إن المعاني القرآنية والنبوية التي تدل على قيم التراحم بين أبناء الأمة كثيرة لا تكاد تحصى؛ وهو ما فقهته الأمة جيلا بعد جيل فانعقد إجماعها على وجوب التعاون والتراحم؛ حتى أضحى فعل الخير ووجوب إغاثة اللهفان رسما للأمة المسلمة وعنوانا مميزا للحضارة الإسلامية بمختلف حقبها التاريخية من الاستخلاف إلى الاستضعاف ومن الصعود إلى الأفول والانحدار.
وليس أدل على ما نقول ما شهدناه من هبة تضامنية تكافلية تداعى لها أبناء الجزائر الحرة الأبية من تاء تبسة إلى تاء تلمسان ومن تاء تيزي وزو إلى تاء تمنراسنت؛ من يوم جائحة كوفيد وما ألم بإخواننا في البليدة إلى الهبة الشعبية حينما شحت مادة الأوكسوجين، ثم الهبّة التضامنية حينما اشتعلت الغابات والتهمت الحرائق الأشجار والدور والبهائم والممتلكات في تيزي وزو وغيرها من الولايات؛ فهب الجميع هبّة رجل واحد وأعدوا القوافل الإغاثية بكل ما يحتاجه هؤلاء المفجوعون المنكوبون تلاحم وتراحم في صورة بديعة، تعجز أن تصورها يد فنان بارع أو تصوغها عبارة أديب فصيح  أو تنشدها قافية شاعر بليغ.
 إلا أننا بقدر ما نثمن هذه الهبّات ونبارك هذه الجهود يجب أن ننبه إلى بعض المسائل والقضايا التي لا يجب أن نغفلها حتى تؤتي هذه المبادرات ثمارها؛ منها:
(أولا) : إخلاص النية لله تعالى: يجب علينا ونحن نقود هذه المبادرات ألا يتبادر إلى ذهننا مغنما نتقصده ولا موعدا ولا استحقاقا نتصيده، بل لا يكون لنا من هم سوى أن نغيث الملهوف ونعين المنكوب ونرفع الغبن عن المغبونين؛ إرضاء لله تعالى وابتغاء وجهه الكريم. وبما أن العمل الخيري من أعظم القرب عند الله تعالى وأفضل العبادات فقد أمرنا الله تعالى أن نخلص النيات فيها عملا بقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.
(ثانيا):  العمل الخيري التكافلي ذو شقين: الشق الأول منه واجب وفرض متعين على كل من تحققت فيه الشروط والأركان وانتفت فيه الموانع؛ كالزكاة وبناء على ذلك وبمقدار ما يجب علينا أن نتقيد بالأحكام الشرعية والضوابط الفقهية في هذه المقدرات الشرعية التي جاءت بها النصوص الشرعية، ويمكن أن نوسع دائرة الاجتهاد ونأخذ بجميع الآراء الفقهية والاجتهادات لتحقيق المصالح ودرء المفاسد  والوصول إلى المبتغى والهدف المنشود؛ وعليه يمكن أن تخرج الزكاة من أجل إيواء من لا مأوى له وإطعام من هو جائع وعلاج  مريض مصاب، وندخل هؤلاء في صنف الفقراء والمساكين ولا بأس أن نأخذ بمذهب من يوسع سهم في سبيل الله وخاصة زمن المحن والجوائح والظروف القاهرة.
والشق الثاني العمل الطوعي التكافلي المطلق كالوقف والصدقات فهذا باب الاجتهاد فيه واسع ومصارف التبرع فيه كثيرة ومتنوعة ، بل قد تطال حتى غير المسلم. عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:{في كل كبد رطبة صدقة}؛ وعليه لا نحجر واسعا معيارها شرط الواقف ورغبة المتبرع إذا لم تخالف هذه الشروط أحكاما صريحة وقواعد عامة ومقاصد شرعية بينة واضحة.
يجوز تحويل التبرعات من ولاية لأخرى عند الاستغناء ولا يجوز التربح بها
(ثالثا): وجوب التنسيق بين الجهات العاملة في العمل الطوعي وترشيد العملية التكافلية؛ حتى تؤتي العملية أكلها وتحقق أهدافها ومقاصدها؛ وذلك من خلال قاعدة بيانات للمتضررين والمعوزين الحقيقيين حتى يستفيد الجميع، ولا يتكرر العطاء لجهة مرات ومرات وتحرم جهات أخرى كل الحرمان والعمل لتحقيق ذلك تحكمه قاعدة الوسائل والمقاصد، حيث تأخذ الوسائل حكم مقاصدها ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومن ذلك التنسيق مع أهل المناطق سواء جمعيات أو أفراد.
(رابعا): يحرم الاتجار بهذه التبرعات فهي في حكم الوقف تصرف فيما أوقف عليه أو له؛ فإذا استوفت الجهات التي أرسلت إليها لا بأس أن تنقل إلى جهات أخرى من القطر الجزائري أصيب بنفس الجائحة؛ فلو اكتفى أهل تيزي وزو مثلا فلا بأس أن تنقل إلى أهل بجاية أو سكيكدة أو جيجل أو الطارف، ولا يجوز إتلافها أو تكديسها حتى يحتاج أهل المناطق المذكورة سلفا مرة أخرى . بل هي من واجبات الوقت.
ولا يجوز هنا التذرع ببعض الأخطاء أو الممارسات الخاطئة في جهة من الجهات أو تصرفات مشينة لبعض الأفراد فنوقف العمل الخيري ونمسك عن التكافل والتراحم وفعل الخير؛ فقد انتبه علماء الأمة الإسلامية لمثل هذه الهنات التي قد يتذرع بها البعض فقال العز بن عبد السلام: (لا يجوز ترك الحق بدعوى الباطل).

اللقاح من التداوي الذي أمرت به السنة


 لقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأوبئة (كورونا) بالوجع،  قال صلى الله عليه وسلم: {إن هذا الوجع (الطاعون) رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم فإذا كان بأرض وأنتم بها ،فلا تخرجوا منها وإذا بلغكم أنه في أرض فلا تدخلوها}، فهذه آلية من آليات التداوي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بما يسمى اليوم التباعد الصحي ،فمخالطة الناس عند  العلم  بتفشي مرض ما حذر منه أهل التخصص (فاسأل به خبيرا) يعتبر ضربا من قتل النفس المنهي عنه  شرعا ،بل من الناس من إذا عزفت عن مصافحته ،يرى في ذلك تصرفا لا أخلاقي ولكن الخُلق في ذلك ،لأنه من التداوي والوقاية الذي أمرنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال :{وفر من المجذوم كما تفر من الأسد}، وكذلك لما وفد على النبي صلى الله عليه و سلم وفد ثقيف بينهم رجل مجذوم، أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم :(إنا قد بايعناك فارجع) ، فالقاعدة لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، من أهم قواعد التداوي في هذه الجائحة.
وأما عن اللقاح «وما أشيع حوله من الشائعات الخاطئة دون علم»، فهو ضرب آخر من  التداوي والوقاية، حيث طالما حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتداوي، ويتداوى هو أيضا، فعصب رأسه صلى الله عليه وسلم للضرورة، واحتجم لأنه كان نوعا من أنواع التداوي آنذاك، فكل ما من شأنه أن يخفف من شدة الألم و المرض ، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليتداوى، «وروي  أن  عروة بن زبير  كان يقول لعائشة  رضي الله عنها : يا أمتاه لا أعجب من فهمك ولكن أعجب من علمك بالطب،كيف هو؟ ومن أين هو؟ وقال: فضربت على منكبه وقالت: أي عريّة –تصغير لاسم عروة-، إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات – أي تصف له الوصفات - وكنت أعالجها له فمن ثم»، انتهى، وكان يأمر غيره بالتداوي، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء،فتداووا ولا تتداووا بالحرام.
فالتداوي يحقق مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، هو حفظ النفس وحمايتها وإنقاذها من الهلاك، وهذا اللقاح الذي بين أيدينا هو من التداوي المطلوب شرعا، وأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأسباب، فكثير أيها المؤمن من الدواء اكتشفه البشر واستُعمِل على البشر.

فريضة الزكاة فرصة لتطهير النفس وتحصين المال


فريضة الزَّكاة: شعيرةٌ من شعائر الإسلام، وثالثُ رُكنٍ من مبانيِه العِظامِ، فرضها اللّه عزَّ وجلَّ على كلِّ مسلمٍ، حُرِّ، عاقلٍ، استوفى شروطَ الزَّكاةِ في ماله، من: المِلكِ التَّامِّ وبلوغِ النِّصابِ وحَوَلانِ الحَولِ حتَّى إذا اكتملت وجب عليه بإجماع العلماءِ إخراجها وإعطاؤها إلى مستحقِّيها، وقد حصرتِ الآية الكريمة أصنافهم الثَّمانية في قوله تعالى:» إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ والعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقَابِ والغَارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللّه وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمْ»؛ فالزَّكاة قُربةٌ عظيمةٌ، من استجاب لها، برهن على حبِّه للِّه عزَّ وجلَّ وصدقه إيَّاه في الخضوع لأمره، ورشَّح نفسه إلى الارتقاءِ في مصافِّ النِّقاءِ الرُّوحيِّ حيث الإخلاص - قبل كلِّ شيءٍ - له وحده -، وهذا هو الوَصفُ الحقيقيُّ لمعنى العبادةِ في الإسلام. وأمَّا من أنكرها، ولم يُؤَدِّ لِلّه حقَّها، أو منعها عن من يستحقها، فإنَّه باغٍ على نفسِه وغيره، مُستوجِبٌ للعقوبةِ في الآخرة:» يَومَ يُحمَى عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ».
ثم إنَّها فرصةٌ ثمينةٌ لتحصينِ المالِ من الرجسِ الذي قد يعلقُ فيه، كالضغينة والبُغضِ...و لتطهير النَّفس من الرَّذائل التي قد تَسْمُجُ بها مثل: البُخلِ والشُّحِّ...قال تعالى:» خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا».
وتزكِية النَّفس تكون بإنماء الفضائل الطَّيِّبة، وزرع بذور العطاءِ والخير على أرضها، لتتحول بعد ذلك إلى ساحاتٍ للتَّآزُر والتَّلاحُم، يبسطُ عليها الغنيُّ مائدة الرَّحمة من بركاته المبثوثةِ، فلا يدَعُ فقيرًا في المجتمعِ إلا أعانه، ولا محرومًا أو محتاجًا إلا كان سندًا له في سدِّ حاجته، وإصلاح حاله. ثُمَّ حسبه من حُسنِ الصنيعِ الفوزَ التَّامَّ بخيرِ الفلاحِ في الدُّنيا والآخرة، وكفى بذلك دليلًا قولِ النَّبِيَّ صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ حين أتاه أعرابيٌّ فَقَالَ له:» دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلتُهُ دَخَلتُ الجَنَّة، قَالَ: تَعبُدُ اللَّه لَا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا وتُقِيمَ الصَّلاةَ المَكتُوبَةَ وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ وَالذي نَفسِي بِيَدِه لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا...» رواه البخاريُّ ومسلم.

السعودية تمدد حظر العمرة على مواطني 13 دولة


قررت المملكة رفع الحظر عن 23 دولة المدرجة في قائمة الدول الممنوعة من أداء العمرة «.واستنادا لوسائط إعلامية فقد أشارت مصادر سعودية إلى أن الدول التي رفع عنها الحظر بينها هونغ كونغ، أرمينيا، كوراكاو، الصين، نيكاراغوا، إيران، السويد، مقدونيا، ألمانيا، الولايات المتحدة، غينيا بيساو، تايوان، اليابان، إيرلندا، البرتغال، مكاو، بريطانيا، سويسرا، إيطاليا، فرنسا، جزر فيرو، ليبيريا، والجبل الأسود.
أما قائمة الدول التي ما زالت تخضع للحظر فتشمل مصر، لبنان، الإمارات، جنوب إفريقيا، الأرجنتين، البرازيل، إندونيسيا، فيتنام، تركيا، الهند، باكستان، أفغانستان، وإثيوبيا.

تأكيد فقهي جديد أن ضحايا كورونا شهداء
أكدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية أن النصوص قد وردت بأن المبطون شهيد؛ لما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)، ولذا نرجو أن يكون الميت بهذا المرض شهيدا من حيث الفضل والأجر، ولكن ليس له حكم شهيد المعركة ومن ثم فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه حيث مات عدد من الصحابة رضوان الله عليهم في زمن النبوة مبطونين ومع ذلك غسلوا وكفنوا وصلي عليهم وهو ما يتوافق مع ما سبق أن ذهبت إليه الكثير من الهيئات الفقهية؛ ومنها لجنة الفتوى الجزائرية.

الرجوع إلى الأعلى