تراجعت أعداد حيواني الضربان والضبع بشكل لافت، في غابات أم البواقي، وفق مختصين في مجال البيئة بسبب تصرفات من ينتسبون لهواة الصيد، الذين يقومون باصطيادهما، وتوجيههما لاستعمالات مختلفة، أغلبها ارتبطت بممارسات السحر والشعوذة، رغم أن كل القوانين تنص على المنع المطلق لاصطيادهما وخاصة حيوان الضبع، الذي يتم اصطياده ونزع بعض أطرافه، والتخلص منه في كثير من المرات بطرق عشوائية، وفي المقابل تعرف أعداد حيوان الضربان المنتمي لفصيلة القنافذ، تراجعا في المرتفعات والجبال بأم البواقي كذلك، نتيجة التهديدات التي تواجهه.

ويعتبر الضربان بحسب بطاقته التقنية حيوانا ليليا شرسا حاد الطباع لا يخاف ويهاجم عند التعرّض له، يبلغ متوسط طول جسمه من الرأس إلى الذيل 85 سم، ويبلغ ارتفاع كتفيه عن الأرض 25 سم، ومتوسط وزنه 11 كلغ، ويتميز بجلده السميك المرتخي وشعره الخشن القصير ومخالب رجليه الأمامية الطويلة وفكه القوي وأنيابه الحادة، ومشهور عن الضربان أنه يهاجم الحيوانات الأكبر منه حجماً كالأغنام والحمير ويأكل الفئران والطيور والحشرات والثعابين وحتى ثعبان الكوبرا السوداء السام، لأنّ جلده السميك الصلب يتحمل عضات الحيات، كما تشير معلومات بأنه يأكل العسل ولذلك فهو يتعاون مع الطير المعروف بطير العسل، إذ يتبعه حتى بلوغه أماكن تربية النحل، أين يقوم بتخريب صناديق النحل ليترك البقايا من الشمع والعسل لطير العسل، فالضربان هو حفار جيد بمخالبه الطويلة، وهو ينتمي لعائلة اللواحم، ويسود اعتقاد خاطئ أن الضربان فصيلة واحدة، غير أن عائلته تضم 12 نوعا مختلفا، وليس لأكل حيوان الضربان فوائد، فهو من الحيوانات التي تتناول الضفادع والقوارض الصغيرة والسحالي، بل حتى الثعابين والطيور وجثثها، فبهذا النظام الغذائي الذي يتغير عبر الفصول لحيوان الضربان، لا توجد فائدة فيه أو في أكله، فقد يسبب مضاعفات خطيرة على جسم الإنسان.لكن وجوده ضروري للحفاظ على التوازن البيئي.
أما الضبع فشأنه شأن الكلاب والقطط، ينتمي للحيوانات الثديية، آكل للحوم، ويتميز بطول قدميه الأماميتين وعنقه القوي وكتفه الطويل ما يساعده في تمزيق فرائسه، ومن مميزاته النظر الثاقب وحاسة الشم القوية التي تساعده على تحديد مكان فرائسه، وللضبع 4 أصناف تعددت واختلفت بين الضبع المخطط والضبع البني والضبع المرقط وذئب الأرض، ومن بين أكثر الأصناف انتشارا في الجزائر هو الضبع المخطط.
وبأم البواقي ذكر الصديق قالي متقاعد من قطاع الغابات وأحد الباحثين في مختلف أصناف الحيوانات وخاصة منها المهددة بالانقراض أو تلك المهاجرة، بأن موطن الضربان بولاية أم البواقي يتواجد بين جبلي قليف والطارف، وهو يحبذ التواجد في المغارات ويخرج لاصطياد فرائسه ليلا، حيث تصعب رؤيته ، وبالرغم من كونه حيوانا محميا يُمنع صيده، إلا أن بعض هواة الصيد يقومون باصطياده، ويشير المتحدث بأن الضربان من عائلة «القنافذ» وهو يأكل الحشرات وحتى أوراق الأشجار والزواحف والعقارب، أما عن الضبع فذكر المتحدث بأنه يتواجد في جبال الطارف وقليف بعين الزيتون إلى غاية جبل واد نيني، وبين المتحدث بأن هذا النوع ممنوع من الاصطياد، وهواة الصيد يقتلونه في الفترة الليلية التي يغادر فيها مغاراته، ويذكر الصديق قالي بأن الإقبال على اصطياد الضبع وراءه سحرة ومشعوذون وحتى من يظن أن جلده يساعد في عمليات التهريب، بحجة أن الكلاب المدربة تنفر من رائحته.
من جهته بين رئيس الفيدرالية الولائية للصيادين بأم البواقي الربيعي نوادري، بأن الصيد في هذه الفترة ممنوع وغير مرخص حتى الخامس عشرة من شهر سبتمبر القادم، ومع ذلك فحتى اصطياد الضبع ممنوع ويعتبر صيدا جائرا وغير شرعي.
أحمد ذيب

رحلة
مرتفعات سرايدي بعنابة
منابع مائية تستقطب الزوار وتنوّع نالت منه يد الإنسان
لا تزال منطقة سرايدي بعنابة تحافظ على سحرها، بمنابعها الطبيعية وتنوع غطائها النباتي، وسط سلسلة جبلية غابية فريدة من نوعها، ترتفع عن سطح البحر بـ 1008 أمتار، رغم تدخل يد الإنسان، والتغيرات المناخية، التي تسببت في تراجع المصادر الطبيعية، حيث تبقى الوجهة الأولى لعشّاق الطبيعة العذراء، و طالبي الارتواء من المياه المعدنية الطبيعية بها، في ظل شح مصادر المياه، وانقطاعها بحنفيات البيوت واختلاطها بالملوثات في بعض الأحيان.
منابع سرايدي تقاوم، للحفاظ على عذريتها منذ ألاف السنين، تخرج من بين الصخور و جوف الأرض باردة نقية، لتروي العطش وتغطي احتياجات العنابيين و زوارها، رغم تدخل يد الانسان في كل مرة، لتحويل مسار هذه الينابيع أو ردمها. وتحصي بلدية سرايدي عشرات الينابيع، وهو ما جعلها مقصدا أول لسكان مدينة عنابة والمناطق المجاورة، وتقلّص عددها بشكل رهيب، بعد أن  كانت  تتوفر قديما على 178 منبعا لتصبح اليوم 40 منبعا فقط، مترامية بمحيط بلدية سرايدي مركز، وأخرى تتواجد بطريق بوزيزي وعين بربر. من أشهر هذه المنابع (عين سمير، الشفا، بوقال، موحكيم) ولكل منبع خصوصيته الطبيعة والمعدنية، سواء من ناحية برودة المياه أو التركيبة المعدنية، البعض منها ينصح بها لمرضى الكلى حسب سكان سرايدي، بعد إجراء تحاليل عليها كما أن بعضها دافئة نوعا ما شتاء وباردة صيفا، و تسميتها مرتبطة بقصص قديمة تختلف روايتها. وفي زيارة للنصر لمنبع (عين سمير) وجدنا مواطنين قدموا من وسط المدينة وآخرين من بلدية عين البادرة، كانت تتدفق بشكل جيد رغم درجة الحرارة المرتفعة في موسم الصيف، و برودتها معتدلة تذهب المياه الضائعة في المنحدر لتستغل من قبل السكان المحليين في سقي البساتين. وأكد مواطنون التقينا بهم في (عين سمير) بأنهم يقصدون المنبع تقريبا كل أسبوع للتزود بالمياه الشروب لنوعيتها الجيدة، قال لزهر « الشرب من هذا المنبع صحي، عكس تلك المعبئة التي تباع في المحلات، لأنها تتعرض لأشعة الشمس وطول مدة توزيعها، كما توفر مصاريف شراء المياه المعدنية، وقال عبد العزيز « أن القدوم إلى المنابع رحلة للترويح عن النفس واستنشاق الهواء النقي والهروب من حرارة وسط المدينة». ويلجأ سكان سرايدي دائما، للتقليل من حدة أزمة المياه، للمنابع الطبيعية كما يُتهم بعض السكان أصحاب البساتين، بتحويل مصدر هذه المنابع واستغلال المياه الشروب في سقي الأشجار، ومنتجاتهم الفلاحية، في ظل وجود أزمة مياه بسرايدي، حيث تصل ضعيفة و لا تكفي لملء خزاناتهم بشكل كامل.
الرومان حولوا المنابع إلى قناة رئيسية تمتد من سرايدي للمدينة الأثرية
ونجح الرومان في تحويل منابع سرايدي حسب الباحث في تاريخ سرايدي عبد الوهاب عماري، إلى قناة لنقل الماء الشروب من أنحاء بوزيزي و سرايدي إلى مدينة هيبون الأثرية، الواقعة حاليا أسفل كنيسة القديس أوغستين، على مسافة تصل إلى30 كلم، هذه القناة اكتشفت بعثة طلابية من جامعة عنابة مختصة في الهندسة المعمارية، آثارا لها سنة 2012 بأعماق جبال الإيدوغ و بعد دراسات تبين أنها جزء من القناة الرئيسية الرومانية التي تصب في الخزانات العملاقة بالمدينة الأثرية، التي صنفها علماء أثار، ضمن عجائب العالم، و تمتد الخزانات تحت الأرض في 12 قسما، كانت مستغلة في عهد الرومان لنقل وتخزين المياه.  
سرايدي محمية طبيعية تضم نباتات وأشجار وحيوانات نادرة
والى جانب الينابيع تصنف سرايدي منذ 1926، كمحطة مناخية بامتياز في شمال افريقيا، حيث قدم ملفا لتصنيف جبال الإيدوغ كحظيرة وطنية على غرار تيكجدة، نظرا لتنوع غطائها النباتي، كما توجد بها أشجار ونباتات وحتى

حيوانات نادرة على وشك الانقراض.
ونظرا لكثافة وتنوّع الغابات التي تكسو جبل الإيدوغ، استنادا للباحث عبد الوهاب عماري، كانت تشكل مأوى لكثير من الحيوانات المفترسة كالسباع و الأسود و النمور و الضباع، التي كانت تهدد القرويين و مواشيهم لذا عاش السكان في صراع دائم معها كما أصبحت مطاردة، ووضعت في حدائق الحيوانات بأوروبا و ذكر المؤرخون أن آخر الأسود البربرية ( أسد الأطلس ) في الجزائر قتل في جبل الإيدوغ سنة 1890 على يد المستعمرين كما تسبّب شق الطرقات في القضاء على هذه الثروة الحيوانية و إلحاق الضرر بالثروة النباتية و خاصة بعد دخول العمران إلى هذه الغابات فأول ظهور للعمران بسرايدي كان سنة 1847 حيث أقيم بالمكان المسمى عين برواقة سابقا تجمع سكاني للمعمرين أطلق عليه بعد ذلك اسم «بيجو « إلى أن اتخذ اسم سرايدي بعد الاستقلال .
حسين دريدح

حــوار
الناشط في مجال حماية البيئة والآثار مراد حميدان للنصر
البيئة تعاني من الحلول الظرفية
 يتحدث رئيس جمعية ‹› مينارف ‹› لحماية البيئة والعناية بالآثار ، مراد حميدان، في هذا اللقاء عن الجهود التي يقوم بها تنظيمه الجمعوي في ولاية تبسة في مجال حماية البيئة وصيانة الآثار وأهم التحديات والمشاكل التي تتم مواجهتها في الميدان في ظل نقص الإمكانيات وغياب الكوادر المؤهلة في الجماعات المحلية فيما يرتبط بتسيير الشؤون المرتبطة بالبيئة.
النصر: ما هو الداعي الذي جعلكم تجمعون في نشاطكم بين حماية البيئة وصيانة الآثار؟
م حميدان: نحن في جمعيتنا ننشط على عدة جبهات، وهي حماية البيئة وصيانة الآثار باعتبارها جزءا لا يتجزأ من البيئة، فضلا عن مكافحة التلوث، وشعارنا هو ‹› البيئة نبض الحياة و الآثار رصيد الأجيال››.
ولا شك أن الكثيرين يعلمون بأن تبسة من أهم الولايات التي تزخر بموروث تاريخي أثري ضخم، يبرز تعاقب الحضارات على هذه المنطقة الحدودية الغنية بالتراث الثقافي المتنوع، العاكس لمختلف الحقب التاريخية، ابتداء من فترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الإسلامية، ومن أهم المواقع الأثرية التي تزخر بها المدينة نجد، المسرح الروماني، الكنيسة المسيحية، السور البيزنطي الذي يمتد على حدود المدينة، ومعبد مينارف، وقوس النصر كاراكلا، ومعصرة برزقان، وغيرها ما يجعل المدينة عبارة عن قطب سياحي يتطلب اهتماما أكبر بنقاوة بيئتها المحيطة بصفة عامة نظرا لذلك التزاوج الجميل بين نسيجها العمراني الحديث والنسيج الأثري.
النصر: وهل حظيت مدينة تبسة بمكانتها اللائقة من خلال الحفاظ على جمال بيئتها ونقاوة محيطها وسلامة آثارها؟
م. حميدان: مدينة تبسة تعاني على غرار الكثير من مدن البلاد من غياب استراتيجية لرفع القمامة ، ومن نقص كبير في المؤسسات القائمة بهذا الجانب ما يجعل صور انتشار هذه القمامة هنا وهناك، يثير الاشمئزاز خاصة عندما يصل الأمر إلى لجوء البعض إلى طرح النفايات المنزلية وغير المنزلية حتى بمحاذاة المواقع الأثرية ومن بينها السور البيزنطي، ما يدفع المسؤولين في عاصمة الولاية وبالبلديات بالتنسيق مع المجتمع المدني إلى القيام بحملات ظرفية من أجل القضاء على تلك المناظر الصادمة وهي حملات غير كافية للأسف لإعطاء المدينة وجها مشرقا هي في أمس الحاجة إليه كقطب سياحي.
لذلك أقول إن البيئة تعاني من الحلول الظرفية، سيما في ظل نقص الإمكانيات ووسائل العمل على مستوى المؤسسات البلدية للنظافة وغياب الكادر البشري المؤهل لتسيير هذا الجانب.

النصر: وما هي أهم المبادرات التي قامت بها جمعيتكم من أجل حماية البيئة وجمال المحيط في هذه المدينة الأثرية؟
م.حميدان: قمنا مؤخرا بحملة نظافة واسعة النطاق في إطار تجمع للجمعيات النشيطة، من أجل إزالة ملصقات الحملة الانتخابية وتنظيف المواقع الأثرية والشوارع الكبرى للمدينة، ونحرص من خلال حملاتنا المختلفة على مخاطبة الضمائر من أجل نشر الوعي البيئي ومساهمة الجميع في هذه الجهود غير أن الهدف المنشود مازال بعيدا، ونأسف عندما تمضي أيام قلائل على مختلف الحملات التي نقوم بها أو التي تأتي بأمر من الوالي، ولنرى مظاهر انتشار مختلف أنواع النفايات المنزلية والأوساخ تعود للواجهة.
النصر: وما هو الدور الذي تلعبه جمعيتكم في الجوانب المتعلقة بالتشجير والحفاظ على المساحات الخضراء المتوفرة وتوسيعها؟
م. حميدان: أنتم تعلمون أن تبسة تقع في منطقة شبه صحراوية، وتتطلب مخططات وبرامج رسمية كبرى للتشجير نظرا للنقص الكبير الذي تعانيه المدينة في مجال غراسة الأشجار. ومهما كان من أمر، فإننا نسعى كغيرنا من الجمعيات للمشاركة في الحملات التطوعية المختلفة للتشجير لكن في ظل نقص الإمكانيات كثيرا ما نعتمد في حملات الغراسة على الشجيرات التي تقدم لنا من عند أصحاب المشاتل، كهبات ونظرا لغياب المتابعة والعناية بهذه الأشجار وعدم تناسب الكثير منها مع البيئة الطبيعية لهذه المنطقة فإن تلك الجهود تذهب هباء.
إن المدينة بحاجة إلى حملات تشجير منظمة بإمكانيات الدولة وتراعي خصوصية البيئة، وهنا أشير إلى أن أشجار الدردار والتوت المنتشرة في جوانب من المدينة وحدها هي التي صمدت وعمّرت منذ الحقبة الاستعمارية لذلك يجب مراعاة خصوصية مناخ المنطقة والنوعية التي تتلاءم مع ذلك.  
النصر: ما هو الوضع الذي توجد عليه المساحات الخضراء بمدينة تبسة؟
م.حميدان: تتوفر مدينة تبسة على 14 حديقة عمومية وهي الأخرى تستفيد من حين إلى آخر من حملات التنظيف والصيانة، وأملنا أن يتم اللجوء إلى خلق مساحات خضراء، من جهة وفتح مسالك في المناطق الغابية من أجل تشجيع السياحة البيئية في المنطقة من جهة واستغلال هذه المسالك في تسهيل مهمة إطفاء الحرائق.
النصر: وما هي الجهود التي تقومون بها في مجال مكافحة التلوث الناجم عن النشاط المنجمي المكثف بالولاية وأضراره على الصحة العمومية؟
م.حميدان: انتم تعلمون أن ولاية تبسة تتميز بوجود منجمين للحديد في كل من الونزة وبوخضرة ومنجم للفوسفات في بئر العاتر وتمثل هذه الثروة المنجمية عمودا فقريا للاقتصاد الوطني، لكن للأسف فإن التلوث الناجم عن النشاط المنجمي، سيما انتشار غبار الحديث وما يشكله من أمراض كالسيليكوز، له آثاره الوخيمة على الصحة العمومية وعلى المحيط ونحن نعمل باستمرار مع الجهات المختصة من أجل البحث عن الحلول المناسبة للحد من آثار هذا التلوث.
النصر: وبخصوص نشاطكم في مجال الحماية والحفاظ على المواقع الأثرية؟
م.حميدان: نكرس جهودنا ولا نتأخر في تنظيم أو المشاركة في تنظيم الملتقيات المتخصصة الوطنية منها والدولية من أجل حماية وتثمين تراث المنطقة المادي واللامادي، والتي تكرس للبحث عن حلول لتأمين المواقع الأثرية من مخاطر الطبيعة، وكذا لوضع حد لزحف الرمال وانجراف التربة.
حاوره: عبد الحكيم أسابع

الرجوع إلى الأعلى