لجأت الكثير من الهيئات والمؤسسات الثقافية والتعليمية والجامعية خلال فترة الحجر الصحي التي تقترب من إتمام شهرين في الجزائر إلى الوسائط الرقمية من أجل تعويض غيابها المادي على أرض الواقع، وحذت بذلك حذو مثيلاتها عبر العالم، في حين اتبع أفرادٌ هذه الطريقة أيضا من أجل البقاء على تواصل مع متلقيهم من الأصدقاء، أو من الجمهور في حالة الكثير من الفنانين، في حين تحقق تفاعلا متفاوتا.وتمثل منصات التواصل الاجتماعي أكثر الفضاءات احتضانا لهذه المبادرات، حيث تسمح بإنتاج محتوى بديل خلال الظرف الوبائي وتعوض إلى حدّ ما المساحات الحضورية المعتادة بالتقليد مثل المسارح ومدرجات الجامعات والمكتبات وجميع الفضاءات المحددة في المكان والزمن، بعدما حال الفيروس دون القدرة على التردد عليها.

إعــداد: ســــا مي. حبـــاطـي

نشر المسرحيات بروابط على «يوتيوب» يخفض التفاعل معها


وانطلقت النصر في استطلاعها الرقمي لمجرى الأمور على الفضاء الافتراضي «فيسبوك» من نوافذ المؤسسات الثقافية، على رأسها صفحة المسرح الوطني التي تحصي حوالي ثلاثة وعشرين ألف متابع، وتعكف على نشر برنامج يومي من المسرحيات المسجلة بالفيديو من إنتاج عدة مسارح على المستوى الوطني، فضلا عن نقاشات نقدية، لكن إدارة المسرح الإلكترونية تعرض الأعمال الجزائرية القديمة والحديثة على قناتها في منصة «يوتيوب» مثلما لاحظنا، كما أنها تسجل عدد مشاهدات منخفض جدا، على غرار مسرحية القراب والصالحين التي يعود إنتاجها إلى عام 1966 ولم تحظ بأكثر من 108 من المشاهدات للجزء الأول و23 مشاهدة فقط للجزء الثاني، ونفس العدد تقريبا للعدد الثالث.
وتنشر صفحة المسرح الوطني أعمالا لمختلف الفئات العمرية، كما أنها وضعت روابط لبعض الحفلات الموسيقية الأندلسية، لكن تعذر علينا الولوج إليها بسبب عدم صلاحية الرابط. وينظم المسرح الوطني أيضا مسابقات تتضمن جوائز افتراضية للأطفال، بينما يلاحظ أن التفاعل معها ضعيف جدا. أما مسرح محمد الطاهر فرقاني بقسنطينة، فانتهج طريقة مغايرة وبدا أنها حققت له نتائج أفضل من المسرح الوطني من حيث المتابعة على منصة «فيسبوك»، حيث درج منذ بداية نشر الأعمال المسرحية افتراضيا على وضعها مباشرة على منصة التواصل المذكورة، وليس بنشر رابط يقود إلى منصة «يوتيوب».
ومن بين المسرحيات التي عرضتها إدارة الصفحة، مسرحية «أرامل»، التي حققت أكثر من ألف وثلاثمئة مشاهدة وتمت مشاركتها لإحدى وعشرين مرة، فضلا عن مسرحية «عيسى تسونامي» التي حققت أكثر من ألف وثمانمئة مشاهدة، وهي أرقام لا يمكن  بلوغها عند عرضها حضوريا على الجمهور بالنظر لطاقة استيعاب المسرح المحدودة. وقد حققت فيديوهات التحسيس تفاعلا كبيرا، في حين يعتبر المقطع الذي يتلو فيه الفنان حكيم دكار رسالة المسرحي الباكستاني شهيد نديم بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الأفضل من ناحية تفاعل المستخدمين معه، فرغم أنه حُمّل على موقع المسرح إلا أن عدد علامات الإعجاب به تجاوز ألفا وسبعمئة، وتمت مشاركة الفيديو لأكثر من مئتين وخمسين مرة ومئة وتعليقيْن.
واعتمد المسرح الجهوي لوهران على طريقة المسرح الوطني، حيث تظهر أرقام مشاهدات المسرحيات المحملة على منصة «يوتيوب» نتائج منخفضة مقارنة بقسنطينة، فمسرحية «الفحلة» التي وضعت على يوتيوب بتاريخ 30 أفريل لم تحقق أكثر من أربع وثلاثين مشاهدة، بينما بلغ عدد مشاهدات مسرحية «الغلطة» المحملة بتاريخ 11 أفريل الماضي 287، رغم أن أداء المنشور الخاص بها جيد نسبيا على منصة «فيسبوك».
متابعة كبيرة للجولات الافتراضية داخل المتاحف  


وتتداخل عدة عوامل في تحديد نسبة التفاعل مع المحتوى الافتراضي المنشور على منصات التواصل الاجتماعي، على غرار عامل القُرب وشهرة صاحب الصفحة على حساب المضمون، أو قوة المضمون في حد ذاته، بينما أكد لنا خبراء في البرمجيات أن الاستجابة لمنشورات أكثر من غيرها يعود أيضا إلى خوازرميات «فيسبوك» نفسه، ويمكن لمس ذلك في النصائح التي يقدمها للمستخدمين عند إنشاء صفحة، على غرار توصية «فيسبوك» بتحميل فيديوهات مباشرة في الصفحة عوضا عن وضع روابط، أو إرفاق المنشورات بصور، لكي تكون أكثر مرئية، وهو ما يكشف القليل من طريقة عمل الخوازرميات التي تحفز حركة المستخدمين داخل فضاء منصة «فيسبوك» على حساب الروابط المفتوحة على مواقع إلكترونية أو منصات أخرى، بينما يلجأ الكثير من أصحاب الصفحات إلى «يوتيوب» بسبب بطء تدفق الأنترنيت وصعوبة التحميل على «فيسبوك».
واستعانت مؤسسات ثقافية أخرى بتقنية البث المباشر على «فيسبوك» من أجل منح متابعيها فرصة الاستفادة من زيارات مجانية، على غرار متحف آثار هيبون بعنابة، الذي أظهر مديره عمار نوارة نشاطا كبيرا في تقديم مادة أثرية وتاريخية معتبرة، من خلال محاضرات رقمية ينظمها عبر تطبيق «زوم»، حققت إحداها 1500 مشاهدة على «فيسبوك»، وجولات بتقنية البث المباشر على غرار الجولة في بيت التعميد بهيبون التي حققت أكثر من ألفي مشاهدة، بينما يقوم مدير المتحف بجولات مباشرة أيضا في مواقع أثرية أخرى، على غرار جولة في مدينة قالمة الأثرية التي حققت ما يقارب الخمسة آلاف مشاهدة، رغم أن عدد متابعي صفحة المتحف لا يتجاوز الستة آلاف إلا ببضع مئات.
واستطاع متحف سيرتا بقسنطينة أيضا أن يحقق متابعة عالية لمنشوراته التي يضعها تحت وسم «ابق في منزلك والتراث ضيفك»، وكان آخر ما اطلعنا عليه مقطعٌ مُركّب للتعريف بضريح القائد النوميدي كوينتوس لوليوس أوربيكوس الموجود في بلدية بني حميدان ضمن محيط موقع تيديس الأثري، وقد حصد أكثر من ثلاثين تعليقا وعشرات علامات التفاعل، بعد أن أعرب المستخدمون عن انبهارهم بهذه الشخصية غير المعروفة، كما يظهر في التعليق صوت مديرة المتحف آمال سلطاني، التي عكفت منذ بداية الحجر الصحي على تقديم العديد من الفيديوهات في الجولات التي بثت مباشرة عبر حساب التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
مبادرات فردية تنافس المؤسسات


واطلق كاتب الدولة المكلف بالإنتاج الثقافي، الموسيقار سليم دادة، مضامين تعليمية في الموسيقى الكلاسيكية، حيث حقق مقطع تقديم البرنامج أكثر من 37 ألف مشاهدة، بينما اطلعنا على مقطع تعليمي على آلة الكمان للعازفة فيرا آيت الطاهر، الأستاذة بالمعهد الوطني العالي للموسيقى، حيث حقق أكثر من ستمئة مشاهدة وعدد من التعليقات، فيما حقق مقطع تمرين يقدمه عازف بالأوركسترا السيمفونية الوطنية على الترومبيت من ولاية الشلف أكثر من ستمئة مشاهدة أيضا، حيث يشير تقارب العدد بين المقطعين إلى أن متابعي البرنامج ثابتون خصوصا وأنها مادة تعليمية.
ووضع عدد آخر من الفنانين بصورة فردية مقاطع بث مباشر لهم على منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وحققت متابعات متفاوتة بحسب شهرتهم، في حين لجأ آخرون إلى نشر مقاطع قديمة من حفلات مختلفة. وقد فتح آخرون أعمالهم على المشاهدة المجانية، مثل المخرج مالك بن إسماعيل الذي نشر أفلامه الوثائقية للمشاهدة المجانية المفتوحة للجمهور إلى غاية العاشر من شهر ماي الماضي عبر منصة «فيميو»، ومن بينها فيلمه الشهير «اغترابات» حول المرض العقلي في قسنطينة و»الصين ما زالت بعيدة» «وضد القوى» ولقيت صدى كبيرا.
المحتوى التعليمي ينافس الإنتاج الترفيهي الافتراضي
من جهة أخرى، ينافس المحتوى التعليمي المضمون الفني المنشور على منصات التواصل الاجتماعي، فالكثير من الجامعات قد لجأت إلى مبادرات من نفس النوع، على غرار ما تقوم به دار المقاولاتية لجامعة عبد الحميد  مهري بقسنطينة افتتحت إذاعة رقمية تبث كل اثنين وتقدم فيها دورات تكوينية، كما ينظم جامعيون آخرون ملتقيات وأياما دراسية رقمية، على غرار المخيم الافتراضي الذي نظمه الباحثون الجزائريون المقيمون في الخارج وأعلن عنه من خلال صفحة «سيليكون فالي مباشر»، فضلا عما تنظمه المديرية العامة للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي من محاضرات افتراضية مسجلة تحت عنوان «قعدة ساينس»، ويرتقب أن ينشط وزير التعليم العالي، شمس الدين شيتور، محاضرة ضمن نفس البرنامج يوم غد الخميس على الساعة العاشرة مساء.
وقد تابعنا إحدى المحاضرات في الاقتصاد المقدمة من طرف أساتذة من كلية الاقتصاد بجامعة عبد الحميد مهري بتقنية البث المباشر وعن بعد عبر صفحة تسمى «قناة الأنيس الفضائية»، حيث لاحظنا عليها نقاشا أكثر استفاضة من المحاضرات الحضورية المنظمة في الجامعات، وحققت حوالي خمسة آلاف مشاهدة، كما تفاعل العديد من المتابعين عبر التعليقات بنشر أسئلتهم للأساتذة المشاركين حول الاقتصاد الجزائري. وتستهدف الكثير من المحاضرات الافتراضية والبرامج التكوينية تلقين منهجيات البحث وتحرير المقالات العلمية والدراسات، مثلما أكده لنا أساتذة من المشاركين في إعداد هذا المحتوى، بعد أن أشاروا إلى صعوبة نقل بعض المضامين الأخرى افتراضيا.                        س.ح

الرجوع إلى الأعلى