وثقــت  1200 نــوع من الحيـوانـات والنبـاتات البريـــة 

 

تمكن ابن ولاية قسنطينة، عيسى فيلالي، من توثيق ما يقارب 1200 نوع من الحيوانات والنباتات التي تتواجد عبر مختلف ولايات الوطن، من بينها 250 طائرا و40 نوعا من الأوركيدات، والتي قام بتحميلها عبر منصة بيئية عالمية تحمل اسم «إي ناتيراليست». وأكد فيلالي في حديثه للنصر، أنه وثق أنواعا نادرة الوجود لأول مرة، كما ألف كتابا يجمع فيه 250 نوعا من الطيور، فيما يعمل حاليا على إطلاق سلسلة مرسومة عن عالم الحيوان والنبات موجهة للأطفال الصغار، مضيفا أن شغفه بالحياة البرية وما تخفيه من مكنونات مثيرة للاهتمام دفعا به لخوض غمار تصوير وتوثيق الحيوانات والنباتات.

حاورته : رميساء جبيل

خرجت إلى البرية وأنا ابن العاشرة ووالدي قدوتي في المجال
هلا عرفت القارئ من هو عيسى فيلالي؟
من مواليد 1972، مهندس دولة في الغابات منذ سنة 1997، وإطار بمحافظة الغابات بقسنطينة منذ 2001، وكذا هاو للحياة البرية منذ الصغر ومصور وموثق للحياة البرية منذ 2001.
كيف تشكلت علاقتك مع البرية ومتى بدأت تستكشفها؟
أتذكر أن أولى خرجاتي للبرية كانت مع أشقائي ووالدي سنة 1982، وأنا ابن العاشرة، فقد كنا نرافق والدنا عندما كان يمارس هواية الصيد آنذاك، ومن هنا تحديدا كانت بداياتي في الانفتاح على عالم الحيوان الغامض، أين أخذت أول الدروس في المجال، بدءا بمعرفة أسماء عدد من الطيور والحيوانات التي كنا نصادفها أثناء خرجاتنا البرية، إذ كنا نضطر إلى قطع مسافات طويلة من شروق الشمس إلى غروبها.
هذه المحطة كانت سببا رئيسيا في حبي وعشقي للطبيعة وانتمائي إليها، فطيلة تلك المدة التي قضيتها مع والدي بين أحضان الطبيعة، رسخ في مخيلتي حب الحياة البرية، وزُرع في داخلي فضول التعرف على خباياها ومكنوناتها، فعمدت إلى اقتناء كتب بيئية كان يندر وجودها في ثمانينيات القرن الماضي، كما كنت حريصا على متابعة الأشرطة العلمية عبر شاشة التلفزيون الوطني كالكوكب الحي وسلسلة جيمس كوك وعالم البحار لكوستو وغيرها.
أعتبر والدي قدوتي ومثالي الأعلى في حب الحيوانات والطبيعة، فلطالما كان يحثنا على عدم الاقتراب من الحيوانات إلا للضرورة القصوى، وألا نعبث بأعشاش الطيور وغيرها من النصائح الكثيرة التي تحمي المنظومة البيئية.
انقراض عدد من الأنواع دافعي للخروج إلى البرية
متى بدأت انطلاقتك الحقيقية في مجال توثيق وتصوير الحياة البرية؟
بدأت تصوير الحيوانات في التسعينيات، حيث اقتنيت أول آلة تصوير من نوع «آغفا» لاستعمالها مبدئيا في التصوير والتقاط صور للطبيعة، رغم أنها ليست مخصصة لتصوير الحياة البرية. كانت بداياتي في تصوير الحيوانات من حديقة جبل الوحش حيث التقطت صورا للنعامة الأسترالية والجمل والطاووس وغيرها، وهي صور ما زلت أحتفظ ببعضها إلى يومنا هذا.
لكن ما ظل راسخا في ذهني ويحز في نفسي لحد الساعة، هو مشاهدتي لأنواع من الحيوانات في سنوات سابقة لم أوثقها آنذاك، والتي لم تعد موجودة، على غرار السحالي والثعابين والفراشات واليعاسيب التي تتميز بألوان جذابة ومغايرة، وهذا الاختفاء راجع لتدهور حالة الأوساط الطبيعية، كتلوث الجداول العذبة والنظيفة مع تقلص الغطاء النباتي.
لهذا السبب أبحرت في مجال توثيق الحياة البرية، ففي بداية الأمر كنت أدون ما تقع عليه عيناي من مشاهد وملاحظات في مذكرتي الخاصة، مع البحث في المراجع التي تتوفر عليها مكتبتي المنزلية، وارتياد المكتبة العامة بالمركز الثقافي رشيد القسنطيني بالدقسي.
وبحكم أني أجيد الرسم، فقد انطلقت في رسم أنواع معينة بالاعتماد على الموسوعات والقواميس، مع الاجتهاد في حفظ الأسماء العلمية لكثير من الطيور والثدييات والزواحف وحتى النباتات التي حظيت باهتمامي وأنا طالب بالجامعة.
كيف تطور استخدامك للكاميرات لتصوير الحياة البرية؟
مع التطورات التي عرفتها آلات التصوير الرقمية في السنوات الأخيرة، ارتأيت أنه حان الوقت لاقتناء كاميرا بمواصفات عالمية، خفيفة الوزن وغير متعبة نظرا لكوني أتنقل لمسافات طويلة جدا وفي نفس الوقت تتميز بزوم قوي، وبحكم أن العدسات المحترفة ثقيلة الوزن وباهظة الثمن، وقع اختياري سنة 2004 على كاميرا سوني، ومن ثم  على باناسونيك ليميكس، ثم اشتريت في الأخير كاميرا من نوع فيجي فيلم، التقطت بها معظم الصور والألبومات التي أنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أتلقى اتصالات كثيرة من أصدقاء لي بالمجال، يستفسرون عن نوعية الكاميرا التي استعملها، وفي كل مرة أنصح بها ليس إشهارا لها ولكن لجودتها وانخفاض سعرها.
أشارك ملاحظاتي بمجلات و مواقع عالمية
متى بدأت مشاركة ما تلتقطه عدستك على فيسبوك، وكيف ساعدك هذا الموقع؟
بدأت في نشر أعمالي وما تلتقطه عدستي من صور عبر حسابي على الفيسبوك سنة 2010. ساعدني هذا الفضاء الواسع على تكوين علاقات واكتساب معارف جديدة، إذ تعرفت على خبراء ومختصين في المجال، وعلى كبار موثقي الحياة البرية في الجزائر وحتى من دول أخرى، كما التقيت بمعظم المصورين الذين يقاسمونني شغف الهواية، فنشأت بيننا صداقات قوية، وأصبحنا نلتقي من حين لآخر ونتنقل إلى عدة مناطق بغية توثيق أندر الأنواع التي يقتصر وجودها على مناطق معينة، كغابات تابابورت والقالة والأوراس وجبل الوحش والصحراء.
دفعني هذا إلى التفكير في تثمين أعمالي، بجمعها ونشرها في مواقع متخصصة، مع نشر بعض الملاحظات العلمية الهامة والنادرة في مجلات علمية مثل« Dutch Birding» وبمواقع عالمية كـ «إي ناتيراليست».
ما الفرص التي أتاحها لك هذا الموقع؟
الهدف الأساسي من التدوين في مثل هذه المواقع العلمية والعملية، هو تبادل المعارف والعلوم مع بقية الباحثين والطلبة وخبراء البيئة من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى الفائدة التي يجنيها الناشر من حفظ بياناته الرقمية في مكان آمن يحميها من الضياع أو السرقة، خصوصا وأنها ذات قيمة علمية، ناهيك عن سهولة الرجوع إليها فقط بضغطة زر على إحدى الوسائل الإلكترونية المتاحة.
كيف ساعدت الصفحات البيئية بمنصات التواصل في نشر الوعي بالثـروة الطبيعية؟
بالنسبة لصفحات ومجموعات فيسبوك التي تعنى بهذا المجال، فهناك ثلاث مجموعات بارزة بالجزائر تهتم بتوثيق الحياة البرية، هي الحياة البرية في الجزائر، وبراري الجزائر ومن أجل حماية الحياة البرية في الجزائر، وأنا أحد مسيريها رفقة أصدقاء لي.
ساعدتنا هذه الصفحات والمجموعات في ضم الآلاف من محبي الطبيعة إلى صفوفنا، كما تمكنا في ظرف وجيز من نشر الوعي البيئي بين العديد من المواطنين عبر مختلف ربوع الوطن وحتى في العالم العربي وبقية أنحاء العالم، والآن نتلقى العشرات من طلبات الانضمام.

كانت هذه الصفحات الافتراضية جسرا للتواصل ووسيلة لتكوين صداقات حقيقية، إذ أضحى هناك عدد كبير من مصوري وموثقي الحياة البرية الذين ينشطون عبر الوطن، ومنهم من يمتلك أجهزة وتقنيات جد متطورة وله درجة كبيرة من الاحترافية.  
ما هو عدد أنواع الحيوانات والنباتات التي وثقتها؟
قمت لحد الآن بتوثيق 1200 نوع من النباتات والحيوانات، يمكن الاطلاع عليها ومعرفة تفاصيلها من خلال موقع إي ناتيراليست، وهي حصيلة ليست بالكبيرة، مقارنة بما أطمح للوصول إليه خلال مسيرتي المهنية، مع العلم أني أضعت كثيرا من الصور السابقة.
ولدي بالمناسبة، مشاهدات نادرة لأنواع من الطيور المهاجرة، التي وُثقت من خلالي لأول مرة في الجزائر، كما وثقت أوركيدات وحشرات ونباتات عشبية يمكن استغلالها في مجال البحث العلمي، وهو الأمر الذي أعمل عليه حاليا بالتنسيق مع عدد من طلبة الماستر والدكتوراه الذين يقصدونني من ولايات مختلفة.
جبل الوحش وشطابة مؤهلتان كمحميات طبيعية
ما سر اهتمامك بالأوركيدات التي يندر الحديث عنها في الجزائر؟
السحلبيات أو الأوركيدات هي أزهار جميلة جدا، لها عشاق من كل أنحاء العالم فهي من النباتات الملفتة والمثيرة للاهتمام، نظرا للأشكال المختلفة والغريبة التي تظهر عليها، فأحيانا تكون على هيئة رأس قرد وأحيانا أخرى تظهر في شكل طائر أو نحلة أو عنكبوت، وتتميز بتعدد ألوانها الزاهية.
يوجد منها وفق ما تم توثيقه بالجزائر أربعون صنفا وفصيلة، وثقت منها 25 نوعا بقسنطينة تحديدا بمنطقتي جبل الوحش وشطابة، المعروفتين بتنوع غطائهما النباتي، ما يؤهلهما للتصنيف كمحميات طبيعية.
نشرتَ عبر حسابك على فيسبوك أن طائر الزرياب يساهم في إعادة إحياء غابات البلوط؟ كيف ذلك؟
من المعروف أن طائر الزرياب يتواجد بشكل دائم على مستوى غابات البلوط، وفي قسنطينة يسجل وجوده بمنطقتي جبل الوحش وابن باديس، نظرا لكثافة غطائهما النباتي ولنمو شجر البلوط بكثرة على مستواهما.
هذا الطائر جميل الشكل، ومثال حي في حماية غابات البلوط من الانقراض والاندثار، نظرا لكون الزرياب يتغذى على ثمار البلوط ذات الغلاف القاسي جدا، ليطرح رشيم النبتة في التربة عبر فضلاته فيكون بذلك جاهزا للنمو دون حاجة لتدخل البشر، ثم يتحول في المستقبل إلى شجرة بلوط عملاقة.
هذا الطائر عامل أساسي لانتشار غابات البلوط التي لطالما كافحت من أجل البقاء، وظلت صامدة رغم ما مر عليها من ظروف قاسية، وبالأخص أثناء الفترة الاستعمارية التي نهب فيها الأخضر واليابس.
هل تعتمد على طريقة خاصة عند توثيق الحياة البرية؟
عندما أقرر الذهاب إلى منطقة معينة من أجل التصوير والتوثيق، أغادر المنزل مبكرا بعد صلاة الفجر مباشرة وأعود بعد الغروب مع استخدام وسائلي الشخصية من سيارة وعتاد، لكن في بعض الأحيان يتطلب الأمر المبيت في الخارج لمشاهدة الحيوانات الليلية من ثدييات وطيور.
أما في الجولات الاستطلاعية التي أقوم بها بغية التعرف على مواقع جديدة، فأضطر للمشي لمسافات طويلة جدا تتجاوز 30 كيلومترا، ويرافقني صديقي عبد الوهاب قارة علي، وفي أحيان أخرى أصطحب أبنائي معي أثناء المشي لمسافات قصيرة، للبحث عن الأوركيدات والحشرات والفراشات، لتحبيبهم في الطبيعة وتمرير الرسالة إليهم، زيادة على أنني لا أفضل الخرجات الجماعية فهي غير مثمرة خصوصا عند تصوير الثدييات والطيور.
ضرورة التحيين الفوري لقائمة الحياة البرية المحمية والمهددة بالانقراض
باعتقادك، ما الإجراءات الواجب اتخاذها لحماية الحياة البرية؟
لحماية الثروة البيئية من الاندثار والضياع، يستوجب تكثيف مجهودات الجمعيات الناشطة في المجال ولعب دورها الحقيقي على أكمل وجه، من خلال تنظيم عمليات توعوية على كل المستويات والأصعدة وفي جميع المناطق.
كما يجب الردع وفرض عقوبات قاسية على كل من سولت له نفسه إلحاق الضرر بالحياة البرية، خصوصا مع الظواهر الأخيرة التي انتشرت على نطاق واسع وفي كثير من الولايات، أين تم قتل الضباع والثعالب والذئاب وتسميم النسور والسنوريات، رغم أن هذه الكائنات محمية وفق القانون.
لهذا يجب على الجهات المختصة إجراء متابعات قضائية لهؤلاء الجناة وتسليط أقصى العقوبات عليهم، خصوصا وأن البعض منهم يفتخر بأفعاله وينشرها على صفحات معروفة وتسوق لها قنوات إخبارية على غرار فيديوهات قتل الضباع والثعالب.
أما فيما يخص الأنواع البرية المهددة بالانقراض، فالأرقام الرسمية المعلن عنها بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي، ما يستوجب بالضرورة التحيين الفوري لقائمة الحياة البرية المحمية وكذا المهددة بالانقراض، خصوصا مع التدهورات الكبيرة التي تشهدها الأوساط البيئية في الآونة الأخيرة، والتي تعيش بها مختلف الكائنات الحية من نباتات وحيوانات.
هذا يرجع إلى السلوكيات السلبية التي يمارسها الإنسان في حق الطبيعة، دون وعي أو إدراك منه بمخاطرها التي تهدد الثروة البيئية، فأنا أراه العامل الأول وراء ما نعيشه اليوم من اختفاء أو انقراض عدد من الكائنات الحية، وتأتي في المقام الثاني التغيرات المناخية والحرائق والأمراض ومختلف الآفات التي تصيب الأحياء البرية.
أعمل على إنشاء سلسلة مصورة للتعريف بالتنوع البيولوجي
باعتبارك ابن قسنطينة، ما هي المناطق التي تتميز بثـراء طبيعي في هذه الولاية؟
قسنطينة مدينة غنية عن التعريف، لما تزخر به من مناظر طبيعية خلابة تنتعش في فصل الربيع، ناهيك عن تنوع تضاريسها واحتوائها على مواقع إستراتيجية معروفة بالتنوع البيولوجي منها جبل الوحش وشطابة وتيديس ووادي الرمال وغابة ذراع الناقة وغابات ابن باديس وغيرها من الأماكن التي تحوي بين ثناياها جمالا خفيا ونباتات محلية نادرة لا يمكن الكشف عنها إلا بعد زيارات ميدانية متكررة وبحث دءوب.
هل تنوي توثيق أعمالك في كتاب؟
حاليا لم أطبع أي كتيب أو إصدار، رغم انتهائي من تأليف كتاب حول طيور قسنطينة جمعت فيه 250 نوعا، بعد أن قمت بتصويرها لما يزيد عن 22 سنة أين بدأت في تصويرها منذ سنة 2001.
أما المشروع البيئي الذي أعمل عليه، هو إعداد سلسلة مصورة لأنواع مختلفة من الطيور والفراشات والأوركيدات، أنجزتها خصيصا للأطفال الصغار في شكل رسومات وخرائط واضحة وملونة، تحتوي معلومات بسيطة وسلسة في شكل نصوص قصيرة يسهل فهمها، تعرف بالصنف المذكور ومكان تواجده والوقت المناسب للظفر بمشاهدته.
تهدف هذه السلسلة إلى التعريف بالتنوع البيولوجي الذي تزخر به الجزائر عموما ومدينة قسنطينة خصوصا، ليغرس في الأولاد روح الفضول والرغبة في الاستكشاف ومعرفة هذه الأنواع عن قرب، ما يدفعهم عند الكبر للخروج إلى الطبيعة والتجول فيها واكتشاف معالمها، وبمجرد أن يتغلغل حب البرية إلى داخلهم سيبحثون عن حلول إيجابية لحماية الثروة البيئية من الاندثار.
ر. ج

 

الرجوع إلى الأعلى