مشتلــة الحماديــة في البــرج جنـــة  كـاد أن يعصف بها الجفــاف
أثر الشح المسجل في مياه السقي، على نشاط مشتلة الحمادية جنوب ولاية برج بوعريريج، التي كانت تغطي بمنتوجها من الشتائل و الأشجار الغابية و ورود و أشجار الزينة عديد ولايات الوطن بما في ذلك الولايات الصحراوية، على مدار العقود السابقة، لكنها تضررت بشكل كبير خلال السنوات الفارطة، بسبب تراجع احتياطي المياه، الناجم عن جفاف أحد الآبار و غور مياهه إلى الأعماق و تراجع منسوب البئر الثاني، ما جعل نشاط المشتلة يقتصر على زراعة بعض الأصناف دون غيرها، وهو ما انعكس سلبا على الإنتاج المحلي الذي تراجع كما و نوعا في وقت يتم استيراد الورود و أشجار الزينة من كينيا أوروبا بالعملة الصعبة.
و انعكس قرار منع حفر الآبار إلا بترخيص من مديرية الموارد المائية، في إطار التدابير المتخذة لمواجهة مشكل شح المياه الباطنية و موجة الجفاف خلال السنوات الماضية، على مردودية هذه المؤسسة التي طالها قرار المنع ، ما حال دون توفير مصادر إضافية للمياه تنعش إنتاج هذه الجنة المحلية  التي تتربع على مساحة تقارب 63 هكتارا، حيث تسبب هذا الوضع في تقليص مردودها إلى الحد الأدنى، في ظل شح المياه و اقتصار مصادرها على بئر وحيدة بمنسوب جد ضئيل لا يزيد عن 4 لترات في الثانية، و هو ما جعل جهود تطويرها شبه مستحيل   ، رغم توفر الاستثمار على جميع الإمكانيات التي تسمح له بالتحول إلى قطب رئيسي لتزويد مختلف ولايات الوطن بالأشجار الغابية و الأشجار المثمرة و شجيرات الزينة و الورود المستعملة في تزيين المساحات الخضراء ما يمكنه أن يقلص فاتورة استيرادها بشكل كبير.
انفراج وشيك لأزمة الجفاف
النصر، زارت المشتلة  مؤخرا وهناك لاحظنا بأن هذه الجنة استعادت البعض من بريقها، بعد الزيارة الأخيرة لمدير مجمع الهندسة الريفية أوراس و والي الولاية، أين تم رفع انشغال شح المياه، ما سمح بالتعجيل في اتخاذ قرار بمنح الترخيص لحفر بئرين إضافيين بالمشتلة ، وقد وقفنا على انطلاق أشغال الحفر، التي أعادت الروح  للمكان وبعثت النشاط من جديد للعمال الذين وجدناهم منهمكين في إعادة تهيئة مدخله بالعشب، ناهيك عن تخطيط المسيرين لبرامج طموحة، على غرار فتح آفاق الاستثمار في هذه المشتلة التي تتربع على مساحة واسعة ظلت نسبة كبيرة منها غير مستغلة سابقا بسبب شح المياه، ما زاد من أطماع البعض في الاستحواذ على مساحات تابعة لها و اقتطاعها لصالح مشاريع استثمارية أخرى، خاصة و أن هذه المستثمرة البيئية ذات موقع استراتيجي، حيث تتمركز في المدخل الرئيسي لبلدية الحمادية على مستوى الطريق الوطني رقم 45 على بعد حوالي 10 كيلومترات من عاصمة الولاية و مدينة برج بوعريريج، حيث تتربع على مساحة تقارب 63 هكتارا، منها 43 هكتارا صالحة للاستغلال و 28 هكتارا صالحة لزراعة مختلف الشتائل و الشجيرات و 22 هكتارا للحبوب بمختلف أصنافها و النشاطات الزراعية و الفلاحية الأخرى.
و تصادف تواجدنا في المكان ، مع قدوم المكلف بالمشاريع بالمؤسسة الجهوية أوراس باتنة ، التي تشرف على تسيير 22 مشتلة عبر عدد من ولايات الشرق الجزائري، والذي أكد خلال حديث جمعنا به، على أن القرار الأخير بمنح الترخيص لحفر الآبار بالمشتلة، سيخرجها من النفق و دائرة الصعوبات العويصة التي مرت بها خلال السنوات الفارطة و التي أثرت على الإنتاج و مردودية العمال، خصوصا وأن المؤسسة فتحت آفاقا جديدة لتطوير هذه المشتلة، التي تتوفر حاليا على بيوت بلاستيكية مضللة و 26 بيتا بلاستيكيا و بيوت بلاستيكية متطورة يتم التحكم فيها أوتوماتيكيا، حسب احتياجات النبتة أو الشجيرة لدرجات الرطوبة و الحرارة و كميات مياه السقي، الذي يتم الاعتماد فيه على تقنيات متطورة للحفاظ على هذا المورد الطبيعي الهام، فضلا عن اتباع التقنيات المتطورة في عملية الزراعة و غرس الشتائل، على غرار التقنيات المستعملة في زراعة الزيتون التي سمحت بتقليص المدة من خمس سنوات إلى تسعة أشهر.
المتجول في المكان، يمكنه أن يطلع على الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها، خاصة ما تعلق بنوعية التربة و المساحات المستوية، ناهيك عن إنتاج مختلف الأصناف و الأنواع من الشتائل و الشجيرات و أشجار الزينة التي وجدناها داخل البيوت البلاستيك المتطورة و البيوت المضللة المخصصة للشتائل، حيث تقدر الطاقة الإنتاجية السنوية للمشتلة، بأزيد من 12 مليون شجرة من الأشجار الحراجية الغابية و 600 ألف شجرة مثمرة و 400 ألف شجرة طويلة الساق و 500 ألف شجيرة تزيينية، في حين تقدر طاقة الإنتاج الحالية بحوالي 300 ألف شجرة غابية و 80 ألف شجرة مثمرة و 65 ألف نبتة تزيينية و هو ما يوضح التأثير الكبير لشح المياه على منتوج المشتلة.
طلبيات من جميع الولايات ما عدا الولاية الأم
و لعل من  غرائب الصدف، أن هذه المشتلة تملك زبائن من مختلف ولايات الوطن، خاصة ما تعلق بطلب الأشجار التزيينية و الأشجار الغابية، ما عدا من ولاية برج بوعريريج، حسبما أكده مسيروها، وهي مفارقة يصعب تفسيرها كما عبروا، خاصة و أن منتوجها وصل إلى غاية ولايات الغرب و الجنوب و الشرق، على غرار ولايات وهران الجلفة و تبسة، في حين تبقى الطلبات من الولاية الأم جد محدودة إن لم تكن منعدمة، أين تمت الإشارة إلى تسجيل طلبية واحدة خلال السنوات الماضية ، رغم قرب هذه المشتلة من مختلف البلديات و توفيرها على أنواع مختلفة من الشتائل و الأشجار التزيينية، فضلا عن توفرها على إمكانيات تسمح لها بتغطية احتياجات السوق، من مختلف الأصناف بما في ذلك الورود، التي قال محدثنا بأن بعض الولايات و المؤسسات الخاصة، تقوم باستيرادها من كينيا، في حين يمكن إنتاجها محليا بكميات كافية و بنوعية تنافسية.
قاعدة معلوماتية للشتائل و الأشجار
و أكد المتحدث، وجود مشروع لوضع إستراتيجية شاملة لتطوير هذه المشتلة و مخطط للآفاق المستقبلية بما فيها عقد اتفاقية شراكة مع المعهد التكنولوجي للأشجار الغابية تسالة المرجة، لإنجاز حظائر خشبية تسمح بوضع قاعدة معلومات حول مختلف الشتائل و الأشجار، مع توفير الشجيرة الأم أو الشجرة حاملة الطعم التي تعتبر الأساس في المشاتل، ما يسمح للمزارعين و المؤسسات المهتمة بتهيئة المساحات الخضراء، بالتعرف على مصدر الشجرة و أصولها وأصنافها و منحها شهادة الضمان، لتجنب المنافسة العشوائية التي طغت على السوق، مشيرا إلى أن سوق الشتائل و الأشجار، يخضع أيضا لضوابط و ضمانات و يتطلب الحصول على الأمر بالبيع  المرور عبر لجان المراقبة، و وهو أمر يجهله الكثير من المواطنين الذين يعتقدون بأن سوق الشتائل لا يخضع للرقابة و يقومون بشرائها من أي مكان دون الحصول على ضمانات، ما ينتهي بهم عادة لشراء شجيرات و شتائل مريضة أو عقيمة، حيث سجلت حالات مماثلة مؤخرا، تتعلق بشراء فلاحين لأشجار زيتون و أشجار مثمرة من نقاط بيع عشوائية، اتضح لاحقا بأنها أشجار عقيمة، وهو إشكال لا يواجهه الزبون في حالة التعامل المباشر مع المشاتل المعتمدة، لأنها تخضع لإجراء يخص تحصيل محضر للمطابقة يمنح من الهيئة الوطنية لمراقبة البذور و الشتائل، فضلا عن أن عملية البيع تتم عن طريق تحرير فاتورة و اصدرا محضر مطابقة يمكن الزبون من متابعة البائع قضائيا في حال اكتشاف أي تحايل.
بنك للنباتات الطبية و العطرية مستقبلا
و تراهن المؤسسة الجهوية للهندسة الغابية أوراس، على مشتلة الحمادية لفتح آفاق استثمارية جديدة، بإضافة حظائر جديدة لزراعة التفاح و الإجاص و حظيرة خاصة للشجرة الحاملة للطعم، باعتبارها النواة الأساسية في أي مشتلة، لوضع القاعدة التي تبنى عليها الحظيرة.
كما أشار حمادة رئيس مشروع مشتلة الحمادية، إلى أن الإدارة و العمال يراهنون أيضا على استغلال جميع المساحات، بإضافة حظيرة للنباتات و الأعشاب الطبية و مستخلصات العطور، حيث سيتم الشروع في فتح معرض للنباتات لبيع منتوج هذه المشتلة و باقي المشاتل التابعة للمؤسسة و تخصيص مساحات لزراعة الزهور بوجود سوق واعدة، خصوصا و أن المشتلة تقع في موقع استراتيجي، يسمح بتسويق منتوجها من الورود نحو الولايات المجاورة فضلا عن العاصمة و قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري و منها إلى ولايات أخرى، حيث لا يتطلب الأمر سوى ساعتين من الزمن أو أقل لنقل منتوج المشتلة لهذه الولايات.
و إضافة إلى هذا، سيتم الشروع في غرس الإكليل الجبلي و الزعفران و نبتة الخزامى لفوائدها الطبية و لغناها بمستخلصات الزيوت العطرية المفيدة، فضلا عن وضع بنك من النباتات و الأعشاب المستعملة في تحضير المستخلصات العطرية و الأعشاب الطبية التي سيتم تعليبها و بيعها بالمعرض المخصص لمنتجات المشاتل التابعة المؤسسة.
فضاء إيكولوجي للعائلات و مضمار للعدو  
و بخصوص الآفاق المستقبلية لهذه المشتلة، أشار المكلف بالمشاريع، إلى وضع برنامج لإنجاز فضاء إيكولوجي لفائدة العائلات، على مساحة قدرها 3 هكتارات، يساهم في تنويع نشاطات المشتلة و يفتح أبوابها أمام العائلات و الرياضيين، كما يهدف إلى إكسابهم ثقافة بيئية، حيث يعتمد المشروع على انجاز قاعة متعددة الاختصاصات بمادة الخشب إضافة إلى تخصص قاعة للحفلات بسعر رمزي للعائلات و بحيرة صغيرة و ملاعب متعددة، منها ملعب جواري بالعشب الطبيعي و ملعب للتنس و فضاءات مجهزة للعب الأطفال و مضمار للعدو مرفق بحظيرة للسيارات، ما يسمح بضمان مداخيل إضافية للمشتلة و تنويع نشاطاتها، سيما مع افتتاح المعرض الخاص لمنتجات المؤسسة من الأشجار و الشتائل و المستخلصات العطرية و الأعشاب الطبية.           
ع/ بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى