دعوة لتفعيل الخطاب المسجدي للتصدي لظاهرة الاعتداء على الأصول و الفروع

دعا أساتذة جامعيون وفاعلون اجتماعيون إلى ضرورة وضع سياسة وطنية متعددة الأبعاد تنخرط فيها مختلف المؤسسات للتصدي لظاهرة الاعتداء على الأصول والفروع، وتفعيل الخطاب المسجدي والإعلامي والتربوي للتصدي لها، مع تعزيز المنظومة التشريعية والتطبيق الصارم لنصوصها المكونة للسياسة الجنائية الموضوعة لمجابهة الظاهرة، وتجفيف العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية المسببة لها، مع التعامل معها بواقعية دون تهويل أو تهوين.

وفي يوم دراسي بادرت إلى تنظيمه جمعية ‹حورية› بالتنسيق مع كلية الحقوق بجامعة منتوري بقسنطينة نهار أمس الأول، شارك فيه أساتذة من جامعة منتوري وجامعة الأمير عبد القادر، وجامعة أم البواقي، وممثلين عن الجمعية والمجتمع المدني وممثلين عن الدرك الوطني والشرطة، كشف المتدخلون أن لهذه الظاهرة عوامل كثيرة منها العوامل النفسية كالاكتئاب والإحباط والعصاب والصدمات النفسية، والعوامل الاجتماعية على غرار  الفقر والبطالة والإدمان على المخدرات والكحول ووسائل الإعلام والميديا الجديدة، مشيرين إلى أن بعض الدراسات كشفت عن تزايد في عدد حالات الاعتداء على الأصول بالجزائر حيث تضاعف العدد ثلاث مرات منذ 2015 إلى 2020، فانتقلت من 74 إلى 205 حالات، ولذلك دقوا ناقوس الخطر من تفاقم الظاهرة واستفحالها، وقد كشف ممثل الدرك الوطني أن المخدرات وشرب الحكول هما السبب الأساس في الحالات المسجلة، وعرض حالة ابتدأت بالاعتداء على الأصول وانتهت بقتل الفروع، من قبل مدمن مخدرات، قبل أن يعرض المراحل التي يمر بها متعاطي المخدرات، والتي تبدأ بنشوة عابرة وشعور بالاسترخاء وتنتهي بعد الإدمان الحاد لاستعداد المدمن لفعل أي شيء لم يكن يخطر على باله من أجل الحصول على المخدر.
وقدم المتدخلون الإجراءات الفقهية والقانونية التي وضعتها الشريعة الإسلامية وقانون العقوبات الجزائري، للحماية من الظاهرة على مستوى الضمانات والآليات، وما يرتبه من عقوبات صارمة، أصلية وتكميلية، وفي هذا الصدد يتفق القانون مع الفقه الإسلامي في تسليط أقصى العقوبات في حالة الاعتداء على الأصول تصل إلى عقوبة الإعدام في حالة القتل، ولا ستفيد القاتل من أي ظروف تخفيف، ناهيك عن العقوبات التي تطول كل من يعتدي على الأصول بالضرب أو الجرح أو السب أو الاغتصاب أو أي فعل أو قول مسيء.
أداء الأبناء لحقوق آبائهم عليهم من الضمانات الشرعية 
وقد ذكر المتدخلون أن الشريعة الإسلامية أوجبت على الفروع جملة واجبات تعد حقوقا لأصولهم من الوالدين والأجداد، ومنها بر الوالدين والإحسان إليهما، وتحريم عقوقهما، ولو بقول أف، ووجوب النفقة عليهما حالة عجزهما وفقرهما، كما أوجبت على الآباء حسن اختيار أم الأولاد وحسن اختيار الاسم وحسن الحضانة والتربية والتعليم بالرفق واللين وتحاشي أسلوب العنف والضرب لأنه أسلوب تربوي غير مجد، وفي حالة وجود اعتداء من الفرع على الأصل بالقتل فإنه يترتب على ذلك القود الحرمان من الميراث والعقوبة الأخروية بل وفي حالة الصلح والقبول بالدية من قبل أولياء المجني عليه فإن الجاني يعاقب تعزيرا بعقوبات صارمة، وإن كان الاعتداء بالضرب أو الجرح فإن الفرع يعاقب بالقود فيفعل بها كما فعلن أو يعوض ماديا حالة عدم إمكانية القود، ويعاقب عقوبات تعزيرية، كما يفعل بالوالد مثل ما يفعل بالولد إن اعتدى هو الآخر على ولده، باستثناء جرائم القتل فقد رأى جمهور الفقهاء أن الوالد لا يقتل إن قتل ولده لعدم التيقن من القصد الجنائي، ولأن الأب علة وجود الابن فلا الولد يكون سببا في إعدامه فلا يقاد الوالد بالولد، ولأن شفقة الوالد وحبه الشديد لابنه يحول دون تحقق القصد الجنائي، لكن الإمام مالك يرى أن الوالد أيضا يعدم إن ثبت أن القتل اغتيال، بمعنى سبق الإصرار والترصد لأنه في هذه الحال نتأكد من القصد الجنائي.
الفطرة السوية والعقول السليمة تنفــر من   الظاهرة
وقد تحاشت الشريعة حسب المتدخلين تخصيص الاعتداء على الأصول والفروع بنصوص خاصة لأن العقول السليمة والفطر السوية تنفر من هذا الفعل، وكل فعل مرفوض فطريا لا تفصل الشريعة أحكامه حظرا أو إيجابا بل تفسح المجال للجبلية والفطرة لتقوم بهذا الدور، لأن الاعتداء على الأصول والفروع لا يقوم به من كانت فطرته سليمة وكان في قواه العقلية، وعندما انتكست الفطرة في عصر الجاهلية أقدمت بعض القبائل العربية على قتل الأولاد خشية الفقر ودفن البنات خشية العار، وهو ما شجبه القرآن الكريم وحرمه تحريما شديدا.
وقد أكد المشاركون على ضرورة العمل على محاصرة الظاهرة قبل استفحالها وتصنيف كل مدمن خمر أو مخدرات خطر مسبق ينبغي حماية الأصول أو الفروع منه ، كما دعا البعض إلى مراجعة تقييد الشكوى المتعلقة بقضايا الأسرة وإشراك الأئمة في أي جلسة صلح قد تعقد في هذا الشأن حتى  يبينوا ما يجوز فيه الصلح مما لا يجوز، لأننا قد لا نعلم سبب تنازل الأصول أو الفروع أو حتى الأزواج عن شكاواهم، وهذا قد يسهم في التستر على الظاهرة، كما دعوا إلى تعزيز حماية المسننين وتعزيز صلاحيات المساعد الاجتماعي وتيسير وسائل تبليغه عن أي أذى يلحقهم من الفروع وحمايتهم. وقد أشادوا بالمنظومة القانونية الحالية المتعلقة بمجابهة اعتداء الفروع على الأصول والأصول على الفروع لكنهم طالبوا بتجسيدها بصرامة وحرمان المعتدي من الحق في العفو الخاص.  وهذا بالتوازي مع تشجيع حملات التوعية الخاصة بالتحذير من مخاطر المخدرات وذلك في كل الأوساط الشبابية والطلابية واستغلال كل الفضاءات المتاحة لتنظيم مثل هكذا حملات في شتى المرافق وفي الفضاءات العامة وعبر المساجد ووسائل الإعلام والوصول إلى أكبر عدد من الشرائح المستهدفة                                ع/خ

هكذا كنت شاهدا في إفريقيا على استعانة الكنيسة والأمم المتحدة بفقهاء مسلمين لمجابهة الداء
الإيــــــدز بين  سنتـــــــي العقـــــــــــاب والابتـــــــــــــــــــلاء
أحب أن افتتح مقالي هذا والبشرية تحيي اليوم العالمي لمكافحة مرض السيدا أو الإيدز بصدر حديث النبي الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى حيث روى ابن ماجة عن ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليت بهن وأعوذ بالله أن تدركهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ......... ) إلى آخر الحديث

ومما لاشك فيه أن هذه النبوءة قد تحققت وهذا الاخبار بما سيقع من أحداث آخر الزمان والتي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم أصبح واقعا ملموسا فالبشرية اليوم تعاني من الأمراض والأوبئة التي لم تشهد مثيلها ولم تعرف لها سابقة من قبل، والسبب واضح إنه الابتعاد عن منهج الله والانحراف عن الفطرة والانغماس في الشهوات والمعاصي والمجاهرة بها، فكما أن البشرية تعيش ضنكا وفاقة وفقرا بسبب الربا، وحروبا وصراعات وإبادات بشرية بسبب الظلم وحب السيطرة والتوسع فإنها تعيش ويلات أمراض فتاكة تودي بحياة الملايين في العالم ومنها داء السيدا الذي أطلق عليه طاعون العصر هذا الداء الذي اكتشف أول الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية على مجموعة من الشباب الشواذ أو المثليين ..
وبعد بحوث علمية وجهود طبية توصل الخبراء إلا أن الاتصال الجنسي غير المشروع سوء اللواط أو الزنا هو السبب الرئيسي في انتشار هذا الوباء إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بطرق انتقال الداء، وصدق الله العظيم حينما يقول: ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا))، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك) فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أكبر الذنوب وأعظم المعاصي بعد الشرك بالله  وقتل النفس الزنا لما له من آثار وخيمة على الفرد والمجتمع.
وإن الأمم والدول بعدما استشعرت خطر هذا الوباء ولا سيما بعد تمادي البشرية في طغيان الفساد الأخلاقي وبعد إطلاق الحريات الجنسية واعتبارها حريات شخصية يجب المحافظة عليها ودسترتها وتقنينها، كما أصبح رجال الكنيسة يشرفون على زيجات المثليين في العالم دون خوف ولا تحرج من الأمر، دقت الأمم المتحدة ومن خلال برامجها ومنظماتها وخاصة منظمة الصحة العالمية نواقيس الخطر وأعدت البرامج الوقائية لمواجهة هذا الداء الخطير الذي يحصد الأرواح وينهك الأجساد ويفقدها المناعة فيصبح المصابون غير قادرين على الإنتاج.
 ولكن للأسف الشديد فإن برامج الأمم المتحدة لم تحقق بعد الهدف المرجو منها، ولا المقصد المطلوب حيث ركزت على الوسائل وتركت المقاصد، ووصفت العلاج الدوائي وتركت العلاج الوقائي وجانبت الصواب في التكييف والتوصيف الفعلي للداء وأسبابه الحقيقية، وهذا ما جعلها تخفق في تحقيق نتائج إيجابية والتقليل من خطر هذا الداء القاتل، والحق أنها استعانت بعلماء المسلمين ورجال الدين في تجارب كنت شاهدا عليها في القارة الإفريقية، حيث اقتنع الكثيرون من رجال الفكر والسياسة أن الحل الأمثل والوحيد للقضاء على هذا الداء إنما هو العفاف واجتناب الرذيلة والابتعاد عن الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة.
كما أنهم أجروا دراسات على المجتمعات التي يقل فيها الزنا وينتشر فيها الزواج فوجدوا أن نسبة انتشار المرض قليلة جدا، كما أكدت الدراسات والتقارير أن أكبر مسبب لانتشار العدوى العلاقات الجنسية حيث بلغت النسبة 95% في حين تشكل وسائل انتشار العدوى الأخرى نسبة 5% فقط،. في حين تعرف المجتمعات التي تشهد تناميا في جريمة الزنا واللواط ارتفاعا مهولا في نسبة الإصابة بهذا الداء، ولعل كاتب ك هذه الأسطر قد عايش تجربة في دولة زنجبار بتنزانيا في جهود العلماء والدعاة والمنظمات الدعوية سواء منها المحلية أو الإقليمية أو الدولية، حيث عقدنا العديد من الندوات والمحاضرات والأيام الدراسية والحملات التحسيسية في الجزيرة؛ بل لقد استعانت الكنيسة ببعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية للتقليل من انتشار الوباء وخاصة لما عجزت الكنيسة عن مواجهة ضغوط المثليين في العالم، وقد تسرب إليها هذا الداء وثبتت جريمة المثلية والاعتداء على الأطفال القصر من قبل القساوسة ورجال الكهنوت مما جعل بابا الفاتيكان يعتذر للأطفال وأوليائهم عن انتهكات رجال الدين المسيحي والتي أصبحت تشكل مساحة واسعة وظاهرة ملفتة وغالبة بين القساوسة وليس استثناء أو حالات نادرة.
وختاما يمكننا القول إن اتباع منهج الله واحترام الفطرة والسير وفق سنن الله تعالى في الأفاق والأنفس هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة الضنك : ((فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ويحشر يوم القيامة أعمى)). ولكن إذا ما أصيب به الإنسان المسلم العفيف التقي النقي وانتقل إليه بوسائل العدوى الأخرى فإن ذلك ضرب من الابتلاء والمحنة ومن مات موبوء بذلك وهو عفيف طاهر فنحسبه من الشهداء عند الله لورود نصوص تشهد بإن المبطون والمطعون شهداء ونهمس أخيرا في آذان القراء الكرام لنقول لهم إن شهوة ساعة تكسبك الندامة إلى قيام الساعة.

الرجوع إلى الأعلى