كشفت دراسة لباحثين ضمن مجموعة «آثار بروجيكت» للبحث الاستقصائي حول نهب التحف القديمة في العالم العربي رقميا، عن وجود مستخدمين من الجزائر في مجموعات عربية بمنصة «فيسبوك» مختصة في التهريب الدولي للآثار من مناطق النزاع على غرار سوريا واليمن، حيث سلطت الضوء على العديد من الثغرات في القوانين الداخلية لأكبر موقع تواصل اجتماعي في العالم التي يستغلها حتى إرهابيون لتوفير موارد من خلال المتاجرة بالتراث الإنساني المسروق من بلدان تعيش أوضاعا أمنية صعبة.
اعداد: سامي حباطي
وتمثل تسمية «آثار بروجيكت» (ATHAR project) اختصارا لجملة «مشروع البحث في الاتجار غير الشرعي بالآثار وأنثروبولوجيا التراث»، حيث تمت الدراسة، المنشورة أواخر شهر جوان الماضي، بإشراف من الباحث عَمْر العزم والباحثة كاتي بول وبمشاركة العشرات من النشطاء الذين ساعدوا الباحثين على توفير معلومات لكن القائمين على الدراسة أكدوا أنه لا يمكن ذكر أسمائهم تجنبا لوقوعهم في مشاكل مع التجار غير الشرعيين للتحف الأثرية، في حين جاءت الدراسة في تسعين صفحة وشملت عدة محاور، وأكد القائمون عليها أنهم شاركوا نتائج بحثهم مع  السلطات المخولة.
95 مجموعة متاجرة بالآثار تضم حوالي مليوني عضو

وأوردت الصفحات الأولى من الدراسة أهم النقاط التي تم الكشف عنها خلال البحث باستغلال المعطيات التي وفرتها مجموعات بحث أخرى قدمت لها «آثار بروجيكت» الشكر في المقدمة، حيث سجل الباحثون وجود 95 مجموعة عربية، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على منصة «فيسبوك» مخصصة للمتاجرة غير الشرعية في التحف الأثرية، وتضم هذه المجموعات حوالي مليوني عضو، من بينهم 488 مشرفا على هذه المجموعات، كما أظهر الاستقصاء أن 23 عضوا من هؤلاء المشرفين يسيرون أربع مجموعات أو أكثر، في حين يتواصل جميع هؤلاء مع بعضهم بصورة مكثفة، وتمتد علاقاتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتواصلون مع تاجر آثار غير شرعي، فضلا عن وجود مشرفين على المجموعات من دول أوروبية.  
ولم يذكر الباحثون أسماء أو هويات المستخدمين النشطين في هذه المجموعات «الفيسبوكية»، كما لم يذكروا عناوين المجموعات، لكنهم أشاروا إلى الأماكن التي ينشط منها المستخدمون، على غرار مجموعة «فيسبوك» نشطة في المتاجرة بالآثار بسوريا، أطلق عليها في الدراسة تسمية Group B، ووصل عدد أعضائها إلى 46 ألفا في شهر ماي من السنة الجارية، من بينهم 6 جزائريون، بالإضافة إلى آخرين من عدة دول عربية مثل مصر وتونس والمملكة المغربية. وأدرج الباحثون مجموعة «فيسبوك» أخرى رمزوا لها بعبارة Groupe D، حيث تضم أكثر من 1400 عضوا نشطا في بيع أو شراء الآثار بالمجموعة، في حين قام 876 منهم بالإشارة إلى المكان، ومن بينهم 4 من الجزائر.
وساقت الدراسة، المتاحة للتحميل من الموقع الالكتروني لـ»آثار بروجيكت»، عدة أمثلة وصور ملتقطة للشاشة من مجموعات «فيسبوك» تعرض تحفا أثرية مختلفة، لكنها لم تشر إلى وجود آثار من الجزائر ضمن المعروضات، في حين وضعت جدولا يضم الأماكن التي حددها بعض مستخدمي المجموعات وبعض المشرفين والمسيرين لها، حيث جاءت فيها بعض الولايات الجزائرية لدى المستخدمين الذين حدد الباحثون موقع دخولهم إلى شبكة الانترنيت من الجزائر.
ويتم الاتجار داخل هذه المجموعات بتحف مختلفة، منها الكبيرة والصغيرة، على غرار قبر فرعوني معروض للبيع ونقود أثرية ومخطوطات تاريخية وقطع فسيفساء ضخمة وتماثيل تعود لمختلف الحضارات التي عرفتها المناطق المستهدفة بعمليات النهب المنظمة، كما ينشر بعض الأعضاء نصائح لغيرهم عن طرق العثور على الآثار وكيفيات الحفر وتجنب الطرق الخاطئة، بحسب نفس المصدر.
“ضريبة الخُمُس” لفائدة الأدمن عن كل صفقة

وشبّه محرّرو الدراسة منصة “فيسبوك” بـ”الغرب المتوحش” للاتجار غير الشرعي، حيث أدرجوا “ضريبة الخمس”، كما يسميها مستخدمو هذه المجموعات غير الشرعية، ضمن النقاط الأساسية التي أماطت الدراسة عنها اللثام، وهي جزء مقتطع من القيمة المادية لأي صفقة توجه لفائدة المشرف على المجموعة في أي صفقة بيع يتم عقدها ضمن مجموعته، في حين يشير الباحثون إلى أن التنظيم الإرهابي “داعش” كان يطبق نفس “ضريبة الخُمس” على عمليات الاتجار في التحف المنهوبة، فضلا عن أن المشرفين على المجموعات “الفيسبوكية” يقومون بحظر أي مستخدم لا يقوم بدفع نسبة الفائدة عن عملية البيع.
ورسمت الدراسة في الصفحة رقم 7 ملامح عن هذه المجموعات التواصلية، حيث تشير إلى أن منصة “فيسبوك” ساعدت من خلال ما توفره على انتشارها ودخول الكثير بفضل منهجها في تقريب أصحاب نفس الاهتمامات من بعضهم، في حين ذكرت أن أقدم المجموعات التي شملتها الدراسة قد ظهرت في سنة 2011، بينما انتشرت مجموعات أخرى ذات حجم كبير منذ سنة 2016. وقد وضع بعض المشرفين على هذه المجموعات قوانين داخلية ينبغي على من يرغب في أن يصبح عضوا فيها أن يوافق عليها من خلال أجوبة يضعها، ومن بينها الموافقة على منح “الحق الشرعي للصفحة والخبير الذي استفاد منه”، و”الحق الشرعي” هو نفسه “ضريبة الخمس”.
ويقول الباحثون في نفس التقرير أن “ضريبة الخُمس” قانون من الشريعة الإسلامية يعود إلى القرن التاسع ميلادي، حيث ينص على أن يمنح كل من يعثر على كنز أو ثروة الخمس منها إلى الخليفة، في حين طبق تنظيم “داعش” الإرهابي هذا الأمر في بداية سنة 2014، عندما دخل مجال الاتجار الإجرامي بالآثار على الباحثين عن الآثار مقابل السماح لهم بنهب التحف القديمة والنبش بحثا عنها. واعتبرت الدراسة أن فرض هذه الفائدة في المجموعات يمثل مؤشرا مخيفا عن احتمال عدم تفكيك شبكات تهريب الآثار التي أنشئت برعاية من التنظيم الإرهابي “داعش” في الشرق الأوسط بشكل كلي، بل قد تكون انتقلت فقط إلى دعامة افتراضية.
“فيسبوك يحذف أدلة عن جرائم حرب”

وجاء في الصفحة رقم 46 من تقرير الدراسة أن “فيسبوك يحذف أدلة حرب”، حيث أشار الباحثون إلى أن “فيسبوك” يقوم بحذف الحسابات والمجموعات بما فيها من أدلة على جرائم حرب في سوريا واليمن وليبيا وغيرها عوضًا عن مشاركتها مع السلطات المعنية بالتحقيق فيها، كما أن هذه القضية قد طرحت من قبل في عدة مناسبات بحسبهم. وينبه الباحثون أيضا إلى أن حذف صور الآثار المنهوبة يخفي آخِر الدلائل على وجودها، لأنها تكون قد سرقت وفي حال حذف الصور لا يبقى أي أثر لوجودها، على عكس التحف المسروقة من متاحف أو من ملكيات أشخاص. وقد أكدت الدراسة في صفحات أخرى أن القوانين الداخلية لمنصة “فيسبوك” لا تشمل منع الاتجار في التحف الأثرية.
وتذكر الدراسة أن العديد من التنظيمات المتطرفة تقف وراء الاتجار غير الشرعي بالآثار في سوريا ومناطق نزاع أخرى، وليست “داعش” فقط، حيث تؤكد الدراسة أن العديد من أعضاء المجموعات التواصلية أظهروا انتماءهم إليها، بينما خصصت جزءا من الدراسة لسوريا كـ”دراسة حالة”، وذكرت فيه أن “هيئة تحرير الشام” التي اندمجت في جبهة النصرة وصارت أقوى تنظيم متطرف مسيطر على منطقة إدلب، فقام بإنشاء ما سماه “حكومة الإنقاذ” في 2018 وإعادة فتح المديريات العمومية ووسائل تحصيل الدخل المباشر من خلال الضرائب، وأساليب تحصيل أخرى غير شرعية بطريقة غير مباشرة.
ومن المؤشرات على استغلال الآثار قيام هذا التنظيم المتطرف بإعادة فتح متحف إدلب شهر أوت من العام الماضي، بحسب ما ورد في الدراسة، وذهبت إلى أنّ الغاية الظاهرة من هذا الإجراء إظهار أن الحياة تسير بشكل عادي تحت سلطة هذا التنظيم، الذي يحاول توظيف علماء آثار ومختصين في التراث للعثور على التحف القديمة والاتجار فيها بعد ذلك، كما اعتبر الباحثون في التقرير أن أساليب النهب المنتهجة من طرف هؤلاء لا تختلف عن أساليب التنظيم الإرهابي “داعش”.
 س.ح

الرجوع إلى الأعلى