القل .. موسم آخر  للعوم وفقط
رحلة الاصطياف إلى شواطئ سواحل القل غرب ولاية سكيكدة ما تزال محفوفة بالمتاعب في ظل العزلة التي ضربت المنطقة جراء عدم تحديث الطريق الوطني رقم 85 الرابط بين القل و قسنطينة وهو ما يجعل  مواسم الاصطياف العجاف على منطقة القل الساحلية تتناسخ، وتتشابه إلى حد الرتابة ونفور المصطافين، فالمدينة الساحلية الجميلة لم تعد تغري زوارها ولا تشد اهتمامهم،  بسبب عدم تحديث قدراتها و طاقاتها لاستيعاب الكم المعتبر من الأوفياء لزيارتها، حيث تعاني نقصا فادحا في مرافق الإيواء والخدمات و النظافة إلى جانب انتشار مظاهر اللامبالاة، و لم يبق سوى سحر المكان والأمن وحفاوة سكانها كآخر ورقة في شجرة إغراء  الزوار.
روبورتاج: بوزيد مخبي
مدينة القل لم تتجدد لتنال إعجاب القادمين لها لأول مرة، و لم تعمل على تدارك النقائص ليجدد زوارها كل صيف عهدهم بها،  وبقاء  الكثير  من المعيقات التي تحول يوميات القادمين إلى المنطقة إلى متاعب ومعاناة مع الطريق والبحث عن الإقامة والخدمات ، ليبقى استنساخ الفشل يطبع مواسم الاصطياف في القل، في ظل غياب أدنى شروط الاصطياف و عجز السلطات المحلية المتعاقبة عن تحقيق القفزة النوعية، لتبقى القل تستقطب رواد السياحة الشعبية لا غير، ويتحول موسم الاصطياف بها  إلى موسم للعوم، وبالرغم الإنزال المتواضع هذه السنة للمصطافين على شواطئ القل فإنهم اصطدموا بقلة هياكل الاستقبال ونقص الخدمات، وتدهور المحيط بالانتشار الواسع للقمامة والقاذورات .
 وهو الوضع الذي حول يوميات القادمين إلى المدينة  إلى معاناة تبدأ برحلة العذاب عبر الطريق الوطني رقم 85 الرابط بين قسنطينة و القل على مسافة 100 كلم بداية من بلدية عين بوزيان أول نقطة في جغرافية ولاية سكيكدة يقطع في ظرف أكثر من 3ساعات، رغم أن الجزء الرابط منه بين مدينة القل وبلدية كركرة تم تحديثه وأصبح طريقا مزدوجا ، وتنتهي الرحلة بالحشر عند مدخل المدنية ووسطها،  وصولا إلى نقص الخدمات وانقطاع المياه وقلة النظافة وغياب مواقف السيارات وغيرها من النقائص، إلا أن ذلك لم يحد من استقطاب  الوافدين الباحثين عن الهدوء ونقاوة مياه البحر والمناظر الخلابة التي تميز المنطقة، سحر وهدوء  يحجب الكثير من النقائص، هو ما تبقى من مغريات الاصطياف بالمدينة ، فيما لا يزال البعض من الذين يعرفون المنطقة في سنوات القرن الماضي يترحمون على الزمن الجميل، أين كانت شواطئ المنطقة وبالأخص شاطئ تمنارت مقصد الوزراء والشخصيات الوطنية، أين كان لشاطئ تمنارت شرف نيل الجائرة الأولى على المستوى الوطني سنة 1986 ، واليوم يعاني النسيان بسبب بقائه مغلقا في وجه حركة الاصطياف منذ 18 سنة.
أشغال فوضوية تشوه وجه المدينة
 على قلة المشاريع التنموية ببلدية القل، فإن الأشغال العشوائية ببعض المشاريع التي تنطلق مع حلول موسم الصيف أصبحت تشوه منظر المدينة وتدخل الوافدين إليها في معركة للعبور، على غرار أشغال تهيئة الأرصفة بشوارع وسط المدينة التي انطلقت هذه السنة تزامنا مع ذروة موسم الاصطياف، وهو ما خلف اختناقا مروريا يوميا بوسط المدينة، و في غياب مواقف للسيارات يجبر السائقون على ركن سياراتهم فوق الأرصفة وعلى جانبي الطرقات ، ودفع الوضع بالكثير من المصطافين إلى تحويل وجهتهم بعد ساعات من الوصول إليها ، ناهيك عن التجارة الفوضوية لباعة الخضر والفواكه والأسماك الذين يحتلون شوارع وطرقات وسط المدينة يزاحمون فيها السيارات والراجلين من المارة.
وهو ما أفرز انتشارا واسعا للقمامة والقاذورات ، فيما تحولت مختلف الأحياء السكنية  الجديدة منها والقديمة إلى مكان  لانتشار الحيوانات الضالة من أبقار وكلاب وغيرها، وغزو الأشواك والحشائش و الأحراش مداخل العمارات و المساحات بينها ،  وتحول المكان إلى فضاء  موحش ومخيف ، ويبقى الاختلال في توزيع المياه النقطة التي نغصت حياة  السكان والمصطافين على حد سواء،  وحولت يومياتهم إلى جحيم لا يطاق بسبب رحلة البحث عن هذه المادة الحيوية،  نتيجة مشاكل الضخ على مستوى محطة سد بني زيد .
تراجع كراء المنازل والشقق
 و عرفت عملية كراء الشقق والمنازل للمصطافين بالقل هذه السنة تراجعا رهيبا مقارنة بالسنوات الماضية، حيث  كان يلجأ إليها المصطافون بقوة  أمام قلة هياكل الاستقبال التي تعاني منها مدينة القل بوجود 4 فنادق فقط، وغياب المخيمات العائلية، وتحول الشاليهات السياحية إلى سكنات اجتماعية للإيواء، و احتلال  البعض منها من قبل مسؤولين و ظاهرة كراء منازل الخواص و الشقق  برزت في السنوات الأخيرة بشكل رهيب إلى حد الفوضى، في غياب ثقافة سياحية.

 إذ يلجأ الكثير من سكان القل إلى ترك منازلهم وشققهم في موسم الاصطياف والتنقل رفقة أسرهم للإقامة في المناطق الجبلية عند الأهل والأقارب، من أجل كرائها للمصطافين خاصة وأن الأسعار كانت مغرية للطرفين،  إذ يتم كراء شقة من ثلاث غرف مجهزة بكامل التجهيزات الضرورية بأكثر من  5آلاف دج لليوم الواحد، وهي قيمة مناسبة للمصطافين بالنظر لغلاء أسعار كراء الغرف في الفنادق والتي تتعدى 12 ألف دج، وعدم توفرها في الوقت المناسب،  لكن أصحاب الشقق والمنازل اصطدموا هذه السنة  بتراجع عميلة  الكراء، وفي الوقت الذي تهافتت فيه العائلات المحدودة الدخل على كراء منازل الخواص في مناطق بعيدة عن مدينة القل بأسعار زهيدة على غرار مناطق بني زيد،  الزيتونة، و  قنواع  ، فإن العائلات  ميسورة الحال تفضل الإقامة بالفنادق، حيث يعرف فندق بوقارون  إقبالا كبيرا وحجزا مسبقا  للشقق ، خاصة وأن الفندق تجدد مؤخرا من أجل إغراء المصطافين حيث عمدت إدارته  إلى إعطاء رونق  جديد للهيكل السياحي، من خلال  تجهيز الغرف بكل المرافق الضرورية، و وضعت تحت تصرف الزبائن مصلحة للاستقبال والاستماع للانشغالات حرصا على راحة العابرين والمقيمين. موقع الفندق بوسط المدينة بالقرب من أحد أجمل الشواطئ وهو شاطئ عين الدولة،  يوفر للمقيم  لوحة طبيعية جذابة تمزج بين زرقة البحر واخضرار الغابة بجبل» ضامبو» كخلفية مميزة وسحر يجذب الزبائن، خاصة وأن العائلات القلية تقيم السهرات بالشاطئ إلى ساعة متأخرة من الليل.
المرفق الخدماتي الذي  يحتوى على 75 غرفة، منها 64 غرفة نموذجية وبأسعار مقبولة لا تتعدى 13 ألف دج لليوم الواحد، إضافة إلى مطبخ يقدم أحسن وأشهر الأطباق حسب أذواق الزبائن، و هو ما جعل  فندق بوقارون أحد أهم الهياكل السياحية بمدينة القل، لاسيما في وجود برنامج مسطر من قبل إدارة الفندق يمتد إلى غاية شهر سبتمبر، يتضمن إقامة حفلات الزفاف والأعراس ، إضافة إلى  سهرات  فنية  متنوعة، فما تبقى بقية الفنادق غير المصنفة لا ترقى بها الخدمات إلى المستوى المطلوب بفعل محدودية الإمكانيات المتاحة بها.
كورنيش جادة البحر يغرق في الفوضى

لم تجد التعليمات الموجهة  من وزارة الداخلية هذه السنة،  والتي تحدد أن  يكون الدخول إلى الشواطئ  مجانا، كما أنه يمنع إقامة مواقف محروسة للسيارات والمركبات استجابة على مستوى كورنيش عين الدولة بالقل إلا لأيام معدودات ، وسرعان ما «عادت حليمة إلى عادتها القديمة»  كما يقال وعادت الفوضى إلى الكورنيش باحتلال الأرصفة بالكراسي والطاولات من طرف أصحاب الأكشاك وامتدادها حتى إلى رمال الشاطئ بشكل أعاق حركة سير المارة، لاسيما أثناء الفترة الليلية، حيث يستقطب المكان عددا كبيرا من  العائلات لقضاء سهرات أمام البحر، واكتفت المصالح المعنية بنصب لافتات فقط، دون احترام وتطبيق محتواها.
في الوقت أجبر فيه عيد الأضحى المبارك هذه السنة  الكثير من المصطافين لاسيما العائلات منهم على  قطع عطلتهم وإنهاء فترة الاستجمام،  والعودة  إلى ديارهم في الولايات الداخلية لقضاء العيد بين أحضان أسرهم،  فإن أخبار انتشار داء الكوليرا هذه الأيام بعدة مدن وولايات ومخاوف  حول إمكانية انتقال هذا الداء بسرعة،   دفعت  ما تبقى من المصطافين إلى مغادرة الشواطئ والعودة إلى منازلهم خوفا من إصابتهم بالداء ، حيث عرفت مختلف شواطئ القل تزامنا مع عيد الأضحى المبارك هجرة جماعية للعائلات رغم أن عطلة الصيف لم تنته بعد كما أن الجو مازال ينذر ببقاء درجات الحرارة مرتفعة ، ليبقى موسم الاصطياف في طبعته 2018 بالقل  موسما للنسيان وهو الأسوأ على الإطلاق، حسب العارفين بشؤون السياحة المحلية، في انتظار العودة إلى سالف العهد بإحداث قفزة نوعية وفتح مجال الاستثمار السياحي لإغراء المصطافين و السواح على الرجوع إلى ربوع مدينة القل التي فقدت اليوم الكثير من مقوماتها .
ب.م

الرجوع إلى الأعلى