جبال سطيف موقع مثالي لإنشاء محمية طبيعية

 

استطاع ابن ولاية سطيف، مهدي كباب البالغ من العمر 37 سنة، والمتخصص في أمراض الأنظمة البيئية، أن يكون أول شخص يستخدم تقنية « call in» للنداء والوصول إلى الأسود المفترسة بأكبر محمية تضم مختلف أنواع الحيوانات المفترسة على مستوى أدغال إفريقيا الغربية، كما يسعى حاليا بالتعاون مع أصدقاء له إلى تحويل جبال « أبو طالب» بسطيف إلى محمية طبيعية.

رميساء جبيل

التكنولوجيا ضرورية لدراسة سلوك الحيوان
ـ أجريت تربصا لمدة سنة بأكبر محمية طبيعية على مستوى القارة الإفريقية، حدثنا عن هذه التجربة ولماذا اخترت هذه المنطقة تحديدا ؟
ـ مهدي كباب: فعلا كان تربصا مهما بمحمية « w « بإفريقيا، خضعت له بين سنتي 2014 و 2015، بناء على رغبتي في الحصول على خبرة ميدانية خارج إطار المعلومات النظرية التي كونتها من خلال دراستي لتخصص الأنظمة البيئية بجامعة فرحات عباس بسطيف، كما كان الهدف منه أيضا هو الاقتراب من الحيوانات البرية ودراسة سلوكها نظرا لحبي الشديد لها و فضولي بخصوصها.
أما اختياري لهذه المحمية تحديدا من أجل التربص والتعلم، فقد كان انطلاقا من كونها أكبر محمية طبيعية على مستوى القارة السمراء، حيث توجد في الجهة الغربية على حدود ثلاث دول متجاورة هي بوركينافاسو والنيجر والبنين، وتحتضن فوق أراضيها حيوانات جد نادرة وأخرى مهددة بالانقراض على غرار الفهد والنمر والأسد والفيل والزرافة، ورغم تنوع الثروة الحيوانية هناك، إلا أنني قررت التركيز على دراسة الأسود، و كان سلوكها موضوعا لبحث أعددته بعنوان « المتابعة البيئية للحيوانات المفترسة وبالخصوص الأسود».

وفي خضم هذا التربص، كانت لي فرصة المساهمة في إعداد برنامج ومشروع سنوي مدعم من طرف الاتحاد الأوروبي دام مدة شهر كامل، و هدفه إحصاء الحيوانات البرية.
ـ هل ساعدك هذا التربص في تطوير مهاراتك وتوسيع معارفك؟
ـ نعم ساعدني وبشكل كبير، فمن خلال هذه التجربة استطعت الاحتكاك بالحيوانات البرية بشكل مباشر وأن أكون على مقربة منها، و اتسعت دائرة معارفي وخبراتي حول المجال البيئي، خصوصا بعدما التقيت بباحثين أجانب هناك، كما استطعت في هذه المدة الانفتاح على عالم البرمجيات والتكنولوجيات المستعملة في تتبع وتقفي أثر الحيوانات البرية وكذا توثيقها وإحصائها، فبالرغم من قلة الإمكانيات التي تتوفر عليها المنطقة وصعوبة العمل، إلا أن التجربة تبقى ممتعة ومفيدة بالعموم.
ـ فيما تكمن صعوبة هذه التجربة؟
ـ نقص الإمكانيات والوسائل، مع غلاء سعر الوقود الذي كنت أضطر إلى تحمل تكاليفه من أموالي الخاصة، ناهيك عن الحرارة المرتفعة وطول المسافة نحو المحمية، التي تبعد عن مقر إقامتي بحوالي 150 كيلومترا تقريبا، فضلا عن الخطر الذي يتربص بالمختصين كوننا نعمل في بيئة برية ومتوحشة، و لذلك فقد كنت أضطر دوما للخروج مع شخص مسلح خوفا من أي هجوم قد نتعرض له في أي لحظة.
هكذا تواصلت مع الأسود الإفريقية
ـ ما هي أهم الوسائل التي اعتمدت عليها في تقفي أثر الحيوانات والوصول إليها رغم كبر مساحة المحمية؟
ـ اعتمدت كثيرا على تطبيق « جي بي أس « لتتبع الحيوانات البرية وترقب أثرها، إلى جانب استخدام البوصلة لتحديد الاتجاهات على مستوى المحمية.كما استخدمت تقنية  call in من أجل الوصول إلى الأسود التي كانت تتواجد على مستوى المحمية بأعداد قليلة، ما يصعب الالتقاء بها أو مصادفتها فكنت بذلك أول باحث بالمحمية، يعتمد هذه التقنية التي تقوم بالأساس على النداء، تماما كما تفعل الحيوانات فيما بينها، حيث طبقتها لتقفي أثر الأسود ليلا.
قمت في بادئ الأمر بتحميل زئير الأسد من اليوتيوب و بثه عن طريق مكبرات صوت أوزعها على مناطق معينة، حيث كنت أطلق صوت لبؤة أو أسد بشكل عال للمناداة على بقية أفراد القطيع، و انتظر قدومهم و قد نجحت الفكرة فعليا في العديد من المرات.
حاولت أن أدرس جانبا من سلوك الحيوانات، لكن قلة الإمكانيات و انعدام بندقية تخذير، حال دون تعمقي في دراستها من خلال التقرب منها بشكل مباشر، ولو توفرت لدي لكنت حظيت بفرصة أكبر لتعيين و ترقيم الحيوانات و تتبع تحركاتها من خلال شريحة ذكية نثبتها عليها نحن الباحثون لنميز بين أفراد القطيع، و نستطيع إحصاء الأسود المتواجدة بالمنطقة.
تساعدنا هذه التقنية كذلك، على معرفة وضعية الحيوان على سلم التهديد والانقراض، كونها تقدم لنا معطيات عن الأعداد حسب القطعان و حسب الجنس، ومن خلال جملة المعطيات التي نتحصل عليها يمكننا المساهمة في حماية الحيوانات ومضاعفة التزاوج و زيادة القدرة على إدماجها أكثر في محيطها.
أوضح هنا، أن هذه البحوث والدراسات تدخل دائما في إطار حماية الثروة الحيوانية أو النباتية في إفريقيا، خاصة وأنها تعرف تناقصا مستمرا مع مرور السنوات، لأسباب مختلفة منها تدخل الإنسان وممارسته للصيد الجائر.
ـ ما هي أهم الوسائل التي يحملها  باحث مطارد للأسود داخل حقيبته؟
ـ  كنت أملك خمس « كاميرات تعقب» مجهزة بـشرائح « جي بي أس» لتحديد المواقع، أوزعها على أماكن تقصدها الحيوانات للشرب أو التجمع أو العبور، فتقوم برصد تحركات الأسود خلال تلك الفترة، بعد ذلك أعود لجمعها و دراسة المعلومات و المعطيات من خلال ما تتوفر عليها من مشاهد تم التقاطها وتسجيلها. كباحث اعتمد كثيرا على هذا النوع من الكاميرات في عملي لأنها تحتوي على شريحة خاصة بالتخزين والحفظ تسهل علي ضبط توقيتها ومسافة التقاط الصور ودرجات التحسس لعبور الأشخاص والحيوانات، وقد ساعدتني هذه التقنية كذلك على معرفة أعداد  الأسود وأماكن تواجدها ما سهل علي إجراء بحوثي، وتوثيق ودراسة هذه الحيوانات بشكل مباشر، بداية بالانتقال إلى منطقة التجمع والتخفي وتتبع تحرك الرياح حتى لا تنتقل الرائحة معها وتصل إلى أنوف الحيوانات فتغير مسارها وتهرب وغير ذلك.

هذا هو مشروعي في الجزائر
ـ كيف ستوظف هذه التجربة في الجزائر؟
ـ أسعى  رفقة زملاء لي من المهتمين بالبيئة  إلى تحويل سلسلة جبال أبو طالب، التي تبعد بحوالي 20 إلى  30 كيلومترا عن مسقط رأسي « صالح باي» بسطيف، إلى محمية طبيعية،  نظرا لشساعة المنطقة وتنوع غطائها النباتي، حيث يعرف هذا الفضاء الغابي بأشجار الأرز الأطلسي زيادة على ثرائه الحيواني، إذ توجد فيه أنواع نادرة مثل الذئب الذهبي الإفريقي والصقور والزواحف وأسراب هائلة من الطيور، وحتى الحيوانات المفترسة كالضبع المخطط، وقد قمنا بالتواصل مع محافظة الغابات وكذا جمعيات بيئية محلية لهذا الغرض ونحن الآن في انتظار المستجدات.
نعمل أيضا،  على إنشاء جمعية بيئية بالمنطقة لحماية ما تزخر به طبيعتنا من ثروات، تتعرض للضياع والاندثار شيئا فشيئا خصوصا الأرانب والغزلان والطيور، وهو ما لاحظته شخصيا في السنوات الأخيرة، مع  تأثيرات الحرائق التي سجلت في آخر خمس سنوات، فضلا عن عمليات الصيد العشوائي لأنواع معينة من الحيوانات خصوصا الذئب.
ـ من خلال دراستك لسلوك الحيوانات كيف يمكننا الحفاظ على الثـروة الحيوانية التي نملكها خصوصا ما يتعلق بالأصناف المهددة ؟
ـ من المعلوم أن الكرة الأرضية تشهد في 100 سنة الأخيرة، اندثار 50 بالمائة من ثرواتها الطبيعية والحيوانية، ما يتطلب التحسيس بأهمية الحفاظ على توازن المنظومة البيئية وعدم الإخلال بها،  ونشر الوعي البيئي وسط السكان وتبيان الدور الكبير الذي تلعبه البيئة في حياة الإنسان.
 يجب أن يساهم كل شخص في التوثيق للحياة البرية، خصوصا من يعيشون بالقرب من المناطق الغابية والجبال، و دائما ما أنصح الأشخاص الذين يعثرون على أنواع نادرة من الحيوانات أن يقوموا بتسجيل وتحميل إحداثيات الموقع من خلال استخدام تطبيق « جي بي اس» الموجود في هواتفهم، حتى يتمكن الباحثون من الوصول إليها وإحصائها وتصميم خارطة انتشار للحيوانات بتلك المنطقة، مع تجنب نشر المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا تصل إليهم أيادي الصيادين.

 

الرجوع إلى الأعلى