عندما تطوف شوارع المدن العربية الإسلامية العتيقة وأزقتها بالمغرب والمشرق تقف على نمط عمراني متناسق يشي بوجود خلفية نظرية وتصميم هندسي وتخطيط مدني مسبق؛ روعيت فيه الشروط البيئية والحضرية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والدينية ولم تكن مجرد تكديس عشوائي للمرافق والمساكن على غرار ما تشهده بعض الأحياء العشوائية في مدننا الحضرية الكبيرة.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
 فمنذ العهد النبوي بدأ التخطيط للمدن قبل الشروع في بنائها أو توسيعها؛ متوخين بذلك تحقيق أنموذج فريد وصفه القرآن الكريم بقوله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ))، وقد ترك لنا التراث الفقهي الإسلامي منظومة فقهية متكاملة في فقه العمران وشروط البناء وضوابط التوسع العمراني؛ التي تجلت في تخطيط وبناء المدينة المنورة وما بعده من مدن الإسلام على غرار البصرة و واسط والقيروان وبغداد وتونس وقسنطينة وبجاية وقصبة الجزائر وتلمسان ومدن الأندلس وغيرها.    
فيقول الباحث عمر عاصي: (لو تأملنا مدينة مثل البصرة في العراق التي بُنيت في زمن عُمر بن الخطاب سنجد في تخطيطها اعتبارات بيئية مميزة، ومن المُدهش أن نجد هذه الاعتبارات حاضرة في تخطيط مدينة «واسط» وفي «مراكش» بل سنجد عالما مثل ابن الربيع قد وضع معايير الاستدامة في تخطيط المدن قبل ألف عام تقريبًا، وسنجد طبيبًا مثل الرازي يُجري التجارب لتحديد أفضل موقع لبناء مستشفى بناء على جودة الهواء وسنجد نماذج كثيرة، ولكن يبقى أبرز وأقوى من تحدث في تخطيط وتنظيم المدن العربية والإسلامية في العالم هو ابن خلدون).
وقد حقق بعض الكتب والمصنفات التي تركها فقهاء العمران منذ القرون الأولى ونقلوا الشروط العمرانية التي ينبغي التقيد بها في أي بناء عمراني إسلامي؛ فنقل الباحث ما أورده البلادري في فتوح البلدان من مراسلات تمّت بين عتبة بن غزوان والخليفة عمر بن الخطاب بخصوص الموقع الذي يجب أن يتخّذه لتأسيس مدينة البصرة، حيث راسل عمر قائلا: «إني وجدت أرضا كثيرة القضة (نوع من النباتات) في طرف البر إلى الريف، ودونها مناقع ماء فيها قصباء». فلما قرأ عمر هذا الرد قال:»هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعى والمحتطب»؛ ثم أمرهم أن يجعلوا عرض شوارعها الكبيرة أربعين ذراعاً والمتوسطة عشرين والأزقة سبعة أذرع،  وأن يجعلوا وَسَطَ كلِّ محلة رحبةً مربعةً لمرابط خيلهم طولُ ضلعها ستون ذراعاً).
كما نقل ما أورده الفقيه ابن أبي الربيع في كتابه «سلوك المالك في تدبير الممالك على التمام والكمال» حيث اشترط أن يستوفي مكان المدن الجديدة (سعة المياه المستعذبة، إمكان الميرة المستمدة، اعتدال المكان وجودة الهواء، القرب من المراعي والاحتطاب، تحصين المنازل من الأعداء والذُّعَّار، أن يحيط بها سوار يعين أهله )، وفصل الباحث خليل مصطفى غرابية هذه الشروط بشكل أعمق فقال هي: (أحدها): أن يسوق إليها الماء العذب للشرب، حتى يسهل تناوله من غير عسف.‏ (الثاني): أن يقدر طرقها وشوارعها، حتى تتناسب ولا تضيق.(الثالث): أن يبني فيها جامعا للصلاة في وسطها، ليقرب على جميع أهلها.‏ (الرابع): أن يقدر أسواقها بكفايتها، لينال سكانها حوائجهم من قرب.‏ (الخامس): أن يميز قبائل ساكنيها، بأن لا يجمع أضدادا مختلفة متباينة.‏ (السادس): إن أراد سكناها فليسكن أفسح أطرافها، وأن يجعل خواصه كنفا له من سائر جهاته.‏ (السابع): أن يحوطها بسور، خوف اغتيال الأعداء، لأنها بجملتها دار واحدة.‏ (الثامن): أن ينقل إليها من أهل الصنائع بقدر الحاجة لسكانها.
وقد نبه كبار أطباء العالم الإسلامي منذ القدم إلى خطورة تعفن الهواء وما يسببه من أوبئة وأمراض؛ كما تحدث بن خلدون في مقدمته عن هذا الأمر فقال: (ولهذا تبين في موضعه من الحكمة أن تخلل الخلاء والقفر بين العمران ضروري، ليكون تموج الهواء يذهب بما يحصل في الهواء من الفساد والعفن بمخالطة الحيوانات ويأتي بالهواء الصحيح. ولهذا أيضا فإن الموتان يكون في المدن الموفورة العمران أكثر من غيرها بكثير).
شروط الفقهاء ضوابط لا تحول دون تطوير تصاميم المدن
ففي ضوء هذه الشروط والضوابط الفقهية يتبين لنا أن ما يبنيه بعض المسلمين من مساكن وأحياء عشوائية فوضوية لا علاقة له بأحكام الفقه الإسلامي وهديه؛ بل مخالف له لأنه مضر بالصحة مهلك للبلاد والعباد؛ مقوض لشروط الجوار وحقوق الغير؛ لأن من حق كل ساكن في مدينة أو بادية أن يستمتع بالهواء النقي والماء الصالح وضوء الشمس ونورها وحفظ خصوصياته؛ فمن تسبب في حرمانها منها فحجب عنه الشمس والهواء، ولم يحترم التباعد السكني، وألحق به ضررا في نفسه أو بدنه أو أسرته كان آثما، فالمسكن في الإسلام ليس مجرد حجر يقي الحر والقر بل هو فضاء إنساني واجتماعي وصحي يجسد أحكام الإسلام وهوية الأمة الحضارية وأخلاقها السامية، وقد شكلت تلك المدن التي شيدت وفق هذه الضوابط أنموذجا راقيا في التمدن حين أضحت أماكن عبادة وعلم وصناعة وحرف وتجارة وسياحة وأمن ونظافة وجمال كما تشهد عليها أثارها الباقية إلى اليوم؛ مسهمة بذلك في تعزيز فن العمران.
وما أورد الفقهاء من شروط لا يعدو كونه ضوابط، إذ لا تعين أن يلتزم المسلمون في بناء المدن النمط العمراني القديم ويقفوا عند أشكاله بل لهم أن يطوروا في المخططات والتصاميم بما يناسب عصرهم وحاجتهم الاجتماعية والاقتصادية ما التزموا بتلك الضوابط.
 ع/خ

إفريقيا في حاجة للاستثمار الدعوي
قال لي أحد المشايخ بغينيا كوناكري لما كنت هناك «جئتم لنا بالإسلام وتركتمونا»
ذكرني اليوم هذا الفضاء بذكريات وصور عن خدمة القرآن الكريم والأيتام ببعض دول أدغال وسهل إفريقيا .ويعلم الله كم سعينا مع بعض الفضلاء وأئمة من أوروبا لخدمة المسلمين بهذه الدول ولكنها جهود فردية ومن أموال المحسنين وتبقى غير كافية» وكم تمنيت أن تتدخل بعض الدول الإسلامية الغنية لبناء ملاجئ ومدارس لأيتام الحرب وضحايا الصراعات القبلية والحروب وضحايا الجماعات الإرهابية.
وشهادة لله لما رجعت للوطن حاولت مع بعض الزوايا والمدارس القرآنية لاستقبال بعض الطلاب من هذه الدول فرفضوا بسبب التعقيدات الإدارية؛ إلا زاوية الهامل فقد وافق شيخنا سي المأمون القاسمي الحسني شيخ زاوية الهامل لاستقبال بعضهم والتكفل بهم من جميع النواحي .
خلاصة التجربة: ينتظرنا عمل كبير مع بعض دول أدغال وسهل إفريقيا لو نحسن دعوتنا للاستثمار في هذا المجال.

تعليق العمرة لأسبوعين
أعلنت الحكومة السعودية تعليق رحلات الطيران الدولية لمدة أسبوع بعد ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا. وأوضحت نقلا عن وسائط إعلامية أن السفر عبر المنافذ البحرية والبرية تم تعليقه أيضا لمدة أسبوع على أن تتم مراجعة القرار في غضون هذه المدة. ومن المتوقع أن يؤثر القرار على خطط الآلاف من المعتمرين

الإجهاد وأهمية أدب الرقائق
     من المباحث النفس اجتماعية التي نالت الاهتمام الكبير عند  المختصين في مسألة أمراض النفس البشرية، مبحث الإجهاد الذهني -النفسي وآثاره الجسدية، في ظل تسارع وتطور وحركية الأحداث، وتدفق التفاعل والتواصل في المجتمع، وندرج هنا كذلك الإجهاد الذهني والجسمي في أماكن العمل، وكذا الإرهاق والتعب بسبب الازدحام المروري وغيره؛ فما العلاج؟
   نجد في موروثنا الثقافي أدبا يسمى أدب الرقائق،يتضمن الخواطر الإيمانية والنصوص التي ترقق القلوب وتمنحها الرحمة والطمأنينة، انطلاقا من القرآن الكريم وأحاديث الرسول- ص- وصولاً لأخبار الصحابة وكلماتهم وكلمات الباحثين والوعاظ والصوفية، وكل أدب يواجه القلب الفاسد بأسرار القلب السليم.
نحن نحتاج -خاصة زمن الكوارث والأوبئة-للاطلاع على أدب الرقائق، ومن الواجب على أئمتنا تخصيص خطبهم المنبرية أو دروسهم في الشبكات لتقديم فوائد ولطائف عن القلوب وتهذيبها، قصد الوصول لتهذيب العقول والسلوك..
   يقول الدكتور محمد بن لطفي الصباغ:» عندما يرق قلب المسلم يلين للحق ويتحقق له الخشوع في الصلاة، والورع في سلوكه، والخوف من الله تبارك وتعالى،ومن خشع في صلاته ذاق طعم العبادة وحلاوتها ،ومن خاف من الله لم يقصر في أداء واجب ولم يقع في معصية».
إن القلوب أيها القارئ الكريم، تقسو بالغفلة والإعراض وتلين وتطمئن بذكر الله والإيمان، ولا حل لكل هذه الأمراض التي أعطبت العقول وأضرت الأجساد إلا بالاستماع والقراءة لأدب الرقائق، لعلنا نعالج بعضا من الإجهاد اليومي القاتل للمقدرة الفكرية والقوة الذهنية والمخرب لقوى الجسم، لدرجة يصبح فارغا خربا متشائما؛ يقول تعالى:»ألا بذكر الله تطمئن القلوب».

المطلوب الحكم على القول قبل قائله
يحكى أن رجلا وجد أعرابيا عند الماء، لاحظ الرجل حمل بعيره فسأله عن محتواه، فقال: الأعرابي كيس يحتوي على المؤونة والكيس المقابل يحتوي ترابا ليستقيم الوزن في الجهتين، فقال الرجل: لم لا تستغني عن كيس تراب وتنصف كيس المؤونة في الجهتين فتكون قد خففت الحمل على البعير، فقال  الأعرابي: صدقت ففعل ما أشار عليه ثم عاد يسأله هل أنت شيخ قبيلة؟ أم شيخ دين؟ فقال لا هذا ولا ذاك بل رجل من عامة الناس فقال الأعرابي:  قبحك الله لا هذا ولا ذاك ثم تشير علي فأعاد حمولة البعير كما كانت !.
إن هذا مما قسم ظهر الأمة اليوم؛ فناقش الفكرة لا الشخص، فالوضيع إذا قال الحق تعاظم لأن الحق يرفع أهله، والعظيم إذا قال الباطل تصاغر، لأن الباطل يحط أهله، فمن يشخصن كل حوار فهو من التفاهة بمكان، فقد غير النبي صلى الله عليه وسلم خطة حرب اتخذ موضعة قتال في بدر أشار بها الحباب رضي الله عنه وأرضاه،  كما لا يفوتك أن الناس بعقولهم لا بأجسامهم ووجوههم، فأحيانا صاحب العقل لا يسعفه عقله فيجد ضالته في عقله من هم دونه،  فنحن أحوج ما نكون لنصح غيرنا ولنتواضع للحق إذا قيل دون أن نلتفت  لمكانة قائله، فجيش نبي أوقفته نملة،  ولقمان الحكيم كان عبدا نوبيا أسودَ اشتراه سيده بثلاثين مثقالا، وكان سيده مقامرا يلعب بالنرد، فقامر مرة وخسر، فاشترط عليه المقامر الفائز أن يشرب ما بين ضفتي النهر أو يفقأ عينيه ويجدع أنفه ويقطع أذنيه، ويكفيه من ذلك كله أن ينزل عن ماله  أداء، فقال له أمهلني حتى الغد، وبينما هو مهموم مغموم إذ مر به  لقمان وسأله ما به؟ فأخبره الخبر، فقال له لقمان اطمئن فإني سأخرجك من رهانك هذا، فإذا جاء الغد فاسأله أأشرب ما بين الضفتين أم المد؟ فسيقول لك ما بين الضفتين، فقل له احبس عني الماء إذا كي لا يختلط الماء فإنه سيعجز، فلما كان الغد قال سيد لقمان لخصمه أأشرب ما بين الضفتين  أم  المد؟ فقال اشرب ما بين الضفتين، فقال له احبس عني المد،  كي لا يختلط الماء فقال له لا أستطيع؛ فقال سيد لقمان وأنا لا أشرب ماء ليس داخلا في الرهان فقضي الأمر، فهو العبد أنقذ سيده، لا سيده احتقره لسواده ولا لعبوديته.

وفاة مصمم باب «الكعبة المشرفة» في عهد الملك خالد
أفادت وسائط إعلامية بأن مصمم باب الكعبة المشرفة في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، المهندس منير سري الجندي، فارق الحياة .منذ أيام. وذكّرت التقارير بأن الملك خالد وجه بصناعة باب جديد للكعبة من الذهب الخالص، عقب صلاته فيها عام 1397هــ (1977)، وكُلف الجندي بتصميمه.

الرجوع إلى الأعلى