عودة الحديث عن تفعيل عقوبة الإعدام في غياب دراسات ميدانية مبررة
عاد الحديث مجددا عن عقوبة الإعدام بدول المغرب العربي عشية الاحتفال باليوم العالمي لمناهضتها، بسبب تفشي ظاهرة خطف الأطفال بكل من تونس والجزائر والمغرب، حيث يدفع البعض باتجاه تنفيذ هذه العقوبة عمليا في حق الخاطفين المعلقة منذ أزيد من ربع قرن ظنا منهم أنها كفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة، وفيما يتكئ البعض على نظرة قانونية واجتماعية ترى في تشديد العقوبات رادعا عمليا للمجرمين يستند آخرون على منطلقات فقهية ترى أن العقوبة مقررة في مثل هكذا جرائم.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
وبغض النظر عن التكييف الفقهي لمثل هذه الجرائم التي يعدها البعض حرابة يخير فيها الحاكم بين عقوبات أربع تتراوح بين القتل والصلب والتقطيع والنفي (السجن)، ومدى كون جرائم أخرى مكرسة فقهيا في الجرائم الخاصة التي لا يتدخل فيها ولي الأمر والسلط القائمة أم في جرائم الحق العام؟ إلا أن توجه الجموع كل مرة نحو التفكير في تشديد العقوبة والعودة لسالف عهدها مع ضروب الألم، يكشف عن تفكير غافل عن التطورات الكبيرة حديثا في السياسة الجنائية التي أنتجتها المدارس الفقهية القانونية؛ حيث لم تعد الجريمة والعقوبة مجرد سلوك مذموم اجتماعيا يستوجب أقسي العقوبات؛ بل للجريمة عواملها ودوافعها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن لها علاجا كأي مرض اجتماعي ونفسي لا يقتضي بالضرورة عملية قيصرية بل له إجراءات علاجية تعد العقوبة واحدة منها وليست الوحيدة فيها، بل إن الألم الذي شكل جزءا لا يتجزأ من مفهوم العقوبة تاريخيا لم يعد له كبير مبرر في هذا العصر؛ حين وضعت عقوبات وعقوبات بديلة تستهدف الإصلاح والعلاج بدل العقاب بمفهومه التاريخي.
إن الاعتقاد بنجاح العقوبات البدنية الشديدة في كبح جماح الجريمة والحد منها ينم أيضا عن سوء اطلاع على علم الإجرام والعقاب وتاريخه، لأن المجتمعات القديمة منذ العصر البدائي مارست أشد أنواع العقوبات البدنية والنفسية على المجرمين لكنها لم تنجح في القضاء على الجريمة بل تركتها تزداد عاما بعد عام وعصرا بعد عصر. كما ينم عن فشل في تشريح الظاهرة ووصف علاجها.
ولا نعني هنا التقليل من أهمية العقاب أو تجاوز ما هو مقطوع الثبوت والدلالة شرعا، أو الدعوة لتخفيف العقوبة على خاطفي الأطفال ومرتكبي الجرائم الجسيمة؛ بل يجب تعزيز القوانين الجنائية بكل ما هو رادع وتشديد عقوباتها بكل ما هو محقق للأمن الاجتماعي، لكن قبل ذلك ينبغي أن تبحث المؤسسات الجامعية والأمنية ومراكز البحث العلمي الاجتماعي والفقهي والقانوني في عوامل كل جريمة ودوافعها لشل مفعولها مسبقا، ثم تشريع العقوبات المناسبة لها والاستفادة من تجارب الأمم المتحضرة التي نجحت في الحد من مثل هكذا جرائم بطريقة علمية وإجراءات قانونية ردعية دن أن تضطر للعودة لعقوبات علقتها منذ زمان، وكان ضحيتها آلاف الأبرياء جلهم في جرائم سياسية.
كما أن العودة لتفعيل عقوبة الإعدام ينبغي أن لا يترك لرأي عام تتحكم فيه ضغوطات اللحظة؛ دون النظر بعيدا في المآلات، بل ينبغي الفصل فيه من قبل النخب العلمية الاجتماعية والشرعية والقانونية، فليس كل ما يعتقد العموم أنه موجب ومبرر للإعدام صحيح مقطوع به شرعيا أو علميا أو قانونيا أو حقوقيا أو محققا لمقاصد الشريعة الإسلامية، أو هو ناجح ميدانيا؛ ولا أدل على ذلك أن الظاهرة أكثر انتشارا في دول مسلمة هي الأكثر تنفيذا للإعدام عالميا حيث تتصدر الدول الخمس الأولى؛ بخلاف دول أخرى سنت تشريعات قانونية مشددة تحول دون إفلات المجرمين من العقاب أو الاستفادة من العفو، لكنها بالتوازي مع ذلك سنت قوانين للحماية تضمن حماية الطفولة في الأحياء والمؤسسات التربوية وفي كل مكان، بل حماية لهم داخل الأسرة نفسه.
بل إن الكثير يغفل عن فلسفة القرآن في التجريم والعقاب وهو الذي ألغى العقوبات القاسية للشرائع السابقة اليهودية وغيرها، ولم يكد ينص على عقوبة سوى في بضع جرائم تاركا أمر تحديد العقوبات لاجتهادات كل عصر.  
 ع/خ

أربع دول مسلمة من الدول الخمس الأكثر تنفيذا للإعدام
تدرج أربع دول مسلمة في قائمة الدول الخمس الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام عالميا؛ فبعد الصين نجد كلا من: إيران والسعودية ومصر والعراق، وهي دول تجعل من الشريعة الإسلامية مصدر تشريعها الوحيد أو المصدر الرئيسي، لكن ما يسجل عليها آن جل ما ينفذ فيه الإعدام هو جرائم ذات طابع سياسي يفترض فيها العفو مسبقا حسب ما تقتضيه مقاصد الشريعة والمواثيق الدولية.

مواقف مؤثرة لقوة عاطفة الأبوة
كثيرا ما يتحدث الناس عن قوة عاطفة الأم تجاه أولادها، وما تبذله من أجل خدمتهم وراحتهم، وتفانيها في رعايتهم وتربيتهم، وسهرها الليالي عند مرضهم، وهذا ما لا ينكره أحد، لكن الأب أيضا له عاطفة قوية تجاه أبنائه، فهو يحنو ويعطف عليهم ويتأثر لما يصيبهم أو يؤذيهم، ويكدح من أجل إطعامهم وتوفير حاجياتهم، ويبذل جهدَه ومالَه من أجل إسعادهم، ويتمنى أن يكونوا أفضل منه ومن جميع الناس، وفي القرآن الكريم موقفان مؤثران:
موقف النبي نوح عليه السلام مع ابنه الكافر، الذي رآه يغرق أمامه، فيتوجه إلى ربه تعالى بدعاء كله عاطفة وشفقة على ابنه: قال تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ، قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ، وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ).
وموقف نبي الله يعقوب عليه السلام مع ابنه يوسف عليه السلام الذي أحبه كثيرا، وافتقده صغيرا، وبقي ينتظره سنين طويلة بلوعة وحزن وأمل: قال تعالى: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) وقال: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) وغيرها من الموقف الأبوية.

ماكرون يستفز بعض المسلمين في تأكيده أن الإسلام يمر بأزمة
أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في غضون الأسبوع الماضي تصريحا قال فيه: إن الدين الإسلامي يمر اليوم بأزمة في كل أنحاء العالم، وأكد أن فرنسا ستعمل على «مكافحة الانفصالية الإسلاموية» التي تهدف إلى تأسيس مجتمع مضاد.  وأضاف ماكرون أن هذه الأزمة «مرتبطة بالتوترات بين الأصولية والمشاريع الدينية والسياسية، وتؤدي إلى تصلب شديد للغاية». وقد أحدث استفزازا كبيرا لدى الرأي العام الإسلامي الفقهي والسياسي والفكري حيث شجب التصريح بعض الزعماء المسلمين والمؤسسات الفقهية، وفي هذا الصدد استنكر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التصريحات الصادرة عن الرئيس الفرنسي، ونقلا عن وسائط إعلامية فقد قال المجمع في بيان صدر عنه أنه أكد «رفضه الشديد لتلك التصريحات التي تنسف كل الجهود المشتركة بين الرموز الدينية للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان»، مؤكدًا أن «مثل هذه التصريحات العنصرية من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم ممن يتبعون هذا الدين الحنيف».وشدّد على أن «إصرار البعض على إلصاق التهم الزائفة بالإسلام أو غيره من الأديان كالانفصالية والانعزالية، هو خلط معيب بين حقيقة ما تدعو إليه الأديان من دعوة للتقارب بين البشر وعمارة الأرض وبين استغلال البعض لنصوص هذه الأديان وتوظيفها لتحقيق أغراض هابطة».

مجتمعنا بين الفكرة والمبادرة
لكي يحقق الفرد تغييرا لحاله عليه أن يتحرك ويبادر ويحول القناعات لممارسات، وإذا أرادت المجتمعات أن تمارس انتقالها عليها أن تنتقل من لحظة الطموح والحلم إلى لحظات المواطنة والمبادرة.
وما كانت الكثير من محطات التاريخ الإسلامي المنتصر على الوثنية أو أعداء الدين، في كل فترة زمنية، أن تحدث لولا تحقيق ما يسميه مالك بن نبي بفاعلية الأفكار،و كذلك الأمر مع  التاريخ الجزائري الثوري في مواجهته للإجرام الاستعماري، حيث انتقل أبناء الوطن من المطالبة اللفظية والمقاومة السياسية زمن الحركة الوطنية للمقاومة والجهاد والفداء مع صوت النضال النومفبري.
لا نريد التوغل الكبير في مسائل التفكير والفلسفة والسوسيولوجا،فقط نريد الإشارة لمسألة هامة، تؤثر في المجتمع وتمس تحولاته وتغييراته، هي مسألة المبادرة وتقديم الحلول للمشكلات، بمعنى بدل التركيز على المشكلة يجب التركيز على طرق حلها وتجاوزها، عبر تفاعل الطاقات واجتماع المجهود الجماعي، وتحويل الفكرة لممارسة عملية يومية، وتكون فائدتها جليلة إن أصابت الأبعاد التربوية والأخلاقية، وتعلقت بقضايا الطفولة والشباب والمرأة ...
وهنا يمتزج الإيمان بالعمل، وبعد التوكل على الله، يقع التحرك الميداني والسعي في ارض الله، فتكون الروح صافية والفكرة واضحة، ولن يقع التبدل في الحال والتحول في مصير المجتمع والدولة، إلا عبر تجسيد الأفكار الوطنية النبيلة المتحررة من جماد الثبات والهشاشة،لأن قطار الحضارة لن يتوقف ولن يحمل معه الجامدين/ التافهين/ السلبيين....
فتحتاج مثلا الطفولة للكثير من الإسهامات المجتمعية /المدنية،قصد حمايتها من كل أنواع المخاطر، إنهم ينتظرون من الأولياء و الجمعيات والهيئات الرسمية تنظيم نشاطات ثقافية ورياضية،وينتظرون مبادرات للتربية والتهذيب،كما يحتاج شبابنا من المهتمين به اقتراح الأفكار المتحررة /المقاومة للروتين والبيروقراطية والتصدي للأخطار المجتمعية المختلفة، ومنها المخدرات، الانتحار، الإدمان الالكتروني،البطالة وغياب الشغل ...وهنا لا يجب أن تكتفي أجهزة الدولة بالصمت بل عليها دعم الجمعيات النشطة ومحاسبة الجمعيات النائمة الناهبة للمال العام.
يبدو أننا نحتاج لعودة سريعة لقراءة كتب مالك بن نبي، قصد الانتقال من الفكرة، لفاعلية الفكرة، والتحرك الوطني الميداني، بخطاب الأمل والتفاؤل والانتصار، ورفض خطاب التشاؤم واليأس والجمود  والسلبية، لتجاوز أزمنة الخراب والنهب والتخلف، في ظل عولمة متحركة متبدلة، وفيها الدول التي استفادت من أفكار مالك بن نبي في تحقيق نهضتها (اندونيسيا،ماليزيا...)

الأزهر يستنكر استعمال الغرب مصطلح «الإرهاب الإسلامي»
استنكر أحمد الطيب شيخ الأزهر «إصرار بعض المسؤولين في دول غربية» على استخدام مصطلح «الإرهاب الإسلامي»، مشيرا إلى أنهم لم ينتبهوا لما يترتب عليه من إساءة بالغة للإسلام والمؤمنين به. ونقلا عن وسائط إعلامية فقد قال إن ذلك يعتبر «تجاهلا معيبا لشريعة الإسلام، وما تزخر به من قوانين ومبادئ تجرم الاعتداء على حقوق الإنسان كافة، وأولها حقه في الحياة وفي الحرية والأخوة والاحترام المتبادل». وأكد على أن «إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام أو غيره من الأديان السماوية، هو خلط معيب بين حقيقة الأديان التي نزلت من السماء لتسعد الإنسان، وبين توظيف هذه الأديان لأغراض هابطة على أيدي قلة منحرفة من هذا الدين أو ذاك».
وأضاف: «هؤلاء الذين لا يكفون عن استخدام هذا الوصف الكريه لا يتنبهون إلى أنهم يقطعون الطريق على أي حوار مثمر بين الشرق والغرب ويرفعون من وتيرة خطاب الكراهية بين أتباع المجتمع الواحد». و»لن تزيد الأمر إلا كراهية وتعصبا، وتشويها لمبادئ الأديان السمحة، التي تدعو في حقيقتها لنبذ العنف والحث على التعايش السلمي بين الجميع».

 

 

 

الرجوع إلى الأعلى