وسط حقول زراعية و محطات للخرسانة و مناجم للحصى، منها القديمة المغلقة، و منها التي تواصل نشاطها على مضض، يقع مركز الردم التقني للنفايات الصلبة و النفايات الهامدة بوزيتون، على بعد 1 كلم من الضاحية الغربية لمدينة هليوبوليس، و هو أحد أكثر المنشآت البيئية أهمية بولاية قالمة، بعد محطة معالجة مياه الصرف الصحي، و مركز الردم التقني للنفايات المنزلية بوقرقار، لكن القليل فقط من سكان قالمة و الشركات العاملة بها من يعرف المكان و أهميته الكبيرة في مجال حماية البيئة، التي تواجه تحديات كبيرة بسبب ما يلحق بها من اعتداءات جائرة لم توقفها أنظمة الرقابة و ترسانة لا متناهية من القوانين و القرارات التي لم يظهر أثرها على أرض الواقع بالشكل المتوقع، بسبب عوامل كثيرة منها تراجع أجهزة حماية البيئة عن ردع المخالفين المعتدين، و تعنت السكان و الشركات الملوثة، و انتهاكها لقوانين حماية البيئة الهشة، المعرضة لمخاطر مستقبلية وخيمة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.

النصر زارت مركز الردم الصديق للبيئة و الإنسان، و التقت بالمشرفين عليه الذين تحدثوا عن التحديات التي تواجههم، و تطلعهم لمستقبل جديد قد يحدث تغيرا جذريا في سلوك الملوثين و يضع حدا للعداء المتواصل تجاه الطبيعة، و أمنا الأرض التي أنهكها جور الإنسان العابث، فبدأت ردات فعلها تظهر بجلاء من خلال ارتفاع معدلات الاحترار و التصحر و الأمراض التي تصيب الإنسان و الحيوان و الثروة النباتية، و التربة ومصادر المياه.
من محجرة منتجة للحصى والغبار المعدني إلى ملاذ آمن للنفايات

مركز بوزيتون لردم النفايات الصلبة و النفايات الهامدة، محجرة قديمة تخلت عنها شركة "آلترو" الوطنية للطرقات، تبلغ مساحته 5 ملاعب لكرة القدم تقريبا، و تصل قدرته التخزينية إلى نحو مليون متر مكعب من النفايات الصلبة و الهامدة المضغوطة، و حسب المشرفين عليه فإن العمر الافتراضي للمركز قد يتجاوز العشرين عاما القادمة، و  بما اكثر إذا بقيت الكميات التي تصله على ما هي عليه اليوم، و هو قادر على استيعاب هذا النوع من النفايات القادمة من ورشات البناء، و الوحدات الصناعية و المنازل و الحدائق و المساحات الخضراء، بالبلديات الأربع و الثلاثين المشكلة لإقليم ولاية قالمة.
و قد تم إنشاء المركز سنة 2012، في إطار مشروع طموح لمعالجة الاختلال البيئي الذي تعاني منه المنطقة، و خاصة في مجال النفايات بكل أنواعها، و مياه الصرف الملوثة لمجرى سيبوس المغذي لأجود الأراضي الزراعية المسقية.
عندما فتح المركز أبوابه قبل 10 سنوات كانت كل الآمال معلقة على سكان قالمة و شركات البناء و الوحدات الصناعية المنتجة للنفايات الهامدة و الصلبة، من أجل التوجه إلى منطقة بوزيتون للتخلص من النفايات هناك بطريقة آمنة و بأسعار رمزية، لكن الواقع شيء آخر حيث تذهب كميات هائلة من النفايات الصلبة و الهامدة إلى الطبيعة بدلا من المركز الذي قرر المشرفون عليه مواصلة النشاط رغم الخسائر المالية التي تلاحقه، حيث لم تعد مداخيله قادرة على تغطية نفقات أجور الموظفين و تشغيل العتاد و صيانته، نظرا لقلة النفايات التي تصله كل يوم من البلديات و المواطنين و شركات البناء و الوحدات الصناعية.
حماة البيئة البعيدون عن الأضواء

على الساعة السادسة من صباح أيام العمل يتوجه الموظفان المشرفان على جهاز الوزن و المراقبة و التخليص، رحال عبد القادر و دغمان نور الإسلام، الى مكان عملهما بالتناوب و يبقيان هناك 12 ساعة تقريبا ينتظران وصول شاحنات النفايات الصلبة، و غالبا ما تمر ساعات طويلة دون أن تأتي هذه الشاحنات لتلقي بعض ما تحمل من ملوثات بيئية هنا بهذا المركز الواسع، و تنقذ الطبيعة من الخطر الذي أصبح يتهددها في السنوات الأخيرة بعد تزايد النشاط الاقتصادي و ارتفاع كمية النفايات الصلبة.
بقينا معهما ننتظر وصول شحنات النفايات الصلبة لأخذ صورة حية لعمل المركز و إتمام مهمتنا، و كنا محظوظين في صباح ذلك اليوم، حيث لم يمر وقت طويل حتى جاءت سيارة نفعية تحمل كمية من ركام البناء، و بعدها شاحنة تملكها بلدية قالمة تحمل حشائش برية نمت وسط الاحياء السكنية.
كان جسر الوزن المتحرك جاهزا للقيام بالمهمة بسرعة، حيث تم تحديد الأوزان عبر النظام الرقمي و استلم سائق كل مركبة وصل التفريغ الذي يحمل كل التفاصيل بما فيها المبلغ الرمزي الذي يتلقاه المركز مقابل شحنة النفايات التي يتم إفراغها في خندق الردم، ثم تخضع لعملية التسوية و الضغط وفق تقنية تسمح بتخزين أكبر كمية ممكنة من النفايات على مدى سنوات طويلة.
يقول عبد القادر بأنه على استعداد للبقاء بموقع عمله حتى الليل عندما تكون كمية النفايات القادمة من ورشات البناء كبيرة و تستغرق وقتا طويلا، مضيفا بأنه من النادر أن يحدث هذا لكن الأمل يبقى قائما ليفهم الناس مخاطر النفايات الصلبة و يتوقفوا عن تفريغها في الوسط الطبيعي.
و منذ بداية السنة الجارية 2022 استقبل المركز نحو اكثر من 2500 طن من النفايات الصلبة و الهامدة جاء بها مواطنون و بلديات و مؤسسات اقتصادية، و في سنة 2021 بلغ حجم النفايات التي تم ردمها بمركز بوزيتون اكثر من 61 ألف طن و في سنة 2020 استقبل المركز اكثر من 41 الف طن و في سنة 2019 اكثر من 67 الف طن.
و لا تعكس هذه الكميات الحجم الهائل الذي تنتجه ولاية قالمة من النفايات الصلبة و الهامدة، حيث تذهب كميات كبيرة من هذه النفايات إلى الطبيعة، في انتظار تفعيل قوانين حماية البيئة و ردع المخالفين حتى ينصاعوا و يكفوا عن إلحاق الأذى بالطبيعة.
نفايات و ردوم بناء حول مركز بوزيتون

على الطريق المؤدي الى مركز بوزيتون تنتشر النفايات المنزلية و ردوم البناء على نطاق واسع، يبدو انها قادمة من المدن المجاورة للمركز كالفجوج و هليوبوليس، بلخير و قالمة.
لا نحن و لا المشرفون على المركز نعرف لماذا تم إفراغ هذه النفايات هنا وسط الطبيعة و الحقول الزراعية عوض تفريغها بالمركز و بالمجان تقريبا، الواضح أن المواطن الجزائري مازال يتمادى في إلحاق الأذى بالطبيعة و لن تثير اهتمامه و حتى مخاوفه تلك القوانين الردعية الموجودة فقط على الورق، تنتظر من يفعلها على أرض الواقع.
و أين ما ذهبت بولاية قالمة تجد ردوم البناء على جوانب الطرقات و ضفاف الاودية و السدود و في الحقول الزراعية و المفارغ العشوائية المخصصة للنفايات المنزلية، كميات هائلة من مواد البناء ستبقى هناك في الطبيعة عقودا طويلة تلحق الأذى بمصادر المياه و التربة و الحياة البرية.
* محمد حياهم مدير مراكز الردم التقني للنفايات بقالمة
لا جدوى اقتصادية للمركز لكننا نتحدى من أجل البيئة

يقول محمد حياهم مدير مراكز الردم التقني للنفايات المنزلية و الصلبة الهامدة بقالمة متحدثا للنصر، بأن قوانين الصفقات العمومية و قوانين البناء و البيئة تفرض على المواطنين و أصحاب شركات البناء و الوحدات الصناعية المنتجة للنفايات الهامدة التوجه إلى مركز الردم التقني للتخلص من هذه النفايات بطريقة آمنة، و بمبلغ رمزي، لكن الكميات التي تصل المركز مخيبة للآمال، حيث تذهب كميات كبيرة على ما يبدو إلى مواقع التفريغ العشوائي على جوانب الطرقات و حتى في الاودية و الغابات و الحقول الزراعية.
و يضيف محمد حياهم بأن المركز يسلم شهادة لكل شركة بناء و وحدة صناعية ترمي نفاياتها الصلبة و الهامدة بالمركز، و تعد هذه الشهادة بمثابة سلوك جيد تجاه البيئة، و تسمح للمراقبين و حماة البيئة بمعرفة الوجهة التي أخذتها ردوم البناء و غيرها من النفايات الصلبة و الهامدة التي تحولت إلى خطر كبير على مستقبل البيئة بولاية قالمة.
و بالرغم من ضعف المداخيل المالية و تراجع الجدوى الاقتصادية لمركز بوزيتون لردم النفايات الصلبة و الهامدة بقالمة، فإن المشرفين عليه مصممون على المواصلة و رفع التحدي لإقناع المزيد من الملوثين بوقف الرمي العشوائي بالوسط الطبيعي، و التوجه نحو المركز حماية للبيئة التي تواجه مخاطر كبيرة في ظل النمو المتواصل للأنشطة الاقتصادية المنتجة للنفايات، و في مقدمتها شركات البناء و الوحدات الصناعية و المواطنين الذين يواصلون العداء تجاه البيئة دون رادع أو ضمير يؤنبهم و يثنيهم عن هذا العداء المثير للقلق.   
فريد.غ

 

الرجوع إلى الأعلى