تغيــرات مناخية و عبث بشـري مدمـر
بدأت آثار التغيرات المناخية تطال الجزائر و تنذر بالمزيد من المخاطر و التحديات المثيرة للقلق، و تعد الحرائق المهولة التي اندلعت بالغابات و الأحراش في شمال البلاد شهري جويلية و أوت 2021 واحدة من هذه الآثار، التي طالت أيضا العديد من دول حوض المتوسط، التي تعيش هي الأخرى على وقع الحرائق و العواصف النارية التي أتت على الأخضر و اليابس بتركيا و اليونان و إيطاليا و تونس.

فريد.غ

و جاءت تصريحات المسؤولين الجزائريين بخصوص الحرائق التي تعرفها غابات البلاد متوافقة تماما مع الواقع الإقليمي و العالمي المعاش، عندما قالوا بأن للتغيرات المناخية أيضا دور في ما يحدث بالشريط الشمالي الأخضر، في إشارة واضحة إلى ان الجزائر قد أصبحت ضمن الدول التي تعيش أوضاعا مناخية غاية في التدهور، و خاصة بحوض المتوسط الذي أصبح مركزا للتغيرات المناخية العالمية، حسب مسودة لتقييم الوضع المناخي حول العالم، أعدتها منذ أيام قليلة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) محذرة من أن دول المنطقة ستشهد المزيد من التغيرات المناخية، و ما ينجم عنها من احترار فوق المعدل الطبيعي، و حرائق و فيضانات، و أن  سكان منطقة المتوسط البالغ عددهم أكثر من نصف مليار يواجهون مخاطر مناخية مترابطة للغاية.  

و كانت المديرية العامة للغابات بالجزائر قد حذرت من ان موجة الحر القوية التي ستشهدها البلاد شهر أوت الجاري ستكون لها عواقب وخيمة على الغطاء الغابي، و دعت إلى أخذ الحيطة والتبليغ السريع عن أي حرائق صغيرة قريبة من الغابات بهدف السيطرة عليها وعدم توسعها، و المساهمة في تنظيف محيط الغابة والأماكن التي يتردد عليها السياح من قطع الزجاج والمواد اللامعة، مؤكدة بان الحرارة قد تجعل من هذه المواد عدسة تشعل شرارت صغيرة، ومع جفاف الحشائش قد تنتقل هذه الحرائق الصغيرة للغابات.
كما دعت المديرية أيضا إلى تجنب الانتقال بالآليات القديمة في المحيط الغابي والجبلي، خاصة الجرارات المحملة بثقل كبير، فهي تنفث شرارات من المداخن يمكن أن تحرق كل شيء ، و طالبت بالتوقف نهائيا عن رمي السجائر المشتعلة، خاصة من نوافذ السيارات، حيث انه من بين 10 آلاف شخص، قد يتسبب شخص واحد رمى سيجارة بحرق كل شيء .
و لم تستبعد المديرية العامة للغابات بالجزائر الفعل البشري العمدي عندما قالت بان أعداء الطبيعة قد يشعلون الحرائق داعية إلى مراقبة المحيط الغابي، و التبليغ الفوري عن كل طارئ قبل ان يتفاقم الوضع و يخرج عن السيطرة.
و في بداية موجة الحر القوية التي ضربت البلاد اندلعت الحرائق بنحو 88 موقعا غابيا بولايات تيزي وزو، بجاية، جيجل، سكيكدة، عنابة، بومرداس، البليدة، المدية، قالمة، الطارف، سوق أهراس، خنشلة، أم البواقي، سطيف و تبسة، مخلفة عشرات القتلى و خسائر مادية كبيرة في الممتلكات و دمار للحياة البرية و تخريب للأنظمة البيئية الهشة التي ستكون لها عواقب كبيرة في المستقبل.
و قد تحالف المفسدون في الأرض مع التغيرات المناخية لإلحاق المزيد من الضرر بغابات البلاد بإشعال النار عمدا، و التسبب غير العمدي في الحريق برمي الزجاج و الالمنيوم في الوسط الغابي، و إطلاق الشرارة من المركبات الثقيلة، و رمي أعقاب السجائر المشتعلة على جوانب الطرقات و المتنزهات الجبلية، حيث الحشائش الجافة سريعة الاشتعال.
و يعتقد خبراء المناخ و البيئة في الجزائر بأنه لولا موجة الحر القوية و الجفاف الطويل لما حدثت كل هذه الخسائر التي طالت الثروة الغابية و الحياة البرية و الممتلكات، و أودت بحياة العشرات من الضحايا و هو ما لم يحدث منذ استقلال البلاد قبل 59 عاما.  

حرارة فوق المعدل الفصلي و جفاف طويل  
يقول عوامر مخوخ الباحث في شؤون البيئة و المناخ بالجزائر متحدثا للنصر، بأن موجات الجفاف الطويلة التي عرفتها غابات البلاد و ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل الفصلي تعد من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الحرائق، و اتساع رقعتها بشكل سريع، مضيفا بأن الفعل البشري العمدي و غير العمدي هو سبب الشرارة الأولى، و بعدها تتولى الظروف المناخية مهمة توسيع دائرة الحريق و إخراجه عن السيطرة، معتقدا بأن قطع الزجاج المنتشرة وسط الغابات الجزائرية و أعقاب السجائر المشتعلة تعد من بين الأسباب المؤدية إلى اندلاع الحرائق عندما تكون العوامل المناخية ملائمة لذلك كجفاف الغطاء النباتي و الحرارة و الرياح الساخنة التي تؤجج الحريق و تنشره على نطاق واسع.
و قدر عوامر مخوخ فترة الجفاف التي عرفها شمال البلاد هذا العام بنحو 8 أشهر، مما أدى إلى جفاف الأشجار الغابية و اشتعالها السريع، مضيفا بان الفعل البشري العمدي أمر وارد في أكثر من موقع و حريق، حيث يوجد بعض الأشخاص المهووسين بإشعال النار، و هو مرض نفسي متجذر فيهم، و بعض الأشخاص من المخربين الذين يتعمدون إلحاق الضرر بالطبيعة و الحياة البرية.
و دعا المتحدث إلى تفعيل دور الرقابة على الغابة من خلال الجمعيات الصديقة للبيئة، و سكان المناطق الجبلية، للإبلاغ الفوري عن الحريق قبل ان يتوسع، مؤكدا بأن وسائل الاتصال الحديثة و التطبيقات الرقمية الذكية تعد من بين العوامل المساعدة على التحكم في الوضع و توقع الكوارث الطبيعية، و الاستعداد لها. وحسب عوامر مخوخ فإن الجزائر توجد اليوم في قلب التغيرات المناخية المتسارعة لكنها متأخرة كثيرا في مجال الوقاية من آثار هذه التغيرات، و خاصة في مواجهة الحرائق و حماية الثروة الغابية و الحياة البرية، متسائلا لماذا لا تتوفر الجزائر على وسائل الإخماد الجوي رغم الرخاء المالي الذي مرت به في السنوات الأخيرة.
و يرى خبير البيئة بأن سياسة الإنفاق الحكومي على مدى السنوات الماضية قد أنهكت القدرات المالية للبلاد، و حالت دون الاستعداد الجيد لمواجهة التغيرات المناخية المدمرة من خلال تطوير وسائل التدخل أثناء الكوارث الطبيعية، و تنفيذ خطط مجدية لتصحيح الموائل البيئية، و الانتقال إلى الطاقة النظيفة، و المساهمة في الجهد الدولي لخفض الانبعاثات الغازية و الحد من احترار كوكب الأرض.

و تحدث عوامر مخوخ عما وصفه بإهدار الفرص منذ استقلال البلاد، و إدارة الظهر للبيئة و التغيرات المناخية المنذرة بمزيد من الكوارث، إذا لم يتحكم العالم في حرارة الكوكب و يحول دون تجاوزها 1.5 درجة بنهاية القرن.
حرق الغابة هو تدمير للحياة البرية و إلحاق الضرر بالاقتصاد و الصحة، و تصحير لما تبقى من مساحة البلاد، كما يقول المتحدث، مؤكدا بأن الغابة المحترقة تحتاج بين 30 و 40 عاما حتى تتجدد بشكل كامل.
و دعا عوامر مخوخ سكان المناطق الغابية إلى المساهمة في الجهد الوطني الرامي إلى إنقاذ الطبيعة و التخفيف من وطأة التغيرات المناخية، و ذلك بمراقبة الحرائق و الإبلاغ عنها، و تنظيف محيط المنازل و المداجن و المناحل، و بساتين الأشجار المثمرة حتى لا تصلها الحرائق، معتقدا بأن مسافة الأمان بين الممتلكات و الغابات أصبحت أمرا ضروريا للحد من الخسائر المادية الثقيلة التي وصلت إلى حد إفقار عائلات بأكملها عندما فقدت مساكنها و مصادر عيشها.   و رغم الإمكانات المادية المحدودة و اتساع رقعة الحرائق على امتداد الشريط الشمالي الأخضر فقد سمحت الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الجزائر بالسيطرة على الوضع، عندما تدخل الجيش لدعم فرق الإطفاء و الاستنجاد بالمساعدة الدولية، و تضامن شعبي كبير قد يؤسس لمرحلة جديدة من التصالح مع الطبيعة الثائرة على السلوك البشري المدمر.   
فريد.غ

مصور الطيور بالحياة البرية حبيب بولطيف لـ "النصر"
اقتنصت صورا لطيور نادرة وهدفي توثيق أنواعها بالأوراس
استطاع حبيب بولطيف مصور الطيور بالحياة البرية بمناطق الأوراس، أن يلتقط صورا لطيور نادرة آخرها قبل أسبوع اكتشافه لطائر صقر الغروب أو كما يعرف أيضا بالصقر الفاحم faucon concolore  الذي حط بمنطقة القنطرة، والتقطت عدسته 245 نوعا من الطيور أغلبها بمنطقة القنطرة التي تمثل نقطة عبور للطيور المهاجرة، وبعض الطيور التي رصدها من النوع النادر على غرار اللقلق الأسود، والواق العظيم، وطائر دنكلة الماء، وكاسر الجوز، ويهدف حبيب إلى توثيق صور الطيور التي التقطها في كتاب، ويطمح إلى جانب أعضاء فريق تصوير الحياة البرية «نات أوراس» ومصورين اخرين من مختلف مناطق الوطن، إلى التأسيس لجمعية وطنية لمصوري الحياة البرية بالجزائر.

حاوره: يـاسين عبوبو   

حدثنا عن اكتشافك الأخير لتواجد طائر صقر الغروب بشمال إفريقيا، بعد أن التقطت له صورا بالقنطرة؟
طائر صقر الغروب معروف حسب المعلومات التي استقيتها أن أعداده قليلة، وانتشاره الجغرافي ينحصر في صحراء سيناء بمصر، وجزر البحر الأحمر، وهو من الطيور المهاجرة، بحيث يتنقل في الشتاء إلى الموزمبيق ومدغشقر. وفي الجزائر كنت رصدته العام الماضي، ولكن تم اعتباره صقر لزيق faucon kobez  للتشابه الكبير بينهما، لكن بعدما راود الشك أعضاء مجموعة نات أوراس لتصوير الحياه البرية، خلال تصويره الثاني هذه السنة في نفس المكان والفترة الزمنية، تم إرسال الصور إلى مختصين أكدوا أنه طائر صقر الغروب، وبالتالي يضاف إلى قائمة الطيور بالجزائر، وأشير على أن هذا الطائر يطلق عليه تسمية صقر الغروب لنشاطه في الصيد وقت غروب الشمس.
رصدت تواجد طائر صقر الغروب وطيور أخرى لأول مرة بالجزائر
ماذا يمثل لك توثيق طيور نادرة؟
في الحقيقة اقتناص صور لطيور نادرة ليس أمرا سهلا، وغير متاح كل يوم، لهذا فهو مهم جدا بالنسبة لي، ويعد ثمرة عمل واجتهاد قد تطول أحيانا لسنوات، فالتقاطي لصورة طائر صقر الغروب لأول مرة بشمال إفريقيا، يأتي بعد خمس سنوات من البحث والخرجات الميدانية إلى البراري لالتقاط صور الطيور، لهذا فأنا سعيد بهذا الإنجاز الذي يضاف إلى صور أخرى لطيور نادرة التقطتها في القنطرة منها اللقلق الأسود، الواق العظيم، دنكلة الماء، بالإضافة لطيور ألتقط صورا لها بمناطق أخرى، منها كاسر الجوز بمناطق ولاية جيجل.
هل يقتصر نشاطك في تصوير الطيور على منطقة القنطرة؟
بحكم أنني ابن منطقة القنطرة التي ترعرعت فيها، كانت بداياتي في تصوير الطيور والحياة البرية للحيوانات منها، لكنني أنشط بصفة خاصة عبر تضاريس جغرافيا الأوراس، وتبقى القنطرة لها مميزاتها، فقد اكتشفت أنها معبر مهم للطيور المهاجرة فهي منطقة راحة وإقامة شتوية للطيور إن صح التعبير، وحسب معلوماتي، فإن منطقة دخلة مرمرة بالقنطرة تضم لوحدها 60 بالمائة من قائمة الطيور بالجزائر.

 

نطمح لتأسيس جمعية وطنية لمصوري الحياة البرية بالجزائر
ما الذي يمثله لك تتويجك بجائزة أحسن صورة للمناطق الرطبة من طرف محافظة الغابات لولاية باتنة؟
في الحقيقة تتويجي بجائزة أحسن صورة في المسابقة التي نظمتها محافظة الغابات لولاية باتنة بمناسبة اليوم العالمي للمناطق الرطبة، كان تحفيزيا لدرجة كبيرة، وأشكر كثيرا محافظة الغابات لولاية باتنة على تنظيمها للمسابقة، وعلى مرافقتها لمصوري الحياة البرية خاصة أعضاء مجموعة التصوير «نات أوراس»، خلال خرجات ميدانية تتطلب فعلا وقوف رجال المحافظة من فتح للمسالك وبلوغ مناطق صعبة وخطيرة، حيث أن الفضل يرجع لهم في عديد المرات من أجل التقاط صور الحيوانات البرية، وبالنسبة للصورة التي توجت بها فكانت من سبخة قداين الرطبة والصورة لطيور الدريجة الألبية والدريجة الصغيرة، وقد تطلب مني التقاطها وقتا للترصد وجهدا، حتى أنني اضطررت للزحف منبطحا على الطين.
حدثنا عن تجربة مجموعة المصورين «نات أوراس» للحياة البرية؟
مجموعة نات أوراس، التي أنا عضو فيها هي التقاء لمجموعة هواة ومحبي التوثيق للحياة البرية بمناطق الأوراس الكبير، وفي الحقيقة كانت تجربة رائعة في البداية بالنشاط في التعريف بما تزخر به مناطق الأوراس من تنوع حيواني، حيث قمنا بعرض ونشر صور لحيوانات من بينها طيور ليست معروفة لدى الكثيرين، حتى وإن كانوا يسمعون بها، لكن دون أن يروها، وقد أتاحت الصور التي التقطها أعضاء مجموعة نات أوراس التعريف بالتنوع الحيواني والبيئي لمناطق الأوراس، وللأسف فإن الظروف الخاصة لعدد من الأعضاء جعلتهم يغادرون، ومع ذلك لايزال عدد منهم يواصل النشاط في تصوير الحياة البرية.
القنطرة ممر للطيور المهاجرة وتضم 60 بالمائة من قائمة الطيور بالجزائر
ماهي أهدافك وطموحاتك في مجال تصوير الطيور بالحياة البرية؟
تصوير الطيور بالنسبة لي كان هواية لحبي للحياة البرية والطبيعة، وبفضل هذه الهواية التقيت بأصدقاء في نفس المجال، وتتيح لي هواية التصوير تثقيف نفسي حول حياة الطيور، وما لحظته هو غياب مختصين وقلتهم من الباحثين المهتمين بالطيور في البرية، حتى أن صورنا وما نقوم به من مجهودات تتعرض أحيانا للأسف للسطو دون إذن من طرف طلبة ومترشحين لشهادات من معاهد مختصة، وأنا أطمح بفضل رصيد الصور التي التقطتها والمقدرة بـ 245 صورة بينها ما هو لطيور نادرة لإصدار كتاب لطيور منطقة الأوراس التي انكب عليها بشكل أكبر نشاطي في التصوير، كما أطمح رفقة عدد من الزملاء للتأسيس لجمعية وطنية لمصوري الحياة البرية بالجزائر، بهدف حماية الحياة البيئية للحيوانات، وأتأسف لانعدام هكذا جمعية في حين تتواجد جمعيات وهيئات مماثلة بدول مجاورة.
 ي.ع

الرجوع إلى الأعلى