يرى الخبير في التكنولوجيات الحديثة والاتصالات، يونس قرّار، أن على الجزائر أن تكون جاهزة لاستقبال شبكات الجيل الخامس عبر الاستعانة بكفاءات تستشرف من الآن الدور الذي يمكن لبلادنا أن تلعبه في هذه التكنولوجيا، عوض استيرادها كما هي، داعيا إلى اللعب على الخلاف القائم بين أمريكا والصين لـ «فرض شروطنا»، كما يُفصّل قرّار في حوار للنصر، في مزايا هذا الجيل الثوري من الاتصالات من حيث تحسين الخدمات وإدخال العالم مرحلة الحياة الذكية، لكن ذلك يستدعي عملا مسبقا لتأمين معطيات الأشخاص والهيئات، وهو عمل يبدأ وفق الخبير، من المدرسة وصولا إلى الشركات المختصة.

حاورته: ياسمين بوالجدري
-  في البداية، ما هي شبكات الجيل الخامس و ما المزايا التي توفرها مقارنة بالجيل الرابع؟
الهدف من هذه التكنولوجيا في المقام الأول، هو تحسين خدمات الربط بالانترنت من ناحية التغطية والنوعية والتدفق السريع، والإضافة التي تقدمها مقارنة بالجيل الرابع هي التغطية الجيدة وليست الضعيفة، والأمر المهم هو التدفق السريع، فلو افترضنا أن الجيل الرابع يعطي قوة تدفق بأكثر من 100 ميغا بايت في الثانية، فإن الجيل الخامس يوفر تدفقا أسرع بعشر مرات وربما أكثر أي ما يزيد عن 1000 ميغا بايت، ما يحل مشاكل كبيرة، خاصة أن هناك ميادين بدأت تظهر أهميتها للعالم في المستقبل القريب، ولها علاقة بالذكاء الاصطناعي والمدن الذكية وأنترنت الأشياء وهي أمور يتطلب نجاحها الربط بشبكات الجيل الخامس، لهذا المعركة اليوم هي للتحكم في المعلومات على اعتبار أن لها علاقة بالإدارة الالكترونية والمدن الذكية والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.
-  يتطلب تركيب شبكات الجيل الخامس أجهزة معينة. ما هي خصوصيتها؟
معلوم أنه في شبكات الجيلين الثالث والرابع توضع هوائيات الاتصالات في مكان يغطي مناطق بعيدة ضمن حدود 10 إلى 20 أو 30 كيلومترا لتوفير الخدمة، لكن كلما ابتعد المشتركون عن هذه الأجهزة كلما تضعف الإشارة وتقل قوة التدفق وبالتالي تضعف نوعية الخدمة، فيحدث على سبيل المثال انقطاع في المكالمات لعدة مرات.
في حالة الجيل الخامس، تغطي الهوائيات مناطق صغيرة على مسافات 2 إلى 3 كيلومترات مع وضع عدد أكبر من الأجهزة وبالتالي تكون التغطية أفضل، فلا تحدث انقطاعات أبدا أثناء التنقل، وذلك مقابل حصول الشركات على أموال أكبر تخص الاشتراكات لأن المواطن لن يكتفي باستخدام الانترنت لاستعمال وسائل التواصل، بل سيربطه بالبيت ليتحكم في أجهزته عن بعد ويستعمل التطبيقات الكثيرة، لكن هنا تُطرَح مشكلة متعلقة بضرورة تركيب هوائيات كثيرة ما يثير مخاوف البعض لاحتمال تسببها في أمراض للبشر في المناطق السكنية.
-  كيف سينعكس الجيل الخامس على حياتنا في المستقبل؟
الأشياء الجامدة التي نتعامل معها الآن ستصبح ذكية. سأعطيك مثالا، لن يكون الشخص مضطرا لانتظار دخول المنزل حتى يشغل المكيف بل سيفعل ذلك عن بعد قبل الوصول إليه. الثلاجة مثلا، ستُعلِمه عن بعد إذا نفد الماء أو الجبن، ستعرف ما نحتاجه و ستسهل علينا الحياة.
في مجال الطب كذلك، سيكون جهاز قياس نسبة السكر في الدم ذكيا، فيبعث للطبيب المعالج مباشرة معلومات عن المريض، ستعرف الأجهزة الأدوية التي نحتاجها. رأينا في الصين و رواندا تجربة الإنسان الآلي الذي يقدم الدواء للمصابين بفيروس كورونا المستجد، والذي يعوض أيضا عمال النظافة وغيرها من الأمور التي كنا نراها في أفلام الخيال العلمي والتي سنعيشها في الواقع، كذلك السيارة الذكية ستعرف الطرق والمنعرجات ومتى تنقص في السرعة. لكن بشرط أن تكون الأجهزة المستعملة متطورة و مربوطة بشبكة الانترنت.
-  ما هي الشركات القادرة حاليا على تصدير هذه التقنية؟
هناك الكثير من المصنعين للأجهزة الذين بدأوا العمل في هذا المجال، سامسونغ مثلا أنتجت الثلاجة الذكية و “برانت” صنّعت الفرن الالكتروني الذكي. يوجد أيضا مكيف يشتغل عن بعد. هناك أشياء ستُبنى بفضل الجيل الخامس، ستصبح ذكية و نتعامل معها ونعطيها تعليمات لتخطط وحدها. ستدخل في عالم غريب جدا.
 هذا كله يوفر سهولة في الحياة، لكن هناك خطورة في مزاحمة الآلة للإنسان وأخذها مهامه، لو أخذنا على سبيل المثال الآلة التي ستوكل لها مهمة الاهتمام بالرضيع، ماذا عن البعد الإنساني والعاطفة التي يحتاجها الطفل في هذه السنّ؟
عموما، الشركات الأمريكية والصينية والأوروبية بدأت العمل في هذا المجال، لذلك وقع صراع بين الحكومة الأمريكية و شركات صينية بينها هواوي لأنها تطورت في هذا الجانب. في أوروبا بدأت «أريكسون” و «نوكيا»، لكن كما قلت، تبقى الشركات الصينية في المرتبة الأولى لهذا تخشاها أمريكا بسبب شكوك حول التجسس على مستعملي أجهزة الصين.
-  لكن الصين تنفي الاتهامات الموجهة إليها. ما رأيك؟
الولايات المتحدة كانت مسيطرة على هذا الجانب، لكن منذ سنوات بدأت الشركات الصينية تزاحمها ويبدو أنها ستربحها في هذه المعركة الكبيرة. التحكم في تكنولوجيا الجيل الخامس يعني التحكم في كل المعلومات التي تمر عليها، وهذه المعلومات لن تبقى تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي و البريد الالكتروني و الرسائل النصية الأخيرة، بل ستشمل جوانب أخرى لها علاقة بالصحة وحياة الإنسان داخل منزله. هذه التكنولوجيا ستجعل من يتحكم فيها يملك معلومات عن بلد قد لا تتوفر عليها حكومة ذلك البلد نفسه.
-  هلا شرحت أكثر هذه النقطة؟
تكنولوجيا الجيل الخامس تسمح للجهة التي تنتجها بمعرفة العديد من التفاصيل عن الشعوب، بدءا من نسبة استهلاك الطاقة والماء، إلى الأمراض التي تصاب بها والأدوية التي تتناولها، وهو ما يحدد التوجهات الاقتصادية للشركات الكبرى في العالم والتي تصدر منتجاتها لهذه البلدان.
-  هناك من يرى أن تكنولوجيا الجيل الخامس تشكل تهديدا على أمن البلدان. هل هي مخاوف مشروعة أم أن للأمر أبعادا  تجارية وسياسية بحتة خاصة لو تحدثنا عن الصراع التقليدي بين الصين وأمريكا؟
عندما يكون هناك تدفق سريع للأنترنت، سيكون بمقدور المستخدم تسجيل فيديوهات في كل مكان و تحميلها ونشرها بسرعة، و هذا كمثال على زيادة حجم المعلومات وبالتالي زيادة حجم البيانات الضخمة «بيغ داتا”. من يملك المعلومة يملك مصير البلد، وكما قلت لك، ستعرف الشركات المصدرة لتكنولوجيا الجيل الخامس ما الذي نأكل وما الذي نشرب وستصل إلى معلومات حساسة تكون محل اهتمام جهات أخرى تجري بشأنها دراسات، وهي معلومات يجب تأمينها لإمكانية استعمالها في إلحاق الضرر بالمجتمع.
-  هل يعني هذا أن خصوصية المستخدِم ستكون مكشوفة أكثر من أي وقت مضى؟
الخطورة تزيد لأن سرعة اختراق الهواتف وسرقة المعلومات ستزيد، ومثلا، الفيديو الذي كانت عملية تفريغه تستغرق ساعة، يمكن أن يُفرغ في دقيقة. التدفق السريع للانترنت سيجعل الخصوصية مكشوفة سواء تعلق الأمر بالأشخاص والمؤسسات ومنها الهيئات الأمنية، ما يعرض أي بلد للخطر، لهذا يجب مع تطور استعمال الجيل الخامس، التفكير جديا في تأمين المعلومات والشبكة ببرامج تأمين أقوى.
-  هل تتوقع أن تقدم الشركات المصدرة للجيل الخامس حلولا لتأمين المعطيات الشخصية درءا لمخاوف المستخدمين؟
هذه الشركات تعمل بصورة متكاملة، ومن بين أكبر الشركات التي تدخل في هذا الإطار هي شركات التأمين التي تقدم حلولا أمنية لأن التحديات زادت. الجيل الخامس بمثابة الطريق السيار الذي يحتاج إلى ربطه بالكثير من الخدمات.
-  في تقديرك، من سيكسب معركة الجيل الخامس؟
هناك عامل سياسي في هذه المعركة بين أمريكا والصين، لكن في الأخير أعتقد أن الغلبة ستكون للعامل التجاري، فمن الصعب على الطرفين دخول معركة تنتهي باختفاء أحدهما. في الأخير سيجلسان على طاولة الحوار وسيتم الاتفاق بينهما على تقاسم السوق بالتراضي، لكنه اتفاق سيؤخذ بحذر.
-  ما موقع الجزائر من هذه المعركة، سواء من حيث تأمين معطيات الأشخاص والشركات أو إيجاد موطئ قدم لها للتحكم في هذه التكنولوجيا؟
الجزائر، الآن، ليست في موقع قوة، وستستعمل هذه التكنولوجيا كما هي لأنها لم تشارك فيها لا في البداية ولا في النهاية. على الحكومة الاستعانة بالكفاءات الجزائرية في الداخل والخارج خاصة العاملة في شركات المعلوماتية الكبرى، قصد تنبيه الإدارة الجزائرية حول ما الذي يجب فعله لنحقق الاستقلال الأمني.
يجب اللعب على الخلاف بين أمريكا والصين لنفرض شروطنا ونتفاوض عليها، ولكي تكون لدنيا اختيارات في المستقبل. على سبيل المثال، يمكن أن نتشرط على شركة هواوي أن تُشرك مهندسين جزائريين خلال عمليات تركيب الأجهزة الخاصة بالجيل الخامس، لنكون على دراية بتفاصيل هذه التكنولوجيا.
إذا عرفنا كيف نستغل الكفاءات، سيكون ممكنا تقديم إضافة، حيث تستطيع الحكومة أن تستعين بها للاستشراف.
-  كيف ذلك؟
سيدرس فريق الكفاءات هذا، إلى أين يتجه العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس ونقارن ذلك بإمكانياتنا، فننظر أين يمكن أن نضع أرجلنا. قد نتخصص في إنتاج أجزاء معينة من الأجهزة، إذ لدينا كفاءات في الجامعات يمكنها أن تقدم إضافة دون أن نبقى نلعب دور المستهلك.
 لو ساهمت هذه الكفاءات في الرفع من نسبة مشاركتها في هذه التكنولوجيا بنسبة 1 بالمئة فقط، فهذا أمر جيد، لأن هذه النسبة سوف ترتفع مستقبلا، سواء تعلق الأمر بشق الالكترونيات أو الميكانيك.
-  بالحديث عن الكفاءات بالجامعات، لاحظنا كيف بيّنت جائحة كورونا أن هناك طاقات خلاقة لشباب استحدثوا تطبيقات وابتكروا أجهزة كانت محل إشادة. هل هذا كاف برأيك؟
بالفعل، لقد رأينا تجارب فردية جيدة، لكنها لا تكفي. يجب أن يكون هناك برنامج حكومي باستراتيجية وطريقة عمل مدروسة تأخذ بعين الاعتبار إلى أين يتجه العالم بعد 5 إلى 10 سنوات، ومتابعة ما تقوم بها شركات مثل هواوي و موتورولا و “آي بي أم” وسامسونغ وكذلك الحكومات الأمريكية والصينية والكورية الجنوبية، في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، فالمستقبل سيكون لها في مجالات كالصحة والبيئة.
الأفضل برأيي هو التخصص في مجال أو اثنين وتوجيه الجهود إليهما، ويبدأ ذلك من خلال الطلب من الجامعات التركيز عليها في الأطروحات، أعطيك كمثال الصحة الالكترونية واستعمال التكنولوجيا في الفلاحة. لقد رأينا كيف أن الصين كانت تشتري السيارات من أمريكا ثم أصبحت تصنعها.
سيصبح كل شيء مرقمنا في العالم الذكي الذي سيكون للآلة دورة كبير فيه.
-  ما الذي نحتاجه لكي ننجح في دخول هذا العالم الذكي؟
يجب أن يكون الأنترنت متوفرا للجميع بنوعية جيدة وبسعر مقبول لأن الحياة ستكون مرتبطة به كما أن عدد المشتركين في التطبيقات سيزيد. هناك شركات ستوفر الانترنت عن طريق الأقمار الاصطناعية ليكون مجانا لجميع البشر، فيصبح المستخدِم هو نفسه المنتَج لأن معلوماته ستستعمل من طرف الشركات وتباع. ستكون هناك منافسة بين الجيلين الخامس والسادس وخدمات الأقمار الاصطناعية، بما سيخلق تكاملا.
ينبغي فتح مجال الاتصالات بالهاتف الثابت، فالمنافسة فقط هي التي تحسن الخدمة. لليوم هناك أحياء كبيرة في الجزائر لم تربط بخدمة الانترنت بسبب عدم مدّ شبكات الألياف البصرية.
-  ما هي الدروس التي علينا استخلاصها من الجائحة بعدما أظهرت حاجتنا إلى الآلة وتطبيقاتها؟
الجائحة أظهرت أن من يتحكم في التكنولوجيا يمكنه أن يصمد أمام الضربات، لقد اكتشفنا أننا لم نحضّر أنفسنا لمنصات التعليم عن بعد والتجارة عن بعد، يجب أن نعيش عصرنا ونحضر أنفسنا خلال الأشهر المقبلة للجيل الخامس.
لا يجب التماطل مثل ما حصل معنا من قبل، ويتعين علينا الشروع من الآن في تحضير المنصات الالكترونية وتوفير المناخ الآمن للأجهزة والشبكات وتحصين أنفسنا ضد القرصنة والجرائم الالكترونية من خلال حلول تقنية والتربية الأمنية للجزائريين منذ الصغر عبر تعليم التلاميذ كيفية تأمين كلمة السر وغيرها من الأمور. هذا العمل يبدأ من المدرسة.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى