حان الوقت لحماية واستغلال مهارات الأجداد في التكيف مع المناخ

حذرت الباحثة في العلوم الفلاحية والبيئية البروفيسور فطوم الأخضري، بأن العديد من مهارات التكيف مع المناخ التي مارسها أجدادنا في الجزائر، مهددة بالسرقة، بما يستوجب جردها وتثمينها، مؤكدة في حديث للنصر أن النظام الواحاتي القديم يبقى الأكثر تأقلما مع الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

ياسمين.ب

وكشفت البروفيسور الأخضري وهي عضوة في الاتفاقية الأورومتوسطية للمخاطر الكبرى وفي المجلس العلمي لبرنامج الغذاء المتوسطي، أن الجزائريين طوروا على مدى عدة عقود مهارات تخص النظام الفلاحي والبناء وتقنيات الري، وقد صار من الضروري جردها والحفاظ عليها، وتعزيزها بالتكنولوجيا واستغلالها بل وحتى تسويقها، مضيفة أن هذه المهارات «ربما تؤخذ وتُستغل وتسوق لنا من الخارج».
ومن هذه المهارات، تشرح الخبيرة أنه توجد تقنيات لمقاومة زحف الرمال في الجنوب وكذلك في البناء من حيث المواد المستعلمة في إنشاء مختلف المباني، حيث من المهم، مثلما أوضحت البروفيسور، دراستها والاستفادة منها، وتضاف إليها طرق قديمة لتخزين المواد الغذائية وتحويلها.
وتتابع البروفيسور الأخضري وهي مديرة سابقة لمركز البحث العلمي والتقني للمناطق الجافة، بأن أحسن مثال يمكن الحديث عنه في هذا الخصوص، هو النظام الواحاتي في الجزائر، مردفة بالقول «لا يوجد في الحياة نظام قاوم الجفاف ودرجة حرارة الصحراء مثل هذا النظام في المنطقة العربية وفي الجزائر بامتياز».
ويتجلى ذلك، بحسب الخبيرة، في نظام الري المسمى «الفغارة»، ونمط زراعة النخيل «الغوط» بوادي سوف، وكذلك نظام تحريف المياه بمنطقة وادي ريغ الممتدة بين ولايتي ورقلة والوادي، أين تأقلم الإنسان بذكاء مع الطبيعة واستطاع سقي محاصيله دون الحاجة لمحركات، مع تسيير زحف الرمال عبر دراسة اتجاه الرياح والتعامل معها، لذلك صنفت الهيئات الدولية المختصة هذه الأنظمة، على غرار نظام «الغيطان» الذي اعتمدته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» تراثا زراعيا عالميا.وتتابع المختصة أن تقنيات الري بالتقطير لم تكن متوفرة في السابق، لذلك كان المزارعون يعتمدون نظام الدورات الفلاحية الذي لا يسمح بترك الأرض عارية وعرضة للتملح، مشيرة أيضا إلى وجود مهارات أخرى في منطقة الأوراس وفي الجهات الجبلية ببلاد القبائل. وترى البروفيسور الأخضري أنه يجب الذهاب لحلول مستدامة بعيدا عن التلوث، اقتداء بما كان يقوم بها أجدادنا، حتى أن الصناعات التقليدية التي احترفوها لم تكن تخلف أي نفايات على عكس ما نراه اليوم. من جهة أخرى، قدمت الخبيرة خلال فعاليات الندوة العلمية حول الأمن الغذائي في الوطن العربي، التي احتضنتها قسنطينة مؤخرا، مداخلة ذكرت فيها أن العالم العربي ككل يواجه عوامل طبيعية وبيوفيزيائية تتمثل في الموقع الجغرافي لمنطقتنا التي تتميز بمناخ قاحل وارتفاع درجة الحرارة والتبخر، ما أنتج الجفاف ونقص المياه وأراض ضعيفة الخصوبة ومياه مالحة، إلى جانب التصحر.
كما تطرقت الأخضري التي كانت عضوة في العديد من المجالس العلمية في الجزائر، إلى إشكالية المياه التي تتصاعد في المنطقة العربية، وقالت إنها تبقى «العقدة الشديدة» بخصوص أمننا الغذائي، حيث شرحت بشأن تطور إمدادات الماء في المنطقة العربية بين سنتي 1997 و2025، أن 12 دولة توفر 500 متر مكعب للساكن في السنة وهي العتبة الحرجة، في حين أن باقي الدول مهددة بالجفاف وسيزيد العجز بنسبة 50 بالمئة بحلول سنة 2050.

تهديدات يفرضها الجفاف والتصحر
في مقابل ذلك، شهدت دول المغرب العربي ارتفاع درجة الحرارة من 1 إلى 2 درجة مئوية منذ سنة 1970، بما يمثل ضعف المتوسط العالمي المقدر بـ 0.74 درجة، مع تمركز الجفاف والمزيد من موجات الحر. أما في عموم المنطقة العربية فيتوقع ارتفاع درجة الحرارة من 2 إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، مع انخفاض هطول الأمطار من 20 إلى 30 بالمئة وزيادة حدة الجفاف والتصحر، ما يستوجب نظرة استراتيجية للتأقلم مع الوضع الذي قالت إنه سيتفاقم مستقبلا.
وبغرض عدم تأثير كل هذه العوامل على الأمن الغذائي، تقترح الباحثة وضع سياسات فلاحية تعتمد على مخططات توجيهية، وتأقلم النظم الزراعية مع تغير المناخ وتعزيز التنسيق ما بين القطاعات خصوصا بين قطاعي المياه والفلاحة. ومن الجانب التقني، أكدت ضرورة تحسين الموارد المائية والحكامة من خلال تعميم الري الاقتصادي واستغلال المياه المعالجة المستعملة في السقي، مع جرد وتثمين وحماية الموارد البيولوجية وتحسين قدرة شدة الماء.
أما في ما يتعلق بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، ترى الأخضري أنه بات من الضروري تكوين الفلاحين حول التحديات الفلاحية وتنظيم الشعب و وحدات التوزيع والتحويل وكذلك الأسواق، مع اعتماد برنامج تربوي تحسيسي لتقليص التبذير، مضيفة أن ليس كل الدول العربية لديها مساحات قابلة للزراعة وتأخذ بعين الاعتبار المخاطر الكبرى، بما يفرض إعداد الخرائط الصحيحة التي تسمح بالاستصلاح.
وترى البروفيسور الأخضري أن نقاط القوة التي تسمح للمنطقة العربية بمواجهة تحديات التغير المناخي وما تفرضه من مشاكل في تأمين الغذاء والماء، عديدة، وتتمثل في التشابه الجغرافي، وجود الموارد الطبيعية، وتشابه النظم الزراعية وتميزها العالمي في بعض المحاصيل مثل التمور وزراعة النخيل، إلى جانب تقارب التراث المادي واللامادي والتأقلم مع الأوساط القاحلة، وأيضا الأريحية المالية لبعض الدول مع توفر المورد البشري بسكان أغلبهم من فئة الشباب، وذلك في وجود قدرات التكنولوجيا والابتكار ومهارات علمية معترف بها دوليا ومنها المستغلة خارج المنطقة.
 ياسمين.ب

مشاريع تثبيت المنحدرات و تصحيح المجاري المائية الطبيعية
تنمية مستدامة و حماية من الفيضانات و التطرف المناخي
كشفت الفيضانات الأخيرة التي ضربت عدة مناطق بالجزائر عن اختلالات طبيعية و هندسية باتت تهدد الوسط العمراني و مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، حيث يعد تشوه و تغير مسار المجاري الطبيعية من أكبر المخاطر المحدقة بقطاعات الزراعة و العمران و المياه، في ظل التطرف المناخي الذي تعرفه منطقة حوض المتوسط و شمال إفريقيا الذي يعد من بين أكثر مناطق العالم تأثرا و هشاشة بما يحدث لكوكب الأرض من احترار متزايد بسبب التلوث و انبعاث الغازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري.

فريد.غ

و عرفت عدة مدن و قرى بالجزائر فيضانات جارفة خلفت خسائر مادية و بشرية، و تعد ظاهرة تغير و تشوه مسارات المجاري الطبيعية و إعمار المنخفضات المعرضة لخطر السيول من بين الأسباب التي صعبت من مهمة التحكم في الوضع المناخي الاستثنائي، و يرى خبراء الزراعة و العمران و البيئة بالجزائر بأنه بات من الضروري وضع خطط مستقبلية للحد من إعمار مناطق الخطر و حماية الأراضي الزراعية و التربة الهشة من الانجراف، و تصحيح مجاري الأنهار و تنظيفها من رواسب السنوات الطويلة، و تثبيت المنحدرات المعرضة للخطر بواسطة التشجير و منشآت الإسناد.
وتعد قطاعات الزراعة و المياه والغابات الأكثر تأثرا بالتطرف المناخي بالجزائر التي تواجه تحديات كبيرة للمحافظة على الأراضي الزراعية و الغابية وحمايتها من التدهور الناجم عن آثار التغيرات المناخية و تأمين مستقبل الأجيال القادمة التي ستكون في حاجة إلى مزيد من الأراضي لإنتاج الغذاء و تطوير الاقتصاد الأخضر المعتمد على الموارد الطبيعية المتجددة.
و تعد هشاشة التربة بشمال البلاد مصدر قلق للجميع، فهي معرضة لمخاطر التعرية و الانجراف و التصحر و تغير المكونات الفيزيائية و الكيميائية، كارتفاع معدل الملوحة و فقدان الخصوبة، و ظهور طفرات نباتية جديدة تهدد المحاصيل الزراعية الاستراتيجية كما يحدث بسهل تاملوكة الشهير بولاية قالمة الذي ظل عرضة للفيضانات و تكاد الأنشطة الزراعية فيه ان تتوقف بعد تغير مكونات التربة  و ظهور أصناف جديدة من النباتات لم تكن موجودة في الماضي حسب سكان المنطقة .
و تعمل الجزائر منذ سنوات طويلة على الحد من المخاطر المحدقة بالعمران و الأراضي الزراعية و المراعي و الأقاليم الغابية، و ذلك من خلال مشاريع بيئية مستديمة أثبتت نجاعتها في التقليل من آثار التغيرات المناخية التي أصبحت تطال مساحات واسعة من الأراضي، و خاصة تلك الواقعة بالمنحدرات الهشة و المعرضة للانجراف و الانهيارات الطينية عندما تسقط الأمطار الغزيرة و تتشكل السيول و الفيضانات الجارفة.
و تعد مشاريع تصحيح المجاري الطبيعية و تثبيت المنحدرات الحادة من أهم الحلول المعتمدة بالجزائر لحماية الأراضي من الانجراف و التصحر و فقدان المكونات المفيدة، و هذا إلى جانب مشاريع التشجير المثبتة للأراضي الهشة بالمنحدرات المعرضة للسيول و الانهيارات الطينية التي تحدث ندوبا طويلة الأمد، قد تصبح معها مساحات واسعة من الأراضي غير مفيدة.
و تعمل محافظات الغابات و مديريات العمران و الأشغال العمومية و الموارد المائية بالجزائر على إنجاز المزيد من مشاريع الحماية بالمدن و القرى و على امتداد المجاري الطبيعية شديدة الانحدار، و على حواف الطرقات العابرة للتربة الهشة التي تتأثر بالتهاطلات المطرية و تصبح عرضة للانهيار محدثة تغيرات كبيرة بطبيعة المنطقة.
و خارج المحيط العمراني تعتمد مشاريع تصحيح المجاري الطبيعية على أنظمة صديقة للبيئة حتى لا تحدث تغيرا مؤذيا للنظام الإيكولوجي السائد، حيث تستعمل الحجارة المصقولة كدعامة أساسية لحماية التربة و تثبيتها على المنحدرات حتى لا تجرفها مياه المجاري الطبيعية و حتى لا تتآكل و تنهار مع مرور الزمن، بينما يستخدم المهندسون أنظمة الجدران الخراسانية و الحجرية عند تهيئة الأنهار العابرة للمدن كما حدث مع النهر العابر لمدينة وادي الزناتي بقالمة و مجرى وادي الرمال بقسنطينة و وادي الحراش بالجزائر العاصمة .  و يضع المهندسون تصاميم متعددة لإنجاز أنظمة الحماية الصديقة للبيئة بواسطة جدران حجرية متدرجة ذات حجم قادر على تثبيت المنحدرات الطينية الهشة و حمايتها من الانهيار على طول المجاري الطبيعية النشطة، و على حواف الطرقات العابرة لهذه المناطق التي تتربع على مساحات واسعة من الأراضي التي يمكن استغلالها في إنتاج الغذاء و دعم الاقتصاد الغابي، و تشكيل ملاذات إيكولوجية مفيدة للنظام البيئي. و تعمل الجدران الإسمنتية و الحجرية الضخمة على تثبيت التربة و خفض سرعة المجاري المائية على المنحدرات، و داخل الوسط العمراني و تشكيل طبقات من التربة و النباتات، تمتاز بالتماسك و التجانس و تصبح جزءا من طبيعة المنطقة مع مرور الزمن.
و تخصص الحكومة اعتمادات مالية هامة كل سنة لإنجاز المشاريع المقترحة من مديرية التعمير و محافظات الغابات ومديريات الأشغال العمومية  و الموارد المائية عبر ولايات الوطن، و خاصة تلك الواقعة بالشمال حيث المنحدرات الحادة و التربة الهشة المعرضة لمخاطر الفيضان و التعرية و الانجراف.  
و بالوسط الطبيعي خارج المحيط العمراني لا تدخل المواد الصناعية غير الصديقة للبيئة في بناء أنظمة تصحيح المجاري الطبيعية، فهي تعتمد فقط على الحجارة و أسلاك معدنية مثبتة، بها فراغات تسمح بدخول التربة و مرور المياه و بذور النباتات، و مع مرور الزمن يتماسك هذا النظام و يتحول إلى دعامة طبيعية مستديمة ومفيدة للنظام الإيكولوجي المكون من التربة و المياه و النباتات.
و يمكن لنظام تصحيح واحد بحجم 20 مترا مكعبا أن يحمي و يثبت مساحات واسعة من الأراضي المنحدرة الواقعة على ضفاف المجاري المائية و الطرقات، و لهذا فإن هذه المشاريع الخضراء المستديمة تكتسي أهمية كبيرة في مجال البيئة و الاقتصاد.
و تعد الشركة الحكومية للهندسة الريفية « بابور « بالجزائر بمثابة القاطرة التي تقود الدراسة الهندسية و تنفذ عمليات الإنجاز على ارض الواقع تدعمها مقاولات خاصة تدربت على التعامل مع التربة الهشة و المجاري و المنحدرات المعرضة للتعرية و الانجراف.
و توجد عدة أنظمة لتصحيح المجاري بينها نظام الجدران الحجرية المثبتة للمنحدرات، و نظام الممرات الحجرية السطحية التي تستعمل بالمسالك الغابية، و هي بديل فعال للمنشآت الخرسانية و تتميز بقلة التكاليف و الاستدامة و الملاءمة للوسط الطبيعي الذي تتواجد فيه، و تسمح بمرور مياه الفيضانات دون أن تحدث ندوبا على هذه المسالك التي تستعملها فرق الغابات و حتى سكان المناطق الجبلية المعزولة.  
و في كل مشروع للتوسع العمراني و فتح مسلك جبلي أو صيانة طريق ريفي يعتمد المهندسون على الجدران الخرسانية العملاقة و المتاريس الحجرية لتثبيت التربة على المنحدرات و حمايتها من الانجراف على امتداد المجاري المائية الطبيعية.
و يواجه نظام المتاريس الحجرية و الخرسانية على جوانب الطرقات و على امتداد المجاري المائية الطبيعية تحديات كبيرة بينها نقص العمالة المؤهلة، و الشركات المتخصصة في هذا النظام الهندسي الجميل المستديم، و الصديق للبيئة التي أصبحت عرضة لتغيرات مناخية متطرفة تجتاح منطقة حوض المتوسط منذ عدة سنوات، و أرغمت دول المنطقة على وضع المزيد من الخطط و البرامج التنموية للتقليل من المخاطر المحدقة بالإنسان و الطبيعة مصدر الحياة.

الرجوع إلى الأعلى