أحيا الجزائريون من منطقة القبائل شريعة الدية في جرائم القتل العمد؛ في ضوء إسهامهم في لملمة جراح مأساة قتل المرحوم جمال بن اسماعيل؛ بعد أن ظن الكثير من الناس بمن فيهم بعض المتعلمين أن الدية مشروعة فقط في القتل الخطأ .
فقد تنقل الأربعاء الماضي وفد من ولاية تيزي وزو إلى ولاية عين الدفلى؛ ضمَّ الوفد رئيس لجنة الصلح الدكتور سعيد بويزري ومدير الشؤون الدينية والأوقاف للولاية، ومجموعة من أئمة الولاية، وممثلين عن قرى بلدية الأربعاء ناث ايراثن، وبعض بلديات ولاية تيزي وزو .. وحسب أحد الأئمة من أعضاء الوفد الإمام نور الدين لعموري فقد استقبلوا من مجموعة من الأئمة والعلماء وبعض الأعيان وممثلي بعض الهيئات الرسمية ووالد المرحوم جمال بمدينة مليانة بعين الدفلى بكل ترحابٍ حيث توجهوا لبيت المرحوم أين تمت إجراءات الصلح وتسليم الدية الشرعية؛ حيث اتفق الجميع على إنكار الجرم الشنيع، والتسامح لأجل إطفاء نار الفتنة، وجمع الجزائريين على كلمةٍ واحدة سواءٍ؛ وفي الأخير تم التوجه إلى مقبرة مليانة والوقوف على قبر الشهيد جمال وتمت قراءة آياتٍ من الذكر الحكيم والدعاء له بالرحمة والمغفرة.
 وبهذه المبادرة الاجتماعية يكون الجزائريون قد أعادوا للواجهة الاجتماعية والشرعية شريعة الدية؛ وهي شريعة إسلامية قرآنية شرعها الله تعالى حفظا للأنفس وتحقيقا للسلم الاجتماعي ورجعا عن الجريمة وتحقيقا للعدل؛ فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى  بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ  ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ  فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ  ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
ففي هذه الآية بمختلف تأويلاتها شرعية واضحة قطعية الدلالة للدية، لتكون بديلا عن القود؛ ويرى الفقهاء المسلمون أن الدية تثبت لأولياء المقتول المجني عليه حالة موافقتهم على ذلك ويرجح العفو وقبول الدية على غيره إذ يكفي موافقة ولي من الأولياء لتثبت.
وقيمة الدية مائة من الإبل وتكون مغلظة؛ ففي حديث ما رواه النسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب كتابًا إلى أهل اليمن جاء فيه: «أَنَّ مَن اعتَبَطَ مُؤمِنًا قَتلًا عن بَيِّنةٍ فإنَّه قَوَدٌ إلا أَن يَرضى أَولِياءُ المَقتُولِ، وأَنَّ في النَّفسِ الدِّيةَ -مائةً مِن الإبِلِ-...» إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: (وأَنَّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمَرأةِ، وعلى أَهلِ الذَّهَبِ ألفُ دِينارٍ)،  والدية هنا تكون مغلظة؛ وهي عبارة عن مائة من الإبل على أن يكون منها أربعين واحدة تحمل أولادها في بطونها، وذلك نظرا لما روي عن أبو داود وغيره عن قبة بن أوس عن أحد الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن قتل خطأ العمد بالسوط، والعصا، والحجر فيه دية مغلظة: مائة من الإبل، منها أربعون من ثنية إلى بازل عامها، كلهن خلفة). وقيمتها بالدينار الجزائري تجاوز الـ3 ملايير سنتيم.وهذه القيمة المعتبرة لو يعاد لها الاعتبار على مستوى الاجتماع والقانون لأسهمت بشكل أكبر في التصدي لجرائم القتل ومحاصرتها؛ لأن القاتل إن علم أنه إن أقدم على القتل سيدفع كل هذه القيمة التي قد تفضي به للإفلاس؛ هو وعائلته؛ وقد تصادر أمواله من العقار والمنقول؛ سيحجم عن القتل؛ بالمقابل فإن أولياء المقتول إن أعطوا هذه القيمة ستكون لها رصيدا ماليا كبيرا يعينهم على استمرار الحياة وضمان العيش الكريم في غياب وليهم.
ع/خ

الجزائر تفقد المؤرخ الإسلامي عبد الحميد حاجيات


فقدت الجزائر الاثنين الماضي المؤرخ الدكتور عبد الحميد حاجيات (1929-2021) الذي يعد ركيزة أساسية في التأريخ الوطني ليس فقط لناحية تلمسان التي أخذت قسطا من أبحاثه ومؤلفاته بل للجزائر كلها ولعلم الإسلامي؛
والفقيد حاجيات أحد مؤسسي المدرسة التاريخية الجزائرية المعاصرة وأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة تلمسان، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي؛ حيث ولد في مدينة تلمسان 20 أكتوبر من سنة 1929م، تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في الكتاب، وموازاة لذلك التحق بالمدرسة الفرنسية في تلمسان سنة 1935 وأتم تعليمه بها. في سنة 1945، التحق بمدرسة دار الحديث، وتتلمذ على يدي الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله ثم تدرج في الحصول على أعلي الشهادات بالجزائر وفرنسا، أثناء دراسته بفرنسا انضم سنة 1956 إلى اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، وكان له نشاط بارز في خدمة الثورة التحريرية، مما جعله عرضة لملاحقات السلطات الفرنسية.
وبعد الاستقلال آثر التفرغ للعلم والبحث العلمي فأثرى المكتبة الجزائرية بعشرات الكتب في التاريخ حتى أضحى تركة حقيقية وشكل مدرسة كبرى ستظل الأجيال تنهل منها. وكان الفقيد عمل عضوا في الهيئة الإدارية لجمعية المؤرخين الجزائريين. وكان رئيسا لعدة مشاريع بحث جامعية في التاريخ الإسلامي الوسيط، كما ترأس عدة هيئات ولجان علمية داخل جامعة تلمسان وفي الجامعات الجزائرية الأخرى، فهو مدير مجلة «القرطاس للدراسات الفكرية والحضارية» التابعة لمخبر الدراسات الفكرية والحضارية بجامعة تلمسان منذ 2001، وعضو في اللجنة العلمية لمجلة «المؤرخ» لسان حال اتحاد المؤرخين الجزائريين، وعضو كذلك في مجلة «الدراسات التاريخية» التي تصدرها جامعة الجزائر.
حصل على شهادات تقديرية من عدة جامعات جزائرية وأجنبية كما كرم مرات عديدة من قبل بعض الوزارات كوزارة الشؤون الدينية، والثقافة.
من مؤلفاته: أبو حمو موسى الزياني حياته وآثاره – عبد الله بن المقفع حياته وآثاره – الشيخ أبو مدين شعيب الإشبيلي حياته وآثاره – عبد المؤمن بن علي – الجزائر في التاريخ،ج3 العهد الإسلامي – دراسات حول التاريخ السياسي والحضاري لتلمسان والمغرب الإسلامي – تاريخ الجزائر في العصر الوسيط (بالاشتراك). ومن تحقيقاته: بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، لأبي زكريا يحيى ابن خلدون – الجواهر الحسان في نظم أولياء تلمسان – سلوان المطاع في عدوان الأتباع، لأبي عبد الله محمد بن الظفر الصقلي – أخبار المهدي بن تومرت، لأبي بكر الصنهاجي – أنس الوحيد ونزهة المريد، للشيخ العلامة المتصوف أبي مدين شعيب – زهر البستان، لمؤلف مجهول – تاريخ دولة الأدارسة، من كتاب: نظم الدر والعقيان، لأبي عبدالله التنسي – دولة بني عبد الواد، من كتاب: ترجمان العبر وديوان المبتدأ والخبر، لعبد الرحمن بن خلدون. كما ترجم من اللغة الفرنسية كتاب «ابن تومرت» للدكتور رشيد بورويبة. أما أبحاثه ومقالاته العلمية فهي كثيرة تجاوزت المائة، نشرها في مختلف المجلات الجزائرية والعربية. كما أشرف على الرسائل العلمية التي أنجزها عدد معتبر من الباحثين لنيل الماجستير والدكتوراه.

الكشف عن مخطوطات للقرآن الكريم يتجاوز عمرها 12 قرنا !

كشفت الشارقة عن مخطوطات للمصحف الشريف يعود بعضها للقرن الثاني الهجري بما يتجاوز عمره 12 قرنا بل يقترب من 13 قرنا؛ جاء ذلك عندما أهدى حاكم إمارة الشارقة سلطان بن محمد القاسمي، مجمع القرآن الكريم في الإمارة 4 مخطوطات نادرة لمصاحف قرآنية تعود إلى فترات زمنية قديمة ومتفاوتة.
وحسب وسائط إعلامية فإن هذه المخطوطات تعد من الكنوز الأثرية القيمة التي تضاف إلى مقتنيات مجمع القرآن الكريم وتوفر للزائرين والباحثين الأكاديميين فرصة الاطلاع عليها والتعرف على تاريخها والقيام بدراسات وأبحاث حولها.
وتتمثل المخطوطة الأولى حسب ذات المصدر في نسخة نادرة جدا من القرآن الكريم ترجع إلى القرن السابع الهجري، ونسبت هذه النسخة إلى الخطاط الشهير ياقوت المستعصمي، وكُتبت المخطوطة بحجم كبير بخط الثلث مع إضافة زخارف مذهبة. والمخطوطة الثانية جزء نادر جدا من القرآن الكريم مكون من 50 رقعة وتعود للقرن الثاني الهجري، وقد كتبت المخطوطة بالنص الغير منقوط ويحتوي علامات الإعراب بالمداد الأحمر على شكل نقاط صغيرة مستديرة كما لا تحتوي على فواصل بين الآيات.وتتمثل المخطوطة الثالثة في رقاقة نادرة مزدوجة من القرآن الكريم كتبت على جلد الغزال تعود للفترة العباسية تقدر ما بين أواخر القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجري واستخدمت فيها علامات الضبط القديمة التي سبقت العلامات والتي اعتمدها الخليل بن أحمد الفراهيدي.

فرصة الإنفاق والترفع عن الجشع


إزاءَ هذا الوَضعِ الصَّعبِ، مع تزايُدِ عددِ الإصابات بالوباء؛ ينبغي علينا جميعًا أن نعيش في ظِلِّ الشعورِ بروحِ المسؤوليَّة، تجاه كلِّ من ينشُدُ المَعُونة طلبًا لقارورةِ الأوكسجينِ أو المُكثِّفات، أو غيرهِما من سُبلِ الإعانة، كونَها الضَّمانُ الأسرعُ لإنقاذ أكبرِ قدرٍ مُمكنٍ من أرواحِ النَّاس، فَضْلًا عن تخفيفِ الحملِ عن ذوي المرضى والأطباءِ من جِهة، وسدِّ الحاجياتِ التي تَدعمُ المؤسَّسات والمستشفيات الطِّبيَّة بهذه المُعِدَّاتِ الحيَويَّة من جِهةٍ أخرى، نظرًا للطَّلبِ المتزايِدِ عليها.
 ولعلَّها فُرصةٌ ثمينةٌ لأهلِ المعروفِ والإحسان ليستبِقوا الخيرَ في هذا المضمارِ موقِنينَ بأنَّ الصَّدقة وقفٌ خيريٌّ يستريحُ في ظِلِّه المُنفِقُ قبل المُحتاج، قال تعالى:« وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ...» بل أيُّ عملٍ في ميدانِ العبوديَّةِ من أن تُدخِلَ السُّرورَ على قلبِ مسلمٍ في دنياهُ فتُجازَى في آخرتِك، قال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم:« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسِلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّه عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَة...واللَّه فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَونِ أَخِيه». ومن الجَميلِ أن نُلفِت الأنظَارَ هُنا إِلى ضَرورَة أن نتجاوبَ مع مُختلَفِ النِّداءاتِ التِّي أطلقها أصحابُ المبادراتِ الخيريَّةِ بالتَّنسِيق المشتركِ مع الهيئاتِ الصِّحِيَّةِ الرَّسميَّة فبلغَ صداها أرجاءَ الوطنِ، في صورٍ رائعةٍ استشعرنا من خلالها الحِسَّ الإنساني في إطارِ تكافُلٍ اجتماعيٍّ صبغتهُ العاطِفةُ بألوانٍ من الوُدِّ والتَّراحُمِ والبذلِ والعطاء، وهذه هي الخِلالُ الطَّيِّبةُ التي تستطيعُ النَّفسُ أنْ تحيا في جوِّها فتستعيد مجراها الطبيعيَّ دون الحاجةِ إلى جهازٍ الأوكسِجين.
وينبغي في هذا الصَّدد، أن نتجنَّب كلُّ ما بإمكانه أن يُحوِّل الطَّبائع البشريَّة إلى غير هدفِها المنشود، كما فعل أولئك الذين رأوا في المُتاجرَة بأرواحِ النَّاسِ واستغلالِ أموالهم مغنمًا لذيذَ الطُّعمِ لإشباعِ بطونِهم وأهوائهم الدُّنيويَّةِ ، فاحتكروا قارورات الأوكسجين، وغَالُوا في أثمانِها وأسعارها غير مبالين بموتِ فلانٍ أو وجعِ فلان؛ ألا فليتقوا اللَّه في عِبادِه، وليراقبُوا ضَمائِرهم في مِثلِ هذه التَّصرُّفاتِ الدَّنيئة.
إنَّ ما حدثَ ويحدُثُ في عاجِلتنا، نحسِبُه أمرًا يحتاجُ مِنَّا إلى مزِيدٍ من الوَعيِ والتَّعامُلِ الجَادِّ لمكافحةِ هذا الفيروسِ الخطير، ويستلزِمُ ذلك أن نحيط أنفسنا، ومن ثَمَّ أهلنا ومجتمعنا بالتَّدابيرِ الوقائيَّة التي تُوجِبُ أسبابَ السَّلامة. كما أننا نعتبرهُ موضِعًا للاعتبارِ، يَستدعي أنْ يُدركَ كلُّ عاقِلٍ منَّا أنَّ هذا الوباءَ إنَّما هو امتِحانٌ من اللَّه تعالى، ونحنُ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى تغييرٍ جذريٍّ يُعيدُ تشكيلَ الإنسان والأمَّة معًا، في جوٍّ جديدٍ تتنفَّسُ فيه الأرواحُ البشريَّةُ كلُّها هواءً أنقَى.

الرجوع إلى الأعلى