لقد التحقت شرائح المجتمع الجزائري بمحال عملها كل حسب اختصاصه و مقامه ، كما التحق أبناؤنا بمختلف مراحلهم الدراسية بمقاعد الدراسة، ولعلنا ونحن نتكلم عن هذا الدخول إنما يعنينا منه الجانب التعليمي لأن المنظومة التعليمية هي إحدى ركائز البنية الاجتماعية فإذا صلحت صلح النسيج الاجتماعي وتماسكت المنظومة القيمية وارتفعت أسهم النظام الأخلاقي، وهذا ما سيكتب للمجتمعات البقاء والاستمرار والنمو والتطور واطراد الرقي والازدهار في ظل استشعار كل واحد منا ثقل الأمانة وعظم المسؤولية من خلال الآية الكريمة:   (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) وهناك جملة قضايا ومسائل تعتبر من أوجب واجبات المرحلة نوجزها فيما يأتي

(أولها الرسالية): إن مهمة المعلم ليست مجرد مهنة يمارسها أو ساعات يقضيها بين تلاميذه أو طلابه ثم ينصرف بل عليه أن يعلم أن التعليم رسالة الأنبياء والرسل ومهمتهم العظمى التي أرسلوا بها إلى البشرية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، ومن ثم عليه أن يعمل على غرس قيم الخير والفضيلة في نفوس هذه الشريحة التي تعتبر أوراقا بيضاء وعجينة طرية تتشكل كيفما أراد تشكيلها وتنطبع بالطابع الذي يودعها فيها، كما أنه مسؤول عن عقولهم وأذهانهم وأفكارهم ليربطها ربطا صحيحا سليما بالتصورات الصحيحة عن الله والكون وعالم الغيب والشهادة ويبتعد بها عن الخرافة والدجل والتصورات المنحرفة التي لم تأت بها شريعة ولم تأكدها حقيقة علمية لا مجرد نظرية ، كما يجب أن يغرس فيهم قيم الوسطية والاعتدال بعيدا عن الغلو والتطرف والالحاد والأفكار الهدامة التي غزت مجتمعاتنا وعششت في عقول نشئنا ومن هنا تسلل الأعداء إلى حصوننا ولقد حققوا بعض المكاسب لا محال وما نراه اليوم من اختلال اجتماعي على مستوى المنظومة الخلقية  ،حيث ينتشر الإجرام بكل صوره ولنقل على سبيل المثال لا الحصر انتشار المخدرات في أوساط طلاب المرحلة الإعدادية لشيء مهول مريع لا يصدق . فالمعلم الرسالي الذي لا يعمل من أجل دريهمات يأخذها بداية أو نهاية الشهر  يمكنه صناعة الشخصية المتكاملة في  سلامة التصور و متانة الخلق وجدية العمل المبدعة في عالم الأفكار والمشاريع الحقيقية الناهضة بالأمة
(ثانيها الأمانة): ولا يكون المعلم كذلك إلا إذا استشعر عظم الأمانة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) لأنه حينما تضيع الأمانة بمفهومها الواسع تختل الموازين وتضطرب المعايير ويعم الفساد ويكثر الظلم وتغيب العدالة ويأذن الله بأفول نجم الدول وسقوط الحضارات وهلاك الأمم والشعوب (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) .
(ثالثها الإخلاص): ولا يكون المعلم رساليا أمينا على العقول والنفوس والقيم والأخلاق إلا إذا تحقق بصفة الربانية المستدعية للإخلاص وهذه الصفة هي صفة الأنبياء والرسل والربانيين من الناس عبر حقب البشرية من يوم سيدنا آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فالإنسان العامل لوجه الله وابتغاء مرضاة الله تعالى  سيحمله ذلك على نكران الذات والعمل من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق ثنائية السيادة في الكون والعبودية لله تبارك وتعالى ولا يكون ذلك إلا بالعلم الذي رفع الله به شأن أقوام وأمم وشعوب وبنيت على أساسه حضارات، وليرسخ قيمة الإخلاص في نفوس تلاميذه وطلابه حتى يشبوا عليها وتثمر في مستقبل أعمالهم وعلمهم.

الأئمة يحثون الأولياء على حسن مرافقة أبنائهم والإسهام في التربية والتعليم
خصص الكثير من خطباء المساجد عبر الجزائر خطبة جمعة أمس للحديث عن الدخول المدرسي والجامعي، حيث استغلوا فرصة ذلك ليعظوا المصلين ببعض المواعظ والإرشادات؛ لاسيما منهم أولياء التلاميذ حتى يكونوا في مستوى المسؤوليات الملقاة على عاتقهم تجاه أبنائهم وبناتهم، كما لم ينسوا توجيه الطلاب  والتلاميذ لما فيه صلاحهم وصلاح بلدهم وأمتهم المسلمة.
وفي هذا الصدد حث الأئمة الأولياء على ضرورة مراقبة أبنائهم ومرافقتهم في مسيرتهم العلمية والتربوية؛ حتى يكونوا على درجة عالية من حسن السلوك والانضباط وفي مستوى رسالة التعليم التي انخرطوا فيها منذ الصغر، لأن إعداد إطارات المستقبل يبدأ أولا داخل الأسرة، فإن نجحت الأسرة في حسن مرافقة المدرسة فقد نجحت رسالة التعليم وإن فشلت في ذلك فقد فشلت رسالة التعليم.
وقالوا للأولياء إن مراقبة أبنائهم تبدأ في التربية على الخلق الإسلامي الرفيع وعلى الآداب الشرعية والاجتماعية السليمة في التعلم والأدب والمظهر، وهنا تساءل الخطباء عن المسؤول عما نراه من ألبسة لا تمت لأصالة المجتمع و عرفه، على غرار الألبسة الممزقة وألبسة النصف ساق والألبسة الضيقة المخلة بالآداب، وقصات الشعر الغريبة، قبل أن يجيبوا إن المسؤولية تقع أولا على الأولياء الذين يرسلون أبناءهم إلى المدرسة بهذه النماذج من الألبسة، وكذا ما يتلفظ بهم بعض التلاميذ من كلام فاحش في الطريق العمومي، وقد حمدوا الله تعالى أن مثل هذه الظواهر في اللباس والكلام البذيء ليست ظاهرة عامة، بل تظهر عند فئات قليلة فقط من الشباب، مما يمكن به أن تحاصر لو أخذ الأولياء هذا الأمر مأخذ الجد ورافقوا أبناءهم مرافقة حسنة حكيمة.
كما يتوجب على الأولياء توفير أجواء مريحة لأبنائهم في البيوت حتى يمكنوهم من الدراسة والمراجعة، لأن ما يؤخذ في المدرسة لا يكفي لصقل الطفل وتعليمه ما لم تعززه مراجعة وحفظ ومذاكرة وحل للمسائل وإنجاز للواجبات والبحوث في البيت، وهذا يعني ضرورة وجود مناخ أسري يعين التلميذ على ذلك ليقضي فيه أوقاتا للمراجعة بدل أن يكون البيت متوترا طاردا للتلميذ نحو الشارع والمقاهي ما يمهد لانحرافه
كما حثوهم على مراقبة أبنائهم في علاقتهم خارج الأسرة، ومن يصاحبون لأن للصديق تأثيرا كبيرا في سلوك صديقه سلبا أو إيجابا وحذروهم من ترك أبنائهم يرافقون رفقاء السوء منعا لانحرافهم وضرورة دفعهم لمرافقة الرفاق الطيبين الخلوقين المحبين للعلم والملتزمين بالخلق الرفيع، ولذلك فإن مسؤولية  البناء عظيمة وهي مسؤولية يتحمل الآداب تبعاتها في الدنيا والآخرة.
كما لم ينس الأئمة توجيه الخطاب للمعلمين مذكرين إياهم بأهمية وعظمة الرسالة التربوية والتعليمية التي أنيطت بكاهلم، فحثوهم على الإخلاص في العمل وإتقانه وحسن مرافقة التلاميذ والأخذ بهم نحو أفق العلم والأدب  ، والحرص على تحقيق المساواة والعدل في معاملتهم، وعدم ازدراء الفقير أو المحتاج، منهم، فكلهم ينتمون لمدرسة واحدة، و أن الغش في التعليم والمحاباة  لا يقل خطره  في تحطيم الأمة عن  الغش في الإنجاز، والمعلم الناجح هو الذي يكون رفيقا بالمتعلمين ناصحا لهم مخلصا في تعليمهم، حريصا على نجاحهم عدلا بينهم، فهذا المعلم يبارك الله تعالى في رزقه ونسله ويبارك له في تلاميذه.
 ع/ح   

وصية الشيخ البشير الإبراهيمي للمعلمين
 إنكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك ، رعاياها أطفال الأمة ، فسوسوهم بالرفق والإحسان ، وتدرجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلة أكمل منها ، إنهم أمانة الله عندكم ، وودائع الأمّة بين أيديكم ، سلّمتهم إليكم أطفالًا لتردوهم إليها رجالًا ، وقدمتهم إليكم هياكل لتنفخوا فيها الروح ، وألفاظًا لتغمروها بالمعاني ، وأوعية لتملأوها بالفضيلة والمعرفة ، إنكم رعاة وإنكم مسؤولون عن رعيتكم ، وإنكم بناة وإن الباني مسؤول عما يقع في البناء من زيغ أو انحراف، إن المعلم لا يستطيع أن يربّي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلًا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان هو صالحًا ؛ لأنهم يأخذون منه بالقدوة أكثـر مما يأخذون منه بالتلقين.
كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال والأحوال والأقوال لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال ، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال، ربوهم على الرجولة وبعد الهمة وعلى الشجاعة والصبر وعلى الإنصاف والإيثار، وعلى البساطة واليسر وعلى العفة والأمانة، وعلى المروءة والوفاء وعلى الاستقلال والاعتداد بالنفس، وعلى العزة و الكرامة، وعلى التحابب و التسامح، وعلى حب الوطن والدين والعلم والوالدين والمعلم .

صــــــفات المتــــــــعلم عنــــد سقــــراط
نقل عن سقراط قوله: (ينبغي للطالب أن يكون شابا، فارغ القلب، غير ملتفت إلى الدنيا، صحيح المزاج، محبا للعلم، بحيث لا يختار على العلم شيئا من الأشياء، صدوقا، منصفا بالطبع، متدينا، أمينا، عالما بالوظائف الشرعية، والأعمال الدينية، غير مخل بواجب فيها، ويحرم على نفسه ما يحرم في ملة نبيه، ويوافق الجمهور في الرسوم والعادات، ولا يكون فظا سيئ الخلق، ويرحم من دونه في المرتبة، ولا يكون أكولا، ولا متهتكا، ولا خاشعا من الموت، ولا جامعا للمال، إلا بقدر الحاجة، فإن الاشتغال بطلب أسباب المعيشة مانع عن التعلم.)

تزكية نفس المتعلم ضروري لتشبعها بالعلم
كتب حاجي خليفة صاحب كشف الظنون عن العلماء قولهم: (ينبغي تزكية الطالب عن الأخلاق الردية، وهي متقدمة على غيرها، كتقدم الطهارة، فكما أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، كذلك لا تدخل القلب، إذا وجد فيه كلاب باطنية، وكانت الأوائل يختبرون المتعلم أولا، فإن وجدوا فيه خلقا رديا منعوه، لئلا يصير آلة الفساد، وإن وجدوه مهذبا علموه، ولا يطلقونه قبل الاستكمال، خوفا على فساد دينه، ودين غيره.الإخلاص في مقاساة هذا المسلك، وقطع الطمع عن قبول أحد، فيجب أن ينوي في تعلمه أن يعمل بعلمه لله -تعالى-، وأن يعلم الجاهل، ويوقظ الغافل، ويرشد الغوي. فإنه قال -عليه الصلاة والسلام-: (من تعلم العلم لأربع دخل النار، ليباهي به العلماء، وليماري به السفهاء، ويقبل به وجوه الناس إليه، وليأخذ الأموال).

 

الرجوع إلى الأعلى