يطرح البعض كل عام ما يسمى بقضية المرأة في الإسلام؛ لكن تاريخنا لم يعرف مثل هكذا قضية تثار حولها الإشكالات والشبهات؛ فلربما طرحت في حضارات أخرى على غرار الحضارة الغربية الحديثة منذ أزيد من قرن؛ لكن لم يعرف تاريخنا الطويل شيئا بهذا الاسم، فتشريعاتنا وديننا لم يمس بموضوع المساواة بين الرجال والنساء، والأحكام موجهة إليهم جميعا إلا ما تقتضيه طبيعة كل واحد منهما، وكل النصوص القرآنية والسنية لا تفرق بين الرجال والنساء، وما ورد فيه التفريق فمرتبط بالطبيعة كاللباس، والعدة، والحيض والنفاس، والتعدد، والميراث، وكل تلك الفوارق في الخطاب تقوم على فوارق في الواقع أو الطبيعة.

أما المساواة المطلقة فهي مساواة عمياء تعشو عن الفوارق الطبيعة وتصادر على الأدوار الاجتماعية، لكل منهما، وتتسبب في الظلم أو الضرر لهذا أو لذاك. والكثير من الأحكام التي يطعن فيها الطاعنون لم يفهموها أو لم يضعوها في سياقها، وسأورد نموذجين:
( أولا): موضوع ولاية المرأة؛ فقد نشر أحدهم حديثا أخرجه البخاري وفيه: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، ووضع صورة لرئيسة حكومة ألمانيا المفلحة اقتصاديا، ووضع أمامه ثلاثة احتمالات: (1) ألمانيا متخلفة (2) أنجيلا ميركل رجل، (3) البخاري كذاب ! فعلقت عليه هناك بقولي: هناك احتمال رابع، وهو أن صاحب المنشور لم يفهم الحديث. فالحديث النبوي الشريف كما ذكر المؤرخ محمد علي الصلابي ورد في مناسبة تاريخية مُعينة أبلغ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الفرس كانوا يعيشون حالة من الانهيار السياسي والانحلال الأخلاقي، تحكمهم ملكية استبدادية كسروية فاسدة وتسود بلادهم صراعات على السلطة، بلغت بهم حد الاقتتال، وقد أسندوا أمر قيادتهم إلى ابنة كسرى، وذلك تعلقاً من الفرس بأوهام وثنية سياسية لا علاقة لها بشورى ولا رأي جماعي، فكان الحديث وصفاً لحالة الفرس المتردية وقراءة بصيرة في سنن قيام الدول وانحلالها، فهذا إخبار عن حال وليس تشريعاً عاماً، وهذا ما يدل عليه فقه الحديث الشريف، وفهم سبب وردود الحديث أمر مهم في فهم النص، ولا يُؤخذ عموم النص قاعدة مُسَلمة؛ لأنه لو أخذ على عمومه لعارض ظاهر القرآن، فقد قص القرآن قصة امرأة قادت قومها أفضل ما تكون القيادة وحَكمتهم أفضل ما يكون الحُكم. وتصرفت بحكمةٍ ورشد أحسن ما يكون التصرف ونجوا بحكمتها وحصافة رأيها من التورط في معركة خاسرة يهلك بها الرجال وتذهب الأموال ولا يجنون من ورائها شيئاً، وكان أساس حكمها التنظيم والشورى. تلك هي بلقيس ملكة سبأ التي ذكر الله تعالى قصتها في سورة النمل، وكيف أدارت مجلس الشورى، الذي فوضها اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات؛ وبعد التفكير والتدبر اتخذت القرار السليم، فقالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل 44]. وهي بذلك قادت قومها إلى خيري الدنيا والآخرة، كما يؤكد صرف الحديث عن العموم. وإن الذي يحكم في هذه الدولة هي المؤسسات المتكاملة مثل مجلس الوزراء والبرلمان وليس المستشارة الألمانية التي تأمر ولا يعصى لها أمر، فرأيها كرأي أي إنسان في الشارع لا يؤثر كلامه وحده على القرار العام للسلطة والمجتمع.
(ثانيا): موضوع ميراث المرأة؛ حيث يثير البعض هذه القضية دون إدراك لفلسفة الميراث في الإسلام. التي تختلف في توزيع المواريث تبعا لاختلاف المعايير المعتمدة، فمعايير الميراث في الإسلام يمكن إجمالها في أربعة؛ كما يقول المفكر الإسلامي د.محمد عمارة: درجة القرابة بين الوارث وبين الموروث؛ فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب من الميراث وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب، وموقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها عادة ما يكون نصيبها أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة ذلك بغض النظر عن الذكورة والأنوثة، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه، وأكثر من أبيه، ولو كان الأب هو مصدر ثروة الابن والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب. أما المعيار الثالث فهو العبء المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيال الآخرين، وهو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى، بل العكس هو الصحيح ففي حالة ما إذا اتفق الوارثون في درجة القرابة اتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال مثل أولاد المتوفى ذكورا وإناثا يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في تفاوت أنصبة الميراث. ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين إنما حصره في هذه الحالة بالذات فقال في الآية الكريمة: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين’’. ونفس الأمر في الإخوة في آية الكلالة، والحكمة من التفاوت في هذه الحالة بالذات هو أن الذكر مكلف بإعالة أنثى وهي زوجة مع أولادها؛ بينما الأنثى أخت الذكر مع أولادها على الذكر المقترن بها إعالتها فهي مع هذا النقص في ميراثها أكثر حظا وامتيازا منه فميراثها مع إعفائها من الإنفاق الواجب هو ذمة مالية خالصة ومدخرة لجبر الاستضعاف الأنثوي.
إن المتأمل في مختلف الأحكام الشرعية، والتي لا يمكن فهم موقف الإسلام إلا بالنظر إليها جميعا، يلاحظ بأنه لم يفرق بينهما في شيء إلا في مسائل لها مبرراتها، فليس عندنا قضية خاصة بالمرأة، ففي التشريع الإسلامي فلا يختلف حالها عن حال الرجل، بل إن المرأة المسلمة أفضل من حيث التشريعات الدينية القائمة، وأما في الواقع والأعراف التي صنعها الناس على مر الزمن، فإن ما تعرضت له المرأة تعرض له الرجل أيضا من حيث الجهل والسبي والاضطهاد، وما وقع في مجتمعاتنا أقل سوءا مما وقع في المجتمعات الأخرى، فلا تزال النساء تباع إلى اليوم، ولا تزال النساء تستعمل في الإشهار لكسب المال، كما كن يستعملن في البغي في الجاهلية في العالم الغربي والشرقي على حد سواء.

دعوة لإحياء فتوى حق الكد والسعاية
دعا شيخ الأزهر مؤخرا إلى إحياء فتوى الكد والسعاية والعمل بها حفظا لحقوق النساء العاملات، وذلك بإعطاء الزوجة العاملة مع الزوج نصيبا من ثروة الزوج عند الوفاة، إلى جانب نصيبها الشرعي من الميراث. وتنص فتوى «حق الكد والسعاية»، التي أفتى بها فقهاء المغرب العربي في القرن السادس عشر الميلادي، منهم ابن عرضون على أن المرأة تحصل على نصف ثروة زوجها التي حققها أثناء ارتباطه بها، وأن تأخذ في الوقت ذاته نصيبها من الميراث في حالة وفاة الزوج، وبرر ذلك بأن المرأة أسهمت في نماء ثروة زوجها حيث تشتغل معه في الفلاحة والرعي وجني المحاصيل وغيرها في عهده، وهو ما يجعلها شريكة في مال زوجها تستحق شطره قبل أن يقسم على الورثة، وعن طريقة تطبيقها وتكييفها حديثا؛ قالت الدكتورة فتحية الحفني، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حسب المصدر ذاته: (إن الكثير من السيدات أصبحن يخرجن للعمل ويساهمن في مصروفات المنزل مع أزواجهن، وحق الكد والسعاية يقضي بتحرير عقود يكتب فيها للزوجة ما تنفقه في الحياة الزوجية، حفظا لحقوقها وتوضع النسبة التي ساهمت بها مع زوجها.. فإذا توفي الزوج، وكانت الزوجة مشاركة معه في كل شيء، وتم تحرير عقود بموجب حق الكد والسعاية، تحصل على نصيبها أولا، وبعد ذلك يتم إنفاق مصروفات الجنازة، وسداد الديون، وتوزيع التركة).

شهادة المرأة تكافئ شهادة الرجل
من الشبه التي تدور حول مسألة المساواة بين المرأة والرجل أيضا شبهة الشهادة؛ فالشائع أن شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل؛ أي أن شهادة رجل بامرأتين، وشهادة رجلين بأربع نسوة؛ لكن هذا ليس صحيحا؛ بل الصحيح أن شهادة المرأة مقابلة لشهادة الرجل مثل حكمها في بقية غالب أحكام الشريعة، فنجدها قد تكون نصف شهادته، وقد تتساوى معه، وهو الأصل، وقد تقبل شهادة الرجل ولا تقبل شهادة المرأة، وقد تقبل شهادة المرأة ولا تقبل شهادة الرجل، وقد تقبل شهادة امرأتين منفردتين، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة. فشهادة المرأة لا تخلو من ثلاث حالات:
(الحالة الأولى): حالة التناصف: أي أن تساوي شهادة رجل بامرأتين، وذلك في نوع واحد من أنواع المعاملات وهو المعاملات المالية، وما يلحق بها من حقوق الأبدان ذات الطبيعة المالية كالهبة، والوكالة، والكفالة، وغيرها؛ وذلك لأن الشهادة هنا قائمة على خبرة الشاهد لا على جنسه؛ لأن المقصود من الشهادة إثبات الحقوق، ومادام أن لا خبرة لها بالمعاملات المالية في الغالب نقصت شهادتها على النصف من شهادة الرجل؛ لأن معرفتها بها تتناهى إليها عن طريق السماع.
(الحالة الثانية): حالة التساوي بين شهادة الرجل مع شهادة المرأة، وهي ما عدا المعاملات المالية، وما عدا الحدود، والجنايات؛ فشهادة الرجل هنا تساوي شهادة المرأة، وذلك في أحكام الأبدان مثل: الطلاق، و الرجعة، و النكاح، و غيرها.
(الحالة الثالثة): حالة التفاوت وهناك نوع آخر من الشهادة تقبل فيه شهادة المرأة دون الرجل، وهي الشهادة على ما لا يمكن أن يطلع عليه الرجال غالبا، و هي المعروفة عند الفقهاء بحقوق الأبدان؛ كالولادة، و الرضاعة، و الاستهلال، وعيوب النساء وغيرها، بل قد تقبل فيها شهادة امرأة واحدة فقط كالرضاع، والولادة، لكن هذا بخلاف شهادة الرجل الواحد فإنها لا تقبل في أي موطن من مواطن الشهادة. وقبول شهادة النساء في هذه المواطن لوحدهن تقبل فيه شهادة امرأتين، القائمة مقام رجلين كما هو الحال في مذهب المالكية.

دول مسلمة تشرع في إلغاء التباعد بين المصلين
شرعت دول إسلامية في وقف العمل بنظام التباعد بين المصلين في مختلف المساجد بعد أن فرضه انتشار الوباء منذ عامين لتعود إلى وضعها الطبيعي بصفوف يتقارب فيها المصلون بعد تراجع الوباء وظهور بوادر تلاشيه نهائيا.
وفي هذا الصدد  تقرر في السعودية «إيقاف تطبيق إجراءات التباعد في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والجوامع والمساجد، مع الاستمرار بالإلزام بلبس الكمامة فيها». واستنادا لوسائط إعلامية فقد وثقت مقاطع فيديو متداولة على «تويتر» إزالة عمال المسجد الحرام ملصقات التباعد الجسدي بين المصلين من حرم وباحات المسجد. كما أفتى المجلس العلمي والإفتائي لديوان الوقف السني في العراق، الثلاثاء الماضي، بإلغاء التباعد الاجتماعي والسماح بكامل الطاقة الاستيعابية في عموم المساجد في صلوات الجمعة والجماعات وإعادة الصفوف إلى ما كانت عليه سابقا نظرا لاقتراب شهر رمضان المبارك.».

طلبة الغزالي ومحبيه يغرقون فضاءات التواصل الاجتماعي في ذكرى رحيله
أغرق الكثير من طلاب الشيخ محمد الغزالي ومحبيه من الجزائر فضاءات التواصل الاجتماعي بصور ومنشورات تزامنا وذكرى وفاته (26) حيث توفي يوم 6 مارس 1996م، وقد حرص بعضهم على عرض صور له مع الشيخ الغزالي، وآخرون اكتفوا بعرض ذكرياتهم معه بالجامعة أو في اللقاءات العامة أو عبر متابعته عبر القناة الوطنية في حديثه الأسبوعي؛ حديث الاثنين، بينما اكتفى البعض الآخر بإعادة نشر مقالات الشيخ الغزالي التي لها علاقة بالراهن الاجتماعي والسياسي والدعوي، وعرض صور لكتبه التي تركها خلفه وأثرى بها المكتبة الإسلامية؛ وهذا ما يكشف عن المكانة الكبيرة التي اكتسبها الغزالي في نفوس الجزائريين بخطابه الديني المعتدل الجامع الوسطي السهل، وليس غريبا عنهم ذلك؛ فقد بادلهم هو أيضا الحب ذاته؛ حيث لاحظ بعض من زاره منتصف التسعينيات بمنزله بالقاهرة أن الشيخ يعلق فقط في جدار غرفته صورة جامعة الأمير وصورة تكريمه من قبل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد !

الرجوع إلى الأعلى