إعداد: د .عبد الرحمان خلفة    
تواصل السلطات العمومية افتتاح مساجد الجزائر في عملية شرعت فيها تدريجيا منذ نوفمبر الماضي؛ بعد أن بدأ الوباء يحاصر وبعد أن وقفت على مدى التزام المصلين والقائمين على المساجد بإجراءات التباعد الصحي، والبروتوكول الصحي، فلم تسجل حالات تستدعي إعادة غلق المساجد كما حدث في بعض الدول العربية الشقيقة، ويأتي هذا التعميم بعد أن فتحت أيضا المدارس القرآنية؛ لكن تبقى فضاءات صلاة النساء مغلوقة إلى إشعار آخر، لأن هذه الفئة لا تجب في حقها الجمعة؛ كما يبقى حظر دخول الأطفال وصغار السن ساري المفعول؛ وكذا يستمر غلق المائضات لأنها مظنة الاحتكاك والاختلاط بين الناس بسبب فضائها شبه المغلق والاستعمال المشترك لأوانيها. 

الشـهــــادة في سبيــــل اللــــه اصطفــاء لصفــوة من عـبــاده
لقد حظي الشهيد في سبيل الله تعالى بمنزلة سامية في المنظومة الإسلامية العقدية والشريعة والأخلاقية؛ كادت تبلغ به مرتبة الأنبياء والصديقين؛ فتوالت الآيات القرآنية والآثار النبوية التي تبرز معالم وخصائص ومراتب هذه المنزلة؛ ثوابا في الآخرة وتكريما في الدنيا؛ ولذلك كانت الشهادة منة من الله تعالى واصطفاء لصنف من صفوة عباده، وليست اكتساب طوعيا لكل الناس؛ فقال الله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء.
ومن خصائص الشهيد وفضائله التي وردت في النصوص الشرعية:
(أولا) إن الشهيد بعد مقتله في سبيل الله تعالى حي يرزق عند الله تعالى، وليس ميتا كسائر الموتى؛ قال الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، وقال تعالى: ولاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ.
(ثانيا) إن منزلة الشهيد في سبيل الله تعالى جنة الخلد؛ قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل))؛ البخاري. وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ). متفق عليه.  وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالتْ: يَا نَبِيَّ الله، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ-وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: (يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى). أخرجه البخاري.
 (ثالثا): إن الشهداء في صحبة الأنبياء والصديقين؛ قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، وقال الله تَعَالَى: وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ.
(رابعا) إن الشهيد يغفر له ذنبه لحظة إصابته؛ فعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشّهِيدِ كُلّ ذَنْبٍ، إلاّ الدّيْنَ». أخرجه مسلم.
فهذه وغيرها خصائص ومناقب وفضائل الشهيد في الإسلام منزلته عند الله تعالى؛
لكن ينبغي أن تكون الشهادة في سبيل الله تعالى إعلاء لكلمته فعلا؛ كي يحظى صاحبها بهذه الفضائل؛ فليس كل قتل في معركة يعد شهادة وإن تخيله البعض ذلك؛ ولذلك جاء قوله تعالى ليؤكد على أن قتال المسلم ينبغي أن يكون في سبيله خصر؛ فقال تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ)، فترويع الآمنين والاقتتال الطائفي في الفتن وبغي المؤمنين بعضهم على بعض، ليس من قبيل الجهاد في سبيل الله تعال وقتلاه ليسوا من قبيل الشهداء بل قد يكونون مأزورين وهم يعتقدون أنهم مأجورون، وليحذر المسلم وليتبين مواطن الجهاد الصحيحة حتى لا يخسر الدنيا والآخرة، ولا ينساق خلف دعوات وفتاوى مضلله تحمل النصوص على غير محملها الصحيح وتضع الآيات في غير موضعها؛  لتستدرجه للخروج على إخوانه المؤمنين واستباحة دمائهم، أو قتل المستأمنين الذين حصن الشرع دمائهم وأموالهم.
ع/خ

«دعـــــــاء صحــــــــة ويعيشـــــــــك»
قد تجد المترادفات مكانا لها في هذا المقام؛ فيحسن أن نستشهد بالفرق بينَ الصحة، والعافية. فالصحة تعني عدم السَقم، والمرض. أي ضدهما. بينما العافيةُ أوسع معنى، وأشمل دلالةٍ، وأبعد مغزى، وأرحب معنى؛ فتعني:عدم المرض، وعدم التعب، وعدم الاكتئاب، وعدم القلق، وعدم الإرهاق، وغيرها من الأعراض التي تصيب الأجساد البدنية. وكذلك دعاء صحَّ أو صحة، ويعيشك. فالأولُ: دعاء ضد المرض. والثاني: ويعيشك. وهذا الدعاء أغزر معنى، وأرحبُ دعاء؛ فهو يعني: الله يعيشك بطول العمر، وبحياة طويلة تخلو من منغصات الحياة: كالألم، والمرض، والهم، والحزن، والكآبة، والانفعالات النفسية، والعصبية، ....الخ. وصيغة «صحه، ويعيشك» انفردت به الجزائر من بين جميع الدول العربية. ويطيب لنا في هذا المقام القول :بأن دعاء «صحّه يعيشك» قد حيرني بغناه الثوابي، فتفحصت فيه فوصلت إلى غزارة معناه :»فصحّه» تعني:الشفاءُ من السقم، والأمراض. بينما «يعيشك « تعني العافية من جميع البلايا بكل أنواعها البدنية الجسدية، والنفسية العصبية في الحياةِ بشقيْها السفلي، والعلوي. أي الحياة الدنيا القصيرةِ العاجلةِ، والحياة الأخرويةِ ‏الآجلةِ، والخالدة بلا نهايه. وإني أستحسن الدعاء بلباس العافية فتكون كاللباس يحمي أجسادنا من كل بلايا البؤس، والشقاء. وقد فسَّر الإمام القرطبي نعمة الله بالعافية في قوله تعالى: ((أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ))، ونقل الإمام القرطبي عن ابن عباس: أفبعافيةِ اللهِ؟!. ونقل عن ابن شجرة: أفبعطاءِ اللهِ، وإحسانِهِ؟!. ونقل عن النَّقاشي: أفبإطعامهم من جوعٍ، وأمنهم من خوف يكفرون؟! وقال القرطبي: وهذا تعجب، وإنكار خرج مخرج الاستفهام.‏
‏وفسَّر الإمام القرطبي: البَطر الطغيان بالنعمة في قولهِ تعالى: ((وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)). وأستحسن القول: إنّ الدنيا دارُ ابتلاء، وعند الله فصلُ القضاء. وبما أن الحياة الدنيا حياة ابتلاء فيستحيل أن تمحوه العافية بصفة مطلقة، أوترفعه كليا؛ ولكنها، وبقدر من ربها قد تخفف من بلايا الدنيا، أو تقدّر المُبتَلى على تحملها، أو تخفيفها، أو دفع الضرر، أو المصائب عن المبتلى. لا أسف على دنيا أولها بكاء، وآخرها بكاء. وأمّا بالنسبة لحياة الآخرة، ولأنها دار جزاء، ومحاسبة، فالعافيةُ تعني معنىً واحدا فقط، وهو العافية من النار. وبهذا تتفوق المعافاة على الصبر: فالصبر معناه التصبّر، والعون على البلايا فلا يلغيها. أما العافية فتعني رفع البلايا، وليس الصبر عليها فقط. وبمعنى آخر فطلبُ الصبرِ كأن معناه طلب البلايا. والأفضل منه طلب العافيه. وفي مثل هذا المقام يحسن القول: وكمنحة ربانية فإن اقتران دعاء العفو بدعاء العافيه يخلص الإنسان المسلم من الذنوب كما يخلصه من الأسقام، والأمراض بأنواعها، فيخرج المسلم من دنياه رابحا لها، مغفورة ذنوبه، فينال رضا ربه، وبالتالي ينال سعادة الداريْن الأولى، والآخرة».اللهم اجعل‏، فينال رضا ربه، وبالتالي ينال سعادة الداريْن الأولى والآخرة. اللهم اجعلنا ممن هداهم الله إلى هذين الدُعائيْن.»اللهُمَ إنا نسألك العفو، والعافية». ويحسنُ في هذا المقام الاستشهاد بشعر أحمد العُزَري
واكتب بخطك إن أردت عبارةً ربّاه لا شيءٌ يساوي العافية»
لا تحسبوا أنَّ المناصبَ باقيةٌ أو أنَّها يومًا ستبقى وافية»
عاشِر بمعروف فإنَّك راحلٌ واترك قلوبَ النّاس نحوكَ صافِية»
وأذكر من الإحسانِ كُلَّ صغيرةٍ فاللهُ لا تخفى عليه الخافية»
لا منصِبَ يبقى ولا رُتبٌ هنا أحسِن فذكركَ بالمحاسنِ كافية»‏

وقفـــة مــــع آيــــة
قال تعالى على لسان لقمان:  وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ سورة لقمان، آية ١٨
في هذه الآية الكريمة توجيه ربّاني على لسان لقمان عليه السلام إلى ابنه، وينسحب هذا على الناس جميعا في كلّ مكان، وفي كلّ زمان .
تبدأ الآية الكريمة بحرف النهي لا متبوعا بالفعل المنهي عنه (تصعّر)، يليه الاسم المعني المتعلق به، ولا يخفى أن النهي هو الدعوة إلى وجوب الالتزام بالعمل، أي أنه صيغة أمرية واجبة التنفيذ والعمل بمقتضاها، وهو أسلوب وعظي تربوي سلوكي ينظّم طبيعة العلاقة المجتمعية على أسس من المودّة والمحبة، بعيدة عن هشاشة العلاقات القائمة على الاستعلاء والاستكبار؛ ومن المؤكد أن الدعوة الإلهية إلى الامتثال لهذا التوجيه الأخلاقي، إنما أساسها الجنوح إلى احترام الآخر والإصغاء إلى حديثه، أو التحدُّثِ إليه، دون الإعراض بميل الخدّ عنه؛ لعلة نفسية يحدثها هذا السلوك في نفس الآخر، فيستشعر بالدونية التي تركها ذاك المتكبر الذي أعرض بخده عنه إحساسا منه بالفوقية، ولأن هذه الصورة منهي عنها ومستقبحة، فقد شبّهها بالداء الذي يصيب الإبل في عنقها وهو التصعير من الفعل الثلاثي (صعر)، فتميل برقبتها هنا وهناك، وهذه صورة منفّرة، ومن يتبعها فذاك مثاله وشبيهه، فالمسألة إذن معالجة لما يمكن أن يخلِّفه هذا السلوك وما يتركه من أثر سلبي في الآخر، ولعلّ في هذا البيان دعوة صريحة إلى الالتزام بما يسمى في وقتنا الحاضر (أدب الحوار) فأيّ تشريع مثالي هذا الذي يتدخّل في كل صغيرة وكبيرة؛ لبناء مجتمع متماسك قوي، يشعر فيه الجميع بالعدالة والمساواة؟
وتأتي الجملة التالية (ولا تمشِ في الأرض مرحا) وهي معطوفة على الأولى؛ للتأكيد على امتداد رسم المنهج القويم الذي يدعو إليه التشريع السماوي، فلا خيلاء ولا استعلاء ولا استكبارا في المشي، وكل هذه الصفات تدعو إلى إحداث خلل في العلاقات الإنسانية، فينجم عنها الكراهية والبغضاء بين الناس؛ لأن الأصل في المنظور السماوي هو سواسية الناس، وليس طبقيتهم والتمايز فيما بينهم.
ويؤكد الحق سبحانه وتعالى في نهاية الآية على تلك المضامين والأحكام من خلال أداة التوكيد (إنّ الله) يليه النفي بلا التي تنفي محبة الله للمتكبر والمتغطرس والمختال.

انطلاق قراءة «صحيح البخاري» 
احتضنت دار القرآن الشيخ العلامة أحمد سحنون بالعاصمة- منتصف الأسبوع فعاليات انطلاق قراءة «صحيح البخاري» تحت إشراف السيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور يوسف بلمهدي، بحضور ثلة من إطارات الوزارة والسّادة الأئمة والسيدات المرشدات الدينيات.وذلك بمناسبة حلول شهر الله الحرام»رجب» الذي يعقبه شهر شعبان ثم شهر رمضان، هي سنة دأبت الوزارة بمعية المشايخ عليها منذ سنوات تحسبا لاختتام القراءة في شهر رمضان الكريم.

الرجوع إلى الأعلى