التفـكك الأسـري سبب تفشي عمـالة الأطفال

* التسوّل من أكثر أشكال  استغلال البراءة
حمل مختصون في ندوة النصر،  على هامش ملتقى دولي حول عمالة الأطفال بين الواقع والمأمول احتضنته مؤخرا كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 02، مسؤولية تفشي ظاهرة عمالة الأطفال للأسر، و حذروا من مخاطر الظاهرة على  الطفل والأسرة، مشيرين إلى أن الطفل العامل فريسة سهلة و يمكن أن يتعرض للاعتداء الجنسي.
إعداد: نورالدين عراب
و أكد المختصون  بأن هناك ارتباط بين جنوح الأحداث وعمالة الأطفال، كما ذكر نفسانيون بأن الطفل العامل يعاني من نوع من العدوانية و اضطراب في السلوك، و اقترحوا العناية بالأسرة المعوزة التي تدفع بأطفالها للعمل من أجل مساعدتها على توفير حاجياتها.
أستاذ القانون ميلود سرير
الآليات القانونية بحاجة إلى تفعيل
أكد الأستاذ ميلود سرير بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة02 ، و رئيس الملتقى الدولي حول « عمالة الأطفال بين الواقع والمأمول» ، بأن عمالة الأطفال لا يمكن حصرها في بعض الأعمال الشاقة التي يقوم بها الأطفال، مضيفا بأن الظاهرة أكبر و أخطر و أدق من ذلك، خصوصا مع البنية الضعيفة للطفل و اهتماماته، مشيرا إلى أن الأصل في الطفل أن يهتم باللعب و المرح و يتمتع بطفولته، و لا يستدرج إلى أعمال ليست من مهامه، و تجعل  منه رجلا قبل أن يبلغ سن الرجولة و هنا مكمن الخطر، على حد تعبيره.
و ذكر الأستاذ سرير بأن من أهداف الملتقى الدولي حول عمالة الأطفال الذي احتضنته جامعة البليدة02 ، هي الوقوف على أهم الأسباب والدوافع الكامنة وراء استفحال هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري و الدولي بشكل عام، والوقوف على أهم مظاهر و صور عمالة الأطفال.
ومن أهداف الملتقى، حسب نفس المتحدث، الوقوف على الآليات التي وضعها  المشرع الدولي و الوطني والتشريعات السماوية وخاصة الشريعة الإسلامية، ثم الوقوف على أهم التجارب في محاربة الظاهرة، على المستوى الوطني أو الدولي، سواء من طرف مؤسسات رسمية أو مؤسسات المجتمع المدني، من أجل أن تبلور طرحا يكون في مستوى معالجة الظاهرة .
عن أسباب استفحال الظاهرة يقول نفس المتحدث، بأن الفقر والحاجة، و ضعف العائل الذي يتكفل بالعائلة، إلى جانب المشاكل الأسرية المختلفة كالطلاق و الخلافات العائلية، مضيفا بأن كل هذه العوامل أدت إلى استفحال و تمدد الظاهرة، وذلك ليس على المستوى الوطني فقط، بل على مستوى كل الدول دون استثناء، بما فيها المتطورة.
وعن آليات محاربة الظاهرة ، يتحدث الأستاذ ميلود سرير عن الآلية القانونية، مشيرا إلى أن المشرع الجزائري جرم عدة صور لعمالة الأطفال، كالتسول بالأطفال، و جرم المتاجرة بأعضاء الأطفال، و استغلال الأطفال للمتاجرة بالممنوعات والمحظورات، إلى جانب تجريم استعمال الطفولة في سلوكات مشبوهة أخلاقيا كالدعارة و ترويج الأفلام الإباحية ، مؤكدا بأن الجزائر حققت طفرة  نوعية في مجال حماية حقوق الطفل، بعد صدور القانون رقم 15/12 المتضمن حماية الطفل.
و في السياق ذاته يذكر الأستاذ سرير، بأن الآليات القانونية بحاجة إلى تفعيل، مضيفا بأن مصدر المشكل في جميع المجالات، هو أن القانون يبقى قاصرا يحتاج إلى آليات أخرى تساعده، وعلى رأس هذه الآليات، الآلية القضائية، والآلية الاجتماعية من خلال برامج الحماية الاجتماعية، برامج ثقافية، دينية، توعوية، التربية و التعليم، و قال بأن كل هذه الآليات تساعد المشرع في تفعيل قوانينه و تكون لها مصداقية أكثر في الواقع .
و في سؤال حول أكثر مجالات عمالة الأطفال، ذكر المتحدث بأنها  تتمثل في استغلال الأطفال في التسول، استغلالهم في الأعمال الشاقة التي لا تليق ببنيتهم الجسدية، كبعض المهن الصعبة، إلى جانب المهن الخفية، منها استغلال الأطفال في النزاعات، وحمل السلاح، وفي السياق ذاته أوضح سرير بأن هناك ارتباط بين عمالة الأطفال والانحراف، فقد تكون عمالة الأطفال سببا في انحرافهم ، و العكس صحيح. مشددا بأن عمالة الأطفال سبب رئيس في انحراف الأطفال و استغلالهم من طرف بعض العصابات في ترويج المخدرات و بعض الممنوعات.

أستاذة علم النفس حورية لحامة
أغلب الأطفال العاملين يعانون  من العدوانية  
أكدت أستاذة علم النفس بجامعة البليدة02  حورية لحامة، بأن هناك مجموعة من السمات الشخصية التي تبرز عند الطفل العامل، منها العدوانية و اضطرابات السلوك، وتقول بأن أغلب الأطفال العاملين يعانون نوعا من العدوانية نتيجة الإحباط  النفسي و ظروفهم الأسرية، كما أن النظرة العدوانية ، حسبها،  تزداد عند التوجه إلى سوق العمل الذي يحتوي على مظاهر العنف، سواء من صاحب العمل أو الزبائن، و بمرور الوقت يتحول العنف إلى لغة الحياة بالنسبة للطفل.
 كما ذكرت المتحدثة بأن من صفات الطفل العامل فقدان الشعور بالأمن، فأغلب الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية حرموا من الشعور بالأمن في طفولتهم، ومن سمات هذا الطفل أيضا فقدان الشعور بالقيمة أو الكرامة، فهو ، حسبها ، بحاجة ماسة للتقدير من طرف الآخرين أو المحيطين به، حتى يستطيع أن يقدر ذاته، و إذا لم يعبر عن ذاته بالقنوات المعروفة كاللعب، يلجأ للدفاع عن نفسه و إثبات ذاته بطرق أخرى تكون سلبية  كالسلوك غير السوي و العنف مثلا.
و تابعت الأستاذة لحامة بأن من بين سمات شخصية الطفل العامل الشعور بالحزن، حيث أن العمليات السيكولوجية والعاطفية تتحرك لديه كنتيجة لحالة ضياع طموحاته وأحلامه وضياع خربشات كان يخربشها بين الحين والآخر، و عندما  تضيع سيحزن أكثر، إلى جانب تبلد الإحساس وانعدام العاطفة لدى هؤلاء الأطفال، حيث يحرمون  من حقه في الاستمتاع بفترات طفولته، وتكون حياته جافة ويعاني من انعدام الثقة بالنفس،  و تنمو مشاعر النقص عنده بمقارنة نفسه بالآخرين في مكانهم المناسب، كالمدرسة مثلا.
ومن أسباب عدم الثقة بالآخرين أيضا بالنسبة للطفل العامل، كما قالت أستاذة علم النفس تعرضه للاعتداءات أثناء العمل، وهذا ما يعزز  لديه ضعف الثقة بالآخرين، و كذا ضعف علاقاتهم الاجتماعية مع مرور الوقت.
ومن الآثار النفسية لعمالة الأطفال أيضا ضعف الاستقرار الأسري ودرجة الانتماء للأسرة، إلى جانب المشاكل الانفعالية و السلوكية الحادة.
و المشكل ، حسب الأستاذة ، هو عدم تحديد النسبة الحقيقية لهؤلاء الأطفال الذين يعانون من مشاكل انفعالية و سلوكية حادة، كما أنهم لا يطلبون المساعدة النفسية و يهربون من هذه المشاكل ، بدلا مواجهتها.
وفي السياق ذاته ذكرت بأن عمالة الأطفال تؤثر على العمليات العقلية كالإدراك، الانتباه، الذاكرة، و بالتالي فإن تطورهم العلمي ينخفض بانخفاض قدرتهم على القراءة والكتابة و الحساب، إلى جانب تأثير الظاهرة على قدراتهم الإبداعية و توازنهم الفكري ، و تؤكد الأستاذة لحامة بأن الطفل العامل بحاجة لرعاية نفسية لخفض هذه الآثار.

الأخصائي في علم النفس العيادي فارس بن قسوم
الطفل العامل فريسة سهلة للاعتداء الجنسي  
يرى الأخصائي في علم النفس العيادي والأستاذ بجامعة البليدة02فارس بن قسوم، بأن الطفل العامل يتحول إلى فريسة للاعتداء الجنسي و الانحراف، مشيرا إلى أنه وقف على حالات بولاية بومرداس لأطفال يعملون بإيعاز من أوليائهم، و تعرضوا لاعتداءات جنسية في مكان العمل، مضيفا بأن الطفل هش البنية ، لهذا يمكن «اصطياده» في أي لحظة.  قال المتحدث بأن العنف بجميع أنواعه داخل الأسرة كالضرب والإهمال و الظروف العائلية و العلاقات الأسرية هي التي تدفع الطفل للخروج من ذلك الضغط إلى الشارع، وبذلك يمكن للطفل أن يفقد مرحلتين من عمره، هما مرحلة الطفولة و مرحلة الرشد. و أضاف بأن العنف الأسري و جنوح الأحداث نتيجتان لعمالة الأطفال، مؤكدا بأن الأسر تدفع بطريقة تعاملها مع الأطفال إلى العمالة،  كما أن بعض الظروف الضاغطة هي الأخرى تدفع الطفل نحو العمل.
و في السياق ذاته، ذكر الأستاذ بن قسوم بأن الأب الجزائري تخلى عن وظيفته الأسرية و تركها للأم، فأصبح الطفل يقوم بتلك الوظيفة لإعانة الوالدين، خاصة اللذين لا يعملان، و أصبح بذلك يتحمل مسؤولية عائلة بأكملها.  و أضاف النفساني بأنه يمكن النظر إلى عمالة الأطفال من الناحية الإيجابية، خاصة تنمية الذكاء، وتكوين شخصيته، لكن النتائج السلبية المترتبة عنها أكبر و أخطر مما هو إيجابي.
وذكر بأنه أجرى دراسة ميدانية تخص عائلات تعيش علاقات متوترة، أو إهمال للأطفال من طرف أحد الوالدين، أو انعدام الحوار الأسري، و استخلص من خلال هذه الدراسة أن الطفل يجد نفسه وحيدا داخل الأسرة. ودعا الأخصائي في علم النفس العيادي إلى ضرورة إيجاد الحلول لظاهرة عمالة الأطفال، و تتطلب النظر في مشاكل الأسرة، إلى جانب تفعيل القوانين وقيام الأخصائيين في علم الاجتماع بدورهم نحو الأسرة، مؤكدا بأن الطفل الذي يعمل يجب أن ننظر إلى أسرته وحالها و أوضاعها.  وأوضح الأستاذ بن قسوم بأن العمل بالنسبة للطفل في بعض الحالات، هو جزء من التفريغ، لكنه يقع في إشكاليات أخرى عويصة، منها تعرضه للعنف، الاعتداء الجنسي، الانحراف و الجاهزية للاستغلال من طرف تجار المخدرات والممنوعات، وبذلك يصبح الطفل العامل، حسبه، فريسة للانحراف و الاعتداءات الوحشية. ودعا في السياق ذاته ، إلى إدراج ضمن المواد التعليمية، نصوصا توضح للطفل مخاطر العمل في سن مبكرة، كما أن وسائل الإعلام هي الأخرى عليها أن تلعب دورها في إيصال بعض الرسائل للعائلات وتوعيتها بمخاطر عمالة أبنائهم،  وتأثيرات ذلك على المستوى المعرفي والسلوكي والنفسي لدى الطفل، حيث أن بروز العنف لديه سببه أنه لا يستطيع التفريغ ولا يستطيع استثمار وقته  في ما وجد له.  و أضاف المتحدث بأن استفحال ظاهرة عمالة الأطفال مرتبط بفشل منظومة اجتماعية، مستغربا كيف أن الطفل يعمل والشخص الراشد لا يعمل، و شدد على أهمية دور الجمعيات في محاربة هذه الظاهرة، لأنها الأقرب، حسبه، للأسر، كما دعا إلى ضرورة إيجاد آليات  لتأهيل الأسر  و معرفة حاجياتها و ظروفها ومساعدتها اجتماعيا، مثل ما تقوم به الدول المتقدمة . 

أستاذة علم الاجتماع رتيبة عياش
يجب إخضاع سوق العمالة غير الشرعية للرقابة
قالت الأستاذة رتيبة عياش المتخصصة في علم الاجتماع، بأنها توصلت من خلال بحوث قامت بها،  إلى أن الأسرة هي المسؤولة عن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال، و هي مطالبة بالتكفل المادي بالطفل. و أكدت المتحدثة بأن هذا التكفل آلية مهمة لمكافحة الظاهرة، واستدلت في ذلك بموقف الشريعة الإسلامية والموقف الفقهي الذي يلزم الأسرة بالإنفاق على الطفل، بسبب ضعفه، ونفس الشيء بالنسبة للمجال القانوني، حيث نص قانون الأسرة قي المادة 75 على إلزامية الإنفاق على الطفل، خاصة الذكر إلى غاية سن البلوغ، لكن المشرع في نهاية النص أسقط الاستغناء عن الإنفاق بالكسب، حتى و لو لم يبلغ سن الرشد.  لكن الإنفاق يجب أن يستمر، حسب المتحدثة، إلى غاية توفر القدرات الجسدية و العقلية، وهذا ما يتناقض، حسبها، مع ما نراه حاليا في المجتمع، حيث أن الطفل يتوجه للعمل دون أن تكون له القدرة على ذلك.  كما ركزت الأستاذة عياش على التكفل المعنوي بالطفل من جانب الوالدين، موضحة بأن أهم شيء في التربية هو الحضانة التي تؤكد على مصلحة الطفل المحضون، و ليست من مصلحة المحضون أن يكلف من طرف الوالدين بعمل لا يطيقه ماديا وجسديا أو معنويا، وأشارت إلى القانون رقم 15/12 المتعلق بحماية حقوق الطفل الذي ينص على رعايته المادية والمعنوية، وشدد هذا القانون على عدم تكليف الطفل بعمل لا يستطيعه أو يؤثر عليه جسديا أو معنويا و يعرضه للخطر، و منها الاستغلال الاقتصادي للطفل. و أضافت بأنها توصلت من خلال بحوثها إلى مجموعة من النتائج، منها أن الأسرة هي السبب الرئيس في انتشار الظاهرة ، و الوقاية منها يتطلب تكفل مادي ومعنوي من طرف الأسرة، و تفعيل هاتين الآليتين  يتم، حسبها، من خلال حملات إعلامية و تحسيسية عن طريق وسائل الإعلام و الجمعيات و الهيئات المختلفة.  كما دعت المتحدثة إلى استحداث رقابة على سوق العمالة غير الشرعية «السوداء» من أجل الوصول إلى المسؤول الرئيس عن هذه الظاهرة ، كما اقترحت استحداث صندوق للنفقة لمساعدة العائلات المحتاجة التي تدفع بأبنائها للعمل.                                                      
ن ع

الرجوع إلى الأعلى