قرابة 80 مليون لاجئ الكثير منهم مسلمون
كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد اللاجئين في العالم قد ارتفع بنهاية عام 2019 بتسعة ملايين شخص ليبلغ نحو ثمانين مليونا، وقد تصدر السوريون والفنزويليون والأفغان ومواطنو جنوب السودان والروهينغا الفارون من ميانمار أعداد اللاجئين والنازحين.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
استنادا لوسائل إعلام وفرانس24 فقد قالت الأمم المتحدة نهار أمس الأول الخميس في بيان إن ما يقرب من 80 مليون شخص في العالم (1/100) من سكان المعمورة قد اقتلعوا من ديارهم بحلول نهاية عام 2019 بسبب الحروب أو الاضطهاد، وهو رقم قياسي يتوج عقدا «عاصفا» من النزوح. وذكرت المفوضية أن الرقم ارتفع بتسعة ملايين مقارنة بالعام السابق ويقترب من ضعف الرقم المسجل في 2010 البالغ 41 مليونا، وذكر فيليبو غراندي المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة «أن هذا الرقم الذي يقارب 80 مليونا، وهو أعلى رقم سجلته المفوضية منذ البدء في جمع هذه الإحصائيات بشكل منهجي، هو بالطبع مبعث قلق كبير».ويلاحظ أن النزاعات المسلحة التي حدثت بالبلدان المسلمة سبب ارتفاع اللجوء من البلاد العربية والإسلامية.

حقــــوق اللاجئــــين في الفقــــــه الإســـــــلامــــــــي
اللجوء ظاهرة كونية عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ الإنساني، وليست وليدة الدولة الحديثة، وكانت لها عوامل وأسباب دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية، وعلى الرغم من أن الظاهرة حظيت بحيز كبير من العناية تنظيرا وتفعيلا في ظل الدولة الحديثة، وارتبطت بحقوق الإنسان التي عنيت بها منظومة الأمم المتحدة؛ إلا أن دراسة تاريخها وتاريخ الشرائع التي تعاطت معها يكشف لنا أن الشريعة الإسلامية كان لها إسهام كبير في إرساء دعائم حقوق الإنسان عموما وحقوق اللاجئين خصوصا، وذلك بإقرارها بعض الأعراف الصالحة التي عنيت بذلك ثم تطوير الخطاب المتعلق بها وتوسيع مجالاته والارتقاء بها إلى مستوى الواجبات، حتى أضحت حقوق الإنسان من وجهة نظرها حقوقا كونية عامة عالمية، لا تختص بأتباع دين دون آخر أو لغة أو موطن أو جنس، وأضحى تأمين اللاجئ واجبا بغض النظر عن دينه أو وطنه أو لسانه أو لون.
والمقصود باللجوء في الفقه الإسلامي دخول جماعة غير مسلمة من غير السكان الأصليين إلى دار الإسلام والمكث فيها سواء مؤقتا أو دائما، مهما كانت الأسباب والدواعي، وهؤلاء يطلق عليهم في الفقه الإسلامي المستأمنون؛ أما دخول المسلمين إلى أي دولة مسلمة فلا يسمى في الفقه الإسلامي لجوءا إذ أن المسلمين أمة واحدة مهما اختلفت انتماءاتهم العرقية أو اللغوية أو حتى مشاربهم الثقافية، وقد أكدت الشريعة الإسلامية على حقوق اللاجئين ومنها
(1) الحق في الحياة والأمن والكرامة: فعند لجوء غير المسلم إلى المسلمين فحياته أمانة في أعناق المسلمين وجب عليهم حمايته من كل غائلة؛ فلا يجوز لكائن كان الاعتداء عليها وسلبها أحدا من الناس؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}. كما يقتضي مبدأ حماية حياة اللاجئين عدم تعريض حياتهم لأي تهديد ولو بطريق غير مباشرة كالوشاية بهم أو التخابر مع دولتهم ضدهم أو التجسس عليهم. وحقهم مكفول في حياة كريمة، وهذا الحق نابع من مبدأ التكريم الإلهي للإنسان.
(2) ضمان حرياتهم الدينية: فقد أوجبت الشريعة الحفاظ على حرية المعتقد، والحق في العبادة لمن دخل دار الإسلام من غير المسلمين؛ لأن مبدأ حماية الحريات الدينية نابع من مبدأ رصين في كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} فلا يكره غير المسلم على تبديل دينه ومعتقده، بل يدعى إلى دين الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وله أن يمارس شعائره التعبدية بكل حرية شريطة أن يحترم النظام الاجتماعي للمسلمين، ولا يستفز مشاعرهم بأي شكل من أشكال الاستفزاز.
(3) الحق في الرعاية الصحية والتعليم: وهي حقوق تفرعت عن الحق الأصلي؛ حق الحياة الكريمة، فاللاجئ إنسان  تعتريه ما تعتري الإنسان من عوارض النقص كالمرض والجهل والفقر، والفاقة والعوز. وعليه فالدولة التي يلجأ إليها مسؤولة على حماية صحة بدنه وتوفير العلاج، فإن عجزت الدولة كمؤسسة رسمية وجب على الأمة ممثلة في أغنيائها كأشخاص طبيعيين أو اعتباريين كمؤسسة الوقف أو مؤسسة الزكاة، وعليه لا مانع شرعا من تعلم أبناء اللاجئيين في مدارسنا وجامعاتنا، والتداوي في مستشفياتنا لأن حفظ الأنفس مقصد شرعي وجميع الوسائل التي تؤدي إلى حفظ النفس وحمايتها تأخذ نفس مقصد النفس إذ الوسائل تأخذ حكم الغايات.
(4) العمل والكسب لتأمين حياة كريمة: فلا يجوز للحاكم المسلم أن يقف في وجه اللاجئين إذا ما سلكوا سبل الكسب والعمل فيما لا يتعارض وأحكام الشريعة والمصلحة العامة للأمة. كما لا يجوز له أن يتعسف في استعمال حق تنظيم إجراءات العمل لإلجاء اللاجئين إلى مهن شاقة، أو لا تليق بمستوى الإنسانية، أو أن يبخسهم أجورهم؛ لأن العمل حق وواجب على كل مكتسب قادر عليه مسلما كان أم غير مسلم.
(5) العدل: وهو صمام أمان جميع الحقوق، لأنه الآلية التي تحفظ بها، فالعدل السمة الأساسية للشريعة الغراء، والميزة الكبرى للمجتمع المسلم من لدن رسول الله وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد أوجب الله تعالى العدل مع المخالف في المعتقد وإنصافه إذا كان مظلوما، قال الله تعالى:  يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . فيجب حماية اللاجئ من الاعتداء وتأمين ماله وعرضه وحياته، وتوفير العدالة له من ظلم الغير، ومن العدل حمايته من نفسه بمنعه من الإجرام وإقامة العقوبات الشرعية عليه لردعه وكف أذاه عن المجتمع، بل يعتبر ذلك سببا موجبا لانتهاء حقه في اللجوء في المجتمع المسلم.

أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
تكشف الوقائع الميدانية والتاريخية أن الدافع الرئيس للجوء عالميا هو البحث عن متنفس للحرية والبحث عن لقمة العيش، فمن شرق الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها توحدت العوامل واختلف البشر اللاجئون باختلاف العصور، حيث يكون اللجوء واللجوء العكسي، فالأصل أن يعيش الإنسان حرا في أرضه يتمتع بحرية الفكر والدين والعقيدة يمارس العبادة والسياسة والكتابة والتعبير عن قناعته بكل حرية دون إكراه أو إلجاء، وأن يجد الطعام الذي يعيش به هو ومن يعول، فإذا فقد أحدهما أو كلاهما، فشعر بالخوف على دينه أو نفسه أو فكره أو رأيه أو شعر بالخوف على نفسه وبطنه لم يعد للمكان في تصوره كبير معنى وإن حن إليه؛ لأنه لا معنى لوطن لا يوفر له الحرية والكرامة، لا معنى لوطن يفقد فيه حق الحياة أو يموت فيه جائعا مطاردا أو مسجونا أو مستعمرا، لا معنى لوطن يعيش فيه ذليلا مهانا، من هنا تنشأ فكرة ثورات الشعوب على الاستعمار والاستبداد والاستغلال، ودوافعها، وقبل الثورة أو أثناءها سيجد الآلاف أنفسهم مجبرين على البحث عن أرض أخرى لعلها توفر لهم متنفسا في الحرية وقسطا من الكرامة، ذاك ما درجت عليه البشرية منذ الأزل؛ في ضوء هذا ندرك المقصد العظم من المن القرآني على قريش حين قال لهم الله تعالى: ((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ))، إنها نعمة عظيمة أن يجد أفراد تلك القبيلة أنفسهم في وطن يأمنون فيه على معاشهم وحرياتهم، فلا يضطرون للهجرة عنه في فيافي الصحاري بحثا عن ملاذ آمن ولقمة خبز تصطبغ بالذل أو الدم، بل كان وطنهم مكة موطنا للاجئين المستأجرين الفارين بأنفسهم وآلهتم، وكان يفترض ممن هذا حاله أن يظل محافظا على سجيته فيضمن للناس، ومنهم المسلمون الأمن على دينهم وأنفسهم، لكن قريشا بعنادها وكفرها بهذه النعمة ونسيانها لها وبسبب الاستبداد والاستكبار في الأرض، حالت دون تمتع المسلمين بهذه الحقوق الطبيعية، فمنعتهم من الانضواء في الدين الذي آمنوا به وممارسة شعائره التعبدية، ومارست كل صنوف الأذى للحيلولة دون ذلك، كما حاصرتهم في شعاب أبي يطالب حيث لا طعام ولا زواج ولا صلة رحم؛ في سابقة عربية تاريخية هزت سمعة العربي في كرمه ومروءته !                                                                       ع/خ

في الهجرة إلى الحبشة ما يصلح أن يكون اتفاقية دولية لحقوق اللاجئين في العالم
تعد هجرة المسلمين إلى الحبشة أنموذجا تاريخيا حيا للجوء الديني والسياسي في تاريخ البشرية، ففي ظل تعنت قريش وممارساتها كل أشكال القمع والاضطهاد والحصار للمسلمين لم يجد هؤلاء بدا من البحث عن ملاذ آمن يلجأون إليه فكانت الحبشة ملجأ، وكما سيتكرر المشهد في تاريخ اللجوء الإنساني فإن موطن اللجوء سيستقطب اللاجئين بقيمتي الحرية والعدل، فالحرية يضمنون بها الأمن على دينهم، والعدل يضمنون به الأمن على أنفسهم وأموالهم، ويحفظون به سائر الحقوق، ويضمنون عدم استردادهم من قبل مطارديهم في موطنهم الأصلي، وهو ما حدث خلال القرن العشرين وما يحدث اليوم في أرجاء العالم، حيث يستقبل ملايين اللاجئين في دول تأسست على مبادئ الحرية والعدالة دون أن تلزمهم بدينها، وإن اختلف معها اللاجئون دينا وثقافة، وقد سجلت كتب التاريخ والسير الحوار الطويل بين جعفر بني أبي طالب والنجاشي وفيه من القيم والمعاني ما يصلح أن يكون ميثاقا عالميا واتفاقية دولية لحقوق اللاجئين في العالم، حيث يكشف الحوار عن الدوافع التي تردد عبر التاريخ والفضاء المتنفس المتاح للاجئ في أرض اللجوء، فما جاء فيه: قول جعفر: (..فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك)، وقول النجاشي: (..اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي (أي آمنون)، من سبكم غرم)، وقوله لمن جاء يستردهم من قريش: (انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون).
ع/خ

الإعلان العالمي حول حقوق الإنسان في الإسلام وحق اللجوء
م(12): لكل إنسان الحق في إطار الشريعة في حرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده أو خارجها وله إذا اضطهد حق اللجوء إلى بلد آخر وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه ما لم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.

الرجوع إلى الأعلى