أشجـار الأرز الأطلسـي المتمـاوتـــة ..  ثـروة خشبيـة تبحث عن الاستغــلال

بين الامتداد الجغرافي للأطلس التلي والصحراوي يتواجد محيط طبيعي متنوع في قلب الأوراس، يمتاز بخصائص فريدة عن باقي المناطق، ويتعلق الأمر بمحمية الحظيرة الوطنية بلزمة، وكذا محمية شيليا وهما المحميتان اللتان تحتضنان غابات الأرز الأطلسي الباسقة في علو شامخ، وبالموازاة مع المناظر الطبيعية الساحرة لشجرة الأرز إلا أنه يطغى أيضا مشهد مؤسف لتماوت أشجار الأرز الأطلسي، التي تبدو جافة وقد فقدت اخضرارها، بعد أن داهمها خطر التماوت أو كما يعرف أيضا بظاهرة الاضمحلال، والتي أجمع خبراء أنها ناتجة عن التغيرات المناخية لكوكب الأرض.

وتشكل الأشجار المتماوتة من الأرز الأطلسي، خطرا حسب مختصين في الغابات لما يترتب عن عدم قطعها وتطهير الغابات منها من انتشار للأمراض، وانتقالها في الوسط النباتي ناهيك عن تلويثها للمنظر الطبيعي لقمم الأوراس بالجهة الغربية في موطن نمو شجرة الأرز الأطلسي، وهو المشهد الذي ظل مرتسما عبر عدة مواقع لسنوات، حيث يمكن ملاحظته بمجرد ولوج الحظيرة الوطنية بلزمة عبر منطقة كوندورسي بوادي الشعبة، أين تتراءى عبر الطريق الجبلي باتجاه مروانة صور محزنة لأشجار الأرز الباسقة المعمرة وهي جافة افتقدت اخضرارها.
وبعد أن ظل منظر مساحات كبيرة لأشجار الأرز الأطلسي المتماوتة، على حاله لسنوات، طالب سكان بعض المناطق، على غرار وادي الماء، وحيدوسة، ومروانة، ووادي الشعبة أين تتواجد أشجار الأرز الأطلسي بكثرة، بتطهير الغابات من الأشجار المتماوتة، واستغلال خشب تلك الأشجار كمورد اقتصادي سواء في تحريك اليد العاملة  أو كسب الأموال خاصة وأن نوعية خشب الأرز الأطلسي نادرة، وتعد من أجود أنواع الخشب التي يمكن استغلالها في عديد المجالات من البناء البيئي، مثلما يذهب إليه البعض في إنجاز مساكن من الخشب.
من جهتها، تعمل مصالح إدارة الغابات بالتنسيق مع الحظيرة الوطنية بلزمة، على مشروع لتطهير مساحة تقدر بـ 2418 هكتارا من إجمالي مساحة 5315 هكتار من الأشجار المتماوتة عبر عدة مناطق خاصة منها جبال ومرتفعات برجم، وبومرزوق، وثوقر وتالمات.
تعد الحظيرة الوطنية لبلزمة من أهم المحميات الطبيعية على المستوى الوطني، بحيث تحتل موقعا بيوجغرافيا مهما بين الأطلس التلي والصحراوي، وقد صدر قرار المحمية في الثالث من نوفمبر سنة 1984 بمرسوم رئاسي رقم 84-623، تحت وصاية وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، وصنفت في الخامس عشر من شهر جوان عام 2015 من طرف المجلس العالمي للتنسيق والتصنيف للمنظمة العالمية -اليونيسكو- ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي لتحسين العلاقات الإنسانية والطبيعية على المستوى الوطني والعالمي.
وتقع الحظيرة الوطنية بلزمة بإقليم ولاية باتنة، بحيث تمتد عبر ثماني بلديات على مساحة تقدر بـ 26250 هكتارا وهي باتنة، مروانة، وادي الماء، حيدوسة، سريانة، جرمة، وادي الشعبة وفسديس، وتضم ثروة طبيعية نباتية وحيوانية متنوعة، وإرثا ثقافيا وتخضع الحظيرة للحماية والتسيير بموجب قرار الحماية لإدارة عبارة عن مؤسسة عمومية ذات طابع إداري.

وتضطلع إدارة الحظيرة التي على رأسها حاليا محمد لمين دهيمي، بمهام أبرزها حسب المدير لـ»النصر» حفظ وحماية الكائنات الحيوانية والنباتية، وكذلك حماية المواد الجيولوجية والتجمعات البيولوجية والأوساط المائية والإيكولوجية، وحماية التراث الثقافي والمهارات المحلية، وأوضح المدير بأن من مهام إدارة الحظيرة تسيير الأخيرة بمخطط يتضمن إدماج السكان المحليين بنطاق الحظيرة ببرامج تتماشى والتنمية الريفية وفي آن واحد الحماية والمحافظة على الموارد الطبيعية، بالإضافة لتكثيف النشاطات المتعلقة بالتربية البيئية لتوصيل رسالة حماية الثروة الطبيعية والثقافية إلى أذهان الأجيال الصاعدة.
التماوت خطر يهدد شجرة الأرز الأطلسي رمز الصمود
تشكل سلسلة الجبال المتواجدة بمنطقة شيليا آخر حاجز طبيعي يفصل بين الشمال والجنوب، وهي تقوم بدور في مكافحة ومنع التصحر، بانتقال الرمال من الجنوب نحو الشمال، ومن أبرز أصناف الأشجار المتواجدة بشيليا شجرة الأرز الأطلسي التي تعد إحدى رموز منطقة الأوراس لقيمتها الكبيرة، كونها من الأشجار الأصيلة بالمنطقة التي عمَرت لقرون، وقد استعمل خشبها كأعمدة لضريح إمدغاسن النوميدي، الذي شيد في القرن الخامس قبل الميلاد، وذكر محافظ الغابات لولاية باتنة بأن خشب شجرة الأرز، استعمل أيضا في القرن الماضي خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، في تشييد قصور ملكية بفرنسا وبريطانيا.
وتصنف شجرة الأرز ضمن الأنواع النبيلة، لقوة صمودها أمام العوامل المناخية ومنظرها الجمالي الخلاب، الذي تتميز به بعلوها الباسق وأوراقها الإبرية المتميزة وسط الغطاء الغابي، وقال محافظ الغابات لولاية باتنة بأن شجرة الأرز الأطلسي بالأوراس تتميز عن أشجار الأطلسي بباقي أنحاء العالم بخصائصها الجينية المقاومة للبرود والحرارة، ما جعلها الصنف الوحيد الذي يعيش في المناخ شبه الجاف، مقاوما ظاهرة الاضمحلال الناتجة عن التغيرات المناخية وخاصة الجفاف، وما يميز حظيرة شيليا انتشار شجرة الأرز في أعلى مرتفعاتها، حيث نجدها بقمة رأس كلتوم على علو 2328 مترا وهي أعلى قمة في شمال الجزائر. وكانت مصالح محافظة الغابات لولاية خنشلة، قد أعدت مخطط تهيئة وحماية لحظيرة شيليا أولاد يعقوب في إطار القانون 11-02 الصادر في 17 فيفري 2011 المتعلق بالتنمية المستدامة، حيث تم تصنيف منطقة مركزية بالحظيرة تتربع على مساحة 365 هكتارا، وهي منطقة محمية ومصنفة بموجب القانون، ومنطقة وسطى تتربع على مساحة 6229 هكتارا وتضم موقع ثيخزرانت على مساحة 2371 هكتارا تقع غرب محيط الحظيرة، وموقع الكاف الأحمر بجبل عود، وجبل الأوراس، وتارزوت، وذلك على مساحة 3858 هكتارا.
يـاسين عبوبو

قف
بعد تفشي الصيد العشوائي و المتاجرة بالحيوانات بالجزائر
هيئات الحماية تدعو لإنقاذ الحياة البرية المهددة بالاختلال
بدأت ظاهرة الصيد العشوائي و الاتجار بمختلف أنواع الطيور و الحيوانات البرية بالجزائر تأخذ أبعادا مقلقة و مؤثرة على التوازن البيئي و التنوع البيولوجي الذي ظل يميز مساحة واسعة من البلاد، قبل أن يتراجع تحت تأثير عوامل كثيرة منها الاعتداءات المتكررة على مكونات الطبيعة، و التغيرات المناخية المتطرفة التي تكاد تقضي على ما تبقى من الملاذات الآمنة التي بقيت محافظة على بعض من تنوعها البيولوجي و مكوناتها الطبيعية، سواء بالحزام الشمالي الأخضر أو بالهضاب العليا و البر الصحراوي الجنوبي الواسع.

و في محاولة لصد الاعتداءات الجائرة على الحياة البرية بادرت قيادة الدرك الوطني و المديرية العامة للغابات و المديرية العامة للجمارك و الفيدرالية الوطنية للصيد، بتنظيم لقاء جهوي بقالمة الأسبوع الماضي لتقييم الوضع، و اتخاذ مزيد من الإجراءات و التدابير التنظيمية و العملية لمنع الصيد العشوائي الجائر، و القضاء على تجارة الطيور و الحيوانات البرية المعرضة للانقراض بسبب الاستنزاف الذي تتعرض له في السنوات الأخيرة.
أنواع مهددة بالانقراض والحسون على رأس القائمة
و قد تم خلال اللقاء، الذي استمر يومين كاملين و جمع 14 ولاية شرقية، بحث سبل حماية الحياة البرية بالجزائر، و حشد كل الإمكانات المتوفرة لتحقيق الهدف المسطر، بمشاركة كل المعنيين بمستقبل البيئة و الثروة الحيوانية في البلاد، بما في ذلك جمعيات الصيد و المواطنين، و خاصة المجاورين للأقاليم الغابية و الاحراش و مواقع الصيد، حيث تعيش الطرائد و تكثر أنشطة الصيد و الاعتداءات المدمرة لبيئة هذه الكائنات التي تعد عصب التنوع و التوازن الإيكولوجي.  
 و يواجه رجال قطاع الغابات بالجزائر تحديات كبيرة لصد مجموعات الصيد العشوائي الجائر، من خلال الدوريات و عمليات المراقبة في الليل و النهار، و أوقعوا بالكثير من شبكات الصيد و الاتجار بالطيور النادرة و المهددة بالانقراض، لكن اتساع رقعة البر الجزائري و تعنت عصابات الصيد و المتاجرة شكل عقبة حقيقية أمام فرق حماية الغابات، و حتى الدرك الوطني و الجمارك و حماة البيئة الذين لم يتوقفوا عن دق ناقوس الخطر، محذرين من أن العديد من أنواع الثروة الحيوانية ربما ستختفي في غضون السنوات القادمة إذا استمرت العوامل المعادية على ما هي عليه اليوم، من تغيرات مناخية و صيد جائر و تجارة رائجة، و فوق كل هذا حرائق تدمر بيئة الطيور و الحيوانات، و كل مكونات الحياة البرية كل صيف، و من الصعب تجديد هذه البيئة المحترقة، و العودة إلى سلسلة التكاثر و ترميم التوازن الإيكولوجي المتصدع.
وحسب السكان المجاورين لأقاليم الصيد بولاية قالمة فإن أعداد الأرانب البرية و أسراب الحجل تتراجع باستمرار من سنة لأخرى، معتقدين بأن الصيد الجائر على مدى سنوات طويلة و في الليل و النهار ربما يكون السبب الرئيسي لهذا التراجع المثير للمخاوف.
و يرى حماة البيئة و الحياة البرية بأن التصدي لشبكات الصيد، و منع المتاجرة بمختلف أنواع الطيور و الحيوانات البرية و عرضها في الأسواق، و حماية الغطاء الغابي و النباتي من الحرائق، و إطلاق المزيد من الحيوانات و الطيور النادرة في البرية لتجديد دورة الحياة، و إعادة بناء و ترميم التنوع البيولوجي المتصدع، تعد من أهم الخطوات العملية الواجب القيام بها دون تأخر لترميم الاختلال الإيكولوجي الناجم عن فقدان بعض مكونات الحياة البرية من طيور و حيوانات و نباتات و مصادر المياه. و ليست الأرانب و أسراب الحجل و طيور الزينة وحدها المعرضة لخطر الانقراض في الجزائر، فهناك حيوانات أخرى تكاد تختفي بسبب الحرائق و الصيد الجائر كالأيل البربري الذي يعيش بجبال بني صالح الواقعة شرق البلاد، و الخنزير البري، و قطعان الذئاب التي تتعرض هي الأخرى للإبادة قتلا بالرصاص و حتى بتفخيخ الطعام بمختلف أنواع السموم.  
ويعد طائر الحسون الأكثر عرضة للصيد الجائر بغرض المتاجرة و التهريب خارج حدود الوطن، حيث تمكنت فرق حماية الغابات ببعض ولايات الوطن من التصدي لشبكات خطيرة استنزفت هذا النوع من الطيور النادرة و المحمية بموجب القوانين الجزائرية سارية المفعول.  و يتعرض النظام الإيكولوجي للاختلال كلما فقد مكونا من مكوناته الأساسية سواء تعلق الأمر بالحيوانات و الطيور أو بالنباتات و الأشجار الغابية، و على سبيل المثال فقد يؤدي تراجع قطعان الذئاب بسبب الصيد أو المرض إلى زيادة أعداد الخنازير بشكل كبير لا يتحمله النظام البيئي، فيصاب بالاختلال.  و تعمل المديرية العامة للغابات بالجزائر على منع الصيد بعدة أقاليم، و تضع لافتات هناك لكن تعنت شبكات الصيد مازال مستمرا، و خاصة في ساعات الليل التي تعد الأكثر تدميرا للثروة الحيوانية البرية، حيث تستعمل هذه الشبكات الأضواء الكاشفة و بنادق الصيد و معدات تقليدية أخرى للإيقاع بالطرائد. و تعد عمليات تجديد الغطاء الغابي المحترق عبر مختلف ولايات الوطن إحدى الوسائل المتاحة لترميم ملاذات الطيور و الحيوانات البرية، و تشجيعها على العودة إلى المساحات المحترقة بمرور الزمن، لتكون مجتمعات فتية و تعيد الحياة البرية إلى ما كانت عليه قبل الحريق.  و يفرض القانون الجزائري عقوبات جزائية صارمة على أنشطة الصيد العشوائي، تصل إلى أحكام سالبة للحرية و مصادرة معدات الصيد من أسلحة و مركبات، تستعمل في التنقل إلى مواقع الصيد في الليل و النهار، و بالرغم من ذلك مازال العداء متواصلا تجاه الحياة البرية التي تواجه اليوم تحديات بشرية
ومناخية متطرفة.  
و حسب المديرية العامة للغابات فإن ما لا يقل عن 24 نوعا من الطيور و 20 نوعا من الثدييات محمية بالجزائر و يمنع صيدها، بينما يوجد 23 نوعا من الحيوانات و الطيور المهددة بالانقراض من البر الجزائري مترامي الأطراف، و لذا فإن التحديات المستقبلية كبيرة و تتطلب بذل المزيد من الجهد حتى تتعافى الحياة البرية و يلتئم الصدع الإيكولوجي المثير للقلق.
فريد. غ

غرس 40 ألف شجيرة في خنشلة
إعادة تأهيل مساحات غابية أتلفتها الحرائق بشيليا
 نظمت محافظة الغابات لولاية خنشلة، يوم أمس، حملة لإعادة تشجير منطقة تواقات الغابية ببلدية شيليا في دائرة بوحمامة، الواقعة على بعد 75 كلم من عاصمة الولاية و ذلك بغرس 40 ألف شجيرة، بالتنسيق مع جميع القطاعات و فعاليات المجتمع المدني.

و شارك المدير العام للغابات في عملية التشجير التطوعية المنظمة من طرف محافظة الغابات لولاية خنشلة و بحضور السلطات المحلية  بمنطقة تواقات في بلدية شيليا التي أتلفت بها مساحات شاسعة من الغطاء الغابي خلال الحرائق التي شهدتها المنطقة خلال موسم الصيف للسنة الماضية، حيث تم بالمناسبة، تقديم عرض حول حصيلة مكافحة حرائق الغابات على مستوى 16 بلدية، بمساحة إجمالية محروقة 9837.36 هكتارا و كذا عرض حول المؤشرات المستقبلية لعمليات الوقاية من حرائق الغابات التي تخص فتح خنادق النار بالمناطق المعنية، فتح المسالك الغابية، إنجاز أبراج المراقبة، تهيئة المسالك الغابية، تنصيب مراكز متقدمة عبر الكتل الغابية، ضمان دوريات مراقبة على مدار السنة.كما قدم إطارات محافظة الغابات، عرضا حول حصيلة الانجازات للبرنامج المحلي للتشجير و التي قدرت بـ155.5  هكتار في إطار الحملات التطوعية للتشجير، 500 هكتار في إطار المشاريع القطاعية للتنمية، 1049.55 هكتارا في إطار مشاريع الصندوق الوطني للتنمية الريفية، إضافة إلى تقديم شروحات حول الغابات الهامة التي تم تصنيفها كحظيرة وطنية على غرار غابة أولاد يعقوب و غابة بني ملول التي تتواجد بها أشجار الأرز الأطلسي المصنفة بأنها نادرة و محمية عالميا و أصناف أخرى مثل الصنوبر الحلبي، حيث تعتبر غابة الأرز الأطلسي بشيليا و أولاد يعقوب على مساحة 326 ألفا و 9 هكتارات، آخر جدار بين الشمال و الجنوب و لها دور كبير في مكافحة التصحر و تمتاز بمناظر جد خلابة و بها أعلى قمة في شمال الجزائر ( رأس كلتوم 2328 مترا)، كما تمتاز بثروة نباتية و حيوانية هامة.تجدر الإشارة، إلى أنه تم، مؤخرا، إبرام اتفاقيتين، الأولى بين الجمعية الولائية للمحافظة على البيئة و ترقية التنمية المستدامة و جامعة عباس لغرور و الثانية بين ذات الجمعية و المدرسة العليا للغابات و ذلك في إطار التعاون و البحث العلمي و التنسيق المشترك لحماية و إصلاح الغابات المتدهورة و العمل على الحفاظ على مغروسات الحملات التطوعية المنجزة في الأراضي الغابية ومتابعتها و إتاحة المجال من أجل إقامة نشاطات في إطار التوعية و التحسيس لخلق حوار مباشر من أجل بلوغ نتائج إيجابية غايتها الحماية المستدامة للغابة.      
كلتوم رابية

الرجوع إلى الأعلى