تواجه البيئة الحضرية بالجزائر تحديات مثيرة للقلق في السنوات الأخيرة، و لم يعد الوسط الحضري بالكثير من مدن البلاد ملائما للصحة النفسية و الجسدية، و محفزا على السعادة و الرفاه الاجتماعي.

فريد.غ

و ليست النفايات و سوء التخطيط الهندسي للعمران وحدهما سبب المتاعب البيئية بالمدينة الجزائرية، فهناك عجز كبير بمرافق الرفاه الاجتماعي و الصحة النفسية المحفزة على التطور و الابتكار لدى الأفراد، حيث تعد المساحات الخضراء بالوسط الحضري من أهم مكونات البيئة الحضرية التي تعرف تطورا متزايدا لدى الكثير من المجتمعات عبر العالم، أين تتصدر الفضاءات الخضراء اهتمام الأطباء و علماء النفس و الاجتماع، و مصممي المدن و الضواحي الجديدة، و تكاد مساحات الحدائق العمومية و المنزلية الخاصة هناك أن تتجاوز المساحات المبنية في الاتجاهين الأفقي و العمودي، في تطور مذهل قد يعيد إنسان البيئة الحضرية المعاصرة إلى العيش بوسط أخضر صحي و محفز على الرفاه و الأداء الاجتماعي و الاقتصادي المفيد.  
و إدراكا منها لحجم المخاطر الناجمة عن إهمال الحيز الأخضر بالوسط العمراني، تعمل الجزائر على إعادة النظر في الكثير من القوانين لا سيما تلك المتعلقة بالعمران و البيئة الحضرية، في محاولة جادة لجبر أخطاء الماضي التي حولت المدن الجزائرية إلى كتل إسمنتية باهتة.
و قد جاء تعديل قانون تسيير المساحات الخضراء و حمايتها بالوسط الحضري 07-06 الصادر سنة 2007 كخطوة هامة نحو ترميم أخطاء الماضي و جبر المدن التي تعاني من التصحر الذي فرضه الاسمنت الكاسح، و سوء التخطيط الهندسي، و ما اصطلح على تسميته بأزمة العقار التي فرضت نفسها على الجميع بشمال البلاد على وجه الخصوص، و أجبرت مصممي المدن على خرق قواعد البناء و البيئة و الصحة و التعدي على المساحات المخصصة للحدائق العمومية و الغابات الحضرية التي كان من المفروض أن لا تخلو منها كل مدينة جزائرية حتى لا ينهار النظام البيئي الحضري و ترتفع مؤشرات التلوث و الأمراض المرتبطة بالمشكلات البيئية المعقدة.
و قد حظي القانون المعدل بموافقة غرفتي البرلمان و سيدخل حيز التنفيذ على أرض الواقع قريبا ليكون داعما قويا للبيئة الحضرية المتردية إذا تبنته الجماعات المحلية و المجتمع المدني بصدق، و سهرت كل الهيئات على تطبيقه بصرامة، و في مقدمتها البلديات و مكاتب الدراسات و مديريات البيئة و العمران و الصحة و السياحة و التربية و الثقافة، و غيرها من القطاعات المتدخلة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بالوسط الحضري.
و تتوقع وزارة البيئة أن يحدث التعديل الجديد أثرا إيجابيا على واقع المدن الجزائرية في المستقبل، و ذلك من خلال إدراج المساحات الخضراء في المخططات الهندسية الجديدة، و تهيئة و توسيع الحدائق العمومية القديمة، و إحصاء كل الفضاءات الشاغرة و تحويلها إلى مساحات خضراء و غابات حضرية، و زيادة نسبة المساحات الخضراء داخل المحيط العمراني، و تطوير و تفعيل آليات تسيير المساحات الخضراء و حمايتها من الاعتداءات، و الاستثمار فيها حتى تتحول إلى مورد بيئي ذي فائدة اقتصادية و صحية و اجتماعية.

و بينما تتراوح نسبة المساحات الخضراء ببعض مدن العالم بين 30 و 70 بالمائة فإنها تبقى في أدنى مستوى لها بالجزائر، و خاصة بالمدن الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة في خضم تدابير التخفيف من أزمة السكن المتفاقمة، حيث انصب الاهتمام على إنجاز المزيد من الوحدات السكنية، في حين تراجع الاهتمام بالمساحات الخضراء المنتجة للرفاه الاجتماعي الباعث على الابتكار و التطوير و التناغم الاجتماعي الإيجابي.
و قد تم إثراء التعديل بالمزيد من الإضافات و المقترحات المقدمة من طرف نواب البرلمان بغرفتيه، بينها إحداث لجان وزارية و محلية تعنى بإحصاء و تصنيف المساحات الخضراء بالوسط العمراني و كيفية تسييرها و حمايتها، و إدراج المحيطات الغابية المجاورة للمدن ضمن القانون المعدل حتى تكون جزءا من البيئة الحضرية الداعمة للتنوع البيولوجي و التربية و البحث العلمي، المنتجة للرفاه الاجتماعي و القيمة الاقتصادية و السياحية و الثقافية لسكان المنطقة.
و كلما توسعت المساحات الخضراء داخل المدن اعتدل المناخ و تراجعت حدة الانبعاثات الغازية و التلوث، و ازدهرت المهن الخضراء كالسياحة و البستنة و تجارة الورود و نباتات الزينة، و انفتحت آفاق جديدة أمام الشباب الراغب في الحصول على تكوين في مجال صيانة و تسيير المساحات الخضراء و الاستثمار فيها، و تحويلها إلى مقصد للسياح و الطلبة و الباحثين في مجال البيئة و التغيرات المناخية و التنوع البيولوجي بالوسط الحضري الأخضر.
فريد.غ

 

سواعد خضراء

الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية
دعم لجهود المحافظة على التنوع الإيكولوجي

تعمل الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية على دعم الجهد الوطني الرامي إلى المحافظة على السجل البيولوجي الثري، و حماية ما تبقى من مكونات الحياة البرية عبر مختلف مناطق البلاد من الصحراء و السهوب إلى الحزام الشمالي الأخضر، الذي يعد الأكثر ثراء و تنوعا، لكنه يتعرض للمزيد من المخاطر المؤثرة على مكوناته البيولوجية و الإيكولوجية.

يقول مراد حرز الله المكلف بالإعلام بالجمعية الفتية التي تأسست في شهر أكتوبر 2021 متحدثا للنصر، بأنها تعتمد على نخب من أساتذة و دكاترة جامعيين في اختصاصات متنوعة في عالم البيولوجيا، الفلاحة و حتى الطب و أساتذة تعليم ثانوي و متوسط و ابتدائي، و محترفي التصوير الفوتوغرافي، و الهواة  الذين كان همهم الوحيد تأسيس الجمعية و توثيق الحياة البرية، و المساعدة  في المحافظة على هذا الإرث الطبيعي الذي تزخر به بلادنا من تنوع حيواني ونباتي، وترسيخ قيم المواطنة الخاصة بحب الطبيعة وعناصرها، و ذلك من خلال  تنظيم ملتقيات وطنية ودولية، وندوات  وأيام دراسية تخص الحياة البرية، و القيام بخرجات ميدانية لتوثيق مكونات الحياة البرية، و تنظيم معارض وطنية لصور الحياة البرية في الجزائر، و بعث ورشات تكوينية خاصة بالتصوير وتقنيات التوثيق، إلى جانب تمثيل الحياة البرية الجزائرية في المحافل الدولية، و المشاركة في إثراء النصوص و المقترحات الخاصة بحماية البيئة و مكوناتها عبر مختلف مناطق البلاد.
و تتوفر الجزائر ذات المساحة الشاسعة على تنوع بيولوجي ثري، من نباتات و طيور و حيوانات و زواحف تعيش في البرية و الوسط المائي، لكن هذا الثراء الذي عمر ملايين السنين بات مهددا بالانكماش مع مرور الزمن، و بدأ الحديث منذ عقود طويلة على مستقبل الأصناف و المكونات البيولوجية النادرة، و تلك المعرضة للانقراض، من نباتات و طيور و حيوانات، ظلت تدعم التنوع، و تثري النظام الايكولوجي المكون من التربة و المياه و الهواء.  
فريد.غ

 

الرجوع إلى الأعلى