تجتاح المجتمع المسلم بين الفينة والأخرى آفة الإشاعة وتزداد طغيانا وانتشارا في زمن الفتن والاضطرابات، حيث تستعمل سلاحا من قبل البعض لتشويه المؤمنين لاسيما من عامتهم وخاصتهم، وتقويض أسس السلم الاجتماعي وزرع الريبة والشك في صفوف المجتمع؛ لاسيما وأن الإشاعة تجد لها عادة صدى سريعا وانتشارا على شكل وباء من قبل الناس الذين لا يكلفون أنفسهم عناء التحري و التبين من مدى صدق ما تلقوه ونقلوه من أخبار، ولهذا حذر الإسلام منها أشد تحذير وبين بعض سبل التصدي لها منها لتداعياتها.
لقد عرف العلماء الإشاعة بقولهم: (الأحاديث والأقوال والأخبار التي يَتناقلُها الناس، والقَصص التي يَروونها، دون التثبُّت مِن صحَّتها، أو التحقُّق مِن صِدقِها) فقد حرم القرآن الكريم نشر هكذا إشاعات مغرضة تمس المؤمنين مستهدفة تشويهم ونسبة الفاحشة لهم فقال الله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: 19]، بناء على ذلك أمر الله تعالى بتمحيص ما يتلقونه من أخبار والتثبت بها قبل نشرها أو بناء قرارات عليها؛ فقال الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]، وفي صدر الإسلام تعرض البيت النبوي لهزة عنيفة جراء إشاعة مغرضة عرفت بحادثة الإفك؛ مست أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها من قبل المنافقين، حتى نزلت آيات قرآنية تبرئها مما قالوا: فقال الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ  وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))؛ 'النور  11)، ودفعا لتفشي هكذا إشاعات أمر القرآن الكريم صاحب الدعوى بأن يأتي بالبينة على صدق ما يقول فقال الله تعالى: ((لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ  فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)))، وهو إجراء قضائي، لكن قبل ذلك أمر المؤمنين بأن يحسن بعضهم ببعض الظن إذا سمعوا سوء؛ فقال الله تعالى: ((لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12)))، فالأصل أن المؤمن بريء مما يذاع عنه وعلى أخيه المسلم أن يحتفظ له بالبراءة الأصلية ولا يدينه إلا ببينة، وهو الأسلوب ذاته الذي ظل المنافقون يستعملونه مع المسلمين في السلم كما في الحرب، فكثيرا ما حاولوا زرع البلبلة وتثبيط المؤمنين المتجهين للقتال بغيا للفتنة وسعيا لنشر الهزيمة النفسية بينهم.
لقد حذر القرآن الكريم من الإشاعات التي لها عواقب أخروية خطيرة فقال الله تعالى: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)))، لأن الإنسان مسؤول عن كل ما يتلفظه أو ينقله ويذيعه/ مصداق قوله تعالى:  مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  [ق: 18]،  وما هذا إلا لأن الإشاعة تقوض الأمن الاجتماعي وتفقد أبناءه الطمأنينة والاستقرار النفسي، وتقضي على أواصر الثقة بين أفراده حكاما ومحكومين، وقد تجعل كل الناس عرضة للمساس بأعراضهم، وقد تنسف بالأسر أو حتى بالدول؛ لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه وسائل الإعلام التي تساهم في نشر الإشاعات بسرعة على غرار الإذاعة والتلفزيون والجرائد وفضاءات التواصل الاجتماعي والتجمعات وغيرها، فليحذر المسلم من نقل وترويج الإشاعات مهما كثر مروجوها حتى يتيقن من صدق ما يسمع، بل إن عليه تحاشي نشر الأخبار المضرة بالأفراد والمجتمعات والأسر ولو كانت صادقة
ع/خ

خطورة الغدر


ليس من شيم المسلم صادق الإيمان الغدر؛ لأنه ينافي حقيقة الإيمان الذي يتجلى في الصدق والصفاء والوفاء؛ فهو طعنة في ظهر الغيب؛ لذلك جاءت نصوص كثيرة في بيان خطورته والتغليظ في تحريمه وعاقبته يوم القيامة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللَّهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ) مسلم، وعَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: (إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ) مسلم
وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ أَلاَ وَلاَ غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ) مسلم، وعَنْ عائشة رضي الله عنه قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ جَارَتْ عَلَيْهِمْ جَائِرَةً فَلا تَخْفِرُوهَا، فَإِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وعن ابن مسْعُودٍ وابنِ عُمرَ وأنس قَالُوا: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يوْمَ القِيامةِ، يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ) رواه البخاري ومسلم
لما كان الغدر أمرا خطيرا، ويتم في الخفاء، ولا يطلع عليه الناسُ، وضرره عظيم، فيوم القيامة يظهرُه اللهُ تعالى ويفضح أصحابَه، ويكشفُ ما كان يسرونه من المكر، ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق، قال ابن حجر في فتح الباري: "والحكمة في نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب اللواء"، وقال النووي في شرحه على مسلم: "لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة".واللواء يرفع ويشهر بصاحبه بقدر غدره وخيانته في الدنيا.
ويزداد إثم وعقوبة الغدر إذا كان من أصحاب المسؤوليات والوظائف؛ لأن خطره عظيم، ويتعدى ضرره إلى أناس كثيرين. فكل من تولى وظيفة أو تقلّد مسؤولية أو كُلّف بمهمة ولو كانت بسيطة أو تحمّل أمانة أو عقد عهدا أو ميثاقا، فغدر فعقوبته شديدة عند الله تعالى يوم القيامة، جزاء غدره وخيانته وخداعه وعدم النصح لغيره.

قضاها معلماً للقرآن في سلطنة عمان: رحيل الشيخ عبيد المقبالي عن عمر ناهز 127 عاماً


توفي، منذ أيام، الشيخ عبيد بن محمد المقبالي في سلطنة عُمان، عن عمر ناهز 127 عاماً. وأكدت وسائل إعلام، ووكالات أنباء وفاة الشيخ عبيد المقبالي من قرية العبلة بولاية عبري في سلطنة عُمان بعد حياة قضاها في خدمة كتاب الله تعالى تعلماً وتعليماً، وتلاوة وحفظاً ومؤذناً وإماماً للصلاة، وقد قام المغفور له بإذن الله تعالى ومنذ صغره بتلقين الأبناء تعاليم وحفظ كتاب الله ببلدة العبلة، إضافة إلى الأعمال الزراعية وحراثة الأرض، وعرف عنه أنه كان مداوماً على تلاوة القرآن الكريم وملازماً للمسجد ويؤم الناس في كل الصلوات بالبلدة وقد شارك في مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم الخامسة والعشرين كأكبر متسابق سنًا.

زمن اختلال الموازين الاجتماعية !
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ).

فتاوى

خطبت فتاة وتم العقد الشرعي بيننا، وقبل أن يتم الدخول طلبَت الطلاق وأصرت عليه دون أن تخبرني بالسبب، فطلبت من أهلها أن يعيدوا لي الصداق كاملاً مع ما قدمته لتجهيز العروس، لكنهم اشترطوا حضوري رفقة الشهود لإعلان الطلاق، فرفضت وعلقت طلاقها على تسليمي المهر وباقي الحاجيات، فما الحكم في ذلك؟
الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ؛
شُرع الزواج في الإسلام بغرض الدوام ما تحققت رغبة كل من الطرفين في صحبة الآخر، فإن فقدت هذه الرغبة فلا معنى لفرض الصحبة بالإكراه، فأعطى للرجل حق الطلاق، وأعطى في مقابله للمرأة حق الخلع، وذلك عند تعذر الوفاق في كلا الحالين. وحذّر من المضارة والعضل الذي ينافي أخلاقيات الإنسان المسلم، والذي قد يدفع إليه الغضب أو حب الانتقام، قال تعالى: ( )فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا  لتعتدوا( ( البقرة/231)) وشرع للمرأة إنهاء ارتباطها بهذا الزوج بالخلع إن تحقق ضررها منه، أما إن سألت الافتداء منه ولم يكن لها عذر فقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة".( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
فإذا أصرت هذه الفتاة على الطلاق منك ولم يكن لها عذر مقبول، فلك أن تطلب ردّ المهر الذي سلّمته إياها كاملا، ففي السنة الشريفة جاء حديث امرأة ثابت بن قيس، قالت يا رسول الله ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام – تقصد كفر العشير- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" أتردين عليه حديقته"؟ - وكان قد أعطاها لها صداقا- قالت نعم قال صلى الله عليه وسلم:" اقبل الحديقة وطلقها تطليقة".(أخرجه البخاري)، وليس لك أن تسترد منها ما كان هدية لأنها من قبيل الهبة ولا تسترد الهبة إن قبلها الموهوب له وحازها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" ( أخرجه البخاري) لاستقباحه الأمر، إلا أن يسبق الاتفاق بينكما على أنها مقدم صداق.
أما قولك أنك علقت طلاقها على تسليمك المهر فهو طلاق معلّق عند جمهور الفقهاء يقع لوقوع المعلّق عليه، وفصل فيه بعض أهل العلم فأرجعوه إلى نية القائل، فإن نويت إيقاع الطلاق طُلقت زوجتك بمجرد استلامك للمهر الذي دفعته، وإن قصدت التهديد فحكمه حينئذ حكم اليمين ولا يقع به الطلاق، ويلزمك كفارة يمين عند الحنث. والأولى من كل هذا هو أن يتم التفاهم بين العائلتين وبين الطرفين على إتمام الزواج إن ظهر فيه خير، أوعلى إنهائه بالمعروف مصداقا لقول الله تعالى: )أو سرحوهن بمعروف (. البقرة 231
وقع خلاف بيني وبين زوجتي فطلقتها، ثم راجعتها، ثم طلقتها مرة ثانية، ثم راجعتها حفاظاً على الأولاد ونزولاً عند رغبة الأهل. ثم طلقتها في المرة الثالثة، فما حكم الشريعة الإسلامية في قضيتي؟
في هذه الحالة وقع منك الطلاق ثلاث مرات متفرقات، وعليه فإن زوجتك تبين منك بينونة كبرى، فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، لأن "الطلاق مرتان" كما ورد في الآية الكريمة. (268/البقرة).

الرجوع إلى الأعلى