تعرف الجزائر خلال السنوات الأخيرة تغيرا مناخيا ملحوظا أحدث اختلالات في الفصول والدورة المناخية، حيث تشهد الجهة الشمالية للبلاد وللعام الثالث على التوالي  تحولا خطيرا في الطقس و نقصا كبيرا في التساقط يستمر لأزيد من شهر ونصف، وهو ما سينعكس سلبا على البيئة ومختلف الكائنات الحية.
و تعرف جل مناطق الوطن منذ بداية شهر أكتوبر الماضي جفافا كبيرا، إذ لم تسجل أي تساقطات مطرية كما ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير طبيعي طيلة الأسابيع الأخيرة إذ فاقت معدلها الفصلي، في حين تراجع منسوب السدود بشكل كبير عبر مختلف مناطق الوطن في تطرف مناخي غريب يتكرر للعام الثالث على التوالي، ما  قد يتسبب في اختلالات بيئية وطبيعية غير مسبوقة.  
إعـــداد :  لــقــمـــان قـــوادري
و أوضح رئيس قسم التنبؤات بالمديرية الجهوية الشرقية لديوان الأرصاد الجوية المهندس باسم شلي، أن الجفاف المسجل بالجزائر، يعود إلى تمركز مرتفع جوي يسمى « الأعاصير» على شمال إفريقيا عموما وعلى الجزائر خصوصا، حيث أن موطنه الأصلي هو المحيط الأطلسي لكن تمركزه في الجزائر شكل حاجزا أعاق حدوث الاضطرابات الجوية التي تنتج عن اصطدام الكتل الهوائية الباردة القادمة من أوروبا والقطب الشمالي مع التيارات الجنوبية التي تصعد من الصحراء ومدار خط الاستواء.
وأشار المتحدث، إلى أن هذه الظاهرة حدثت في العام الماضي بالجزائر منذ منتصف ديسمبر إلى غاية شهر مارس باستثناء بعض الأمطار المتفرقة المتساقطة في بعض المناطق، مبرزا أن التوقعات تشير إلى استمرار الوضع على حاله إلى غاية نهاية الأسبوع الجاري على الأقل باستثناء تسجيل بعض التساقطات اليوم على بعض المناطق الساحلية للوطن.  
و أبرز، المختص أن الجزائر تشهد تغيرا مناخيا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث أن الدراسات التي تقوم بها الأرصاد الجوية بواسطة أجهزتها وبحوثها، أثبتت وجود تغير في نوعية وكمية التساقط، إذ تسجل تساقطات غزيرة في مدة صغيرة مثلما حدث قبل أيام بولاية قالمة وقبل سنة بقسنطينة، إذ أن ما يتساقط من أمطار في 40 دقيقة إلى ساعتين يعادل ما ينزل خلال شهر كامل، فعلى سبيل المثال فإن عاصمة الشرق شهدت في عام 2018 تساقط 80 ملم في مدة قياسية أما في عام 2019 فقد عرفت تساقط 100 ملم.
ولفت المتحدث، إلى وجود تغير في  السحب الركامية، إذ أن المعطيات العلمية المستقاة من الأقمار الصناعية والرادرات والمحطات الجوية، قد أثبتت أنها أصبحت أكثر شدة وقوة عما كان عليه الأمر قبل سنوات في منطقة البحر الأبيض المتوسط المتميز بمناخه المعتدل وتنوع فصوله، في حين أصبحت تسجل من حين لآخر فيضانات وكوارث طبيعية تتسبب في خسائر بشرية ومادية معتبرة.
أما العامل الثاني الذي يدل على وجود تغير مناخي، فهو الارتفاع الكبير المسجل في درجات الحرارة، حيث أفاد المتحدث أن الجزائر تسجل أعلى مستويات في الحرارة منذ عام 1890، فعلى سبيل المثال فإن قسنطينة عرفت أعلى مستوى في تاريخها في عام 2015 إذ سجلت أجهزة القياس حرارة قياسية وصلت 44.7 درجة، كما رصدت درجات حرارة قياسية في العديد من مناطق الوطن.
وأبرز المختص في الأرصاد الجوية، أن هذا التغير المناخي تسبب في إحداث تطرف واختلال في الفصول والدورة المناخية، إذ أن المعدل الفصلي للحرارة والتساقط المسجل في شهر أكتوبر المنصرم ونوفمبر الجاري ليس عاديا على الإطلاق إذ كان  هذان الشهران يشهدان انخفاضا في درجة الحرارة وتزايدا في مستوى التساقط.
وقد أثارت الوضعية الجوية الحالية مخاوف الفلاحين الذين لم يتمكن بعضهم من الحرث والبذر بسبب قساوة التربة وعدم ملاءمتها لهذه العلمية، فيما يرى مختصون في البيئة أن هذا التطرف المناخي له الكثير من الآثار السلبية على الطبيعة ومختلف الكائنات الحية، حيث ساعد عدم التساقط على جفاف النباتات بما أدى إلى توسع دائرة الحرائق المسجلة مؤخرا كما من شأنه أن يؤثر على نمط عيش الكثير من الكائنات الحية الحيوانية منها والنباتية ناهيك عن الآثار السلبية الصحية والنفسية على الإنسان.
ولا يقتصر هذا الأمر على الجزائر فقط، حيث تشهد مختلف دول العالم ارتفاعا في درجة الحرارة العالمية وهو ما تسبب في  ارتفاع منسوب سطح البحر، وتغير كمية ونمط تساقط الأمطار، كما سجل العلماء استمرار انحسار الأنهار الجليدية، والأراضي دائمة التجلد والبحار المتجمدة، مع تأثر منطقة القطب الشمالي بصورة خاصة، كما توقع العلماء تسجيل انكماش في غابات الأمازون المطيرة، والغابات الشمالية، وزيادة حدة الأحداث المناخية المتطرفة وما يصاحبها  من انقراض في الأنواع  والتغيرات في المحاصيل الزراعية.
ل/ق

اصدقاء البيئة
فيما تجري الاستعدادات لإطلاق حملة وطنية واسعة للغرس
الجزائريون في هبة كبرى لحماية الغابات
تستعد المديرية العامة للغابات إلى إطلاق حملة تشجير وطنية كبرى عبر مختلف ولايات الوطن تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، حيث من المنتظر أن تنطلق خلال الأيام المقبلة لتعويض الدمار الذي مس جزءا معتبرا من الغطاء الأخضر، فيما استنكر الجزائريون الحرائق التي أتت على مساحات واسعة ودعوا إلى المشاركة في حملات مكثفة و تكثيف الغرس بمختلف المواقع كرد قوي على أعداء الطبيعة.    
وأوردت المديرية العامة للغابات عبر منصتها الرسمية على فيسبوك» ، أن الأمين  العام بالنيابة لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية كريم بوغالم قد ترأس نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعا للجنة الوطنية للتشجير، بحضور ممثلي كل القطاعات الوزارية، واطارات المديرية العامة للغابات ومجمع الهندسة الريفية والحماية المدنية، حيث سيتم إطلاق على مستوى كل ربوع الوطن حملة وطنية للغرس.
وبحسب ذات المصدر، فقد التزمت كل القطاعات المشاركة في هذا الاجتماع بالمساهمة القوية في عمليات التشجير الكبرى التي ستنظم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، والتي تهدف ،مثلما أوردت المديرية العامة، إلى إعادة تهيئة الفضاءات الغابية التي أتلفتها الحرائق في السنوات الأخيرة، كما تم التأكيد على أهمية إشراك المجتمع المدني في هذه العملية عبر التراب الوطني، في حين أكد المدير العام للغابات، على توفير العدد الكافي من الشتلات للاستجابة للطلب خلال هذا التحدي.
وذكر المدير العام للغابات، في حوار للإذاعة الوطنية، أن الظروف المناخية السائدة في الجزائر، قد  لعبت دورا في توسع دائرة الحرائق،  حيث أن رياح السيروكو  الساخنة التي هبت على غرب البلاد والجفاف الذي مس المنطقة منذ 7 أشهر قد تسببا في تيبس الأعشاب الرابية التي تساعد على انتشار النيران بقوة، أما في ما يخص التحقيقات فقد تحدث المدير العام، عن الشروع في تجسيد  مشروع تعاون مع منظمة الفاو وذلك من خلال إنشاء  فرق مشتركة مكونة من ضباط الحماية المدنية والدرك ومصالح الغابات من أجل إنجاز تحريات ميدانية مستقبلا.
وكثفت محافظة الغابات من حملات المراقبة والتشجير عبر مختلف الولايات،  حيث تمكن أعوان الغابات ببلديتي بوحمامة والحامة  بولاية خنشلة  في خرجة ميدانية في إطار حماية الثـروة الغابية على مستوى غابات أولاد  يعقوب و أولاد بني ملول من  استرجاع 160 عمودا خشبيا مستخرجا، من خشب أشجار الصنوبر الحلبي التي تم قطع أجذاعها وهو ما يعتبر جريمة في حق الطبيعة.
وتحت شعار شجرة لكل مواطن، شارك أفراد الجيش الوطني الشعبي، و أفراد من جمعيات الصيادين إلى جانب عمال بلدية زروالة، بإشراف من محافظة الغابات بولاية سيدي بلعباس، في حملة غرس 2500 شجيرة بغابة اللوزة التي شهدت اندلاع حريق مهول نهاية الأسبوع المنصرم،  حيث أن العملية ستتواصل بمشاركة مختلف الأطراف إلى غاية 21 مارس   من العام المقبل.
وبولاية الوادي نظمت محافظة الغابات، بالتنسيق مع المكتب الولائي للجمعية الوطنية لتطوير شجرة الخروب حملة غرس 1000 شجرة خروب المقاومة للجفاف ، حيث أن العملية مازلت متواصلة إلى اليوم، في حين أطلقت وزارة الموارد المائية الأسبوع الماضي حملة تشجير لغرس مليون شجرة، حيث أشرف وزير القطاع ومختلف الفاعلين على انطلاق العملية  من ضفاف وادي الحراش .
وعرفت الجزائر هبة كبرى في الواقع أو عبر العوالم الافتراضية لإحياء ثقافة التشجير وحماية الثـروة الغابية من التدمير، حيث تفاعل فيها المواطنون من مختلف الفئات العمرية كما انخرط فيها أيضا مسؤولون سامون في هرم الدولة الجزائرية، إذ غرس الوزير الأول عبد العزيز جراد  أشجارا رفقة الناخب الوطني جمال بلماضي بالمركز التقني بسيدي موسى، وغرد قائلا» كل شجرة ضاعت سنواجهها بالتشجير ، هذا هو جوابنا لأعداء الحياة».
واستنكر الجزائريون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي  بشدة الجرائم المتكررة في حق الغطاء الأخضر والغابات الوطنية، حيث طالبوا بردع عصابات الحطب لأنها المتهم الأول في جرائم الغابات، كما شكروا أعوان الغابات ورجال الحماية المدنية على تحكمهم في الحرائق  التي أتت على مساحات واسعة في غرب البلاد.
ونشرت العديد من الجمعيات والمواطنين، صورا لهم وهم يغرسون مختلف الأصناف من الأشجار، كما تداولت الكثير من الصفحات الصديقة للبيئة معلومات حول كيفية الغرس الصحيحة فضلا عن الأنواع التي تصلح للتشجير عبر مختلف أنحاء الوطن، في حين دعت الجمعيات الناشطة في البيئة ومواطنون  إلى التخلي عن المناسبتية وإعداد مخطط وطني على مدار العام لتوسيع دائرة الغابات في الجزائر التي لا تمثل سوى 1 بالمئة من المساحة الإجمالية وهو رقم يبقى بحسبهم ضعيفا جدا لشساعة مساحة البلاد.
ل/ق

الرجوع إلى الأعلى