تقليد الشعبانية بقسنطينة.. عادة صامدة بين جدران تتداعى
تجري الاستعدادات على قدم و ساق في دار بحري بقلب السويقة، في مدينة قسنطينة القديمة، تحضيرا للاحتفاء بالشعبانية، فالجدران تبلط و تدهن من جديد و برنامج المناسبة يضبط، انطلاقا من مأدبة الغذاء و انتهاء بقائمة المدائح الدينية و الابتهالات التي ستنشد احتفالا بقرب رمضان، فالشعبانية طقس شعائري اجتماعي ينظم سنويا في سيرتا خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان تبركا به و فرحا بقدوم شهر الصيام، حيث تشترك مختلف الطرق الصوفية المحلية في هذه العادة ، مع اختلافات بسيطة في أسلوب الاحتفال، فلعيساوة و الإخوان حضرتهم، و للوصفان « ملمتهم».
حضرة تبحث عن ديوان
رغم الخراب الذي طال المنازل و الزوايا التي اعتادت أن تحتضن عادة الشعبانية بقسنطينة، على غرار الزاوية الرحمانية و دار بحري، إلا أن الأوفياء لهذا الطقس من مريدي مختلف الطرق الصوفية و أبناء المدينة، لا يزالوا مصرين على الحفاظ عليه و تنظيمه وإن كان ذلك لليلة واحدة ، بدلا من أسبوعين.
بعد غلق زاوية سيدي عبد الرحمان لما يزيد عن أربع سنوات كاملة، بحجة الترميم، اعتاد العيساويون تنظيم حضرات الشعبانية في أماكن مختلفة، بما في ذلك مقهى الحوزي الذي سيحتضن المناسبة هذه السنة، أما الوصفان فقد قرروا تهيئة دار بحري، بالاعتماد على إمكانياتهم الخاصة، في محاولة للحفاظ عليها بعد الأضرار التي خلفتها عملية الترميم غير المجدية التي مست الدار خلال تحضيرات عاصمة الثقافة العربية، و ذلك حسبما وقفنا عليه خلال زيارتنا للمكان، بمعية السيد الهادي حشاني و هو صاحب الدار و مضيف أوفياء الشعبانية الذين اعتادوا إحياء المناسبة في ديوان الدار كل سنة.
محدثنا قال، بأن المنزل تضرر بشكل كبير بسبب الترميمات غير المتقنة التي مسته، و هو ما دفعه إلى إعادة تهيئته مجددا بإمكانياته الخاصة، بعدما فقد الأمل في تدخل السلطات المحلية، موضحا أن أشغال التبليط و الدهان جاءت تزامنا مع التحضير للشعبانية التي من المقرر أن تنظم في الأسبوع الأخير من شهر شعبان الجاري، بعدما كانت فعالياتها تنطلق من منتصف هذا الشهر إلى غاية الليلة 27 منه.
عادات و معتقدات
يقول الهادي حشاني، بأن دار بحري لا تزال تفتح أبوابها سنويا، لكل من أراد المشاركة في إحياء العادة، مؤكدا بأنه يتكفل في كل مرة بتحضير وليمة غداء للأوفياء لهذا التقليد من أبناء قسنطينة ، وأغلبهم ، على حد قوله، أبناء عائلات كبيرة و عريقة في المدينة، و أشار إلى أنهم يحضرون الوليمة سنويا، حتى و إن كانوا يفضلون البقاء بعيدين عن الأنظار، و يتجنبون الظهور العلني، لأنهم محافظون بطبعهم.
تابع محدثنا ذكر تفاصيل الاحتفال، الذي يشمل ، حسبه، وليمة دسمة طبقها الرئيسي هو الكسكسي، الذي يعد و يوزع على كل من يقصد الدار، قبل أن يجتمع الحضور حول صينية قهوة يزينها طبق حلو هو الزلابية عادة، وذلك للتفاؤل بشهر حلو و عامر بالخير، فالعادة تقتضي « أن نقدم الخير لنلقى الخير»، بعد ذلك يستمتع الجميع بالأناشيد و الابتهالات و المدائح الدينية، التي تؤديها فرقة الوصفان بقيادته، على وقع الطبول و الآلات الموسيقية التقليدية الأخرى، على غرار القنبري، القرقابو، الدربوكة، و الكركطو، وهو آلة يتم الدق عليها باستعمال أعواد خشبية.
وحسب بعض أبناء المدينة الذين التقينا بهم في دكاكين السويقة على بعد خطوات قليلة من دار بحري، فإن الاحتفال بالشعبانية تراجع نوعا ما في السنوات الأخيرة، لأسباب بعضها ديني و بعضها مادي، كما أخبرتنا السيدة نصيرة، مشيرة إلى أن القسنطينيين كانوا أكثر تمسكا بهذه العادة في السنوات الماضية، فالفتيات المتزوجات، كن يقضين يومين إلى ثلاثة أيام ، من ثاني أسبوع من شعبان في بيوت أهلهن، وكانت تلك عادة قارة إذ يقال « فلانة راحت تشعبن في بين أهلها»، كما أن النساء كن يعمدن إلى تنظيف المنازل و يلتزمن بتوزيع الولائم على المحتاجين طيلة أسبوع كامل، وفي الثلاثة أيام الأخيرة من شهر شعبان، يقصدن الحمامات التقليدية ليغتسلن استعدادا لرمضان.
أما السيد العربي بن جامع، فقال لنا بأن أصل الاحتفال بالعادة له وجهان الأول اجتماعي ، يهدف إلى التكافل والتراحم ،و الثاني يرتبط ببعض المعتقدات، إذ يظن فريق من الناس، حسبه، بأن شجرة الحياة التي سجلت على أوراقها أسماء الأحياء و تسقط منها أوراق من سيموتون، ترفع في ليلة النصف من شعبان، كما يذهب فريق آخر للقول بأن نصف شعبان هو أول السنة أو ختامها.
هدى طابي
تحتفي باقتراب شهر رمضان
- التفاصيل
-
الذكاء الاصطناعي..هل سيخدم البشرية؟
في ربيع عام 2023 وبعد أشهر قليلة من صدور روبوت الدردشة "شات جي بي تي"، نشر الرئيس التنفيذي لمنصة "إكس"، إيلون ماسك،...
هل سقط المجتمع الدولي في اختبار غزة؟
انتقد الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة في نيويورك،عمار بن جامع، في شهر فبراير، فشل مجلس الأمن في المصادقة على...
التنمية البشرية هل هي بيع للوهم؟
"أيقظ العملاق الذي بداخلك"، "كيف تصبح مليونيرا بثلاث خطوات؟"، "أطلق قواك الخفية".. لا شك أن العديد منكم سمع عبارات من...
كيف تحوّلت الجامعة إلى محرك للمقاولاتية؟
اتخذت الجزائر في السنوات الأخيرة إجراءات لإدماج المقاولين الشباب وحاملي الأفكار، في النسيج الاقتصادي النظامي ضمن...
الزراعة الذكية في الجزائر: كيف تحولت إلى خيار استراتيجي؟
تخوض الجزائر خلال السنوات الأخيرة تجارب نموذجية في مجال الزراعة الذكية مناخيا، فقد قدّم باحثون ومبتكرون وشركات متخصصة، حلولا مبتكرة...
زيارة الطبيب النفسي: هل ما تزال من الطابوهات؟
تقول منظمة الصحة العالمية إن شخصا واحدا من بين كل ثمانية أشخاص في العالم، يتعايش مع اعتلال من اعتلالات الصحة النفسية،...
هل يصنع العمل التطوعي فرص التوظيف؟
يُصنَّف العمل التطوعي كقطاع ثالث فاعل بعد القطاعين الحكومي والخاص، بالنظر لدوره الهام في تعزيز التنمية الاقتصادية، حيث أن...
كيف يُحقٍّقُ الوطن العربي أمنه الغذائي؟
حذّر تقرير أممي صدر شهر مارس، بأن مستويات الجوع وسوء التغذية قد وصلت إلى أرقام حرجة في المنطقة العربية، لاسيما بعد أن...
كيف يُنقذ جيل الأوزون قطاع الزراعة؟
أدى التغير المناخي وما يشهده من ظواهر طبيعية متطرفة أبرزها الجفاف، إلى زيادة مستويات الإجهاد المائي، في مقابل ذلك، زاد...
كيف نحمي أنفسنا من أمراض القلب؟
بحوالي 18 مليون شخص يموت كل عام، تُصنِّف منظمة الصحة العالمية، الأمراض القلبية الوعائية بأنها السبب الرئيسي للوفاة في...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)