يحتفي المسلمون هذه الأيام بذكرى الهجرة النبوية في عامهم الجديد 1442ه الذي يؤرخونه بهذا الحدث المفصلي في تاريخ الإسلام؛ دينا ودولة وأمة وحضارة؛ فقد هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بدعوتهم بحثا عن متنفس للحرية وأرضا أكثر أمنا لأداء الشعائر التعبدية والتبشير بهذا الدين.
وقد كثرت العبر والعظات والدروس المستخلصة من مثل هكذا رحلة وانتقال؛ بيد أننا يمكن رصد هدفين كبيرين من الهجرة النبوية سيكون لهما الأثر الأكبر في تاريخ الإسلام والمسلمين
أولهما الانتقال بالمسلمين من الدعوة إلى الدول؛ بما تحمله مفاهيم الدولة وأبعادها وأركانه؛ من إقليم جغرافي وشريعة عامة ونظام حكم وسياسة و مواطنة و ديبلوماسية و حرب و سلم؛ و هي الأبعاد التي ستلمسها بعدئذ في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن حوله من المهاجرين والأنصار؛ فقد أنشئ في مكة مجتمع العقيدة لترسيخ قيم الإيمان بالله وتوحيده في النفوس و مجادلة المخالفين و الصبر على أذاهم؛ فجاء الانتقال إلى مجتمع الدولة؛ مجتمع الشريعة و النظام؛ حين يغدوا المواطنون الجدد خاضعين لأحكام الشريعة في علاقتهم مع الله تعبدا أو علاقتهم مع بعضهم البعض؛ فجاء في المدينة تباعا فرض الصلوات الخمس والصيام والزكاة والحج، وتفصيل لقضايا الأحوال الشخصية والمعاملات والشأن العام، و أحكام الجنايات و الأقضية و الشهادات، و تشريع الجهاد، و بيان الحلال والحرام في المأكل والمشرب و غير ذلك من شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و البيئية و المدنية، كما سيخوض المسلمون في الفترة المدنية حروبا ومعارك ديبلوماسية ويبرموا معاهدات صلح إبرازا لقوة هذا الكيان السياسي الجديد، ولا شك أن وجود الدولة ضرورة لحماية الدين وأهله؛ فما لم تكن هناك دولة راعية سيتعرض أتباع الدين لكل صنوف القمع والأذى والتهجير كما حدق في الفترة المكية حين كانت مرحلة دعوة لا مرحلة دولة.
ثانيها: الكشف عن البعد العالمي لهذا الدين؛ لأن الإسلام بطبيعته دين للبشرية قاطبة؛ دينا خاتما لم يكن مهبطه في جزيرة العرب إلا نواة تمهد لما بعدها؛ وتكون منطلقا نحو العالم أمع تبشيرا به؛ لذلك؛ وعلى الرغم من أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كانت عينه على مكة حيث المسجد الحرام، و حيث كانت انطلاقة الدعوة، إلا أنه راسل ملوكا و قياصرة من الأمم المعاصرة لها على غرار الفرس و الروم و القبط، بل خاض مع بعضها حروبا على غرار ما حدث مع الروم، و رغم أن الإسلام لم يتجاوز جغرافيا حدود جزيرة العرب في العهد النبوي إلا أن الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم تلقوا الأمر القرآن والسنة النبوية هذه لينطلقوا بالإسلام فاتحين يطرقون أبواب العالم شرقا وغربا، ولم يكد القرن الهجري الأول يأفل حتى وصل الإسلام إلى أرجاء العالم المكتشف عصرئذ بآسيا و إفريقيا و أوروبا.
إن الهجرة النبوية قفزة تاريخية عظيمة توجت مرحلة من معاناة المؤمنين وتضحياتهم بالنفس و المال، و شكلت بداية مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام فمن المدينة المنورة سينطلق السفراء إلى أرجاء الأرض مبلغين الدين الجديد و مبشرين به و من أرجائها سترفع رايات الجهاد في سبيل الله وتنطلق الجيوش المسلمة ناشرة الإسلام و مدافعة عن الدين و الدولة، و بأمر من رسولها ستعلن الحرب و يفرش السلم و يأتي الفتح العظيم.
و في ضوء هذه العبر و الأهداف و غيرها ينبغي أن يسير المسلمون في دولهم و مجتمعاتهم؛ حيث يكون نشر الدين وخدمته أسمى الغايات لأمة فضلها الله تعالى باختيارها متلقية لآخر الرسالات، لكن بالمقابل كلفها بتبليغ الرسالة لغيرها من الأمم، وكل تقاعس عن هذه الهدف سيكون له انعكاس داخلي و خارجي على مستقبل الإسلام و المسلمين، و قد أتاحت التكنولوجيات المعاصرة وسائل الإعلام و التواصل أمام المسلمين فضاءات واسعة للتعريف بالإسلام ونشره.
ع/خ

البحث عن الحرية والأمن يستوجب الهجرة في نظر الإسلام


من أجل ما فرضه الله تعالى على المؤمنين الهجرة من كل أرض لا يجدون فيها الحرية و الأمن؛ حرية العقيدة و العبادة و الأمن على الأنفس و الأموال، و هو فرض يكشف عن طبيعة جوهرية في هذا الدين و هي رفضه القبول بحياة الذل و الهوان و الاستسلام، و حياة العبودية، لأي شخص أو شعب أو دولة، الحرية و الأمن مقصد أساسي من مقاصد الإسلام التي يسعى؛ ليس فقط لتحقيقها لأتباعه بل لكل البشرية، فقد خلق الله تعالى الإنسان حرا و في ضوء الحرية ينبغي أن يوطن نفسه ليعيش؛ فلا حجة لكل من رضي حياة الذل و الهوان و الاستضعاف فترك الدين و العبادة، يوم القيامة؛ و لا تسقط عنه كل الالتزامات مادام قادرا على الهجرة، قال الله تعالى: ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ)) و هذا التوجه الإسلامي يخالف ما تذهب إليه بعض الفلسفات والأديان بدعوتها للاستسلام والرضى بما عليه الإنسان؛ بل إن الإسلام يذهب أبعد من ذلك حين يجعل التحرر فرضا على المسلم فيدعوه للجهاد بنفسه أو ماله من أجل حريته ومن أجل تحرير المستضعفين في الأرض، قال الله تعالى: ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذه الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )) ولئن ركن بعض المسلمين تاريخيا وقبلوا الذل وتنازلوا عن دينهم فإن جل المسلمين رفضوا التنازل عن دينهم و حريتهم؛ فبعضهم هاجر كما فعل جل مسلمي الأندلس، وبعضهم قاتل و جاهد بالنفس و المال حتى تحرر، على غرار الشعب الجزائري الذي أبى أن يتنصر أو حتى يتجنس بالجنسية الفرنسية مقابل التخلي عن دينه؛ فظل يقاتل جيلا بعد جيل حتى تحرر و أعاد الجزائر لحظيرة الإسلام، جهادا بدأ منذ الاحتلال الاسباني و انتهى مع الاحتلال الفرنسي،  وتلك طبيعة الشعوب الحرة إذا خالط الإيمان بشاشة قلوبها.
 ع/خ  

أسس المجتمع الإسلامي الجديد بالمدينة المنورة
لقد بادر الرسول صلى الله عليه وسلم فور هجرته ببناء مجتمع جديد إنسانيا و عمرانيا، وقد تأسس هذا المجتمع كما يذكر كتاب السير على ثلاثة أسس هي:
(1)بناء المسجد: ليكون نواة عمران الدولة ويؤدي بعدئذ أدوار مهمة في حياة المسلمين؛ دينيا وعلميا وسياسيا واجتماعيا؛ فهو القلب النابض لحياتهم، والفضاء الأٍرحب لاجتماعهم، لاسيما في العصر النبوي حين لم تكن تناظره مؤسسات أخرى تختص ببعض الشؤون كما هو عليه الحال في هذا الزمن
 (2) المصالحة بين المؤمنين: لتمتين الجبهة الداخلية وتماسك المجتمع الإسلامي الجديد ونواته؛ فقد أقيمت مصالحة تاريخية بين قبيلتي الأوس والخزرج و توقف النزيف الذي كان ستهدف أفراده لعقود بسبب حروب طاحنة لأسباب تافهة أحيانا، و ذلك تنفيذا لقوله تعالى: (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم... وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فألصحوا بينهما)) وقول الله تعالى:
 ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ))، مؤاخاة المشاركة الاجتماعية و المالية و الإيمانية و السياسية؛ قال الله تعالى ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)))
(3) وضع دستور المدينة المنورة: وهو الذي يعبر عن ميلاد دولة جديدة بنظام حكم مفصل يكفل الحقوق و الحريات و يضمنها، بما فيها حرية العقيدة و الدين و العبادة و حرية السفر و العمل و غير ذلك/ مقابل بعض الحقوق الدستورية على المواطنين تجاه الدولة من قبيل الدفاع عنها حال الشدة، و قد عرف هذا الدستور تاريخيا بوثيقة المدينة المنورة، وسيظهر في هذا الدستور مصطلح الأمة بمعنى الدولة بدل مصطلح القبيلة الذي ظل متداولا تاريخيا.
  ع/خ.

فتاوى
- أملك العديد من المحلات التجارية متباعدة المسافات وأنا مدين ومدان ولي شركاء .فهل أستطيع إخراج الزكاة بقيم تقريبية دون الحساب الدقيق؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. إن الزكاة حق الفقير و المسكين و كل الذين ذكرتهم آية الصدقات في قوله تعالى: « إنما الصدقات للفقراء و المساكين...» الآية 60 من سورة التوبة. فالغني المطالب بدفع هذا الحق للفقير، مطالب بتقديره تقديرا دقيقا، خلاف الصدقة العادية التي يقدمها للفقير تقرّبا إلى الله. فلك في حالتك المذكورة أن تستعين بخبير في هذا المجال ليقدّر لك ما عليك من زكاة تقديرا دقيقا.
- هل يجوز الزكاة على منزل عائلي له قيمة مادية؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ الزكاة لا تجب شرعا في الدور والمنازل المعدة للاستغلال مهما بلغت قيمتها وإن نوى صاحبها بيعها مستقبلا لأنه لا زكاة في عينها. أما إذا بيع المنزل و تحصل صاحبه على مبلغ من المال فإذا حال عليه الحول من تاريخ القبض و بلغ النصاب و كان فاضلا عن الحوائج الأصلية وجب عليه إخراج حق الزكاة و هو ربع العشر. أمّا إذا كان المقصود من اتخاذ و إنجاز المنازل هو إعادة بيعها بمعنى أنه يتاجر في الدور و المنازل بيعا و شراء فإن هذه المنازل تكون حينها عروض تجارةٍ تجب فيها الزكاة بنفس القيمة بحولان الحول عن تاريخ امتلاكها.
- قام شخص بشراء مسكن بقرض بنكي لقاء تسديد قسط شهري ثابت للبنك على مدار 10سنوات, ويمتلك حسابا للتوفير والإحتياط تفوق قيمته نصاب الزكاة مع دوران الحول. كيف يتصرف هذا الشخص في هذه الحالة؟
  بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ وعلى آله و صحبه أجمعين، أما بعد، على هذا الموظف أن يخرج من رأس ماله المودع في البنك ما أعطي له من الفوائد فإن ذلك المال لا يزكى بل يصرف في وجوه الخير العامة، و القيمة المالية الباقية يخرج منها القسط الذي يجب عليه تسديده في تلك السنة الحالية فقط، و ما بقي بعد ذلك يخرج زكاته إذا بقي مقدار النصاب.
- ما حكم إنسان يسدد له شخص معين نصف تكلفة العمرة لكن يشترط عليه أن يحمله سلعة من هناك ليرد بها المبلغ الذي أعطاه إياه ليعتمر به فما هو حكم عمرته  ؟
فإن استفسارك عن صحة العمرة التي يدفع لك فيها نصف التكلفة مقابل أن تحمل له سلعة من هناك ، فإن أداء هذه العمرة صحيح طالما أن نية العبادة ثابتة واستوفت كل الشروط والأركان.
 موقع وزارة الشؤون الدينية

الرجوع إلى الأعلى