الأضحية من شعائر الله تعالى، وهي من أعظم القربات التي تؤدى يوم عيد الأضحى، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج:32.
عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ   يخطُبُ، فقال: (إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)، وهي سنة فعلها نبينا، عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رَسولَ اللهِ   أمَرَ بكبشٍ أقرَنَ، يطَأُ في سوادٍ، ويَبْرُكُ في سوادٍ، وينظُرُ في سوادٍ؛ فأُتِيَ به ليُضَحِّيَ به، فقال لها: يا عائشةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ. ثم قال: اشْحَذِيها بحَجَرٍ، ففَعَلَتْ: ثمَّ أخَذَها وأخَذَ الكَبْشَ فأضجَعَه، ثم ذبَحَه، ثمَّ قال: باسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تقبَّلْ مِن محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، ومنْ أمَّةِ محمَّدٍ. ثم ضحَّى به)، والأضحية سنة وليست بواجب لمن كان قادرا على شرائها، فلا يكلف المسلم نفسه ولا يتحمّل من النفقات ما لا يستطيع، وقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم لا يضحون حتى لا يعتقد الناسُ وجوبَها، فعن حُذيفةَ بنِ أُسَيدٍ، قال: (لقد رأيتُ أبا بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وما يُضَحِّيانِ عن أهلِهما؛ خَشْيَةَ أن يُسْتَنَّ بهما)، وعن أبى مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنِّي لأَدَعُ الأضحى وإنِّي لمُوسِرٌ؛ مخافةَ أن يرى جِيراني أنَّه حَتْمٌ عليّ).
ومن مقاصد الأضحية وحِكمها: (1)الربط بين ما جاء به النبي محمد   وبين ملّة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا مشركا وإنما كان حنيفا مسلما بإحياء سنّته، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل:123.
(2) تعلم الصبر والامتثال لطاعة لله تعالى: فالأضحية تذكر المسلمين بالمواقف النبيلة لأبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وامتثالهما لأمر الله تعالى، وإيثارهما طاعة الله تعالى على متاع الدنيا، وتسابقهما في إرضائه، والصبر والاحتساب على تنفيذ أمر الله وحكمه، قال تعالى: (لَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) الصافات.
 (3) شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة وآلائه العظيمة، ومنها نعمة الأنعام التي سخرها الله تعالى للإنسان يأكل من لحمها، ويشرب من لبنها، ويلبس من شعرها وصوفها، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج:28، وقال: (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج:36و37 .(4) التقرب بالأنعام لله وحده لا شريك له، ومخالفة ما كان عليه أهل الجاهلية من التقرب بالأنعام للأصنام، وما يقع فيه الكثير من الناس من الذبح لغير الله تعالى، كالذبح لقبور الأولياء الصالحين وغير ذلك من مظاهر الشرك المحرمة، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) الحج:34، وقال: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) الحج:36، وقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) المائدة:3.
(5) التوسعة على الأهل والعيال، والإهداء من لحم الأضحية لقرابته وجيرانه وضيوفه وزوّاره، والتمتع من طيبات ما خلق الله تعالى من الحيوانات، قال تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) النحل:5. (6) ترسيخ قيم التكافل الاجتماعي والترابط بين أفراد المجتمع بالتصدق على الفقراء والمساكين، فالكثير من الأسر لا تستطيع شراء اللحم طوال العام فيكون يوم العيد مناسبة طيبة للتآزر والتعاون وإدخال السرور على العائلات المعوزة حتى يفرح الجميع، قال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج:28. (7) التأمل في آية خلق هذه الأنعام، وما فيها من أمور عجيبة، تزيد الإنسان إيمانا بقدرة الله تعالى وحكمته البالغة، وبفضله على عباده، قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) المؤمنون:21، وقال: (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية:17.

شروط الأضحية عند المالكية
أورد الفقهاء المالكية مجموعة شروط لصحة الأضحية؛ هي:
(1)أن يكون الذبح نهاراً فلا يصح بالليل، (2)إسلام ذابحها. (3) السلامة من الاشتراك في ثمن الأضحية، أما التشريك في الأجر قبل ذبحها فيجوز بشروط ثلاثة: أن يكون الشخص قريباً له، كابنه وأخيه وابن عمه، وتلحق به الزوجة. وأن يكون في نفقته، سواء كانت النفقة واجبة كابن أو أب فقيرين أم غير واجبة، كأخ أو ابن عم. وأن يكون ساكنا معه في دار واحدة.. ويصح الاشتراك في الأضحية [عند غير المالكية] إذا كانت من الإِبل والبقر بشرط أن يكون نصيب كل واحد لا يقل عن السبع، فإذا كانوا أكثر من سبعة أشخاص فلا يصح الاشتراك، لحديث جابر رضي اللَّه عنه قال: «نحرنا مع رسول اللَّه  عام الحديبية البدنة عن سبعة. والبقرة عن سبعة».
(4)-سلامة الأضحية من العيوب البيّنة، وهي تسعة عشر عيبا:؛ وهي: العور،  فقد جزء كيد أو رجل ولو خلقة غير الخصية فيجزئ الخصي، البكم أي: الخرساء، البخراء،،  الصماء،  الصمعاء، العجفاء (لا مخ لها في عظامها لهزالها، البتراء (مقطوعة الذنب، المريضة البين مرضها.، المجنونة جنوناً دائماً.، العرجاء عرجاً بينا،  البشم وهو: التخمة، الجرب وهو: مرض جلديّ مُعدٍ.،  المهزولة هزالاً بيناً أما الخفيف في جميع ما تقدم الأمراض فلا يضر.، كسر قرن يدمى ولم يبرأ فإن برئ أجزأت، اليابسة الضرع ولا ينزل منها اللبن فإن أرضعت ولو بالبعض أجزأت.،  التي ذهب ثلث ذنبها فأكثر لا أقل فيجزئ.، فقد أكثر من سن لغير إشغار أو كبر ففقد السن لا يضر وكذا الأكثر إذا كان لإشغار أو كبر وأما لغيرهما بضرب أو مرض فمضر.، فقد أكثر من ثلث أذن وشق أكثر من ثلثها بخلاف فقد أو شق الثلث فلا يضر في الأذن.

صلاة عيد الأضحى سنة مؤكدة
إلى جانب الأضحية شرعت صلاة عيد الأضحى وهي ركعتان تعقبهما خطبة العيد ويستحب أداؤها في الفضاءات العامة وأن يحضرها الرجال والنساء والكبار والصغار، احتفاء بالعيد وإظهارا للفرح به وشكرا لله تعالى المنعم، كما يستحب أن يذبح الإمام أمام المصلين ويخرج أضحيته للمصلى حتى ينصرف الناس لذبح أضاحيهم

وفديناه بذبح عظيم !
فدية الإنسان بذبح عظيم من قبل رب العالمين؛ تعد فاصلة تاريخية مهمة في تاريخ البشرية لأنها إعلان عالمي إنساني حقوقي بأفول عهد تقديم القرابين البشرية للألهة كما دأبت عليه البشرية منذ القدم، التي تقدم الأطفال على مذابح المعابد، وإيذانا أيضا بحرمة وعظمة الدم الإنساني الذي جاء الإعلان بتحصينه من أي اعتداء وتقديسه؛ فلا يحل هدره تحت أي طائل من أهواء النفوس سوى ما ستقرره الشرائع السماوية الصحيحة في أضيق نطاق، فكل دم يراق اليوم باسم الإسلام تقربا إلى الله من قبل متطرفين لا يمت لعظمة الإسلام وحقائقه بصلة؛ لأن حدوده واضحة جلية شعارها ((وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ))، ولم يوجب الله جل جلاله على بشر تقديم بشر قربانا له سبحانه !
ع/خ

تسجيل زيادة بنسبة 6 بالمائة في عدد الحجاج
أكدت المديرية العامة للجوازات في السعودية تسجيل زيادة بنسبة 6 في المئة تقريبا في عدد الحجاج هذه السنة. وأكد بيان صدر عن المديرية، نقلا عن وكالات أنباء أن عدد الحجاج القادمين لأداء مناسك الحج من الخارج عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية، منذ بدء القدوم وحتى نهاية يوم أمس بلغ مليوني و 849 ألفا و817 حاجا. وأوضح البيان أن عدد الحجاج القادمين عن طريق الجو بلغ مليونا و 736 ألفا و 492 حاجا، فيما قدم عن طريق البر 96 ألفا و75 حاجا، وعبر البحر 17 ألفا و250 حاجا، وهو ما يمثل زيادة بـ 104 آلاف و868 حاجا مقارنة بالقادمين في نفس الفترة من العام الماضي، أي بنسبة 6 في المئة تقريبا.

من أبعاد وقفة عرفة !
حينما يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات في التاسع من شهر ذي الحجة فلا بد لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن يقف «وقفة» على صعيد الحياة لينظر أحواله مع نفسه وأحواله مع أسرته وأحواله مع جيرانه وأحواله مع مجتمعه وأحواله مع دولته وأحواله مع أمته .. عرفة وقفة لتجديد العلاقة مع الله وتحسين العلاقة مع الناس. عرفة وقفة لفهم الدروس واستخلاص العبر من المآسي والمحن التي تعيشها أمة الإسلام. عرفة وقفة لتجديد الأمل وبعث التفاؤل بمستقبل زاهر لأمة الإسلام رغم ما يحاك لها من مؤامرات ومناورات. عرفة دعوة للرجوع إلى الوحي المعصوم « تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وسنتي». عرفة دعوة لرفع مستوى أمة يتكبر حاكمها على محكومها، وعالمها على جاهلها، وغنيها على فقيرها، ورفيعها على حقيرها، وقويها على ضعيفها . ...

فتاوى

lعلمنا أن يوم عرفة لهذا العام سيكون يوم السبت وهناك من يقول بعدم جواز صيامه لموافقته المنهي عن صيامه، واستند في ذلك إلى حديث: (لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغها)، فنرجو التوضيح وشكرا؟
لاشك أن يوم عرفة يوم من أيام الله سبحانه وتعالى فهو يوم عظيم مبارك ومن افضل أمال المؤمن أن يصومه لله تعالى وقد ثبت في فضل صيامه أحاديث كثيرة التي تدل على مشروعية صوم يوم عرفة وفضله، وصوم يوم عرفة مشروع مهما كان اليوم الذي وقع فيه سواء كان يوم الجمعة أو السبت أو الأحد، إذن فلا حرج في صيام يوم عرفة إذا صادف يوم السبت لأن المقصود يوم عرفة لا غير ، وأما الحديث المذكور(لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم، ..). فقد أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة فقبله بعض الأئمة ورفضه جمهور أهل الحديث والفقه وضعفوه كالإمام مالك والنسائي والطحاوي والحافظ وقال أبوداود بنسخه، والصحيح في هذه المسألة أن الحديث لا تقوم به حجة أولا لأن فيه اضطرابا في إسناده وثانيا لمخالفته الأحاديث الصحيحة التي جاءت بجواز صيام يوم السبت في النفل، مثل حديث (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده) متفق عليه... وهذا الحديث لا يقوى على تخصيصها؛ وعلى هذا فإذا وافق يوم عرفة يوم السبت فالصحيح جواز صيامه بل استحباب ذلك. لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية

الرجوع إلى الأعلى