هكذا تُحضّر الجزائر لاكتساب طاقة المستقبل

* إمكانيـــات هائلـــة تثيـــر اهتمــام السوق الأوروبـــي

سرّع التطرف المناخي وما فرضه من حتمية تقليل انبعاثات الكربون، من تحوّل الدول نحو الطاقات النظيفة التي يتوقّع أن يتضاعف الطلب عليها بحلول عام 2030، فيما يعتبر الهيدروجين الأخضر أحد أهم ركائز هذا التوجه العالمي، باعتباره وقودا مستقبليا خاليا من الانبعاثات ومخزنا للطاقة. وقد انتبهت الجزائر إلى أهمية قطاع الهيدروجين النظيف عبر إبرام شراكات استراتيجية لنقل التكنولوجيا والخبرات ودراسة سبل التحوّل إلى فاعل إقليمي رئيسي في المجال، حيث يعتقد المختصون أنه بإمكان الجزائر أن تصبح مصدّرا رئيسيا للهيدروجين إلى أوروبا، بالنظر إلى موقعها الجغرافي والموارد الطبيعية الهائلة والبنية التحتية التي تتوفر عليها.

أعدت الملف: ياسمين بوالجدري

وسط تنافس عالمي محتدم بين الصين وأوروبا ودول القارة الأمريكية، ضمن ما بات يُعرف بـ «سباق الهيدروجين» المتزامن مع اتجاه دول العالم لمصادر الطاقة النظيفة، دخلت الجزائر على الخط بقوة من خلال وضع استراتيجية لخلق مصادر جديدة للطاقة النظيفة، وقد اعتبرت السلطات العليا في البلاد هذا التوجه الجديد بالمهم، خاصة وأن العالم يسير اليوم نحو طاقة الهيدروجين الأخضر.
بديل نظيف للوقود الأحفوري
وفي ظل تزايد مخاطر التغير المناخي وظهور تأثيراته المباشرة على الدول، يزداد الاهتمام العالمي بالطاقة النظيفة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة، وقد أورد تقرير لهيئة الأمم المتحدة أن جزءا كبيرا من الغازات الدفيئة التي تحيط بالأرض وتحبس حرارة الشمس من خلال إنتاج الطاقة، يتم توليدها عن طريق حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والحرارة.
ويسبب الوقود الأحفوري أكثر من 75 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تطالب هيئة الأمم المتحدة بخفضها بمقدار النصف تقريبا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر عام 2050 من خلال الاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتاحة وفي المتناول، وكذلك مستدامة وموثوقة.ولا يزال الوقود الأحفوري يمثل أكثر من 80 في المائة من إنتاج الطاقة العالمي، لكن مصادر الطاقة الأنظف تزداد حضورا، فحوالي 29 بالمائة من الكهرباء تأتي حاليا من مصادر متجددة، بحسب تقرير أممي، كما أن تكاليف تكنولوجيات الطاقة المتجددة تنخفض بسرعة، سواء تعلق الأمر بالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية أو الرياح البرية والبحرية.
ما هو الهيدروجين الأخضر؟
ويعتبر الهيدروجين أصغر وأبسط جزيء، لكنه يتمتع بإمكانات هائلة بوصفه وقودا نظيفا يمكن استخدامه في إحداث تحول الطاقة العالمي، فهو ناقل طاقة متعدد الاستخدامات، ويمكن إنتاجه من جميع موارد الطاقة تقريبا. وتتمثل عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية، في تعريض الوقود الأحفوري للبخار، ويُطلق عليه الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بالهيدروجين الأزرق، أما الهيدروجين الأخضر فيتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلات تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أية انبعاثات، وهي آلات يمكن أن تشتغل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.ويمكن استخدام الهيدروجين الأخضر لتشغيل المركبات أو إنتاج الكهرباء أو توليد الحرارة، وقد يكون مادة خام أولية أو وحدة أساسية في المنتجات الكيميائية الأخرى، مثل الأمونيا والميثانول، وهو أيضا ناقل للطاقة خال من الكربون، يُتوقع أن يكون له دور مهم في تحقيق الانبعاثات الصفرية الصافية بحلول منتصف القرن.
ارتفاع الطلب إلى 115 مليون طن بحلول 2030

ويُظهر تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة قبل بضعة أشهر، أن الطلب على الهيدروجين بلغ 94 مليون طن في عام 2021، بما يعادل حوالي 2.5 بالمئة من الاستهلاك النهائي العالمي للطاقة، كما يمكن أن يصل إلى 115 مليون طن بحلول عام 2030، رغم أن أقل من 2 مليون طن ستأتي من الاستخدامات الجديدة، وسط حاجة إلى اتخاذ إجراءات أسرع للوصول إلى هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050، خصوصا في قطاعات الصناعات الثقيلة والشحن والطيران والنقل الثقيل، فيما تضاعفت قدرة تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي المستخدمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، منذ العام الماضي، لتصل إلى ما يقرب من 8 جيغاوات في السنة، كما أن 90 في المائة من كهرباء العالم يمكن أن تولد من الطاقة المتجددة مع منتصف القرن الحالي. ونشرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تقريرا تحت عنوان «هل يمكن أن تؤدي طفرة الهيدروجين الأخضر إلى طاقة متجددة إضافية بحلول عام 2026؟»، وذكرت فيه أن غالبية المشاريع المخطط لها موجودة في محطات الرياح الهجينة والطاقة الشمسية الكهروضوئية والبطاريات، كما أعلنت الشركات والدول الكبرى عن خطط لتوسيع الهيدروجين الأخضر خلال العقدين المقبلين، وتم على الصعيد العالمي، الإعلان عن ما يقارب 30 مليار دولار أمريكي من الإعانات الحكومية بهذا القطاع، فيما تبرز تحديات تمويلية تتعلق ببرمجة المشاريع، إذ تظل تكلفة إنتاج الهيدروجين من الكهرباء المتجددة أعلى من بدائل الوقود الأحفوري، ما يجعل تطوير سعة جهاز التحليل الكهربائي أمرا أساسيا لتخفيض التكلفة.
توجه لخلق مصادر جديدة للطاقة النظيفة
وفي هذا الإطار، يعتقد خبراء أن الجزائر قادرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف جد تنافسية في وجود نسيج صناعي لإنتاج الهيدروجين والأمونيا، وهو ملف استراتيجي بالنسبة للأمن الطاقوي للجزائر على المدى البعيد، وقد تم إدراجه للدراسة من قبل المجلس الأعلى للطاقة الذي تم إنشاؤه في أفريل 2022 من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
ومن مهام المجلس متابعة وتقييم تنفيذ المخططات ذات المدى البعيد لتطوير الهياكل القاعدية لاستحداث الطاقات الجديدة والمتجددة، و «وضع الاستراتيجيات الواجب إتباعها في ما يتعلق بالانتقال الطاقوي نحو نموذج وطني جديد لإنتاج واستهلاك الطاقة حسب الموارد الطاقوية والمنجمية الوطنية والالتزامات الخارجية والأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى للبلاد»، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية.
وضمن هذا المسعى، أعلنت شركة سوناطراك شهر جانفي الماضي، عن التوقيع على مذكرتي نوايا استراتيجيتين مع «إيني» الإيطالية، خلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية للجزائر، وذلك لتحديد المشاريع المشتركة المستقبلية المتعلقة بإمدادات الطاقة والانتقال الطاقوي وتحييد الكربون، مع رفع قدرة نقل الغاز الحالية عبر مد خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي والهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء بالتناوب.
وفي نهاية العام الماضي، وقّع مجمع سوناطراك الذي يمتلك تجربة في إنتاج الهيدروجين الرمادي، على مذكرة تفاهم مع شركة الغاز الألمانية «في أن جي- آ جي»، من أجل دراسة إنجاز مشاريع في مجال الهيدروجين والأمونيا الخضراء بهدف تصديرهما نحو ألمانيا وكذا دراسة إمكانيات التخزين والنقل، وهو اتفاق يدخل ضمن أول مشروع نموذجي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة تقدر بـ 50 ميغاواط.
وسيسمح هذا الاتفاق الاستراتيجي بتحويل التكنولوجيا والخبرات الألمانية لفائدة الإطارات الجزائرية من أجل التمكن من الانتقال إلى مرحلة الإنتاج التجاري لكميات أكبر من الهيدروجين الأخضر ابتداء من سنة 2030، وانطلاق التصدير نحو أوروبا، خصوصا أن الأخيرة سوق واعد يتجه لتنويع مصادر الطاقة في ظل أزمة الطاقة التي تشهدها بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
موارد كبيرة وتوفُر للمنشآت قاعدية
ويجري التحضير لورقة طريق وطنية لاستراتيجية تطوير الهيدروجين في الجزائر، من طرف مجموعة عمل تضم عددا من الوزارات المعنية، وقد تم استحداث هذه المجموعة في نوفمبر 2021 تنفيذا لتعليمات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وينتظر منها إعطاء رؤية أوضح للسياسات والتنظيمات والإجراءات التحفيزية لصالح هذا القطاع.وتتوفر الجزائر على موارد هائلة من الطاقة الشمسية التي تستخدم في إنتاج الهيدروجين الأخضر، فأكثر عن 75 بالمئة من مساحتها تتلقى كل ساعة ما يفوق 2400 كيلواط من الطاقة الشمسية للمتر المربع الواحد، بما يكفي لاستعمال سنة كاملة من جميع أنواع الطاقة، بحسب الخبراء.
وتتمتع الجزائر أيضا بمنشآت قاعدية وشبكات واسعة ومندمجة لنقل الكهرباء والغاز عبر البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من موقعها الاستراتيجي، وتتوفر كذلك على احتياطيات كبيرة من المياه، وعلى قدرات كبيرة في البحث والتطوير، إضافة إلى خبرتها الطويلة في التكنولوجيات المستخدمة في إنتاج الهيدروجين وشراكاتها مع الشركات العالمية، ما يسمح بالاندماج السريع في الديناميكيات الإقليمية لتطوير الهيدروجين.


* الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي
خبرة سوناطراك تسمح للجزائر بتصدر سباق الهيدروجين
وفي هذا الصدد، يثمن الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي، البروفيسور مراد كواشي، اتجاه الجزائر للاستثمار في الهيدروجين الأخضر وإبرام اتفاقات عديدة مع دول آخرها إيطاليا، مضيفا أن الاستثمار في الطاقات البديلة والمتجددة مهم جدا على غرار الطاقة الشمسية في صحراء الجزائر والتي سوف تكون في المستقبل «بطارية أوروبا».
ويتابع الخبير الاقتصادي في حديثه للنصر، بأن هناك توجها عالميا نحو الطاقات البديلة والمتجددة، وهو حتمية تفرض على الجزائر التحول نحو الهيدروجين الأخضر، كما أشاد بالأوامر التي أسداها رئيس الجمهورية منذ أشهر، بخصوص ضرورة التوجه نحو استغلال هذا المورد الهام والذي يعتبر مستقبل الطاقة البديلة في الجزائر، مردفا بالقول «الطاقات الأحفورية من غاز أو بترول ستنضب يوما ما، لذلك يجب التفكير بجدية في الطاقات المتجددة والتي يأتي على رأسها الهيدروجين الأخضر».  ويرى البروفيسور كواشي أن الاستثمار في الهيدروجين الأخضر من شأنه تحقيق مكتسبات اقتصادية هامة جدا للجزائر على المديين المتوسط والبعيد، مؤكدا في الوقت ذاته أن بلادنا أمام رهانات هامة وكبيرة لتحقيق «المزيج الطاقوي»، فهي معنية، مثلما أكد، بزيادة إنتاج الطاقات التقليدية والأحفورية من غاز وبترول للوفاء بالتزاماتها اتجاه الشركاء الأوروبيين واغتنام فرصة ارتفاع الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، ومن جهة ثانية، يجب وضع استراتيجية استشرافية لاستغلال الطاقات المتجددة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، وكذلك الطاقة الشمسية والغاز الصخري.
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأنه ينبغي عدم إغفال الاهتمام بالطاقات المتجددة باعتبارها «مستقبل الأمن الطاقوي الذي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري والأمن الغذائي»، يحدث ذلك حسبه، وسط تسابق عالمي ومنافسة شرسة لاستغلال وإنتاج الهيدروجين الأخضر، حتى من دول عربية كالسعودية ومصر.
ويضيف كواشي بأن الجزائر يجب أن تكون في مقدمة هذا السباق، على اعتبار الخبرة التي تكتسبها في هذا المجال، خاصة شركة سوناطراك التي تعتبر من كبريات شركات الطاقة عالميا بالنظر إلى الخبرة والتكنولوجيا والإمكانيات البشرية الهائلة التي تتوفر عليها وتجعلها مطالبة بأن تكون حريصة على الاستثمار في الطاقات المتجددة وأولها الهيدروجين الأخضر، يختم الخبير الاقتصادي.
   ي.ب

الخبير الدولي في الطاقات المتجدّدة محمد غزلي
الهيدروجين الأخضر مستقبل الطاقة العالمي والجزائر تتوفر على إمكانيات هائلة
يعتقد الخبير الدولي في الانتقال الطاقوي وتكنولوجيات الطاقات المتجددة، محمد غزلي، أن اقتصاد الهيدروجين سوف يصل قريبا إلى منازلنا، باعتباره يوفر حلولا نظيفة وفعالة في قطاعات مهمة كالنقل وتوليد الكهرباء والتدفئة، متوقعا أن يزداد الطلب عليه ليصل إلى 600 ميغا طن سنويا بحلول عام 2050، كما يؤكد غزلي العامل بمركز بحث وتطوير في شركة مختصة بألمانيا، أن الهيدروجين الأخضر الذي قال إن الجزائر تتوفر على إمكانيات هائلة لإنتاجه، سوف يلعب دورا خاصا في هندسة الطاقة في المستقبل، ما يتطلب وضع استراتيجية مدروسة للبنية التحتية والعمل على خفض تكاليف هذا الاستثمار النظيف الذي يساهم في الحماية من تأثيرات التغيّر المناخي.

حاورته: ياسمين بوالجدري

في البداية، هلا شرحت ما هو الهيدروجين الأخضر وما الذي يجعل منه ذهب المستقبل مثلما يصفه الخبراء؟
الهيدروجين هو العنصر الأكثر شيوعًا في الكون، وهو الأخف وزناً من بين جميع الغازات، كما أنه ليس سامًا، وليس أكالًا، ولا يشتعل ذاتيًا، ويحترق في بخار الماء دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون.
يحتوي الهيدروجين على كثافة طاقة منخفضة، نظرًا لوزنه المنخفض للغاية مقارنة بالميثان، لكن قيمته الحرارية أعلى بكثير عند حوالي 33 كيلو واط في الساعة، حيث يلزم حوالي 55 ميجاوات في الساعة من الطاقة الكهربائية لتوليد طن واحد من الهيدروجين.
لهذه الأسباب يعتبر الهيدروجين الأخضر صديقا للبيئة
يمكن نقل الهيدروجين بكميات كبيرة في خطوط الأنابيب وتخزينه في مرافق تخزين الغاز، أما إذا كان مصدرا للطاقة، فيمكن استخدامه في الصناعة ومن قبل المستخدمين النهائيين في خلايا الوقود لتطبيقات التنقل والتدفئة أو لتوليد الكهرباء في التوربينات.
الهيدروجين الأخضر كذلك بمثابة مادة خام ومورد للعديد من التطبيقات الصناعية ويمكن توليده بطرق مختلفة، والعمليتان الأكثر شيوعا لإنتاجه هما التحليل الكهربائي للماء القلوي والتحليل الكهربائي بغشاء البوليمر بالكهرباء.
لماذا يُعتبر صديقا للبيئة؟
يوفر الهيدروجين الأخضر إمكانية إزالة الكربون بشكل دائم من مشهد الطاقة والامتثال للأهداف المناخية من خلال إنتاجه الخالي تماما من ثاني أكسيد الكربون، إذا علمنا أنه يتم إنتاج قرابة تسعة أطنان من ثاني أكسيد الكربون لإنتاج طن واحد من الهيدروجين من الميثان.
ينتج عن إنتاج غاز الهيدروجين من الغاز الطبيعي وهي الطريقة السائدة حاليًا، انبعاثات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري، وعلى النقيض من ذلك، لا يطلق الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة ثاني أكسيد الكربون، وبذلك يقدم الهيدروجين الأخضر مساهمة مهمة في حماية المناخ.
ما الفرق بينه وبين بقية أنواع الهيدروجين؟
الهيدروجين الأزرق هو المنتَج بالوقود الأحفوري، مثل الغاز الطبيعي، حيث يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون الناتج أثناء عملية إنتاج الهيدروجين وفصله وتخزينه تحت الأرض، أما الهيدروجين الأخضر فيأتي بواسطة التحليل الكهربائي للماء على أساس الطاقة المتجددة. الهيدروجين الرمادي هو الشكل الأكثر شيوعا لإنتاج الهيدروجين، ويتكون الرمادي من الغاز الطبيعي، أو الميثان، باستخدام إعادة تشكيل بخار الميثان ولكن دون التقاط الغازات الدفيئة الناتجة عن العملية.
العالم ينتج سنويا 75 مليون طن
ماذا عن تكاليف الإنتاج، هل هي أقل مقارنة بالوقود؟
نعم، إنتاج وقود الهيدروجين أرخص منه في البنزين. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنتج الوحيد لوقود الهيدروجين هو الماء النقي، مقارنة بثاني أكسيد الكربون الضار الناجم عن محركات الاحتراق الداخلي في العملية التقليدية.
يتم إنتاج حوالي 75 مليون طن من الهيدروجين سنويا في جميع أنحاء العالم، نسبة 95 بالمئة منها في المصافي وتوجه لصناعة الأسمدة ومصانع البتروكيماويات كمواد خام لمزيد من المعالجة في مختلف فروع الصناعة. بصرف النظر عن الصناعات المتخصصة، فإن الهيدروجين غير مستخدم حتى الآن على نطاق أوسع كمصدر للطاقة.
ترتبط تكلفة الإنتاج ارتباطا مباشرا بتكلفة الكهرباء من المصادر المتجددة، لذلك فهي المحرك الرئيسي لخفض تكاليف الإنتاج، إذ يتوقع الخبراء أن تستمر في الانخفاض حيث تصل كلفة الطاقة الشمسية إلى 10 دولارات لكل ميغاواط في ساعة، ومن المتوقع كذلك أن تنخفض تكاليف أجهزة التحليل الكهربائي بشكل كبير بمرور الوقت.
إذن، ما المطلوب اليوم لجعل الهيدروجين الأخضر أكثـر استخداما كمصدر للطاقة؟
لجعل الطاقات المتجددة قابلة للاستخدام عالميا بمساعدة الهيدروجين الأخضر، يلزم وجود بنية تحتية لشبكة التخزين والنقل يمكنها تلبية احتياجات الأشغال والاستهلاك بشكل فعال وموثوق بغض النظر عن كيفية توليد الهيدروجين.
لبنة أساسية لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي
هناك العديد من العمليات التقنية لهذا الغرض، على سبيل المثال أن يكون الهيدروجين كغاز في حاويات عالية الضغط، أو كغاز مسال في حاويات معزولة حراريًا، أو معالجته لاحقا إلى ميثانول أو أمونيا في صورة سائلة، أو مذاب كيميائيًا في وسط ناقل باستخدام ما يسمى ناقل الهيدروجين العضوي السائل.وخلافا للاعتقاد الشائع، فإن كثافة طاقة النقل للهيدروجين أقل قليلاً من كثافة الغاز الطبيعي، لذلك فإن التحول من الغاز الطبيعي إلى الهيدروجين له تأثير ضئيل على قدرة خط الأنابيب على نقل الطاقة.
يعيش العالم اليوم تسابقا لإنتاج الهيدروجين خصوصا في ظل التهديدات المناخية التي تفرض أكثـر التوجه نحو الطاقات النظيفة. ما قراءتك للمشهد؟
الهيدروجين هو لبنة أساسية لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي في سياق حماية المناخ، ويظهر بشكل متزايد كحامل طاقة محتمل محايد مناخيا، حيث تخطط العديد من الحكومات وصناع القرار لتوسيع البنية التحتية والدخول في شراكات استراتيجية ووضع أهداف واضحة من أجل دمج الهيدروجين في جميع مجالات الاقتصاد وجعله قادرا على المنافسة.
صناعة الهيدروجين لا تؤثر على الأمن المائي
لقد حدد الاتحاد الأوروبي مؤخرا أهدافه المناخية بشكل كبير، والمزيد من البلدان والشركات في جميع أنحاء العالم تبذل جهودا للحد بشكل كبير من انبعاثاتها. في ألمانيا مثلا، ينصب التركيز على الصناعات الكيميائية والبتروكيماوية وإنتاج الصلب، وكذلك على الشاحنات والحافلات والطيران، بينما تركز فرنسا على استبدال الهيدروجين القائم على الكربون في القطاعات الصناعية القائمة مثل التكرير والمواد الكيميائية والصناعات الزراعية، كما تهدف إلى تنفيذ مشاريع رائدة في قطاعي الملاحة البحرية والطيران، ويريد كلا البلدان أن يصبحا المنتجين الرئيسيين لأجهزة التحليل الكهربائي.
من المتوقع أن يزداد الطلب المحلي السنوي على الهيدروجين، وهو مصدر الجيل التالي من الطاقة النظيفة، إلى 1.94 مليون طن في عام 2030 وأكثر من 5.26 مليون طن في 2040.
ما هي أهم الاستخدامات العالمية للهيدروجين حاليا وإلى أي حد تتطور تطبيقاته؟
تستأثر المصافي والصناعات الكيماوية بأكبر حصة من الاستخدام بحوالي 85 بالمئة، ومن هذه النسبة، يُستخدم ما يقرب من 30 إلى 40 بالمئة في عمليات المصفاة، و 25 بالمئة في إنتاج الأمونيا و20 بالمئة في إنتاج الميثانول، في حين تساهم الصناعات التمثيلية الأخرى مثل صناعة الزجاج وأشباه الموصلات وإنتاج البلاستيك ومعالجة المعادن وصناعة الأدوية بأقل من 1 بالمئة في استخدام الهيدروجين. خاصية الهيدروجين لتخزين الطاقة المتجددة بكفاءة عالية واستخدامها بطريقة صديقة للبيئة بعيدا عن مولد الطاقة، تجعله أحد أهم التطبيقات المستقبلية في مجال التنقل، عبر الاحتراق المباشر في المحركات العادية كبديل للبنزين والديزل، واستخدام خلايا الوقود وتحويل الهيدروجين الأخضر إلى وقود اصطناعي لاستخدامه في محركات الاحتراق.
يمكن أيضا تحويل الهيدروجين الأخضر مرة أخرى إلى كهرباء باستخدام الطرق المعتادة لتوليد الكهرباء للغاز الطبيعي، أي في توربينات الغاز أو محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة أو بمحركات الاحتراق، لاسيما في أوقات زيادة الطلب على الكهرباء وانخفاض إنتاج الكهرباء المتجددة، مع ذلك، لا تزال هناك حاجة لمزيد من البحث من أجل تقليل التكاليف وجعل الهيدروجين الأخضر متاحا بسعر أرخص.
أحد أهم التطبيقات المستقبلية في مجال النقل
يُعتبر الماء شرطا ضروريا في إنتاج الهيدروجين الأخضر. هل تتطلب هذه العملية كميات كبيرة من المياه وبجودة معينة؟
هناك ثلاثة أنواع من الماء المستخدم في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي الماء عالي النقاوة المستخدم كمادة وسيطة للمحلل الكهربائي، مياه التبريد والماء الخام. تختلف كمية المياه عالية النقاوة المستخدمة في التحليل الكهربائي عن الخام المستخرجة من البيئة، والجودة تختلف كذلك.
ويحتاج المحلل الكهربائي إلى تحويل 9 لترات من الماء النقي جدا إلى 1 كيلوغرام من الهيدروجين، ويمكن الحصول على هذه المياه من عدة مصادر، في حين أن معظم المشاريع التي نراها اليوم تستخدم شبكة مياه الشرب، لكن مع زيادة حجم مصانع الهيدروجين، يصبح هذا المشروع غير مستدام، وبالتالي يجب الحصول عليها من مكان آخر. مصادر المياه الخام الأكثر شيوعا لمشاريع الهيدروجين واسعة النطاق هي المياه الجوفية، معالجة مياه الصرف الصحي ومياه البحر.
عموما لا تؤثر صناعة الهيدروجين سلبا على الأمن المائي أو الصناعات المائية الثقيلة الأخرى، حيث يتضمن إنتاجه من الموارد المتجددة التحليل الكهربائي للماء، بتقسيم الشحنة الكهربائية لجزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين.
أما المخاوف بشأن ندرة المياه العذبة فتتطلب تخفيضات في استخراج المياه، لذلك ينبغي الاستفادة من موارد المياه المالحة الواسعة للأرض. من الضروري كذلك أن نحدد بدقة المتطلبات المائية الحقيقية لتقنية التحليل الكهربائي، دون التأثير على احتياجات المياه للبنية التحتية الحالية غير المتجددة.
تتوفر الجزائر على بنية تحتية وطاقة شمسية هائلة تسمح لها بالدخول بقوة في سباق الهيدروجين وقد أعلنت السلطات عن خطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ووقعت اتفاقيات شراكة مع عدد من الدول آخرها إيطاليا. ما رأيك في هذه الإجراءات وما المطلوب لتحقيق نمو أكبر لسوق الطاقات المتجددة؟
لقد تم وضع خرائط طريق شاملة وقطاعية في إطار شراكة الطاقة الجزائرية الألمانية والإيطالية من أجل تحديد الإمكانات التقنية والتجارية لتقنيات الطاقة والتصدير والصناعات ذات الصلة في الجزائر، وتقديم  خارطة طريق لتأسيس صناعة طاقة متجددة شاملة في الجزائر خلال العقود القادمة في أفق 2030 و 2050، بما في ذلك تقييم جدواها ومواءمة تنميتها القطاعية.
تحتاج الجزائر إلى تغيير جوهري في عدة مجالات من أجل تلبية الزيادة في الطلب على الطاقة بما يتماشى مع نمو الناتج المحلي الإجمالي والسكان ومع تلبية أهداف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في البلاد كجزء من اتفاقية باريس، ويشمل ذلك على سبيل المثال، الكهرباء والنقل نحو استخدام مصادر طاقة أنظف.
حلول في قطاعات التدفئة والكهرباء
سيكون تنويع مصادر الطاقة ضروريا لضمان مرونة العديد من القطاعات، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي زيادة حصة الطاقات المتجددة، وإنتاج الهيدروجين أو مشتقاته، والترويج للسياسات الداعمة في هذا المجال.
لا بد أيضا من تحديد خارطة طريق الهيدروجين الأخضر والإجراءات التي يجب اتخاذها، بما يساهم في إزالة الكربون عن العديد من القطاعات وتقليل الاعتماد المحتمل على الواردات في المستقبل، وبالتالي تحقيق الأهداف الوطنية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مع وجوب ملاءمة احتياجات الاستثمار الجزائرية لسياسات القروض الخضراء المحتملة من المؤسسات المالية المحلية أو الدولية، وسيسمح الإنتاج المستدام للهيدروجين بالتصدير إلى الاتحاد الأوروبي مما سيزيد من حصة الصادرات غير الهيدروكربونية.
ما تقديرك للإمكانيات التي تتوفر عليها الجزائر في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر؟
تتوفر الجزائر على إمكانات هائلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر وبعض مشتقاته، ويرجع ذلك إلى الإمكانات الجيدة للطاقة المتجددة، لاسيما الخلايا الكهروضوئية، كما توجد في الجزائر بنية تحتية كبيرة لإنتاج أو استخدام أو تصدير الوقود الأحفوري، والذي يمكن استخدامه بنجاح، على الأقل جزئيا، في صناعة الهيدروجين الأخضر، ومنها خطوط الأنابيب الخاصة بتصدير الغاز الطبيعي.يمكن في بعض القطاعات الصناعية القائمة، مثل المصافي أو على وجه الخصوص قطاع الكهرباء، استخدام الهيدروجين الأخضر على المدى القصير، وفي أفق 2030 سيكون قطاع النقل، القطاع المحتمل آخر لاستخدام الهيدروجين الأخضر.

إنتاج الأمونيا الخضراء كمشتق من الهيدروجين يبدو واعدا كذلك، فباعتبارها جزيئا خال من الكربون، اكتسبت اهتماما عالميا كبيرا لأنها مرشحة مستقبلا للانتقال نحو الطاقة المتجددة، ولقد تم تطوير العديد من تطبيقات الأمونيا كوقود لتوليد الطاقة، والنقل الثقيل، وتخزين الطاقة النظيفة، حيث يتم إنتاج الأمونيا الخضراء حصرا من  الطاقة المتجددة، عبر جمع النيتروجين من الهواء والهيدروجين.
مع توقع زيادة الطلب العالمي على الهيدروجين، ما هي أكبر التحديات التي تواجه هذا السوق الواعد؟
بوجود المزيد من البلدان التي تجعل الهيدروجين جزءًا من أجندة الطاقة الخاصة بها، يمكن أن يصل اقتصاد الهيدروجين قريبا إلى منازلنا، مما يوفر حلولا نظيفة وفعالة وخالية من الكربون للنقل وتوليد الكهرباء والتدفئة المركزية وحتى الطهي.يتمثل التحدي الأكبر حاليا في تحديد تطبيقات الهيدروجين، فالتكنولوجيا تتطور بوتيرة سريعة، مع ذلك، هناك عدد قليل من المشاريع التجارية، كما يصعب على بعض القطاعات، مثل صناعة الصلب أو الكيماويات أو النقل، تحقيق أهداف المناخ والانبعاثات بدون غاز.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى