تتعرض المحمية الطبيعية بجبل الوحش بأعالي قسنطينة، إلى حملات تدمير ممنهجة يقودها الإنسان،  الذي قد  يأتي على ما تبقى من الغطاء النباتي والأصناف الحيوانية في حال عدم استدراك الوضع ، حيث دقت محافظة الغابات والجمعيات البيئية ناقوس الخطر وطالبت  بتدخل عاجل للسلطات من أجل إنقاذ رئة عاصمة الشرق من براثن الإهمال والدمار.
إعـــداد :  لـقـمـان قــوادري
رئة قسنطينة اليوم  تحتضر وكأن لسان حالها يطلق نداء استغاثة قوي يغوص صداه في عمق التاريخ، علها تجد من يسترجع لها شيئا من مجدها ومكانتها الضائعة، فإهمال الإنسان وقسوته، يكاد أن يقضي على ما تبقى من تنوعها البيولوجي، فقد غادرتها أصناف كثيرة من الطيور المهاجرة والحيوانات، ولم يتبق منها سوى هكتارات من الغابات وبحيرات مثقلة مياهها بالأوحال والأوساخ، لكنها ماتزال إلى اليوم صامدة تقاوم النسيان.
وشاركت النصر أعوان وضباط محافظة الغابات، فضلا عن جمعيات بيئية نشطة الحملة التطوعية لتنظيف المحمية التي نظمت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف بحر الأسبوع الماضي، أين وقفنا على تدهور كبير للمحمية الطبيعية التي تحولت إلى شبه مفرغة ومكب لمختلف أنواع النفايات والردوم في مشاهد مخزية وخطيرة تهدد التوازن البيئي.
ورغم أننا كنا نتجول وسط الغابة وبين الأشجار، إلى أن الحرارة كانت مرتفعة جدا ولا تكاد تختلف عن الوسط  الحضري، فالتلوث والحرائق التي أتت العام الماضي فقط على ما يفوق 75 هكتارا من المساحات الغابية، تسببت في تغيرات مناخية واختلالات بيئية أدت إلى هجرة جل أنواع الطيور المهاجرة فضلا عن انخفاض منسوب مياه البحيرات وتدهور وضعية الغطاء النباتي بمختلف أنواعه.
في جولتنا بالغابة، وقفنا على انتشار كبير للأعشاب الضارة التي تجاوز طولها في بعض النقاط المتر وهو ما قد يتسبب في اندلاع الحرائق وانتشارها بسرعة، فيما تم جمع ما يفوق 500 كيس كبير من  مختلف أنواع النفايات لكن هذه الكمية لا تمثل سوى جزءا   بسيطا جدا مما يوجد في وسط أطراف الغابة المتربعة على المئات من الهكتارات، فأينما تولي وجهك تقابلك الأوساخ والردوم فالإنسان لم يترك مكانا إلا وترك فيه  بصمته المعادية للطبيعة.
ورغم التدهور الذي عرفه المكان، فإن هذا لم يثن، أعوان الغابات وشباب نادي الكهوف والنشاطات الجبلية  فضلا عن أعضاء جمعية حماية الطبيعة والبيئة ومختلف منظمات المجتمع المدني عن العمل بنشاط وحيوية وكلهم عزيمة على إنقاذ وحماية الطبيعة، فقد انهمك الجميع بعد أن انقسموا في أفواج في جمع أكبر كميات من النفايات سواء داخل الغابة أو بمحيط البحيرة الرابعة، فيما قام البعض بصيانة الشجيرات المغروسة حديثا  كما التقط الجميع صورا وفيديوهات لجميع المواقع والتجاوزات المسجلة.
مياه صرف قاعدة الحياة تصب في البحيرة الخامسة
لم يكن الوقت كافيا، للوقوف على وضعية كل البحيرات الاصطناعية  التي أنشئت  قبل أزيد من قرن من الزمن في عام 1906 من قبل القائمين على  الغابات خلال الحقبة الاستعمارية على مساحة تقدر ب 19 هكتارا، و ذلك قصد خلق تنوع بيئي وإنشاء حاضنة بيئية مائية لإيواء الطيور المهاجرة .
توجهنا رفقة أعضاء من نادي النشاطات الجبلية إلى البحيرة الخامسة الواقعة أسفل الطريق الاجتنابي للسيار الذي دمرت خلال عملية إنجازه مساحات واسعة من الأشجار وتسبب في تقسيم الغابات إلى نصفين، حيث أخبرنا أحد سكان المنطقة أنهم قد اكتشفوا أنها قد تحولت إلى مصب لمياه الصرف الصحي  الخاصة بقاعدة الحياة التي تقع أعلى الجبل، لنقوم بعدها بالتحقيق في الأمر، بعد أن سلكنا طريقا وسط الأحراش والأشجار ونقف على الوضع بأنفسنا.
وكلما توغلنا وصعدنا أكثـٍ كنا نجد بركا لمياه الصرف الصحي، التي تنبعث منها روائح كريهة وتحيط بها الحشرات من كل جانب، حيث كانت مياه تلك البرك تتسلل بين الأحراش والطبقات السطحية للتربة لتصل  إلى الأسفل وتختلط بمياه البحيرة التي تعرف تلوثا كبيرا وركودا في مياهها، وعند وصولنا إلى حافة الطرق الاجتنابي وقفنا على وجود أنبوب تسيل منه المياه القذرة   بقوة تدفق متوسطة ، فيما أخبرنا سكان المنطقة أنهم لما تقدموا بشكوى وعدتهم إدارة قاعدة الحياة بالكف عن هذا الفعل من خلال إنجاز نظام صرف نظامي لكنها لم تف بوعودها وهو ما بات يشكل خطرا على الحيوانات والأبقار التي تشرب من مياه البحيرة، فيما توجهنا إلى  قاعدة الحياة لمقابلة المسؤولين لكن لم نجد من يتحدث إلينا.
محافظة الغابات
الوضع كارثي والإنسان هو المتسبب الرئيس في هذا التدهور
وذكر رئيس مقاطعة قسنطينة بمحافظة الغابات بوضرسة كمال، الذي كان يشرف رفقة إطارات من القطاع على الحملة، أن الهدف من هذه المبادرة هو  تنظيف المحمية،  فضلا عن  تحسيس  المواطنين بضرورة  الحفاظ على المكان باعتباره المتنفس الطبيعي الوحيد لسكان المدينة، لكن الإطار بقطاع الغابات وصف وضعية المحمية بالكارثية، حيث قال إنه ورغم  حملات التحسيس والتنظيف الدورية والرقابة المستمرة، لكن الوضع بحسبه يزداد تدهورا يوما بعد يوما لاسيما خلال 3 أشهر الأخيرة.
و بالنسبة للبحيرات، فقد ذكر السيد بوضرسة   أن التنوع البيولوجي بها قد اندثر، فقد لوحظ بحسب المتحدث، تراجع كبير في عدد الطيور التي اختفت من المكان نتيجة لتلوث المنطقة وتزايد عدد الزائرين والمتطفلين ، ما جعل الطيور بحسبه  تهجرها دون رجعة، كما تم الوقوف أيضا مثلما صرح  على انخفاض كبير في مستوى المياه ولعل من أهم أسباب انخفاضها، مثلما أكد، هي أشغال نفق الطريق السيار التي أحدثت تصدعات واهتزازات أرضية، نتجت عنها تشققات كبيرة  تسببت، كما ذكر، في انسياب  المياه نحو وجهات داخل طبقات الأرض، مؤكدا  أن الإنسان هو المتسبب الأول في هذا الوضع.
وفي ما يخص الحرائق قال المتحدث، إن المحمية خسرت العام الماضي 75 هكتارا من المساحات الغابية، مؤكدا أن مصالح الغابات تعمل على استدراك الوضع من خلال تكثيف  التشجير  في إطار البرنامج الوطني  شجرة لكل مواطن، كما   استفاد جبل الوحش من أزيد  من 7 ألاف شجيرة «ومازلنا نعمل على تكثيف العمليات فقد سجلت عملية  لغرس  600 هكتار عبر تراب الولاية جزء منها سيخصص للمحمية.
جمعية حماية البيئة والطبيعة تدعو إلى تشجير مكثف ومنع دخول المركبات
وتبرز اللجة العلمية لجمعية البيئة والطبيعة، التي كان أعضاؤها حاضرين في حملة التنظيف، أن ناقوس الخطر قد دق قبل عشرين عاما لكن الأمر لم يؤخذ بعين الاعتبار، فكانت النتيجة مزيدا من التدهور الإيكولوجي.
ولفتت الجمعية على لسان رئيسها عبد المجيد سبيح، أنه كان من المفروض أن تتنفس المحمية خلال فترة الحجر الصحي، لكن الوضع زاد تدهورا فقد لوحظ تزايد في حجم النفايات، فضلا عن العثور على العجلات المطاطية التي تسبب عمدا أو بغير عمد في الحرائق، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعتبر مؤشرا خطيرا.
وتحدثت اللجنة العلمية، عن تزايد لنشاط الرعي العشوائي، فضلا عن نقص الصيانة والمتابعة لعمليات التشجير التي تنظم بين الحين والآخر، كما أكدت أن منسوب مياه البحيرات في تراجع مستمر، لاسيما بالبحيرة الثالثة، التي تعرف تسربا كبيرا للمياه وجب الحد منه في أسرع وقت.
ولاحظت اللجنة تراجعا كبيرا في التنوع النباتي وأنواع الأشجار،لاسيما الصنوبر الحلبي، مقترحة غلق جل مداخل الغابة ومنع تجاوز المركبات لنقطة المشتلة من خلال إقامة حاجز ثابت بذلك الجزء من الطريق، كما دعت الجمعية إلى تكثيف عمليات التشجير لاسيما بالمساحات المتضررة من الحرائق.
و دعت الجمعية، إلى مد يد العون لمحافظة الغابات التي تبذل جهودا مضنية للحفاظ على رئة المدينة التي وفي حال اندثارها فإن نصف سكان المدينة، سيتعرضون إلى مشاكل صحية وبيئية لا تحمد عقباها.                   ل/ق

من العالم
علماء يحذرون
العالم مقبل على كوارث مناخية في غضون 6 أشهر
حذر علماء، من قرب حدوث كارثة مناخية عالمية، حيث قالوا إن العالم مقبل عليها في غضون ستة أشهر وفقا  لتقديرات علمية مختلفة.
 ويفيد موقع   أخبار الأرض، بأن فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، دعا في بيان له، الحكومات  في جميع الدول لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتصحيح الأوضاع، ووفقاً له، «فإنه خلال عملية استعادة الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة «كوفيد- 19» سيكون من المناسب اتخاذ التدابير اللازمة لتقليص كمية المواد الضارة المنبعثة إلى الغلاف الجوي للأرض».
 وأضاف، خلال فترة الحجر الصحي انخفض انبعاث هذه المواد بنسبة 17 في المئة، ولكن بعد تخفيف القيود التي كانت مفروضة ارتفعت بنسبة 5 في المئة مقارنة بمؤشرات السنة الماضية، فيما قال محللون، أن  السلطات في مختلف الدول تتجاهل أهداف اتفاقية باريس بشأن التغيُّرات المناخية التي وُقّعت عام 2015.
وتستثمر سلطات الدول في الوقت الحاضر مبالغ هائلة في استعادة قطاع الصناعات التي تنبعث منها مواد كربونية إلى الغلاف الجوي للأرض، وكذلك في قطاع صناعة الطائرات، ووفقا للخبراء، فإنه إذا لم تتخذ التدابير اللازمة للبدء باستخدام الطرق البديلة للتنمية الصناعية، فإن العالم  سيواجه  في غضون ستة أشهر تغييرات جدية خطيرة تصل إلى حدوث كوارث طبيعية عالمية.
ل/ق

ثروتنا في خطر
العنف ضد أعوان الغابات في تزايد مستمر
مجهولون يقطعون طريقا غابيا بعين عبيد بقسنطينة
قام مجهولون بتفخيخ وقطع  المسلك المؤدي إلى غابة عين بورناز ببلدية عين اعبيد بقسنطينة، فيما ذكرت محافظة الغابات أن أعوان الغابات يتعرضون في العام الجاري إلى حملة عنف غير مسبوقة.
وأفاد رئيس مقاطعة الغابات بقسنطينة، بوضرسة أحمد، أن مجهولين قطعوا الطريق أمام أعوان الغابات المتجهين نحو غابة عين بورناز ببلدية عين اعبيد، حيث تم وضع الحجارة لسد المسار، فضلا عن تخريب المسلك مؤكدا أن هذه التصرفات غرضها تعطيل عمل الدوريات.
ولفت المتحدث، إلى أن الغابة تحتوي على ثروة  معتبرة من أشجار الصنوبر الحلبي والصرو دائم الاخضرار، مشيرا إلى  أن الغرض من هذا الفعل هو الاستغلال غير القانوني للثـروات الطبيعية، التي توجه عادة في تلك المنطقة لبناء الاصطبلات  وغيرها من الأغراض الأخرى.
وذكر المكلف بالإعلام بمحافظة الغابات زغرور علي، أن أعوان الغابات يتعرضون في هذا العام إلى حملة عنف شرسة لم تعرفها البلاد من قبل، حيث مست إلى الآن العديد من مناطق الوطن في ظاهرة خطيرة تستدعي تدخل جميع الفاعلين للحد منها، مشيرا إلى أن أعوان الغابات أصدقاء للبيئة والإنسان، وليسوا أعداء لأي أحد، بل يجب مثلما أكد الاتحاد معهم لحماية الثـروات الطبيعية للوطن.
ل/ق

 

الرجوع إلى الأعلى