أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء الموثوق بعلمهم وخبرتهم ولو لم يكونوا مسلمين، فإن كانوا مسلمين فقد تم الاطمئنان إليهم مع المعرفة والخلق القويم، وسواء كان الجنين في طوره الأول أو في طوره الأخير، حفظا لحياة الأم إذ هي الأصل، وتقديما لها على حياة الجنين وهو فرع منها.
موقع وزارة الشؤون الدينية

الرجوع إلى الأعلى