خبراء يدعون لتكثيف جمع الزكاة وحسن توزيعها
كشف أساتذة وخبراء عن البعد الاجتماعي والاقتصادي لفريضة الزكاة، ودعوا في هذا الملف لتكثيف جمعها وتنظيم توزيعها؛ حتى تسهم في تحقيق مقاصدها في مكافحة الفقر وتوفير مناصب الشغل والاستقرار الاجتماعي، ومجابهة الاكتناز والدفع بالاستثمار وتداول المال، والانخراط ايجابيا في التنمية المستدامة، مشيدين بصندوق الزكاة الجزائري الذي يعرف تطورا عاما بعد عام، في وقت أعلنت فيه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن نصاب زكاة النقود وعروض التجارة لهذا العام قدر ب (705.500,00) دينار جزائري، وأكدت أن إخراج الزكاة واجب على كل مال بلغ هذا النصاب ودار عليه الحول، بمقدار 2.5 بالمائة؛ علاوة على زكاة الزروع والثمار والمواشي.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة

للزكاة مقاصد نفسية واجتماعية واقتصادية
إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثيرة وآلاء عظيمة، وجعل هذه النعم متنوعة تنوعا عجيبا، حيث قال فيها المولى تبارك وتعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومن جملة هذه النعم المال. ولأهمية المال ودوره في الحياة وفي العلاقات الاجتماعية، شرع الإسلام الإنفاق في وجوه الخير وأبواب البر، وعبّر عنه بكلمة «في سبيل الله»، وجعله واجبا عن طريق الزكاة المفروضة، ومستحبا أو تطوعيا بحسب القدرة والاستطاعة.
والزكاة كنوع من أنواع الإنفاق، تُعدُّ من أقوى أنواع الاستثمار في الدنيا، ومن أفضل وأعظم وأضمن أنواع التجارة الرابحة مع الله تعالى.
فالإنفاق عن طريق الزكاة ركن من أركان الإسلام، ومن صفات المؤمنين، وعلامة على اعتراف العبد بنعمة الله عليه، واليقين بما عنده عزّ وجلّ، والشكر على نعمه العظيمة. وشخصية المسلم أو المسلمة، تتميز بأنها شخصية سخية كريمة معطاءة، تجود بما عندها، وتبذل ما بيدها ابتغاء مرضاة الله، ومواساة الآخرين ورفع المعاناة عنهم، ليس فقط بالزكاة، بل حتى بأوجه الإنفاق الأخرى، قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وهذا «السلوك الإنفاقي» الذي هو جزء من شخصية المسلم والمسلمة، هو أثر طيب للإيمان بالله تعالى، هو استجابة للترغيب الرباني وطمع في رحمة الله تعالى، قال جلّ شأنه: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيـمٌ)
ومقاصد الزكاة تعود على الفرد والمجتمع والاقتصاد:
(1) مقاصد تعود على المزكي: لها آثار طيبة على المزكي أولا، فهي تطهر نفسه من الشح والبخل، وتبعده عن الأنانية والأثرة، وتغرس في نفسه حب الخير والشفقة تجاه الآخرين، وتجعله فردا اجتماعيا، قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)؛ هذا في الدنيا وفي الآخرة أجر عظيم وثواب كبير، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
(2) مقاصد تعود على المال: تطرح البركة والعافية في المال والرزق، قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فروي أَن رسولَ اللَّه   قَالَ: (قَالَ اللَّه تَعَالَى: أَنْفِق يَا ابْنَ آدمَ يُنفَقْ عَلَيْكَ) وقوله: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم.
(3) مقاصد تعود على المجتمع: لها دور مهم في رواج المال وتداوله بين فئات المجتمع، وتعميم منافعه، والانتفاع منه انتفاعا طيبا. وبما أن الزكاة تكون في كل أصناف المال، فإنها تُسهم في توزيع الثروة بين الناس، وتوسيع الاستفادة منها. كما فيها معنى المواساة والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وتقليل الفوارق الاجتماعية بينهم، ورفع القدرة الشرائية للفقراء والمعوزين، وتمكينهم من تلبية حاجاتهم المعيشية الضرورية، فتقوي الروابط الاجتماعية، وتنشر بينهم المحبة والتعاون والتآلف بدل الحقد والتنافر والكراهية، فعن عبد اللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ رضي اللَّه عنهُما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسول اللَّه  : أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِم الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) متفقٌ عَلَيْه.
    حتمية تفعيل دور الزكاة لتحقيق مقاصدها
لأهمية الزكاة ودورها الاجتماعي والاقتصادي، ورغم ما تقوم به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تجاه صندوق الزكاة من عناية وحرص وجهود مشكورة، فهي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، وترقية أدائها، وتفعيل دورها، وعصرنة إدارتها وتطوير تنظيمها، والتخلص من الطرق التقليدية في جمعها وتوزيعها وإدارتها.  ويكون ذلك أولا بتقييم تجربة صندوق الزكاة، نجاحاته وإيجابياته وكذلك نقائصه وثغراته، ويمكن الاستفادة أيضا من مقترحات وآراء الباحثين والأساتذة التي طُرحت في الكليات والجامعات الوطنية عبر المقالات وأبحاث الماجستير والدكتوراه والندوات والملتقيات العلمية، حتى نرتقي أكثر بمستوى أداء الزكاة، فتحقق مقاصدها الاجتماعية والاقتصادية.

نظام الزكاة سابقة في تاريخ الأديان والنظم وهو يعرف تطورا إيجابيا بالجزائر
إن الحديث عن الزكاة كمبدأ اقتصادي، يقودنا إلى الحديث عن الإسلام كمنهج حياة للبشرية جمعاء؛ لأن التاريخ الإنساني وعبقرية الإبداع فيه لم يسجل هذا المبدأ لا في الديانات ولا في الأنظمة الاقتصادية التي مرت بها البشرية، من نظام القبيلة إلى الرعي والنظام الحجري والبرونزي إلى النظام الزراعي وأخيرا الصناعي الحديث، لم ينجز العقل البشري قاعدة مالية أكثر من انجازه لنظام الضرائب والرسوم ونظام الفائدة، على الرغم من تحريم هذا الأخير في الديانات السماوية الثلاثة؛. لذلك فقد انفرد الإسلام بوضع قاعدة الزكاة في المال كما في المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية. فهل لهذه القاعدة مدلول؟. بالتأكيد نعم؛ سنتجاوز المدلول اللغوي والفقهي التعبدي. لنسلط الضوء على المدلول الاقتصادي  وفق ما يأتي:
(1)من عناية الله بعباده في إقامة العدل والوقوف إلى جانب الفقير والمسكين من شرائح المجتمع الهشة، جعل الزكاة وصية لأنبيائه ورسله، قبل أن تكون إلزاما للفرد المسلم حين تتوفر فيه شروطها. قال تعالى: ((وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا). وقال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)).
 (2)الزكاة مصدر تمويلي هام لمختلف المشاريع الاستثمارية وقفية كانت أو غير ذلك. لان العبرة في ذلك تتضح من خلال عدد العمال ورقم الأعمال وهامش الربح وسرعة دوران الكتلة النقدية وتقليص معدل التضخم والرفع من معدل النمو الاقتصادي والزيادة في الناتج الداخلي الخام ومساعدة الخزينة العمومية.. وهي كلها عوامل لها دور تحريك وتطوير النشاط الاقتصادي.
(3)آلية تتجاوز مردود وفاعلية الضرائب والرسوم، لأنها تمزج بين قانون السماء وقانون البشر؛ بل هي رادع إلهي أخلاقي محلها تأنيب الضمير، قبل أن تكون رادعا تشريعيا بشريا ينتهك في أول انحراف للطريق.
(4) وهي عنوان للتماسك الاجتماعي وتقليص فجوة الفوارق الاجتماعية واستهداف مباشر لشرائح اجتماعية واضحة المعالم.
(5)آلية للتآزر ومد يد المساعدة لمن يستحقها خارج الوطن؛ (قطاع غزة مثالا)
(6)أثبتت فعاليتها في بلادنا منذ انطلاقها رسميا سنة 2000، حيث جمع آنذاك حوالي 5مليار سنتيم، لتسجل في نهاية 2019 في حدود 153مليار سنتيم مع تجربة لإنشاء مئات المشاريع الاقتصادية والاجتماعية خاصة منها الموجهة للشباب.
(7)نظام الزكاة في اعتقادنا يحتاج إلى مزيد من الدعم والجهد والتصويب والتحديث خاصة في شقه التشريعي والعملياتي.

الزكاة تحارب الفقر والاكتناز وتشجع الاستثمار والتنمية
تعـدُّ الزكاة أداة اقتصادية، فضلا عن أهميتها كشعيرة دينيـة، فهي ركيزة من ركائز النظام الاقتصادي الإسلامي، لأنها تحرك الأمـوال وتحـول دون اكتنازها، وتدفع بها إلى مجالات التنمية والاستثمار، فإذا جمعت الزكاة ضمن إطار منظم ثم وزعت على مستحقيها، فسيكون في إمكانها أن تساهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال تشجيعها للاستثمار ومحاربة الاكتناز.
إضافة لما سبق، فإن للزكاة تأثيرات إيجابية على العديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتتجاوز حدود المصارف الثمانية المستحقة لها إلى مختلف فئات المجتمع فقيرها وغنيها، المنتجين، المستثمرين وكذلك المستهلكين. وإن أهم أثر تحدثه في الجانب الاقتصادي يتمثل في الحد من مشكلة الفقر، وذلك من خلال مساهمتها في تحسين حالات الفئات الأضعف دخلا في المجتمع، وتحويلها إلى وحدات منتجة، ونقلهم من محتاجين وآخذين للزكاة إلى مستغنين ومعطين لها، ويتيح ذلك لرأس المال البشري أداء دوره في العملية الإنتاجية. كما تعمل الزكاة أيضا على المحافظة على مناصب الشغل، وذلك من خلال قضاء دين الغارمين، كما يؤدي نظام الزكاة إلى زيادة التشغيل، لأنه يتطلب توظيف أشخاص يقومون بتحصيلها من المكلفين وتوزيعها.
كذلك فالزكاة من خلال مصارفها تعمل على زيادة الإنفاق الكلي على استهلاك السلع والخدمات، حيث تؤخذ من الأغنياء، وتدفع للفقراء الذي يتميزون بميل كبير للاستهلاك، فيستخدمونها للإنفاق على الاستهلاك العائلي، بشراء ما يحتاجون إليه من السلع والخدمات، أو في صورة عينية بتقديم تلك السلع والخدمات إليهم مباشرة، وبالتالي تحقق هذه الأموال دورها الفعلي في إنعاش الاقتصاد.كذلك فإن الزكاة تعتبر أداة فعالة في إعادة توزيع الثروة والدخل، مما يعمل على توسيع قاعدة الملكية وزيادة عدد المالكين، وتزداد معهم حصيلة الزكاة في الأعوام القادمة.
ولكي تحقق الزكاة أهدافها المنشودة، لابد لها من مؤسسات متخصصة تقوم على إدارة شؤونها وتوزيعها في مصارفها الشرعية بكل أمانة، حيث يعتبر صندوق الزكاة من المؤسسات المهمة التي يمكن الاستفادة منها في تحقيق الاستقرار والتوازن الاقتصادي، وكذا الوقوف إلى جانب المستفيدين من الزكاة من أجل توجيههم نحو المشروعات التي تتميز بالعائد الإيجابي لصالحهم ولصالح المجتمع ككل، فإذا كان المستحق عاطلا عن العمل وذا كفاءة مهنية، لكنه يفتقر إلى أدوات ووسائل مزاولة نشاطه، هنا يبرز صندوق الزكاة كأداة تمويلية، يوفر لمثل هؤلاء أصولا ثابتة ليعملوا فيها، ويغتنوا من دخلها، أما إذا كان العاطل عن العمل غير مؤهل وكان فقيرا، يعطي له ما يكفيه ليحصل على تأهيل يمكنه من مزاولة نشاط معين.
ولذلك لابد من العمل على توسيع دور صندوق الزكاة في مجال تعبئة الموارد الزكوية بمسـتجداتها، وعـلى مسـتوى تحـديث طرق صرف الحصيلة على المستحقين، مع ضرورة تأهيل وتدريب العاملين في صندوق الزكاة بما يواكب التطورات الحاصلة بهدف زيادة كفاءة الصندوق، ويمكن في هذا المجال الاستفادة من الخبراء الاقتصاديين والماليين في مجال تنمية الدور الاقتصادي للزكاة والتقييم المستمر للآثار الاقتصادية لأنشطتها باستخدام المؤشرات الاقتصادية.
وفي الأخير، لابد من أن تساهم كل شرائح المجتمع في تفعيل دور صندوق الزكاة الجزائري، بهدف الرفع من حصيلته، ليكون حقيقة مؤسسة لها تأثيرها الايجابي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

 

الرجوع إلى الأعلى