الجزائريــون يقصــدون تونـس لتصحيــح النظـر لجهلهـم بتوفــر التقنيـة ببلادنــا

يرى أخصائيون في طب العيون أن معظم الجزائريين يجهلون وجود كفاءات طبية و معدات حديثة، تسمح لهم بإجراء جراحة تصحيح النظر ببلادهم دون اللجوء إلى تونس، كما أكدوا ارتفاع الطلب على هذا النوع من الجراحة خاصة من طرف الراغبين في الانتساب للأسلاك الأمنية و الفتيات المُقبلات على الزواج، و أضاف الأطباء الذين التقتهم النصر على هامش يوم دراسي نظم أمس الأول بقسنطينة، أن قرابة 20 بالمئة من الحالات يُرفض إخضاعها لهذه العملية، محذرين من الأعراض الجانبية المحتملة بعد إجرائها و التي يمكن أن تصل إلى حدّ الإصابة بالعمى.
أعدت الندوة: ياسمين بوالجدري
يلجأ عدد كبير من الجزائريين إلى العيادات المتخصصة في طب العيون بالجارة تونس، و قد ساعد قرب هذا البلد و سهولة دخوله، إلى زيادة الإقبال على الأطباء المتخصصين هناك، إذ يكفي الحجز المسبق عبر الهاتف أو حتى الذهاب دون موعد، للاستفادة من معاينة طبية هناك و إجراء جراحة في العين، قيل للمريض إنها غير متاحة بالجزائر التي تشهد نقصا في الأطباء المتخصصين في طب العيون، فالمستشفى الجامعي بقسنطينة مثلا، و رغم كونه الأكبر بالشرق الجزائري، يعرف عجزا في الطاقم البشري بمصحلة طب العيون، ما دفع بالإدارة إلى عدم إجراء المناوبات الليلية، فيما لم يستطع بعض المرضى إجراء عملية سحب الماء الأبيض «كاتاراكت»، بعدما تأجلت مواعيدهم، رغم أنها تُعد من بين العمليات الجراحية البسيطة، أما التدخلات المعقدة الأخرى فهي غير متاحة في القطاع العمومي و قليلة نسبيا في القطاع الخاص، ما جعل المرضى يدخلون في رحلة بحث بين ولايات الوطن و كثيرا ما يقررون التوجه إلى تونس.و لا تقتصر حاجيات الجزائريين على العمليات المستعجلة و التي لها علاقة بالأمراض التي تصيب العين، فوسط تحسن المستوى المعيشي للكثير من العائلات الجزائرية، و الكم الهائل من المعلومات التي توفرها الفضائيات و شبكة الأنترنت حول جراحة تصحيح النظر و سهولة إجرائها، أصبح الكثير منهم يبحثون عن أطباء مختصين يجرون لهم هذه الجراحة التي تسمح لهم بالتخلي عن النظارات، خصوصا وسط فئة الشباب الذين يلجأ العديد منهم إلى تونس حتى قبل أن يسألوا عن إمكانية وجود هذه التقنية ببلادهم، و هو ما يرجعه البعض إلى «السمعة الحسنة» التي اكتسبها الأطباء التونسيون، حيث تُجرى جراحة تصحيح النظر هناك بأسعار تتراوح بين 1400 و 1800 دينار تونسي، كما يلاحظ أن صحفات «الفايسبوك» الخاصة بالعيادات التونسية، تعجّ بتعليقات المستخدمين الجزائريين الذين يسألون عن الأسعار و المواعيد و طرق إرسال ملفاتهم الطبية.

الدكتور بن موسى صلاح الدين صاحب عيادة خاصة بقسنطينة
تقنيات الجراحة بالليزر موجودة بالجزائر منذ 20 سنة
أكد الدكتور بن موسى صلاح الدين، أن الجزائر تتوفر على العديد من العيادات المختصة في جراحات تصحيح البصر، و قال إن التقنيات الحديثة المعمول بها في هذا المجال، دخلت بلادنا منذ 20 سنة، مُرجعا استمرار لجوء المرضى الجزائريين إلى أطباء الدول الأخرى، و بالأخص تونس، إلى «الجهل» بوجود الكفاءات و المعدّات.
و ذكر الدكتور بن موسى و هو صاحب عيادة خاصة في جراحة العيون بقسنطينة، أن التقنيات الجديدة في جراحة تصحيح البصر موجودة ببلادنا، حيث توفر حلولا للمريض من خلال استعمال تقنية الليزر و العدسات، لكنها تبقى جراحة تجميل لا يجريها جميع الأشخاص، و يلجأ إليها من يريدون التخلي عن النظارات، مشيرا إلى أن آخر التكنولوجيا في هذا المجال و المتوفرة ببلادنا، تعتمد على استعمال الليزر دون المساس بقرنية العين، ما يسمح بإنهاء العملية في ظرف 40 ثانية فقط و تماثل المريض للشفاء في وقت قصير، حيث يمكنه بفضل هذه العملية، نزع النظارات بصفة نهائية و مدى الحياة.
و ذكر الدكتور بن موسى أن الهدف من الأيام الدراسية الأولى حول جراحة تصحيح النظر بالشرق الجزائري و التي حضرها مختصون من الجزائر و تونس و المغرب، هو مقارنة تجربة بلادنا مع ما هو موجود في المغرب و تونس، و كذلك تبادل الخبرات في مجال التقنيات الخاصة المستخدمة في هذا النوع من الجراحة، و التي قال إنها دخلت الجزائر منذ 20 سنة تقريبا، كما أكد وجود 20 مركزا في هذا الاختصاص، دون احتساب الأطباء الأخصائيين الذين سوف يتخرجون في المستقبل.
و في تعليقه على سبب لجوء العديد من الجزائريين إلى أطباء العيون بالدول الأخرى، و خصوصا تونس التي تشهد عياداتها الخاصة إقبالا كبيرا، أوضح الدكتور بأن المريض الجزائري يجهل أن بلاده تتوفر على آخر تقنيات التكنولوجيا في هذا المجال و نفس الموجودة خارج الوطن، حتى أن الأسعار المعمول بها ببلادنا “معقولة”، و هو وضع يقول الدكتور إنه دفع إلى تنظيم يوم دراسي لإعلام الناس أن هذه التقنيات متوفرة، و لا حاجة له بالتنقل إلى خارج الوطن للاستفادة منها.
الأخصائي أكد تسجيل ارتفاع في درجة إقبال الجزائريين على جراحة تصحيح النظر، خصوصا من طرف الراغبين في الالتحاق بأسلاك الأمن و الجيش و الطيران، من أجل الحصول على درجة رؤية تعادل 10/ 10، بالإضافة للفتيات المقبلات على الزواج و اللواتي تقررن التخلص من النظارة لأسباب جمالية، و أرجع الدكتور هذه الزيادة في الإقبال، مقارنة بالأعوام الماضية، إلى ارتفاع مستوى التعليم و استعمال الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تتيح الحصول على معلومات كثيرة، مضيفا أن صفحة عيادته على موقع “فايسبوك» مثلا، تتلقى يوميا استفسارات و طلبات للحجز.
و أضاف الدكتور بن موسى المختص في جراحة الماء الأبيض و الشبكية و الليزر، أن أول شرط يسمح بإجراء جراحة تصحيح النظر، هو أن يكون عمر الشخص 20 سنة فما فوق، كما يجب أن يكون في صحة جيدة و ينعم بقرنية سليمة و لا يعاني من أمراض القلب، مشيرا في هذا الشأن إلى أن عيادته ترفض قرابة 20 بالمئة من الأشخاص الراغبين في إجراء العملية، لأنهم لا يستوفون هذه الشروط و يمكن يؤثر هذا النوع من الجراحة على سلامة نظرهم في المستقبل.

الدكتور غريسة باسم أخصائي جراحة العيون بتونس
الجزائــر و تونـس تمتلكـان نـفس الـمؤهــلات في الأطبــاء و الأجهــزة
يرى الدكتور غريسة باسم أخصائي جراحة العيون بتونس، أن الجزائر و بلاده تمتلكان المؤهلات ذاتها في مجال جراحة تصحيح النظر، سواء من حيث الكفاءات الطبية أو من ناحية المعدات، لكنه قال إن الفرق يكمن في مدى قرب هذه الأجهزة من المواطن، و هو ما جعل تونس تلقى إقبالا كبيرا من طرف الجزائريين، خاصة أن بلادهم شاسعة و تضم كثافة سكانية كبيرة.و أوضح الدكتور غريسة للنصر، أن جراحة البصر متطورة في كل من تونس و الجزائر و المغرب، كما أن أطباء هذه البلدان يمتلكون المستوى و درجة الكفاءة نفسيهما، غير أن الإشكالية الموجودة تكمن، برأيه، في أن المعدات الخاصة المستعملة لا تكون على مقربة من المواطنين ببعض الدول، على اعتبار أن “تقريب الآلات للمواطن هي أساس الخدمة»، عكس ما هو موجود في تونس، لكونها، مثلما أضاف، بلد صغير مقارنة بالجزائر، و نصف سكانها يقطنون في العاصمة و مدن الشريط الساحلي، لذلك فإن حوالي 6 آلاف جهاز متوفر في خدمتهم، و بعضهم قريب منها بأقل من 10 كيلومترات.و يؤكد الأخصائي أن كل هذه المعطيات جعلت إقبال الجزائريين على تونس «أمرا بديهيا»، لأن المرضى لا يجدون بهذا البلد صعوبة في الوصول إلى العيادات المجهزة، أما بالنسبة للأسعار، فقد أكد الدكتور غريسة أنها نفسها تقريبا في الجزائر و تونس، كما أنها تبقى «أقل بكثير» مما هو معتمد في أوروبا و بلدان شمال البحر الأبيض المتوسط، مضيفا أن الآلة التي يشتريها الطبيب المختص في فرنسا هي ذاتها التي يقتنيها الطبيب الجزائري و بالسعر نفسه تقريبا.
و يضيف المختص أن الإشكال الأكبر يكمن في أن جراحة تصحيح النظر في المغرب العربي خاصة لا تتماشى مع نفس المواصفات الموجودة في أوروبا، على اعتبار أن لسكان بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط، قرنية رفيعة بموجب طبيعتهم الفيزيولوجية، ما يجبر أخصائيي جراحة العيون بهذه المنطقة و أكثر من غيرهم، على الاهتمام بالتقنيات التي تشخص حالة القرنية.الدكتور غريسة أشار إلى أن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل شبكة الأنترنت و «الفايسبوك»، و هو ما مكّن المواطن البسيط من الإلمام بكل خصوصيات جراحة النظر، لكنه ما يزال يحمل فكرة خاطئة حول متطلبات هذه الجراحة و نتائجها، فهي مقننة و يجب ألاّ تتم قبل فحص القرنية و التأكد من أن حالتها تسمح بإجراء العملية أو لا و من الحصول على أحسن نتيجة، حيث يجب، مثلما يشرح المختص، توخي الحذر من أجل عدم تعرّض العين للجفاف أو أعراض أخرى، معلقا في هذا الخصوص “ليس كل من يريد إجراء عملية نجريها له».

الدكتورة لزرق سهام أخصائية بالبليدة
الــمريـض الجزائـــري صــار أكــثر تطلّـــبا لكـنـه يجهــل مخـاطــر الجراحــة
ذكرت الدكتورة لزرق سهام الأخصائية في جراحة العيون بولاية البليدة و الأستاذة السابقة بمستشفى مصطفى باشا، أن الانفتاح التكنولوجي الذي أتاح المعلومات للجميع، جعل الجزائري أكثر تطلبّا في مجال جراحة تصحيح النظر، رغم أن العديد من الأشخاص يجهلون مخاطرها المحتملة التي قد تصل إلى حد فقدان البصر، في حال كان وضعهم الصحي لا يسمح بإجراء هذا النوع من العمليات.و أوضحت الدكتورة لزرق أن جراحة تصحيح النظر تعد «جراحة كمالية»، غير أن الجزائريين، و باعتبارهم جزءا من المجتمع العالمي، أصبحوا يقبلون عليها بكثرة و صاروا أكثر تطلبا من قبل، في وقت يجهل العديد منهم أن لهذه الجراحة أخطارها، و من أبرز هذه المخاطر، تتابع الدكتورة، جفاف العين الناجم عن عدم خروج الدموع بسبب قطع أعصاب العين و بالتالي فقدان الإحساس بها لمدة 6 أشهر التي تلي إجراء العملية، مطمئنة بأن الأمر لن يكون خطيرا جدا اذا أعطيت للمريض دموع اصطناعية و تمت متابعته بشكل جيد، و إلا قد تحدث مضاعفات أصعب يمكن أن تعرض المريض إلى فقدان البصر فيما بعد، و هو أمر تقول الدكتورة إنه موجود في كل بلدان العالم، على اعتبار أن «لكل عملية جراحية آثار جانبية».
و شدّدت المختصة في حديثها للنصر، على ضرورة إعلام المريض بالأعراض الجانبية التي قد يتعرض لها، لأنه لا يسمع غالبا بوجود المخاطر و ما يهمه هو نزع النظارات فقط، مضيفة أنها وقفت على حالات لأشخاص لم يعيروا اهتماما لتحذيرات طبيبهم المختص، و أصروا على إجراء العملية، فظهرت عليهم أعراض جانبية عقب إيجاد طبيب مختص قبِل «المغامرة» بعد أن أعلمهم بالآثار الجانبية، و في هذا الخصوص تنصح الدكتورة الأشخاص الذين يثبت أن وضعهم لا يسمح بإجراء جراحة تصحيح النظر، بعدم المخاطرة و الاكتفاء باستخدام العدسات.
و في مداخلة ألقتها خلال اليوم الدراسي المنظم أول أمس، أوضحت الدكتورة لزرق التي تعد من الأطباء القلائل المختصين في جراحة القرنية بالجزائر، أن إحصائيات أخيرة بيّنت أن 50 بالمئة من الأمركيين تعرضوا للجفاف بعد أسبوع من إجراء جراحة تصحيح النظر، و هو ما جعل النظام الصحي بهذا البلد يفرض على المرضى الإمضاء على وثيقة يقرّون من خلالها بأنهم على علم بالمخاطر المحتملة، حيث دعت المختصين إلى وجوب إعلام المريض بما قد يتعرض له بعد الجراحة و الحرص على متابعة حالته.    
ي/ ب

 

الرجوع إلى الأعلى