يفرح الجزائريون في العشر الأوائل من ذي الحجة لهذا العام بفرحتين عزيزتين؛ فرحة عيد الأضحى الإسلامي المبارك وفرحة عيد الاستقلال الوطني، وكلاهما يحمل من المعاني والمقاصد المشتركة ما يجعلهما مصدر اعتزاز وامتنان وحرص من قبل الجزائريين، بالتزامن مع تهليلات الحجيج وتكبيراتهم وهي تنطلق في رحاب الحرم المكي.

ففي كليهما تتجلى معاني التضحية على طريق الحرية والإيمان؛ فعيد الأضحى برمزيته يسير إلى حرمة الإنسان وكرامة بني آدم الذي فداه الله تعالى ليوقف عادة تقديم القرابين البشرية للآلهة ويضفي حرمة أبدية على النفس البشرية التي لا يجوز سفك دمها بغير حق، وهو تحرر من ربقة عبودية كانت مسلطة على البشر من قبل حراس معابد ضللوا البشرية بمعتقدات باطلة حين كانوا يعبدون البعل وودا وغيرهما، فالنفس لاسيما المؤمنة أعظم حرمة عند الله تعالى.
وعيد الاستقلال يرمز لتضحيات جسام على طريق الحرية؛ تضحيات في سبيل الله تعالى لترتقي نفوس الشهداء وتستقر في منازل عند ربها، وليعيش الجزائريون بعدها في حرية آمنين في وطنهم على دينهم وأنفسهم وأموالهم، دون أن يضطروا للهجرة واللجوء بحثا عن أرض آمنة تتوطد فيها الحرية. وكلا العيدين رمز للوحدة؛ الوحدة الوطنية القطرية والوحدة الإسلامية العالمية.     
ع/خ  


من أحكام الأضحية
الأضحية اسم لما يذبح يوم النحر، وأيام التشريق. وقد شرعت بالكتاب و السنة .فمن الكتاب: ((فصل لربك وانحر))؛ فالنحر هو ذبح الأضحية؛ وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى وأمر الناس بها، وتعد أفضل عبادة أمر بها الشرع يوم عيد الأضحى. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر، أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا) رواه الترمذي، وهي سنة مؤكدة للقادر، روى الشيخان. عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر)، ومن حكمها:
(1) شرعها الله تخليدا وإحياء لذكرى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي ابتلاه الله بذبح ولده اسماعيل .
(2) أنها أفضل عبادة في يوم العيد
(3) فيها توسعة على العيال والفقراء، وهي بهذا الشكل مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم  (كلوا واطعموا وادخروا). وتكون من الإبل والبقر والضأن، ويستوي الذكر والأنثى، وأفضل هذه الأصناف الضأن لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمت الأضحية الجذع من الضأن) رواه أحمد. ويشترط في الأضحية السلامة من جميع العيوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أربعة لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقى) رواه الترمذي، ومنها: العضباء التي ذهب أكثر أذنها، والهتماء: التي سقطت أسنانها والعمياء، والجرباء، والتولاء التي تدور في المرعى ولا ترعى، والعصماء: التي انكسر غلاف قرنها، ولا بأس بالحامل وما خلقت بدون أذن، ويجوز الخصي. والحكمة في ذلك أن الأضحية هدية، والهدية لا تكون إلا كاملة الأوصاف .
وقت الذبح
يبدأ من بعد طلوع الشمس، ويمر من الوقت قدر ما يصلى العيد، ويصح ذبحها بعد ذلك في أي وقت من الأيام المتبقية، ليلا أو نهارا . ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام؛ لما روي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبلا، فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء). ويجوز التشريك في الأجر من قبل المضحي لغيره بشروط:
(1) أن يكون الاشتراك قبل الذَّبْحِ.
(2) الاشتراك في القرابة والعائلة؛ بأن يكون الذي أشركه معه في الأضحية قريبا له
(3) الاشتراك في النفقة؛ بأن ينفق على الذي أشركه معه؛ سواء كانت النفقة واجبة عليه مثل الزوجة والأولاد والوالدين، أو تبرعا، كأخيه أو جده أو عمه.
(4) الاشتراك في السكن معه، وهذا إن كانت نفقةُ الذي أشركه معه تبرعا، كأخيه أو جده أو عمه، وأما إذا كانت واجبة، مثل الزوجة والأولاد فتكفي الشروط الثلاثة الأُوَّل. ولا يشترط في الحالتين عدد معين. أما البدنة والبقرة فيجوز الاشتراك في الثمن؛ لحديث جابر قال نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة) رواه مسلم.  ويسن للمضحي أن يأكل ويهدي ويتصدق، ويدخر لقوله صلى الله عليه و سلم (كلوا واطعموا وادخروا) ، ولا يجوز بيعها أو بيع شيء منها كالصوف والجلد، ويسن للمضحي أن يذبح بنفسه ويقول: (باسم الله، والله اكبر، اللهم هذا عن فلان ويسمي نفسه) للحديث الصحيح انه ذبح كبشا وقال:  (اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي) أبو داود؛ فإن كان لا يحسن الذبح فليشهد ذبيحته.  عليه أن يحد شفرته جيدا، لحديث أبي يعلى شداد بن أوس عن رسول الله ﷺ قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).         
ص/ب

من آداب العيد وأحكامه
العيد شعيرة إسلامية عظيمة لما ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم النحر) رواه أبو داود. وصلاة العيد سنة مؤكدة، وإلى هذا ذهب الشافعية والمالكية، ودليلهم على ذلك ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي –بعد أن ذكر له أن المفروض على المسلم خمس صلوات في اليوم والليلة- فقال له: هل عليَّ غيرهنَّ؟ قال: لا، إلا أن تطوع).  متفق عليه. وتسن في الصحراء والفلاة والساحات المفتوحة: لحديث أبي سعيد رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى)، متفق عليه .وتجوز صلاتها في المسجد للعذر كالمطر والبرد الشديد والريح ونحوها . ووقتها كصلاة الضحى: لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يصلونها كذلك بعد ارتفاع الشمس .
التكبير في العيد
يسن التكبير لقوله تعالى (ولتُكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)). وعن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل ابن عباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارسة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليل والتكبير) رواه البيهقي  ويسن الجهر به في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره. ويستحب الغسل والتطيب ولبس أحسن الثياب والجديد أفضل وإلا اكتفى بالقديم النظيف. ويستحب أن يقرأ بسورة الأعلى والغاشية. لحديث النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية)). ( رواه النسائي وابن ماجة)، ولا صلاة قبل العيد ولا بعدها قال ابن عباس: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد, فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. (رواه الجماعة)
ويخرج النساء والصبيان والحُيض، وهذا مما جرى في زمنه صلى الله عليه وسلم وأمر به؛ فعن أم عطية قالت: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين, وتعتزل الحيض المصلى. ( متفق عليه)، ويستحب أن يخالف طريق القدوم للمصلى وطريق العودة.
اللعب واللهو المباح في العيد
قالت عائشة: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرف. (رواه الشيخان)،وتسن التهنئة؛ وتسن زيارة الأقارب؛ لأن العيد فرصة للتقارب وطي الخلافات البينية.                   
ص/ب

صوم عرفة وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة
أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). وأوكد هذه الأعمال الصيام فيها لما روى أحمد عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أرأيت صيام عرفة؟ قال: (احتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية) ومما وجه إليه الإسلام من آداب في هذه العشر ما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره.
راقب علاقتك مع الله
لقد كرم الله تعالى المؤمن، وجعله أسوة حسنة لغيره، ونَزَّلَ كتابه المبين، هدى ورحمة للعالمين، وحفظه من كل تحريف وزيغ إلى يوم الدين، وبه اهتدينا إلى الصراط السويّ القويم وهذا الكتاب احتوى على تعاليم الدين،  ومنهاج الحياة الإنسانية فكان مسهلاً ..مبشراً ميسراً، ناصحا واعِظاً ...يدفع بنا نحو فن الترتيب والنظام لاستمرارية الحياة.
فإذا تكاثرت حولك المشاكل، وأقبلت عليك الأزمات من كل جانب، لا تستغرب ولا تحدق بالأمر عاجزا ولا تقف مكتوف اليدين مغمض العينين الذي لا يحرك ساكناً،  لا تفكر كثيراً ولا تشتت تفكيرك حتى، فالحل بين يديك كل ما عليك فعله هو طرح سؤال ألا وهو: « كيف هي علاقتك مع الله ؟؟» حينها فقط ستدرك الأسباب والدوافع .  فلا يهمك ارضاء العباد بقدر ما يهمك رب العباد، قد يراجع الواحد منا علاقته مع غيره ليصححها ويصوبها ليحافظ بها على الطرف الآخر،  وأحيانا أخرى ليبتعد عنها جملة وتفصيلا. ولكن يصعب عليه إصلاح هذه العلاقة  مع خالقه وهي الأهم . فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)، فالآية الكريمة بدأت بالإعراض عن ذكر الله ليتحول هذا الأخير إلى معيشة صعبة مستعصية وكأنها علاقة تلازمية  على عكس الراحة النفسية والاطمئنان عند  ذكر الله تعالى والله سبحانه وتعالى يقول الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وهذا السؤال ليس بالضرورة أن يطرحه المرء حال  الابتلاء فقط بل في كل الأوقات فالمرء إن عصى الله ووجد أموره ميسرة كان واجباً عليه الخوف من استدراج الله لقوله تعالى:وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وهذا التساؤل ليس للمذنب دون غيره فلا يزكي أحد نفسه ولا يدعي العصمة أحد فالكل معني بهذا التساؤل. وعلى المرء أن يتساءل دوما ويراجع ذاته لإصلاح علاقته بخالقه وأن يقلع عن أي ذنب عكر به صفوة هذه العلاقة وأن يسعى جاهدا في الحفاظ عليها.

الرجوع إلى الأعلى