دار خداوج العمياء..أسطورة دوخت التاريخ
ليست حكاية من كتاب ألف ليلة و ليلة، و لا واحدة من رائع الفيلسوف بيدبا في كتاب كليلة و دمنة، بل قصة فتاة ولدت، كبرت و ترعرعت بقصر في القصبة بأعالي الجزائر العاصمة، يعد أروع ما جادت به أيادي المهندسين و البنائين في العصر العثماني، خصيصا لإحدى نساء حكام المنطقة التي دوخت العلماء و الفلاسفة في فك شيفرة روايتها الحقيقية التي لا تزال و منذ قرون محل جدل للوصول إلى حقيقة “خداوج العمياء.
إن التاريخ لم يحسم بعد حول واقع قصة فتاة لقبت بـ “خداوج العمياء” ، سكنت أحد قصور المحروسة التي لا تزال شاهدة على كل مرحلة من تاريخه، و بين الواقع و الخيال، تبقى المصادر التاريخية الموجودة تحكي روايات مختلفة، إذ تقول إحداها أن القصر بني من طرف البحار التركي خير الدين بربروس سنة 1546، بينما تقول مصادر أخرى بأنه يعود إلى أحد الفاعلين في ديوان محمد بن عثمان و هو حسان الخزناجي و الذي شيده سنة 1792، ليهديه لابنته المدللة فائقة الجمال خداوج العمياء، كما أهداها مرآة رائعة جلبها خلال إحدى رحلاته الكثيرة، و التي كانت تقف أمامها لساعات طويلة.
بالقصبة السفلى، و تحديدا بحي سوق الجمعة، تم انتقاء أرضية مرتفعة، تقابل زرقة مياه المتوسط، و تجاور ضريح عبد الرحمان الثعالبي، أنشئت عليها تحفة معمارية نادرة، تبهر كل من يقف أمامها، و إن كان مرور السنين قد بدل ملامحها الخارجية التي يحيط به بعض الخراب الذي لحق ببيوت القصبة العتيقة، إلا أنك عندما تدخل إلى القصر، يسافر بك إلى تلك الحقبة من الزمن، و يجعلك تحس بأن روح فتاة يقال بأنها كانت آية في الحسن و الجمال ترفرف هناك، و تتواصل إلى غاية اليوم النقاشات و الدراسات و الجدل حول حقيقة الفتاة الأسطورة و قصرها الرائع الذي تحول إلى متحف للفنون و التقاليد الشعبية بعد ترميمه، لمن يزور المحروسة في هذا العصر.
سر خداوج العمياء
اسم غريب، اقترن بهذه الفتاة، التي تروي المصادر التاريخية حكايتها، بأنها البنت الصغرى لحسان خزناجي، و التي حظيت بدلال مفرط و معاملة الأميرات في زمن ذاع فيه صيت جمالها الفاتن ، مما جعلها تهتم به بشكل أكبر، فكانت تفرط في استعمال الكحل و الوقوف أمام المرآة ، إلى أن أصيبت بالعمى، مما جعل والدها يهديها القصر، ضمانا لمستقبلها بعد موته، بينما تقول رواية أخرى بأن داي الجزائر أراد أن يبهر زواره بشيء مميز، ففكر في تقديم خداوج العمياء إليهم و هي في قمة جمالها بعد تزيينها الذي أدهش نساء القصر، و عندما أرادت خداوج التأكد من ذلك بالنظر إلى المرآة، أصيبت بصدمة أفقدتها بصرها، و باتت تلقب بخداوج العمياء منذ ذلك التاريخ.
و تشير المعلومات المتوفرة، إلى أن خداوج التي يقال بأن اسمها الحقيقي خديجة، و خداوج اسم للدلال، كانت تعيش في القصر بعد مرضها مع ابني شقيقتها عمر و نفيسة، و يقال بأنها كانت تحبهما حبا كبيرا و هما يبادلانها إياه، مع اهتمام كبير أنساها همها إلى أن ماتت، و بات القصر يحمل اسم دار خداوج العمياء إلى اليوم.
قصر يخلد العمارة العثمانية في قلب الجزائر
يمثل قصر أو دار خداوج العمياء إحدى روائع العمارة العثمانية في شمال المتوسط، بهندسته المتميزة، و يدل على عراقة و نبل العائلة التي كانت تسكنه، فالقصر مكون من ثلاثة طوابق، الأول أرضي كل جدرانه مزينة بجداريات من الرخام المزخرف بشكل فني راق يدل على رقي العائلة المالكة، بينما يطل الطابقان الثاني و الثالث على وسط الدار عبر مشربية السلطان، و كل غرف النوم و الاستراحة و الحمامات و المطبخ مطلة على وسط الدار.
بمجرد أن يتجاوز الزائر البوابة الرئيسية للقصر، يجد نفسه في مكان صغير يسمى الزريبة أين تتجمع الدواب، فيعبر منه إلى السقيفة الكبيرة التي تمثل ممرا طويلا حول إلى ما يشبه معرض لصور تخلد أصالة اللباس العاصمي على مر العصور، ثم يجد منافذ مختلفة حول بعضها إلى قاعة عرض لمختلف الأواني و الأدوات التي كانت تستعملها النسوة في تلك الحقبة من الزمن.
و أنت تتوغل في القصر، تصل إلى الممر المؤدي إلى الطابق العلوي، الذي يمثل درجا رخاميا، يعلوه سقف بيضوي مقبب، به مخزنين يسميان بالبرطوس، توضع به أوان نحاسية قديمة جدا، بينما نجد في رواق الطابق الثاني أقواسا كثيرة محمولة على أعمدة رخامية، تطل جميعها على وسط الدار المفروش بالرخام، و جدرانه ببلاط مزخرف بأزهار الياسمين.
روح المرأة الجزائرية تسكن الدار
حمل قصر بكامله اسم امرأة، جعل القائمين عليه يخصصونه للاهتمام بكل ما يتعلق بالمرأة و ساروا على خطى خداوج، حيث أخذ الرواق الرئيسي بمدخل القصر، شكل معرض لصور عملاقة، تبرز جمال الزي التقليدي الذي كانت ترتديه المرأة العاصمية حتى في العهد العثماني، بينما خصصت بعض الغرف لعرض مختلف أنواع الأواني التقليدية، و حتى الوسائل التي كانت تستعمل للتزيين و الديكور و مختلف الصناعات التقليدية الخاصة بالنسوة كالتطريز بخيوط الذهب و “القارقاف” الذي يتوسط إحدى غرف القصر، في محاولة لإيصال صورة للمجتمع الحديث عن يوميات المرأة في قلب الجزائر، إبان عصر ذهبي لا يزال يروق للكثيرين من محبي الأصالة و لا يزال جدران العديد من قصور و دويرات القصبة العتيقة، يحتضنها لتبقى حرفا لا تزول.
إ.زياري
أيقونة تتلألأ على ضفة المتوسط بعد 5 قرون
- التفاصيل
-
الذكاء الاصطناعي..هل سيخدم البشرية؟
في ربيع عام 2023 وبعد أشهر قليلة من صدور روبوت الدردشة "شات جي بي تي"، نشر الرئيس التنفيذي لمنصة "إكس"، إيلون ماسك،...
هل سقط المجتمع الدولي في اختبار غزة؟
انتقد الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة في نيويورك،عمار بن جامع، في شهر فبراير، فشل مجلس الأمن في المصادقة على...
التنمية البشرية هل هي بيع للوهم؟
"أيقظ العملاق الذي بداخلك"، "كيف تصبح مليونيرا بثلاث خطوات؟"، "أطلق قواك الخفية".. لا شك أن العديد منكم سمع عبارات من...
كيف تحوّلت الجامعة إلى محرك للمقاولاتية؟
اتخذت الجزائر في السنوات الأخيرة إجراءات لإدماج المقاولين الشباب وحاملي الأفكار، في النسيج الاقتصادي النظامي ضمن...
الزراعة الذكية في الجزائر: كيف تحولت إلى خيار استراتيجي؟
تخوض الجزائر خلال السنوات الأخيرة تجارب نموذجية في مجال الزراعة الذكية مناخيا، فقد قدّم باحثون ومبتكرون وشركات متخصصة، حلولا مبتكرة...
زيارة الطبيب النفسي: هل ما تزال من الطابوهات؟
تقول منظمة الصحة العالمية إن شخصا واحدا من بين كل ثمانية أشخاص في العالم، يتعايش مع اعتلال من اعتلالات الصحة النفسية،...
هل يصنع العمل التطوعي فرص التوظيف؟
يُصنَّف العمل التطوعي كقطاع ثالث فاعل بعد القطاعين الحكومي والخاص، بالنظر لدوره الهام في تعزيز التنمية الاقتصادية، حيث أن...
كيف يُحقٍّقُ الوطن العربي أمنه الغذائي؟
حذّر تقرير أممي صدر شهر مارس، بأن مستويات الجوع وسوء التغذية قد وصلت إلى أرقام حرجة في المنطقة العربية، لاسيما بعد أن...
كيف يُنقذ جيل الأوزون قطاع الزراعة؟
أدى التغير المناخي وما يشهده من ظواهر طبيعية متطرفة أبرزها الجفاف، إلى زيادة مستويات الإجهاد المائي، في مقابل ذلك، زاد...
كيف نحمي أنفسنا من أمراض القلب؟
بحوالي 18 مليون شخص يموت كل عام، تُصنِّف منظمة الصحة العالمية، الأمراض القلبية الوعائية بأنها السبب الرئيسي للوفاة في...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)