الإسـراء والـمعراج أعطت للإسـلام بعده العـالمـي
لقد حملت حادثة الإسراء التي وقعت في السابع والعشرين من رجب في العام 12 من البعثة في ثناياها أبعادا إنسانية وعالمية كبيرة، حيث شكلت فاصلة تحول عملي كبير في تاريخ الدعوة الإسلامية ودولتها؛ التي ستنتقل من التنظير القولي للعالمية على مستوى النصوص الشرعية إلى العالمية العملية الميدانية المكانية، بما شكل قطيعة مع الماضي الأليم برمته، وجعل قريش وما ألحقته من أذى بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه خلف الركب؛ فما بعدها ليس كما قبلها، فقد بدأت مرحلة الانتشار العملي للدعوة الإسلامية في ربوع العالم، والدعوة إلى مشترك إنساني عالمي يجد لها أصوله في المشتركات الدينية بين أتباع الأديان قبل تحريف بعضها، وقطف ثمار الصبر، والمنحة بعد المحن، والأمل بعد  الألم، والعروج بالمسلمين في آفاق انتظار جديدة تسمو نحو النور بمنأى عن ضغوطات الواقع وجاذبيته وإكراهات التاريخ.

ففي المرحلة المكية قبل حادثة الإسراء والمعراج نزلت آيات تؤكد عالمية الإسلام ودعوته؛ منها قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرـَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، وقوله سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}. [الأعراف 15]، وقوله: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ () [الأنبياء ـ 107 ]، وهي كلها آيات مكية؛
لكن هذه الآيات شكلت أرضية نظرية ومستندا شرعيا للبعد العالمي؛ بيد أنه وبعد الإسراء والمعراج سيشرع الرسول صلى الله عليه وسلم في خطوات ومواقف وأحداث ينقل بها الدعوة إلى العالمية المكانية بالفعل، بعد أن ظلت عالمية بالقوة، حيث جاءت تلك الأحداث بنظرة استشرافية مستقبلية تتخطى غيوم الواقع،  فالإسراء انتقال مكاني عملي إلى القدس وهي خارج إطار الجزيرة العربية مهد الدعوة، فكانت بذلك تأكيد عملي على البعد العالمي للإسلام، ثم جاءت بعدها بيعة العقبة التي تعد تهيئة قانونية لتحويل مركز الدعوة إلى يثرب والتحضير العملي بتأسيس دولة الإسلام الأولى، ولأن للدولة ثلاثة أركان لا تتأسس إلا بوجودها، وهي: الأرض والشعب والسلطة، فقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه يثرب التي سيقيمون عليها دولتهم، ولذلك أعقبت البيعة الهجرة النبوية وهي الحادثة الكبرى بعد حادثة البعثة، حيث شكلت حدثا عمليا ظاهرا للانتقال بالدعوة إلى بعدها العالمي كما هو مقدر لها، وفي أرض الهجرة التي أقيمت عليها الدولة المسلمة ستقع أحداث تعزز التوجه العالمي ومنها إرسال الوفود والسفراء والمراسلات للدول المجاورة ودعوتهم للإسلام, وخوض حروب وإبرام اتفاقيات سلام وتوسيع دائرة الفتوحات التي لم تتوقف عند فتح مكة والطائف بل تواصلت منذ العهد النبوي حتى عم الإسلام أرجاء الأرض.
كما حملت حادثة الاسراء والمعراج بعدا إنسانيا؛ من خلال صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والمرسلين الذين سبقوه؛ وهي أمارة كونه خاتم الأنبياء والمرسلين وأمارة كون دينه امتدادا لما سبق، فكل الأنبياء في حبل واحد هو حبل الإسلام.
ففي المرحلة المكية كان القرآن الكريم يتنزل ليؤكد على المشترك الإنساني ويكشف للمسلمين وغيرهم من أهل الكتاب ما اشتركوا فيه من أصول الدين وقواعده العامة وفضائله الكبرى؛ من ذلك قول الله تعالى: ((شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13))) [الشورى]، قال ابن عاشور: (والمراد: المماثلة في أصول الدّين مما يجب لله تعالى من الصفات، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع، وأعظمُها توحيدُ الله، ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها).
وقد نزلت بعض الآيات تؤكد على بعض ما اشتركت فيه الأديان من ذلك؛ الوصايا العشر، وهي وصايا تردد ذكرها في الكتب السابقة على غرار التوراة والإنجيل ثم تكرر ذكرها في القرآن الكريم تأكيد على كونيتها و مركزيتها؛ وبعدها الإنساني؛ فقال الله تعالى: ((قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))) [الأنعام] فهذه الوصايا شاملة لكل الأبعاد والتعبدية والاسرية والاجتماعية والقضائية والمالية والاقتصادية والجنائية، وتحفظ الكليات الضرورية من دين ونفس ومال وعقل ونسل ومال. فتصلح أن تكون قاعدة لأي مشترك إنساني، صالحة لكل زمان ومكان؛ لأنها متناغمة والفطرة البشرية ومتساوقة والعقول السليمة.
تـأكيد على المشتــرك الإنساني بأصـول دينية
وبعد الهجرة التي أعقبت الاسراء والمعراج؛ سنجد في القرآن الكريم إشارات واضحة إلى المشترك الإنساني بين أتباع الأديان؛ حيث دعا إلى قيم مشتركة تشكل مسلمات عقدية وتعبدية يمكن الانطلاق منها لتحقيق العدل والسلام في الأرض؛ من ذلك قول الله تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (61)) [سورة آل عمران]، وهذه الدعوة إجراء عملي للالتقاء على أرضية مشتركة أساسها هذه المبادئ والقيم الشاملة السامية ذات البعد العقدي والأخلاقي والسياسي، وهي مسلمات للجميع لو لم يقع تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه فيما سبق، حيث تؤكد على وحدانية الله تعالى وإخلاص العبودية له، وتحقيق العدل في الأرض، فلا يظلم أحد ولا يٌظلم، ولا يدعي أحد أن له مزية طبيعية عن غيره بحجج لغوية أو إثنية أو دينية أو سياسية أو تاريخية أو عرقية، فلا رب إلا الخالق الواحد ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وبما قدم من عمل حسن وأبان عن أخلاق سامية، فكل الدعاوى التي تتستر تحت بعض المبررات ساقطة بموجب هذه الآية؛ التي قدمت لتكون أرضية مشتركة؛ فالإنسان حر فوق هذه الأرض ولا يستعبد إلا من قبل خالقه، فكل دين يبرر الاستبداد والاستعباد والاستعمار والظلم، والقهر والإبادة الجماعية، ومصادرة حريات الشعوب والأفراد، أو يدعي أن في البشر جنسا طاهرا بحكم الخلقة لا بحكم الخْلق، أو يضع رجاله أنفسهم في مرتبة أعلى من بين البشر، أو يدعي أحقية التشريع فيما اختص به الله تعالى وشرعه لخلقه. هو دين يحتاج لمراجعات شاملة لتخليصه مما علق به تاريخيا حين اختلط الوحي الإلاهي بالمعطى البشري، فإن أبى غير المسلمين الالتقاء على هذا المشترك فليجهر المسلمون بالإسلام دين كل الأنبياء.  وفي حادثة المعراج إشارة إلى ما ينبغي أن يفكر فيه المسلم في كل حياته ويسعى إليه وهو السمو النفسي؛ وفي خضم التدافع بين الأمم والحضارات ينبغي أن يكون أفق انتظار المسلم الطهارة والتزكية والسمو ومرضاة الله تعالى؛ وقد أشار القرآن الكريم لهذا في قوله تعالى: ((وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)) [النساء 104]، ولذلك عاتب القرآن الكريم بعض المؤمنين في غزوة أحد الذي ظهر فيهم البحث عن الدنيا في تدافع كبير بين الإسلام والشرك؛ فقال الله تعالى: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ )).
ع/خ

مـديريات الشؤون الدينـية تبـاشر  احتفالات مـكثفة
  باشرت مختلف مديريات الشؤون الدينية والأوقاف احتفالات مكثفة عبر مختلف المساجد إحياء لذكرى الاسراء والمعراج قبل أن تخصص لها حطبة الجمعة لبيان أهميتها في تاريخ الدعوة الإسلامية والتنبيه على حتمية استعادة الأقصى الشريف. وحسب ما استقيناه من مختلف المديريات على غرار ولاية سكيكدة وعنابة وقالمة وجيجل وبجاية وسطيف وقسنطينة وميلة وأم البواقي وتبسة وقالمة وتندوف وغيرها فإن الأنشطة التي أقيمت تمثلت أساس في عقد ندوات ومحاضرات بالمساجد والمراكز الثقافية تمحورت موضوعاتها حول العبر والعظات والدروس المستفادة من هذه الحادثة، وأهمية المسجد الأقصى وجتمية استعادته والمحافظة عليه، وتربية الأبناء على الولاء للقدس وفلسطين، إضافة إلى مسابقات في حفظ القرآن الكريم لمختلف الشرائح لاسيما لصغار حفظة القرآن الكريم من الأطفال، وكذا النساء، حيث وزعت جوائز للفائزين فيها، علاوة على مسابقات ثقافية على غرار أسئلة مباشرة واجوبة ومسابقة أحسن قصيدة حول المناسبة، ومسابقة الخطيب الصعير، وقد اشتركت بعض المديريات مع شركاء آخرين على غرار مديرية الشؤون الدينية لولاية سكيكدة التي أقامت نشاطا مشتركا مع مديرية النشاط الاجتماعي بدار الرحمة، ومديرية الشؤون الدينية لولاية قسنطينة التي نظمت قافلة تحسيسية حول الوقاية من آفة المخدرات رفقة الشركاء الاجتماعيين المعنيين، و التي تضمنت في الإقامة الجامعية عين الباي 02، تحت شعار « المخدرات نشوة مؤقتة لتعاسة ابدية، كما ربطت المديريات هذه الذكرى يذكرى يوم الشهيد التي تزامنت معها هذا العام.، كما كرمت بعض المديريات بهذه المناسبة بعض إطارات السلك الديني الذين أحيلوا على التقاعد

يوم دراسي حول ذكـرى الإسراء والمـعراج بعنابة
أقامت مديرية الشؤون الدينية لولاية عنابة يوما دراسيا حول الاسراء والمعراج ومقدسات الأمة، أطره أساتذة جامعيون من جامعات وطنية منهم؛ الدكتور نذير حمادو، والدكتور حميد عماري والدكتور فارح والدكتور عبد الرحمن خلفة والدكتور مهدي جاب الله، بحضور مدير الثقافة بوزارة الشؤون الدينية ومدير الشؤون الدينية ورئيس المجلس العلمي وأئمة الولاية ومرشداته الدينيات، حيث أطر محاضرات تمحورت موضوعاتها عموما حول: علاقة الجزائريين بالمسجد الأقصى عبر التاريخ وإسهامهم في تحريره منذ عهد القطب أبي مدين شعيب، وموقف الجزائريين حديثا من ذلك قبل وبعد الاستقلال، كما عرجوا على حضور القدس والاقصى وفلسطين عموما في المدونات الجزائرية، والجانب التاريخي لتطور تأسيس الأقصى الشريف منذ عهد آدم عليه السلام، وإسهام المسلمين في بنائه منذ العهد الأموي والأيوبي والعثماني، والكشف عن مجالها الجغرافي الذي يعد حرما له، وبيان أهميته الدينية وحتمية استعادته والمحافظة عليه وقد كان ثالث المساجد التي يزورها الحجيج ومنهم الجزائريون عقب الانتهاء من أداء مناسك الحج، كما تعرض المشاركون للبعد العالمي والإنساني للإسراء والمعراج، حيث أعطت هذه الحادثة للدعوة الاسلمية بعدها العالمي العملي جغرافيا بعد أن كانت النصوص تؤكد نظريا على عالمية الإسلام، فقد أصبحت الدعوة عالمية بالفعل بعد أن ظلت عالمية بالقوة، وكذا البعد الإنساني الذي تجلى في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء و المرسلين، كما استخلصوا آدابا كثيرة من رحلة الاسراء والمعراج ومنها آداب الاستئذان وآداب الأخذ بالأسباب وأدب الحياء، وأكدوا أن قضية الأقصى قضية عقدية وليست مجرد قضية سياسية تاريخية عابرة، بل تشمل عقيدة المسلم لارتباطها بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.

حصة تدريبية عن الوضوء والصلاة بالمدارس القرآنية
بادرت مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية سكيكدة بتنظيم حصة تدريبية لتلاميذ المدارس القرآنية لتعليمهم كيفية الوضوء والصلاة، أطرها معلمو القرآن ومعلماته، أشرفت عليها المديرية والأئمة المعتمدين بالدوائر، وذلك بمناسبة ذكرى الاسراء والمعراج.

الرجوع إلى الأعلى