نحتاج إلى مخططات الخطر لتجنب كوارث الفيضانات
 
يرى الأستاذ و الباحث خالد فوضيل، من معهد تسيير التقنيات الحضرية بجامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر، و رئيس الجمعية البيئية " أوكسيجين"،  أن إعداد "مخططات خطر" لكل ولاية و بلدية، هو الحل الأمثل و العملي لتقليص خطر الفيضانات التي أصبحت تهدد الاقتصاد الوطني.

 حاورته وهيبة عزيون

من خلال بحوثه الميدانية حول فيضانات غرداية و بجاية سنتي 2006 و 2008 استخلص الباحث أن وجود أخطاء في اختيار مواقع المدن الحديثة و التوسعات التي أنجزت على مواقع فيضية، دون احترام العامل الفيزيائي و الهيدوغرافي و الكثافة العمرانية، ما جعل الفيضانات تحدث بشكل دائم في الجزائر، و زاد من حدتها وجود أخطاء تقنية في إنجاز شبكات صرف و تسيير المياه و تهيئة الوديان، في ظل الفراغ القانوني المسجل في هذا المجال.
أغلب المدن الجزائرية موجودة على أراض فيضية
 النصر: أصبحت الجزائر من الدول المهددة بخطر الفيضانات كل سنة لماذا حسب رأيك؟
 خالد فوضيل: من الناحية المناخية منذ  نشأت المدن الجزائرية،  فإن الفيضانات التي حدثت أغلبها كانت في الفترة التي  تلي فصل الصيف وهي بين أكتوبر و نوفمبر و ديسمبر، كما حدث في فيضانات باب الواد  بالعاصمة و غرداية و غيرها.
حسب دراسات و بحوث عالمية، فإن هذه الفترة تزيد فيها نسب التساقطات في كل دول العالم و منها الجزائر، و تكون في شكل أمطار فجائية و غزيرة و أخرى رعدية، غير أن الفيضانات تحدث عموما في المدن الكبرى و التوسعات الحضرية، و تخلف خسائر مادية و بشرية،  وهذا سببه عدم مراعاة العامل الفيزيائي أو المجالي أو الطبيعي قبل إنجاز المشاريع،  و هو ما حدث قبل سنوات في المدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة، فكيف لمدينة حديثة في طور النمو، أن تتعرض لخطر الفيضانات عكس المدن القديمة، حيث نجد أن  المدن الحديثة في الجزائر، أغلبها مبنية على أراض فيضية، أي تلك التي يزيد فيها احتمال حدوث فيضانات، و لأننا لم نحترم نظام الطبيعة و  تدخلنا في مسارها عند غضبها تحدث الكارثة.
 هذا يعني أن هناك أخطاء في اختيار العقارات، فما مدى خطورة تشييد مدن على أراض فيضية؟
 حقيقة هناك أخطاء كارثية في اختيار العقارات فهي تتم بشكل استعجالي، و من المفروض أن تكون هناك إستراتيجية واضحة للتعمير، و قبل انجاز أي قطب حضري، علينا مراعاة الجانب الفيزيائي و طبيعة التربة، فمثلا بعض الأراضي ضمن شبكتها الهيدروغرافية  تضم  أودية منها ما هو جاري و أخرى  جافة منذ سنوات  طويلة، لكن احتمال عودتها للجريان وارد  جدا، بعد سنة أو خمس سنوات أو عشر سنوات و حتى بعد مئة سنة.
هنا يكمن الخطر الحقيقي عند بناء سكنات أو مبان في هذا المجرى، فيمكن أن يستعيد الوادي مجراه، ولو بعد سنوات طويلة، و حتى الوديان الجارية عندما تزيد الكثافة العمرانية  حولها، لا تجد المياه منفذا لها و هنا يحدث الفيضان، و هذا ما شهدناه في تجمعات حديثة في عدة صيغ سكنية تعرضت  لفيضانات حتى قبل توزيعها. لهذا من الضروري مراعاة عدة عوامل قبل اختيار الأرضيات، منها  مقاومة التربة،  شدة  الانحدارات، مناخ المنطقة ، دون أن نغفل الجانب التقني قبل الإنجاز  من شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار و  تنظيف الطرقات و البالوعات .
 هل كافة المناطق التي شهدت فيضانات موجودة في مصبات الوديان؟
 أغلب المدن الجزائرية التي شيدت بعد الاستقلال إلى يومنا هذا موجودة  في مصبات  الوديان أو متاخمة لها، حسبما أظهرته الخرائط الهيدروغرافية، فمثلا بجاية 90 بالمئة منها مبنية  في مصب واد الصومام ، العاصمة  في مصب باب الواد و الحراش، الشلف في مصب واد الشلف ، سكيكدة  أغلب النسيج الحضري مبني على ضفاف واد زرامنة، عنابة على ضفاف واد سيبوس، غرداية واد ميزاب، قسنطينة على طرفي واد بومرزوق و واد الرمال، بومرداس على ضفاف واد يسر، ما يجعلها  معرضة للفيضان، لأن ارتفاع منسوب الماء يؤدي إلى غرق المدينة، مع وجود نسيج عمراني كثيف، يشغل أماكن نفاذ المياه التي تتجمع بكميات كبيرة و تغمر المباني و المنشآت، و تزيد المنحدرات التي تتميز بها مناطق الشمال في تدفق المياه، فيحدث تجمع أكبر كمية من المياه في مكان واحد و في  وقت قياسي، في ظل وجود عيوب تقنية في البالوعات و المجاري، ما يخلف خسائر معتبرة، كما يصعب من مهام السلطات البلدية أو الولائية للتدخل الفوري و السريع، وهو ما حدث مؤخرا في بوزريعة بالعاصمة .

 مشاكل تقنية في شبكات تصريف المياه تزيد من احتمال حدوث فيضانات
هناك مشكل مطروح في شبكات الصرف و البالوعات التي تزيد من حدة الفيضانات عند حدوثها.
 حقيقة بعد الحديث بإسهاب عن عدم مراعاة الجانب الطبيعي للمدن، فإن ما زاد من خطر وحدة الفيضانات في الجزائر هي المشاكل التقنية الموجودة في شبكات تصريف المياه، فهي عادة تكون آخر ما يتم انجازه في مختلف المشاريع  و التوسعات  السكنية، و هذا خطأ تقني فادح و خطير، كما أنها تتم بطريقة غير مدروسة، لا تراعى فيها طبيعة المكان و المناخ و كمية التساقطات التي تشهدها المنطقة كل سنة، إضافة إلى مشكل تنظيف البالوعات و الشبكات بعد كل فصل صيف، كل هذا يجعلها غير قادرة على احتواء كميات المياه و صرفها، أو غالبا ما تكون مسدودة بالأتربة و القمامة، إضافة إلى ما تجرفه سرعة المياه المتدفقة فلا تجد المياه منافذ غير التسرب إلى المنازل و المنشآت و إغراقها .
لذا فإن شبكات صرف مياه الأمطار يجب أن تكون ملائمة للطبيعة الجيولوجية للمكان و كميات  الأمطار المتساقطة و طبيعة المناخ، فمثلا في بجاية قد يصل منسوب مياه الأمطار إلى ألفين و 700 متر مكعب في الثانية، هذه الكميات عندما لا تجد منفذا لجريانها، يمكنها أن تجرف مدينة بأكملها في ساعات من الزمن، في ظل وجود منحدرات تزيد من شراسة المياه الجارفة.
كما لا تتوفر أغلب المدن الجزائرية على شبكات صرف مياه الأمطار التي تعتبر أهم مسير للمياه  في العالم، و يتم إنشاؤها بطريقتين، إما بربطها مع شبكات الصرف وهذه الطريقة اقتصادية توفر الكثير من الأموال، و إما بفصلها عن شبكات الصرف وهي مكلفة، لكنها مفيدة من الناحية الإيكولوجية و يمكن استخدامها في عدة مجالات دون معالجتها مثل الري.
مشاريع سكنية لا تراعى فيها معادلة العمران والفيضان
 هل يعني أن الكثافة العمرانية تزيد من احتمال حدوث فيضانات؟
علينا أن نوازن بين معادلة العمران و الفيضان، وهي معادلة طردية، فكلما زادت كثافة العمران، كلما زاد احتمال حدوث فيضانات.
و يمكن القول أن نسبة نفاذ المياه في المدن تساوي صفرا، و هو سبب حدوث الفيضان، لأن المساحات الشاغرة جد منعدمة وهي المتمثلة في مساحات اللعب و المساحات الخضراء و الفضاءات الشاغرة، و تكتسي أهمية بالغة، لأنها تساهم في امتصاص و نفاذ كميات من مياه الأمطار المتساقطة، و من دونها يزيد من احتمال تجمع الماء و تدفقه بقوة.
 هل تساهم مشاريع تهيئة الوديان في التقليل من خطر الفيضانات؟
 هذه نقطة مهمة، و كما سبق و قلنا ، فإن أغلب المدن الجزائرية  تم تشييدها بالقرب من الوديان الجارية أو الجافة، ما يجعلها مهددة بخطر الفيضان، و بالتالي يجب أن تكون عمليات و مشاريع تأهيل الوديان الكبرى متوازنة، فلا يتم إنجازها بطريقة تقنية محضة، بل علينا مراعاة الجانب الطبيعي، لكن للأسف الملاحظ أن عمليات التهيئة تتم عادة بوضع  الإسمنت المسلح على جانبي الوادي، دون ترك منافذ ترابية، مهمتها تقليل منسوب الماء عند امتلاء الوادي، وفي هذه الحالة تكون سرعة التدفق كبيرة عند ارتفاع منسوبه، مع احتمال فيضانه ويغمر ما يتاخمه من سكنات ومنشآت وغيرها.
 هل يتم الاعتماد على مخططات التهيئة و شغل الأراضي للتقليص من مخاطر الفيضانات؟
للأسف مخططات التعمير، أغلبها لا تأخذ الخصوصيات الجغرافية و المجالية و الفيزيولوجية لكل منطقة ، تحديدا مخطط شغل الأراضي و المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير، فمن المفروض أن تتضمن هذه المخططات معلومات عن المجالات القابلة للتعمير و غير القابلة للتعمير التي يتم تقسيمها على أساس المخاطر الكبرى، و يتم الإشارة لهذا التقسيم، إما في المخطط الرئيسي أو ملحق، و هي نقطة مهمة جدا، إذا علمنا أن الجزائر مهددة بعشرة مخاطر كبرى من جملة 14 خطرا مصنفا عالميا.
هذه المخططات تساعد رؤساء البلديات والدوائر والولاة، على تحديد خطة  العمل للتدخل قبل الكارثة،  لتنظيف البالوعات و الطرقات و تهيئة المجاري، وأثناء الكارثة من خلال كيفية التدخل الفوري وتقسيم المسؤوليات عند حدوث الفيضان، أخيرا بعد حدوث الكارثة الطبيعية من جرد للخسائر و تصحيح الأخطاء المرتكبة، لكن للأسف كل هذا غير موجود على أرض الواقع و التدخل عموما يحدث بعد وقوع الكارثة و تقاذف التهم و تحميل كل جهة المسؤولية لجهة أخرى.
 لماذا يتمركز حدوث الفيضان في شمال البلاد،  وهل للموقع الجغرافي دور في ذلك؟
في الجزائر نجد 90 بالمئة من السكان يتمركزون في 10 بالمئة من المساحة الإجمالية للبلاد  في الجهة الشمالية، بينما يتوزع 10 بالمئة من السكان على 90 بالمئة من المساحة،  أي أن معادلة العمران و المساحة غير متوازنة،  في ظل السياسات العمرانية المتذبذبة على مدى سنوات طويلة، ما أرهق الإقليم الجزائري إلى جانب انتشار الأقاليم العشوائية ، ما تولد عنه انفجار سكاني في الشمال ونفاد المساحات، و بالتالي احتمال حدوث الفيضانات يزيد من سنة إلى أخرى بالمدن الكبرى، مع العدد الهائل للبرامج السكنية والمشاريع .
هناك فراغ قانوني لاحتواء وتسيير خطر الفيضانات
هل النصوص القانونية كافية لتأطير طرق احتواء خطر الفيضانات في الجزائر؟
هناك القانون 20 /04  الصادر في ديسمبر 2004، هو قانون ينظم المخاطر الكبرى و طرق التحكم بها ، لكنه دون مرسوم تنفيذي ما جعله حبرا على ورق لا يمكن العمل به ، باستثناء قانون التأمينات ضد المخاطر الكبرى الصادر سنة 2005 الذي يفرض على الهياكل التجارية و الاستثمارية التأمين ضد المخاطر الطبيعية ، وحتى بعض القوانين الموجودة فهي غير محينة، لذا لا يمكن للوالي أو رئيس البلدية الاعتماد عليها .
 هل ساهم قرار إنشاء مندوبية وطنية لتسيير المخاطر الكبرى في التنبؤ بحدوث فيضانات و تفادي بعض الخسائر؟
 إنها هيئة وطنية أنشئت منذ سنوات، أسندت لها مهام تسيير المخاطر الكبرى، و جمع المعلومات ونشر المعطيات بشكل دوري، وإنجازه بدراسات وبحوث ميدانية واستشرافية، وتخزين المعلومات، لكن للأسف هذه الهيئة تحتاج إلى نشاط واضح، فمن المفروض أن تنتج خرائط  محينة لكل بلدية حول خطر الفيضانات وتوزع على المنتخبين و المسؤولين  للعمل على ضوئها، حتى عند إنجاز المشاريع.
 كيف يمكن تدارك كل الأخطاء سالفة الذكر؟
 الفيضان أصبح خطرا يهدد الاقتصاد الوطني لما يخلفه سنويا من خسائر، إما بشرية أو مادية، و ما يلحقه من أضرار بالمنشآت، لذا حان الوقت للتفكير في إستراتيجية وطنية جدية وفعالة وعملية لمواجهة هذا الخطر، بتضافر جهود كل الفاعلين و العمل على عدة مستويات ، و الحل يكمن في مخططات الخطر  لكل مدينة أو بلدية ، تحتوي على  معطيات متعلقة بالفيضانات، حسب خصوصية كل جهة، توضع تحت تصرف الولاة ورؤساء البلديات، مع الحرص على تحيينها بالاعتماد على أحدث التقنيات.
وتتضمن هذه المخططات قواعد التعمير لكل منطقة، لتسيير الخطر قبل حدوثه، و ما يجب القيام به قبل و أثناء و بعد الكارثة الطبيعية، و استخدام  تكنولوجيا الاتصال في التحذير من خطر حدوث فيضانات، كما هو موجود في الكثير من دول العالم ، و وضع مخطط عمل استشرافي خاص بكل بلدية، بتنظيف الشبكات و تهيئتها و إنشاء شبكات لصرف مياه الأمطار ، و البحث عن فضاءات لنفاذ المياه و تسيير مياه الأمطار.

تعد منطلقا للاقتصاد البيئي المستديم
     بداية واعدة للمهن الخضراء في الجزائر
بدأ النظر إلى الاقتصاد الأخضر بالجزائر على أنه محور و هدف إنمائي يرجح أن يساهم بفعالية في تنويع النشاط التنموي و إنشاء فرص العمل، و هما تحديان رئيسيان للبلاد التي تعيش تطرفا مناخيا متصاعدا.

و تعد المهن الخضراء منطلقا رئيسيا للاقتصاد الأخضر المستديم، الذي تراهن عليه الجزائر للخروج من دائرة الاقتصاد المعتمد على الطاقة التقليدية، المهددة بالانكماش و التآكل، المولدة للمخاطر البيئية كالانبعاثات الغازية، و التلوث المضر بالنظام البيئي و التنوع و الصحة و الرفاه الاجتماعي.  
و يعتبر الاقتصاد الأخضر أيضا بمثابة ناقل للتقدم التكنولوجي، و هو عنصر أساسي لتحسين القدرة التنافسية للشركات الصغيرة و المتوسطة، التي لا تزال بعيدة جدا عن الابتكار و أخذ الاستدامة البيئية في الاعتبار.
ولتحقيق كل هذا تعمل الجزائر على تعزيز و تطوير هذه الشركات حتى تمتلك القدرة على الابتكار و المساهمة في الجهد الوطني الرامي إلى الانتقال الجدي إلى الاقتصاد البديل، ويعد عامل التدريب والتمويل السبيل الوحيد للوصول إلى تلك الابتكارات عن طريق المهن الخضراء عالية التدريب و المهارة التقنية.  
وبالنسبة للجزائر فقد أكدت الدراسات الدولية المتعلقة بالمناخ و الاقتصاد المستديم و النفايات، بأن البلاد تعاني من ضغوط بيئية و تدهور للنظم الإيكولوجية، و نقص في موارد المياه، و مستوى عالي من الاعتماد على استيراد المواد الخام و المنتجات النهائية، بما في ذلك القابلة لإعادة التدوير، وانخفاض موارد النفط و الغاز، مقابل وفرة كبيرة للطاقة الشمسية، لكنها غير مستغلة بالقدر الكافي.
وتدعو هذه الملاحظات إلى الحاجة الملحة لتطوير المهن الخضراء والمهن المخضرة، وتنمية القطاعات المساعدة على حماية البيئة و تقليل استهلاك الموارد الطبيعية.
ومن بين القطاعات الوطنية الداعمة للاقتصاد الأخضر، قطاع إدارة النفايات واستغلالها، قطاع الماء والنظافة، قطاع الخدمات، الطاقات المتجددة، كفاءة الطاقة في المباني و الهندسة المعمارية والصناعة.
وقد وضعت الجزائر برنامجا لدعم الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر الدائري، الذي يهدف إلى ظهور أنشطة أكثر اخضرارا وتنوعا وشمولية في البلاد، وذلك من خلال تنمية ريادة الأعمال الخضراء والمشاريع الناشئة والمبتكرة، وتطوير نظام بيئي فعال، و تعزيز أنماط الاستهلاك و الإنتاج المستدامة، و كفاءة موارد الإنتاج النظيفة.
و بدأت الجزائر تولي اهتماما خاصا بالمهن الخضراء بقطاع الخدمات، لا سيما الخدمات المتعلقة بالبيئة وكفاءة الطاقة، الإدارة البيئية ومكافحة التلوث الصناعي، خبرة جودة الهواء، هندسة النقل، البناء الصديق للبيئة، والعزل الحراري والطاقة النظيفة.
وتعتمد هذه المهن على عمالة مدربة من الشباب الذي يعد الأساس الذي سيبنى عليه النموذج الاقتصادي الجديد.
ويرى الخبراء بأن الاقتصاد الأخضر في الجزائر مازال في طور النشوء، لكنه مع ذلك أصبح واقعا معاشا، و مصدرا مهما للوظائف الخضراء، من خلال التدريب المتطور على المهن الجديدة التي يقوم عليها النموذج الاقتصادي الجديد.
ومن بين القطاعات المهيأة بشكل أفضل من غيرها لإنجاح مسعى الاقتصاد الأخضر القوي بالجزائر الطاقة الشمسية، والإدارة المستدامة و الناجعة لأكثر الضغوط البيئية المثيرة للقلق، كندرة الموارد المائية، ضعف النظام البيئي، و ارتفاع تكاليف التدهور البيئي.
و حسب مديرة البحث السابقة بمركز تطوير الطاقات المتجددة بالجزائر، نشيدة قصباجي مرزوق فإن الوظيفة في الاقتصاد الأخضر تعرف بأنها وظيفة جديدة أو قائمة، يتم تنفيذها بهدف الحفاظ على البيئة أو في هيكل يقع تحت هذا الهدف.
و أضافت نشيدة قصباجي، خلال دورة لتدريب الصحافيين على التعامل مع مواضيع البيئة، بأن الغرض من الوظائف الخضراء ليس بيئيا، لكنه انتاج للسلع و الخدمات المناسبة لحماية البيئة، و إدارة الموارد الطبيعية.
و من بين المهن الخضراء و المهن المخضرة بالجزائر، تسيير المساحات الخضراء، النقل العمومي، نقل و توزيع المياه، تربية الأحياء المائية، خدمات الهندسة المعمارية، صناعة و تركيب أنظمة العزل الحراري، أنشطة التغطية و العزل المائي، انتاج الأجهزة العاملة بالطاقة الشمسية، طاقة الرياح، مهن القياس و التحكم و التصحيح.
ويعمل ثمانية أشخاص من بين عشرة في العالم في مهن خضراء تتعلق بالصرف الصحي، معالجة النفايات، إنتاج و توزيع المياه و الطاقة، حماية الطبيعة، و المزيد من المهن الشاملة.  
و من بين المهن الخضراء القائمة، موظفو الحدائق، تقني قياس جودة المياه، عامل تركيب العزل الحراري و مضخات الحرارة و الألواح الكهروضوئية، و محامي البيئة.
وثمة مهن خضراء جديدة بينها مشرف العمليات الصناعية البيئية، و تقني تشخيص جودة الهواء، و تحديد نسب التلوث.
و تكون الجامعات الوطنية طلابا متخصصين في قطاعات البيئة و الاقتصاد الأخضر، لدعم النموذج الاقتصادي الجديد، بالاعتماد على كفاءات متمكنة تمتلك المعارف و التكنولوجيا.
و بدوره يسعى قطاع التكوين المهني بالجزائر منذ عدة سنوات إلى الاندماج في الجهد الوطني الرامي إلى المحافظة على البيئة، و التخفيف من وطأة التغيرات المناخية المتسارعة، و الحد من استنزاف الموارد الطبيعية من خلال الانتقال إلى الاقتصاد التدويري، و معالجة الموائل البيئية المثيرة للقلق.
و تعد مهن البستنة و الترصيص الصحي، و تركيب الألواح الكهروضوئية، و العزل الحراري و الصوتي، و البناء و تربية الأحياء المائية، و الصيانة و تسيير  النفايات و تدويرها، من بين المهن الخضراء التي يتدرب عليها طلاب التكوين المهني، و المدارس الخاصة التي قطعت خطوات جبارة في دعم و تطوير المهارات و اكتساب التكنولوجيا، و سيقود هؤلاء الطلاب قاطرة الاقتصاد الأخضر في غضون السنوات القادمة، عندما يصبح هذا النموذج البديل الوحيد، للحد من عواقب التغيرات المناخية و استنزاف الموارد الطبيعية غير القابلة للتجدد.  
فريد.غ
    

 

الرجوع إلى الأعلى